فتفت لـ «الرأي العام»: كتبتُ بخط يدي «شيئا ما» عن تهديدات تلقيتُها وتركته في مكان ما للضرورة

 بيروت - من سعد كيوان: كشف وزير الداخلية اللبنانية بالوكالة أحمد فتفت انه كتب بخط يده «شيئاً ما» يتعلّق بالتهديدات التي تلقاها ووضعه «في مكان ما للضرورة»، لافتاً الى انه يأخذ على محمل الجدّ هذه التهديدات التي أكد انها موجّهة ايضاً الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.

واعلن في حديث الى «الرأي العام» ان الاعتداءات التي استهدفت بعض مقار قوى الامن الداخلي هدفها تخريب جو التهدئة في المناخ السياسي الداخلي، ولافتاً الى «ان وراء الاعتداء الذي استهدف الوسط التجاري لبيروت رسالة سياسية كبيرة لان المكان الذي استُهدف يقع على بُعد امتار من مقر الامم المتحدة والسرايا الحكومية ومقر مجلس النواب وشارع المصارف»، مشيراً الى «ان الهدف خلق بلبلة في فترة الأعياد الممتدة لأكثر من شهرين لغاية رأس السنة الجديدة»، معتبراً «اننا «سنمرّ في فترة صعبة قبل انعقاد «مؤتمر باريس 3» (منتصف يناير 2007) واذا تمكنا من تجاوزها نكون حققنا انجازاً مهماً».

واذ توقّف عند عدم اعلان اي جهة تبنيها لهذه الاعتداءات، قال: «مَن لا يتبنى هو الذي يريد ان يفتعل ازمة امنية من دون ان ينكشف لان لا مصلحة له في ذلك، وعادة مَن يفعل ذلك اجهزة امنية كبيرة، أجهزة دول».

ورغم الحملات التي تشنّ عليه منذ فترة كوزير للداخلية، وكأحد الوجوه البارزة في «تيار المستقبل» الذي يتزعمه النائب سعد الحريري، فانه يؤكد ان «ضميري مرتاح والاستفزاز يزيدني اصراراً»، مضيفا انه «اذا كان البعض يعتقد انه يدفعني هكذا الى الاستقالة فلست من هذا النوع من السياسيين». واستشهد بقول مأثور للفلاحين مفاده «ان الضرب الذي لا يقتل يقوّي».

يدافع فتفت بشراسة عن الحكومة ورئيسها الذي يبدي تخوفه عليه، لافتاً الى ان الجميع يعترفون للرئيس السنيورة بنجاحه وبكونه «اثبت انه رجل دولة من الطراز الأول ورئيس حكومة من الطراز الأول»، وبـ «إدارته الحكيمة للأزمة ابان العدوان الاسرائيلي على الصعيدين الداخلي والدولي».

ويحمل فتفت على المطالبين بإسقاط الحكومة متسائلا «كيف يمكن اطلاق تهم التخوين والتواطؤ ومن ثم المطالبة بحكومة اتحاد وطني مع الفريق الذي يتم تخوينه». وتحدى هؤلاء مطالبا اياهم بكشف ما لديهم من معلومات «كي تتم محاسبة مَن تثبت عليه الخيانة مهما علا شأنه والا تصبح الافتراءات خدمة للعدو الاسرائيلي»، وقال: «مَن يفتري في موضوع الخيانة كمن يكفّر، انه موضوع خطير جداً وليتحمل الجميع مسؤولياتهم. إما ان تثبت الخيانة او انتَ تعمل لمصلحة العدو».

واذ ثمّن مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري «الذي يقف اليوم في الوسط ويعمل على التهدئة»، قال رداً على سؤال حول المطالبة بحكومة وحدة وطنية «ان الحل يبدأ من فوق الى الأسفل»، اي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية محل الرئيس الحالي اميل لحود الممددة ولايته قسراً»، يليه إما حكومة اتحاد وطني وإما حكومة انتخابات نيابية مبكرة.

وسأل: «كيف يمكن التوفيق بين حكومة اتحاد وطني و«الثلث المعطل»؟ ويريدون تعطيل ماذا؟»، اضاف: «لتعطيل المحكمة الدولية والمشاريع الاقتصادية ومؤتمر «باريس 3 » والاصلاحات الاقتصادية، ومن أجل تعطيل عملية النهوض واعادة الاعمار».

وحول عدم قيام الرئيس السنيورة بزيارة سورية رغم الدعوات الثلاث التي وجهت له بحسب ما قال الرئيس السوري بشار الأسد، تساءل فتفت «كيف يمكن ان تتهم الآخر وتطالب باسقاط الحكومة، ثم تريد ان تستقبله». وأضاف: «نحن لا نسمح لانفسنا بالتدخل في الوضع السوري وشؤون النظام فيه، ولكن النظام السوري لا يستوعب اننا بلد مستقل وله الحق في تحديد حدوده واقامة علاقات ديبلوماسية».

وشبّه الكلام الذي أطلقه رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد في حديثه الاخير الى «الرأي العام» عن رئيس الحكومة بكلام الرئيس الأسد عن «عبد مأمور لعبد مأمور» (قصد به الأسد حينها السنيورة).

وفي ما يأتي نص الحديث كاملاً:

هل انت بصدد كتابة «رواية بوليسية» كما نصحك العماد ميشال عون ولماذا هذا الهجوم المستمر عليك؟

- اذا لم يكن لديه ما يتسلى به «ماشي الحال». يبدو انهم لا يعرفونني جيدا، وما دام ضميري مرتاحاً فالاستفزاز يزيدني اصراراً، وكل هذه الاساليب التي تستعمل لن تغيّر شيئا، والبعض يشن علينا حملات تحريض فيها الكثير من الدسّ والكذب. وانا هنا مثل كل الناس في السياسة وجودي موقت في هذا الموقع، لذلك ليست هناك من مشكلة.

تكلمت قبل أيام عن تهديدات وصلتك...

- صحيح، أنا اوضحت ألامور وقلت انني تبلغت تهديدات، وقد كتبت بخط يدي شيئاً ما يتعلق بهذا الأمر ووضعته في مكان ما للضرورة...

المسألة جدية اذن؟

- الأمر بالنسبة اليّ جدي جداً.

مِن قبل مَن هذه التهديدات، داخلية أم سورية؟

- قلتُ ما عندي ولن أضيف الآن أكثر وقلت انها موجّهة لي ولرئيس الحكومة فؤاد السنيورة.

الدكتور سمير جعجع أبدى أيضا في حديث قبل أيام لـ «الرأي العام» خشية على حياة السنيورة...

- لأن الكل مدرك ان موقع الرئيس السنيورة أساسي جداً، والحفاظ على الرئيس السنيورة أساسي. اذ كيف يمكن شن حملة غير مبررة على رئيس حكومة نجح واعترفتَ بنجاحه وكنت تشاركه في القرار خلال فترة الحرب ثم تَشنّ عليه حملة شعواء بهذا الشكل. وعندما تفشل الحملة السياسية منطق بعض الأفكار السياسية وبعض الأنظمة السياسية ان تحاول تحويل الفشل السياسي الى نجاح أمني، لذلك من الطبيعي ان نخاف على الرئيس السنيورة.

هناك مفارقة لافتة منذ فترة هي الحملة المزدوجة عليك شخصيا وعلى القوى الأمنية، التي تعرضت اخيراً أيضا لاعتداءات. فهل هناك ترابط بين الحملتين؟

 لا أريد ان أربط المحاولة التي تعرّض لها المقدم سمير شحادة والاعتداءات على قوى الآمن وعلى الثكن وعلى وسط بيروت بالحملة السياسية كي لا أوجّه اتهامات. مع العلم ان بعض المسؤولين الامنيين في اجتماع مجلس الأمن المركزي قبل أيام حاولوا ربطها واعترضت شخصيا لأنني لا أؤيد توجيه اتهامات مسبقة. ولكن، ما هو مرتبط ببعضه هو التهجمات السياسية التي تحصل على القوى الأمنية والتي يمارسها البعض في شكل غير مسؤول. الهجوم على أحمد فتفت حتى كوزير داخلية أمر وارد ضمن اللعبة السياسية، ولكن الافتراءات على قوى الأمن وتركيبتها ودورها يطاول أمن كل اللبنانيين. لا أحد فوق رأسه خيمة والقوى الأمنية لم توجد هكذا. وعندما غادر الاخوة السوريون لبنان كان هناك هيكل عظمي اسمه قوى أمنية، وبدأت قوى الأمن تعيد بناء نفسها، وقد تمكنا أولا من زيادة العناصر من ثلاثة عشر ألف عنصر الى أربعة وعشرين ألفا، وأمنت أيضا تدريباً مقبولاً بالتعاون مع بعض الدول العربية مثل مصر والاردن. والآن بدأت تصل التجهيزات أيضا من الدول العربية، من السعودية والإمارات. ما يهمني ايصاله كرسالة ان القوى الأمنية تتبع بالنهاية الدولة اللبنانية، لا لوزير الداخلية ولا لأي شخص آخر. وأنا كوزير داخلية موجود هنا بتوجه سياسي، وغداً يكون وزير آخر بتوجه سياسي آخر وهكذا كان في السابق، فلا أحد يمكنه ان يتصرف بمقومات الدولة، لذلك خطأ كبير ما يحصل تجاه القوى الأمنية.

أما في الموضوع السياسي الذي يخصني شخصيا فله تفسيرات. أولا، ربما اعتقد البعض انه مع مجيئي الى الداخلية في هذه الظروف الصعبة سيكون مروري عابرا،ً وانا بعيد جداً عن الموضوع الأمني، فالبعض منزعج من استمرار هذا الوجود. هم منزعجون من الاداء الذي لا اريد ان أقوّمه سلبا ولا ايجابا، فأترك ذلك للآخرين، ولكنهم منزعجون من اداء الداخلية في جانب آخر لا يذكرونه ابدا وهي ان الوزارة لم تمارس في تاريخها اداء ديموقراطيا تجاه مؤسسات المجتمع المدني كما نفعل حاليا. وفي المناسبة وبهذا الخصوص، فقد تعاونت مع النائب غسان مخيبر لوضع القرار 118 الذي تنال على اساسه الجمعيات والاحزاب اليوم تراخيص «متل الشتي»، وهذا طبعا حقها القانوني وليس من حقنا اللجوء الى تقارير أمنية او الى اختراعات كي نعرقل عملها. وربما يشكل تعزيز المجتمع المدني وتقوية اللعبة الديموقراطية ازعاجاً لبعض الاطراف. ولكن الأساس في رأيي ان القسم الأكبر من الهجوم يتمّ على الحكومة عبر وزارة الداخلية. وهم يعتبرون ان الهجوم على الحكومة سهل لعدم وجود وزير بالأصالة واليوم كل الناس صارت تعرف ان رئيس الجمهورية اميل لحود لا يقبل بحل هذا الموضوع اذ ان البعض كان يروّج لوجود مشاكل داخل «تيار المستقبل» او مع الرئيس السنيورة، لكن هناك تفاهماً كاملاً حول الموضوع. الا ان لحود ليس راغباً، وهذا حقه الدستوري والسياسي أيضا. المهم ان يعرف الناس مَن الذي يعرقل هذا الموضوع. اذن، الهجوم جزء كبير منه سياسي ويستهدف الحكومة عبر الهجوم على وزارة الداخلية، وأنا افهم ذلك عندما يكون في اطار اللعبة الداخلية، ولكن عندما تبدأ الهجمات من الخارج ومحاولات الفتن والدس الرخيص مرة باتهام بالعمالة وأخرى بالخيانة من الداخل والخارج، وخصوصا من الخارج، تصل اللعبة الى مستوى فيه نوع من الحقارة السياسية. لذلك لم يعد لها تأثير. واعتقد البعض ان تكثيف الهجوم الاعلامي والضغط سيدفعني الى المغادرة وترك الوزارة، ولكنني لست من هذا النوع من السياسيين. لديّ واجب أقوم به حتى النهاية، وهناك مثَل جميل عند الفلاحين يقول ان «الضرب الذي لا يقتل يقوي».

لماذا برأيك الحملة تزيد وتتصاعد بشكل لافت، هل لذلك علاقة بالمحكمة الدولية او هناك أسباب أخرى؟

- هناك أكثر من سبب، أولا نحن كنا في حكومة ائتلافية خاضت الحرب بشكل موحد وكل قراراتها كانت بالإجماع، ولم تتخذ قرارا واحدا بغير الاجماع والتداول مع كل الفرقاء السياسيين. ونحن فخورون بكل القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال الحرب وانا مصر على اعتبار ان ما حدث هو انتصار، ولكنه انتصار له ثلاث ركائز: صمود المقاومة، وحدة الشعب اللبناني وتضامنه واستقباله النازحين، وصمود الحكومة وانجازاتها السياسية والديبلوماسية في الخارج وخاصة في الأمم المتحدة. وأي ركيزة يتم تغييبها يختل هذا التوازن، لذلك البعض حاول الاعتماد على ركيزة اكثر من أخرى وفرض نوع من اللعبة عبر محاولة إسقاط الحكومة أولا من ثم الكلام على توسيعها ثم على حكومة اتحاد وطني. لا احد ضد حكومة اتحاد وطني ولكنها تفترض جوا من الاتحاد الوطني من القمة الى الأسفل، أي عندما يكون هناك رئيس جمهورية معترف به وبوضعه الدستوري من الجميع. اما وجود لحود الممدَّد له قسراً في موقعه فقد خلق خللاٌ سياسيا كبيرا في البلد.

وثانيا، حكومة الاتحاد الوطني يجب ان تقوم على برنامج اتحاد وطني يتفق عليه مسبقا. اذا كان المطلوب فرض رئيس جمهورية في موقعه وحكومة اتحاد وطني كما هو مطروح ومطالبة بـ «الثلث المعطل» فكل هذا يعني تعطيل البلد او الاستيلاء عليه بالأقلية والغاء كل ما هو اكثرية برلمانية، وحتى كما اعتقد شخصيا اكثرية شعبية. كيف يمكن التوفيق بين حكومة اتحاد وطني و«الثلث المعطل»، لتعطيل ماذا؟ نعم، لتعطيل المحكمة الدولية وتعطيل المشاريع الاقتصادية ومؤتمر «باريس 3 » والاصلاحات الاقتصادية، ومن أجل تعطيل عملية النهوض واعادة الاعمار. عندما يتحدثون عن الثلث المعطّل لتعطيل ماذا وضد مَن؟

يأخذون عليكم انكم كحكومة مارستم نوعا من التواطؤ والخيانة وتحاولون «تشليح» المقاومة انتصارها وتتقاعسون في دفع المساعدات وتأمين الاغاثة...

- أولا، الحكومة اتخذت كل قراراتها بالاجماع يعني ان «حزب الله» كان شريكا في هذه القرارات. ثانيا، اذا كانت الحكومة حكومة خونة كيف نريد حكومة اتحاد وطني معها، وكيف نستمر معها؟ هناك تناقض كبير، وهناك لغتان وممارستان. وفي ما يخص المساعدات، لم يكن هناك تقاعس على الاطلاق، ليس هناك بلد في العالم كانت له هذه الوتيرة في توفير المساعدات، وكل المؤسسات الدولية تشهد على ذلك. ثم مَن قال ان الأموال متوافرة؟ هي متوافرة فقط بـ «الحكي»، وما زالت لغاية الآن غير متوافرة وسيحصل كما حصل مع قضية المهجرين وسنكتشف ان هناك صعوبة كبيرة في تأمين الأموال، خاصة اذا افتعلنا مشاكل مع الاشقاء العرب ومع بقية دول العالم. ما هو المطلوب؟ ان نقف بوجه كل الدول العربية التي تساعدنا وكذلك الدول الاوروبية؟ أين هو التقاعس؟ نختلف على ثمانين او تسعين مليون ليرة لبنانية (لكل بيت متضرر). تشكلت لجنة ودرست الموضوع وتَقرر مبلغ خمسين ألف دولار واذ بالرئيس السنيورة يرفع المبلغ الى خمسة وخمسين...

انها حجج واهية يتم استعمالها لأهداف سياسية، جزء منها يتصل بالمحكمة الدولية، وجزء آخر بمحاولة قلب التوازن السياسي. يقولون ان هناك تغييراً في الرأي العام. فليكن، وهذا يحصل في كل بلدان العالم ولكن العادة انه يترك لمن هو في الحكم ان يمارس السياسة، ثم تنتظر الناس الانتخابات. مع ذلك، يريدون انتخابات مبكرة. لا مانع في ذلك ولكن باي قانون انتخاب؟ بقانون الألفين؟ هـل نحن قادرون على الاتفاق على قانون جديد بسهولة أم نذهـب الى الانتخابات بالقانون نفسه واذا فازوا يصبح قانون الألفـــين جيداً؟ لنبحث عن مشروع وحدة وطنية يقوم على اصلاح الخلل الدستوري الذي حصل في 3 سبتمبر 2004 (تعديل الدستور للتمديد للرئيس اميل لحود)، ولنتفق على رئيس جديد، وانا لا اقول ان تنتخب الأكثرية الرئيس. وبعدها نجلس على الطاولة فإما نتفق على برنامج حكومة اتحاد وطني من ضمنها ركائز قانون الانتخاب، وإما نشكّل حكومة انتخابات ونذهب الى انتخابات (نيابية مبكرة) فوراً.

يبدو ان في هذه اللحظة السياسية ان كل هذه الخيارات ليست واردة، وقبل ايام قال رئيس مجلس النواب نبيه بري ان معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت عمليا، وواضح بالتالي ان هناك ازمة ثقة بين «حزب الله» وفريق الأكثرية. هل تعتقد ان شيئا ما يمكن ان يحصل كلقاء مثلا بين النائب سعد الحريري والسيد حسن نصرالله؟

- اعتقد ان موضوع اللقاءات هو تكريس لواقع اكثر منه تحضيرا له. اللقاءات السياسية عندما تحصل يكون قد تم التحضير لها في الكواليس، وهنا للرئيس بري دور أساسي جدا ومميز قام به خلال الحرب وهو يستمر به، هو دور الوسيط الذي ينقصنا احيانا نظرا لكون النظام اللبناني قائماً على تمركزات طائفية. اليوم هناك رئيس مجلس يلعب هذا الدور وبايجابية، وعلينا ان نعطيه فرصة لإمكان ايجاد حلول. وعندما يقول فُتحت معركة رئاسة الجمهورية، أعتقد انه يرى من أين يجب ان يبدأ الحل، فهذا يعني ان الحل يبدأ من فوق ولكن يكون متكاملا وليس فقط برئيس الجمهورية، بل يمر بمشروع مشترك اما انتخابات واما حكومة وحدة وطنية. اما الكلام عن إسقاط حكومة او حكومة مبكرة او النزول الى الشارع فهو يؤدي الى تعميق الأزمة السياسية في البلد. أما الكلام عن ان الحكومة تنكر الانتصار، فلا أحد ينكر للانتصار، وانا شخصيا خلال الحرب تكلمت عنه ولكن لا احد في امكانه ان يدّعي انه الوحيد الذي ساهم فيه.

لكن لا يبدو ان الأمور تذهب في هذا الاتجاه...

- قبل اسبوع كانت كذلك، اليوم ليست كذلك، وغداً تتغير. هذا البلد هكذا، «ماشي الحال»...

لكن المفارقة ان إجماعاً حصل على المحكمة الدولية على طاولة الحوار كما ان العماد عون من المفترض ان يكون الوحيد الذي لا يخشاها بدليل انه عند وقوع الجريمة كان اول المطالبين بتحقيق دولي...

- ولكننا نسمع من عون ان المحكمة «طبخة بحص». اذن أصبح هناك مشكلة، وهذا الكلام ترافق مع حديث عن اعادة النظر في «اتفاق الطائف» وهذا خطير جدا. فـ «الطائف» وضع حدا للحرب الأهلية، وهل الهدف البحث عن فتنة طائفية جديدة؟ في المقابل، «الطائف» ليس مقدسا وليس كله ايجابيات ويحتاج ايضا الى تصحيح وتكملة. ولكن ننسف هذا الاتفاق وركائز الدستور من أجل ماذا؟ هذا تصعيد تخويفي لم يعد ينفع للحصول على تنازلات في مكان آخر. أما موضوع المحكمة فهو أمر اتفقنا عليه في الحوار الوطني والآن يتم التراجع عنه. اذا لم يكن هناك خوف منها فلتُترك «طبخة البحص» تغلي وتمشي وليس عرقلتها. زائد ان العماد عون كان من اول المطالبين بمحكمة دولية، ولكن هذا الموقف مرتبط بجو سياسي محلي او اقليمي. والجنرال له تحالفاته المحلية والاقليمية، وهذا من حقه، ولكنني أود ان اذكره بما كانت تصريحاته بعد اغتيال الرئيس الحريري حول مَن اغتاله وحول التحقيق الدولي والمحكمة الدولية....

المعلومات ان مسودّة المحكمة الدولية سيتسلّمها وزير العدل في الاسبوع المقبل وتزامنا مع حادثة لها دلالاتها وتحديدا الاعتداء في منطقة «سوليدير»، فهل نحن امام «تمرين» باتجاه عمل ما لعرقلة المحكمة الدولية وهل من معطيات؟

- أعتبر ان الرسائل الأمنية الأخيرة موجهة ضد التهدئة لأن الجو بدأ يميل نحو التهدئة، وحتى خطاب العماد عون كان أهدأ من قبل، اذ لم يعد يتكلم عن اسقاط الحكومة وطرح مسألة انشاء محكمة تحاكم الارتكابات السابقة، ولو ان من صلاحية مجلس القضاء الأعلى البت في هذه الأمور ولكن لا مشكلة في ذلك. وفي مواجهة الجو السائر نحو التهدئة بدأنا نرى عمليات متشابهة استعملت فيها اسلحة قديمة وذات رسائل سياسية وليس لتهديد فعلي. والملاحظ ان ليس هناك تبنياً والبعض اشار الى انه ربما هناك اطراف دينية قصدت استهداف «بودا بار»، وانما هذه الاطراف تتبنى عادة عملياتها كي يكون لعملها مفعول. ومَن لا يتبنى هو من يريد ان يفتعل ازمة امنية من دون ان ينكشف لان لا مصلحة له، وعادة مَن يفعل ذلك اجهزة امنية كبيرة، أجهزة دول. أنا هنا لا أتهم احدا والتحقيق يجب ان يُظهر ذلك، وانما الرسالة سياسية كبيرة من الاعتداء الذي استهدف الوسط التجاري لأن هذا السلاح ممكن لاي كان ان يستعمله والأذى المادي المتأتي منه بسيط. ولكن المكان هو على بعد امتار من مقر الأمم المتحدة وعلى بُعد مئات الامتار من مقر السرايا الحكومية وكذلك مقر مجلس النواب، وعلى مسافة بسيطة من شارع المصارف. الهدف خلق بلبلة في فترة الأعياد الممتدة لأكثر من شهرين لغاية رأس السنة الجديدة. وهي فترة صعبة قبل انعقاد «مؤتمر باريس 3»، وبالتالي سنمر في فترة صعبة واذا تمكنا من تجاوزها نكون حققنا انجازاً مهماً والا... انه خيار سياسي اذن، ومن حقنا كمسؤولين عن الأمن ان نشدد الاجراءات وقد ضاعفنا اعداد قوى الأمن في بيروت الكبرى التي تحتوي على أكثر من نصف سكان البلد وهي مركز الثقل الاقتصادي. حرام اللعب بامن البلد لاسباب سياسية.

هل هناك خيوط ما مع الأحداث الأخرى؟

 - أهمية التحقيق ان يبقى سريا وألا يتم التداول فيه كثيرا كما حصل بالنسبة للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

في كلامك الى احدى الصحف اوحيت وكأن هناك موقفيْن او تيارين داخل «حزب الله» ؟

- يعني نسمع كلاما هادئا يقابله فجأة هجوم من محطة «المنار» (التابعة للحزب)...

وكلام النائب محمد رعد؟

- كلامه بحق الرئيس السنيورة يشبه كلام «عبد مأمور لعبد مأمور»، وقد تعوّدنا على وتيرة كلامه التصعيدي. ولكن نسمع احيانا بالمقابل من احد مسؤولي «حزب الله»، عندي هنا في الوزارة، ما حرفيته ان الحزب لم يلقَ يوما خدمات كالتي يحصل عليها اليوم من وزارة الداخلية، اضافة الى ان موقف وزير الداخلية خلال الحرب كان مشرفا. ومواقفي الاعلامية موثقة ولا سيما عبر الاذاعات الخارجية وليس في الداخل اذ قد يعتبر البعض ان المواقف عبر الاعلام المحلي يمكن ان تكون للاستهلاك، ولكن عبر «سي. ان. ان» و«بي. بي. سي» وغيرها من المحطات الألمانية والفرنسية نكون نعطي موقفاً سياسياً للخارج وهذا المهم. لذلك لا اسمح لأحد بان يعطينا شهادة في الوطنية، لا للحكومة ولا للرئيس السنيورة ولا لي شخصيا، ولا اعتبر ان هناك من هو وطني أكثر منا أو قومي وعروبي أكثر منا. لكن مَن يريد ان يعطي نفسه نجمة «بالزيادة او بالناقص» فهذا شأنه.

اما في ما يخص الرئيس السنيورة فقد أثبت انه رجل دولة من الطراز الأول وصاحب قرار من الطراز الأول، واذا كان هناك تشاور وتعاون مع فريقه السياسي فهذا امر طبيعي وأساسي جدا، وكذلك مع سعد الحريري وتياره السياسي. وهذا يتم في كل دول العالم. ولكن المؤسف هو في الاهانات التي يتمّ توجيهها، وعادة كل شخص يعبّر عن طاقته السياسية والفكرية. ونحن لن نجر الى هذا المستوى من المهاترات، هذه الحكومة خاضت هذه الحرب من موقع وطني جدا وغيّرت كثيرا في الامور الديبلوماسية. ويبقى السؤال الكبير كيف يمكن فهم طرف يقول انها حكومة تتناغم مع العدو الاسرائيلي ويريد ان يقيم حكومة وطنية مع الفريق نفسه في هذه الحكومة؟ انه سؤال كبير! ومَن يتهم الآخر بالخيانة عليه ان يكشف ما لديه من معلومات، ومَن تثبت عليه الخيانة ليحاكَم مهما علا شأنه، والا الافتراءات تصبح خدمة للعدو الاسرائيلي. مَن يفتري في موضوع الخيانة كمن يكفّر، انه موضوع خطير جداً وليتحمل الجميع مسؤولياتهم. إما ان تثبت الخيانة او انتَ تعمل لمصلحة العدو.

لماذا لا يذهب الرئيس السنيورة الى دمشق وقد دعي بحسب الرئيس السوري ثلاث مرات؟

- معلوماتي انه كان هناك اتفاق على جدول أعمال بناء على طلب الرئيس الأسد. وفي اي حال لا شيء يمنع ان يذهب الرئيس السنيورة الى دمشق، وسبق وان زارها، كما ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم زار بيروت لحضور اجتماعات وزراء الخارجية العرب اثناء الحرب. ولكن عندما تتهم الآخر وتريد اسقاطه، ثم تريد ان تستقبله فهذا أمر غريب جدا...

الأسد قال ان السنيورة رئيس حكومة كتلة معينة وليس كل لبنان وكذلك النائب رعد...

 - رعد يحق له ذلك، ولكن الأسد باي صفة؟ نحن لا نسمح لأنفسنا بالتدخل في الوضع السوري الداخلي او في شؤون النظام السوري، لكن النظام السوري لا يستوعب ان لبنان بلد مستقل وله حق بتحديد حدوده وبعلاقات ديبلوماسية ولا أحد يتدخل بشؤونه الداخلية. عندما يطالب رئيس دولة بإسقاط حكومة فهذا تدخُّل في الشؤون الداخلية. والتدخل السوري واضح، وهذه مشكلتنا.

كيف قرأتَ موقف بكركي وبيان المطارنة الموارنة الأخير؟

 بكركي كانت دائما معتبرة من الأطراف كمرجع وطني، وكانت لها قراءة تخصها، رأيتُ من وجهة نظري ان فيها الكثير من الايجابيات. وعندما كنت ارى فيها سلبيات كنت أذهب الى البطريرك الماروني نصر الله صفير لأقول ان هناك سلبيات في هذا الموقف او ذاك. وكان احيانا لا يغير رأيه، هذه وجهة نظره الخاصة وهذا أمر طبيعي، لذلك أعتقد ان بكركي من المرجعيات التي لديها قراءتها وترى الواقع السياسي من خلاله. وفي رأيي ان همّ بكركي هو الخروج من هذا النفق الذي نحن فيه.

قيل الكثير عن مرحلة ما بعد رمضان واعلنت «قوى 14 آذار» تأييدها لمبادرة بري وحرصها على الحوار. هل تعتقد ان الطرف الآخر في جو ملاقاتكم في منتصف الطريق؟

- هبة باردة وهبة سخنة... ولكنني اود أقول ان لا أحد في امكانه ان يعتبر ان الشارع هو ملكه وان في امكانه وحده ان يجيش الشارع. سهل جدا تجييش الشارع وفي كل مرة حاول طرف سياسي اطلاق خطاب تعبوي في شارع معين يُعبأ الشارع المقابل في نفس اللحظة. الشخص نفسه الذي يخطب ليعبىء الشارع لا ينتبه الى انه يدفع الى تعبئة مضادة في الشارع الآخر. لبنان قائم على التفاهم والتوافق ولا تمشي الامور الا بهذا النهج، ومَن يحاول غير ذلك سيفشل.