سمير جعجع لن يكـون رئيس للجمهـورية إلاّ من قـوى 14 آذار

حاوره نقولا ناصيف – الأخبار 19/10/2006

أعلن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في حوار مع «الأخبار» في الأرز إصراره على أن يخرج الرئيس الجديد للجمهورية من قوى 14 آذار، و«أن لا مجال للمساومة في انتخاب رئيس ليس من صفوف 14 آذار»، لأن اختيار «رئيس توافقي، لا من 14 آذار ولا من 8 آذار يعني انتخاب رئيس لا لون له ولا طعم، ويضع رئاسة الجمهورية في الفراغ مجدداً». وإذ أكد أنه غير مرشح لهذا المنصب، عازياً ذلك الى أسباب شخصية وأخرى داخلية، أوضح أنه كما يطالب سوريا باحترام سيادة لبنان واستقلاله ويرفض تدخلها في الشؤون اللبنانية، لا يتدخل هو في الشؤون السورية.

لماذا التسابق بينك وبين العماد ميشال عون على الشارع المسيحي وعلى الشعبية؟

ــ التسابق ليس مقصوداً. قدّاس الشهداء في حريصا نقيمه سنوياً في هذا الوقت بالذات. كل الأحزاب والتجمعات السياسية والقيادات تعمل باستمرار من أجل الحصول على أكبر جزء من الرأي العام، وهذا يدخل في طبيعة العمل السياسي. التنافس طبيعي، ليس حاداً ولا هو في غير موضعه.

 

هل بات قياس الزعامة المسيحية هو الشارع، وإنك والعماد عون تجاوزتما نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، كما لو أن كلاً منكما يقدم اختباراً أمام الرأي العام اللبناني أنه الآن، يمثل حجماً أكبر من الذي أبرزته الانتخابات النيابية؟

ــ في العمل السياسي، القياس الفعلي لقوة أي فريق هو الشعبية. نحن في نظام ديموقراطي يترجم ذلك من خلال الانتخابات ويؤدي الى قوة سياسية. بالنسبة إلينا، لم نبذل جهداً فوق العادة في قدّاس حريصا. كان قداس السنة، بعد 12 عاماً، الأول الذي أحضره، وشارك فيه كل القواتيين أكثر من أي وقت مضى. لكن ما أظهره قداس حريصا هو أننا لم ننكر على أي فريق وجوده الشعبي والسياسي، في حين أن هناك أفرقاء أنكروا وجودنا السياسي والشعبي وكأنهم هم وحدهم يمثلون المسيحيين ولا أحد سواهم موجوداً. وأتى قداس حريصا ليظهر العكس، وهو أن شعبية «القوات اللبنانية» كبيرة جداً. وهذه هي المفاجأة الإيجابية.

 

هل تعتبر أن قداس حريصا أعطى انطباعاً أن «القوات اللبنانية» تمثل أكثر مما أعطتها إياه الانتخابات النيابية وخصوصاً في المتن وكسروان وجبيل؟

ــ أستطيع القول بموضوعية إن «القوات اللبنانية» هي أكثر تنظيم سياسي مظلوم في تمثيله نظراً الى الظروف والسنوات السابقة. وعندما أجريت الانتخابات عام 2005 لم يكن لبنان قد تحرر كلياً، كان لا يزال قدم في الحرية وقدم في الوصاية. ظُلمنا في تمثيلنا في مجلس النواب. وأتى قداس حريصا ليظهر العكس، وهو إبراز حجمنا الشعبي الحقيقي الذي أنكره علينا الآخرون.

 

وجود العماد عون حليفاً لـ«حزب الله» ووجود «القوات اللبنانية» حليفة لقوى 14 آذار أفقدا المسيحيين دور صمام الأمان وأصبحا جزءاً في الصراع السياسي بين الفريقين، والأهم أنه جزء من الصراع السني ــ الشيعي. والخشية هذه المرة أن يصير المسيحيون مجدداً وقود هذا الصراع لأن الخلاف بينك والعماد عون بعث ذكريات مؤلمة تعود إلى حروبكما عام 1989 و1990؟

ـ لا أوافق أبداً على هذا التوصيف للواقع. ليس هناك خلاف بيني وبين العماد عون كالذي كان موجوداً عام 1989، وليس هناك خلاف على المواقع حتى كون العماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، بينما أنا لست مرشحاً. إذاً البعد الشخصي لأي خلاف غائب تماماً. المشكلة سياسية بامتياز بيننا. كما انني ضد وصف المعركة السياسية القائمة حالياً بأنها سنية ـ شيعية، وإن هناك مسيحيين مع السنة ومسيحيين مع الشيعة وهذا خطأ. الصراع القائم في لبنان كبير جداً، وهو بين خطين لهما بعد إقليمي. الخط الأول هو الخط الاستقلالي الذي أتى كرد فعل على النظام السياسي الذي كان قائماًً في لبنان بين عامي 1990 و2005 وهو يعتبر أن لبنان وطن نهائي بالفعل وأن مصلحة شعبه هي القياس الأساسي وليس أي قضية أخرى، لا الأمة العربية ولا الأمة الاسلامية ولا مصلحة الغرب ولا أي آخر. وهذا الخط يمثله فريق 14 آذارالذي تنبع مواقفه من مصلحة الشعب اللبناني وحده. أما الخط الآخر وهو مثلنا خط عريض أيضا ليست له هذه النظرة إلى الوضع ويريد أن يعيد هذا الوضع إلى مرحلة ما قبل انهيار حقبة الوصاية، إلى مرحلة تشكل تواصلاً في الجوهر إن لم يكن في الشكل أيضاً مع المرحلة السابقة. وأصحاب هذا الخط لا يمانعون في أن يكون لسوريا نفوذ في لبنان ولا يرحبون بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وان الحرب مع إسرائيل هي معركة الأمة، وان من الضروري الأخذ في الاعتبار السلاح النووي الإيراني وأن ندخله في حساباتنا وما سوى ذلك من رواسب المرحلة الماضية وأيضا بقاء السلاح في يد «حزب الله» واستمرار عمل الاستخبارات السورية في لبنان وكذلك الأمر بالنسبة إلى السياسة الخارجية. الصراع يتجلى هنا بين 8 آذار و14 آذار.

ولولا 8 آذار لما حصل 14 آذار. أحد جوانب هذا الصراع جعل الشيعة هم لولب حركة 8 آذار، بينما في حركة 14 آذار السنة هم الواجهة بحكم اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن كان هناك دروز ومسيحيون أيضاً. وتكرر ذلك في 14 شباط 2006 وظهر حجم المشاركة المسيحية الضخمة في ذلك اليوم. إذاً الصراع القائم الآن في لبنان هو بين هذين المحورين وليس سنياً ـ شيعياً، بل إن الصراع السني ـ الشيعي في المنطقة هو أحد جوانبه وليس جوهره، وله طبعاً انعكاسات في لبنان، ولكنه ليس هو الصراع الفعلي. وإذا حصل اليوم انتصار لأحد الفريقين، فلن يكون المنتصر السني أو الشيعي، بل النظام الجديد المنبثق من قوى 14 آذار 2005 أو يعود الوضع اللبناني إلى ما كان عليه سابقاً. واستناداً إلى ذلك، أرى أن الموقع الطبيعي لـ«القوات اللبنانية» هو في فريق 14 آذار الذي يطالب اليوم بما قلناه على امتداد 30 عاماً عن سيادة لبنان واستقلاله. وهذا ما نريده نحن وأصبح أفرقاء 14 آذار يجاروننا فيه.

وهذا ليس موقع «القوات اللبنانية» فحسب وإنما المسيحيون أيضاً. وهو موقعهم الطبيعي: سياسة خارجية متوازنة بتناغم مع الشرق والغرب، ترسيم حدود لبنان مع سوريا وجعل العلاقة بينهما واضحة، رفض أي تدخل سوري في الشؤون اللبنانية والانكباب على بناء الدولة اللبنانية انطلاقاً من مصلحة الشعب اللبناني. نحن في موقعنا الطبيعي. بالنسبة الى إيران لا مواقف مسبقة لنا منها، بل خلافات في وجهات النظر. لسنا ضدها لأنها تؤمن بما تؤمن به، أو لأنها فرس وليست عرباً، أو لأنها شيعية وليست سنية، أو لأنها إسلامية وليست مسيحية، بل لأن سياستها في المنطقة وفي لبنان تحديداً لا تتلاءم مع ما نراه نحن لمصلحة لبنان. هي اليوم على عتبة مواجهة مع الغرب بسبب سلاحها النووي وهي تستجمع كل أوراقها في العراق ولبنان وفلسطين كي تكون مرتاحة في هذه المواجهة. وهذا الأمر لا يتلاءم مع سياستنا ومصلحة الشعب اللبناني، لأنها تدعم المجموعات المسلحة في لبنان في إطار هذه المعركة. أما بالنسبة الى الغرب وأوروبا وأميركا خصوصاً لأن نظرة الغرب الى لبنان انطلاقاً من مصلحه التي تتقاطع الآن مع مصالحنا اللبنانية. ونحن نعرف وغير متوهّمين أن السياسات الدولية تحركها المصالح لا الأخلاقيات. وتقاطع مصالح الغرب مع مصالحنا كلبنانيين اليوم هو في تحقيق استقلال لبنان وسيادته ورفع كل التدخلات السورية والإسرائيلية عنه وقيام دولة قوية في لبنان. وهذا ما يقول به الأميركيون والأوروبيون. وعلى هذا الأساس نتعاطى معهم، وليس لأننا مع محور ضد آخر. نتحالف مع أي قوة محلية تلتقي معنا وفق نظرتنا الى لبنان ومصالحه، وكذلك الأمر بالنسبة الى أي قوة دولية. وهذه هي نظرة مجلس الأمن الى لبنان: الديموقراطية، بناء دولة قوية لبنانية، ضبط الحدود اللبنانية ــ السورية، حل المسائل العالقة بين لبنان وإسرائيل.

 

قلت إن الخلاف مع العماد عون سياسي، ولكنكما لم تلتقيا منذ زمن طويل. حتى الخلاف السياسي لا يبرر عدم الاجتماع؟

ــ هناك أسباب جغرافية فعلية.

 

الذي يستطيع الوصول الى قريطم يصل الى الرابية...

ــ المسألة ليست أنني أصل الى قريطم بل إنه لا جدول أعمال علنياً واضحاً يبرر الاجتماع بالعماد عون، في حين أن هذا الأمر متوافر في اجتماعات قريطم. الاتصالات بالعماد عون مستمرة، ولكننا لم نستطع التوصل بعد الى تصوّر مشترك للوضع اللبناني ولسلّم أولويات واحد. الأولويات مختلفة ومتعارضة بيننا.

 

هل هذا هو الخلاف؟

ــ هناك أمر التموضع الاستراتيجي الذي له أولوية لدينا. الآن الخلاف استراتيجي. ربما الوضع يتغير في ما بعد في ضوء تبدل التموضع الاستراتيجي أو إعادة النظر في الأولويات في ضوء تسلسل الأحداث. كنا نعتقد أن العماد عون بعد حرب تموز سيعيد النظر في أولوياته، لكن لم يحصل ذلك.

 

إذاً الخلاف معه على رئاسة الجمهورية يدخل في نطاق هذا التموضع الاستراتيجي؟

ــ موضوع رئاسة الجمهورية بالنسبة إلينا كـ«قوات لبنانية» وبالنسبة إليّ أصبح أخلاقياً أكثر منه سياسياً. رئاسة الجمهورية هي موقع محوري واقع اليوم في شكل كامل ولا يصيب بشظاياه المسيحيين فحسب بل اللبنانيين جميعاً، وكذلك أطلقت صرخة منذ أشهر لمعالجة هذا الأمر وإجراء تغيير رئاسي، ولو وقف العماد عون أو الرئيس بري لكنا أوجدنا المخرج الدستوري المناسب، لأن «حزب الله» له موقف معروف من الرئيس مرتبط بعلاقته به. لكنّا قصّرنا ولاية الرئيس الحالي وانتخبنا رئيساً جديداً تبعاً لقواعد اللعبة. وهنا أتمنى وأكرر على الرئيس بري أن يفرج عن محاضر جلسات مؤتمر الحوار الوطني، لأن الحوار السابق انتهى إذا كان لا بد من حوار آخر وجديد. كل الأفرقاء كانوا أجمعوا على وجود أزمة حكم في رئاسة الجمهورية، وصدر ذلك في بيان رسمي بعد إحدى الجلسات. وهذا يعني ضرورة تغيير الرئيس. ما هو حتمي بالنسبة إلينا أن حركة 14 آذار و«ثورة الأرز» ستستمر. هذه حتمية تاريخية. ما حصل في عدم انتخاب رئيس جديد كان خطأ كبيراً لدى فريق 8 آذار.

 

الخلاف هو على مَن يكون الرئيس أم على مرحلة برنامج الرئيس المقبل؟

ــ الخلاف هو على الاستراتيجية التي يقوم الخلاف السياسي عليها. مشكلة عدم الاتفاق على شخص الرئيس مردّها الى أن حركة 8 آذار تريد رئيساً يمضي في استراتيجية هذا الفريق، ونحن في 14 آذار نريد رئيساً يسير في استراتيجيتنا نحن. هناك مجال للحوار في موضوع رئاسة الجمهورية ولكن ليس هناك أي مجال للمساومة. يجب أن تكون هوية الرئيس المقبل واضحة.

 

أي إنك ضد الرئيس التوافقي؟

ــ هذه كلمة تغشّ. لا بحث في أي رئيس لا هو من 14 آذار ولا هو من 8 آذار. يعني رئيساً لا لون له ولا طعم. أي إننا نضع رئاسة الجمهورية مجدداً في الفراغ. هناك إصرار كامل على أن يكون الرئيس الجديد من حركة 14 آذار، ولن نقبل بأي رئيس خارج صفوفنا.

 

وإذا تعذّر الأمر؟

ــ هناك القواعد الدستورية للعبة.

 

هل أنت مرشح لرئاسة الجمهورية؟

ــ لا، ولأسباب عدة.

 

أنت ركن أساسي في «سيبة» ثلاثية في حركة 14 آذار مع النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط ولديك قوة شعبية ويمكن أن تكون مرشحاً شأن سواك من المرشحين المحتملين في فريق 14 آذار؟

ــ لا شك في أن هناك «سيبة» رئيسية في حركة 14 آذار من «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، وكما كانت لدى سعد الحريري أسبابه في ألاّ يكون رئيساً للحكومة الحالية، لديّ أسبابي في عدم ترشحي وهي أسباب شخصية وداخلية، واهتمامي الحالي هو إعادة بناء حزب القوات اللبنانية، إضافة الى ميلي الشخصي الى عدم الدخول في مناصب رسمية.

 

هل تعتقد أن العماد عون يمكن أن يصبح يوماً مرشحك لرئاسة الجمهورية؟

ــ في الوقت الحاضر أصبح الأمر أكثر صعوبة وخصوصاً بعد تموضعه الاستراتيجي مع الفريق الآخر، أي حركة 8 آذار. وأريد هنا أن أكشف أمراً للتاريخ للمرة الأولى، وهو أنني بعد خروجي من السجن فكّرت ملياً وبذلت مساعي كي يكون العماد عون رئيساً للجمهورية وان هذا أمر منطقي. حصل ذلك في فترة الراحة التي أمضيتها في فرنسا وأجريت اتصالات في ذلك بعدد من النواب والوزراء الذين زعلوا مني لمجرد اقتراحي العماد عون رئيساً للجمهورية، وكانوا يقولون إنني خارج لتوّي من السجن وغير مطّلع تماماً على الواقع والمعطيات الحقيقية وخيوط اللعبة. وكنت أطرح اسمه عليهم عن سابق تصوّر وتصميم، واستمررت على هذه الحال نحو ثلاثة أشهر.

 

الآن؟

ــ آنذاك كان اقتراحي في محله نظراً الى معطيات ذلك الوقت وموقع العماد عون وتموضعه وطروحاته. الآن لا. الوضع اختلف تماماً. أنا لا أؤيده الآن لهذا المنصب استناداً الى تموضعه الاستراتيجي الحالي.

 

أين يقع موقع «القوات اللبنانية» في تحالف قوى 14 آذار؟ وماذا قدم سعد الحريري ووليد جنبلاط لشريكهما المسيحي؟

ــ ما قدماه هو انتخابات رئاسية جدية وتأييدهما مرشحاً مسيحياً جدياً. وبالتأكيد هذا أمر مطلوب منهما ونتوقعه.

 

أي أن يتركا للمسيحيين اختيار مرشحهم لرئاسة الجمهورية؟

ــ أن يكون رأي المسيحيين هو المرجّح في اختيار رئيس الجمهورية، وهذا ما افتقدناه طيلة 15 عاماً، أن يختار المسيحيون رئيسهم، والأمر يتصل بالمسيحيين الذين هم على تشاور مستمر مع البطريرك الماروني في هذا الموضوع. وهذا الوعد لم يكن مجرد وعد بل أصبح حقيقة عندما اقتربنا قبل نحو أربعة أشهر من انتخابات رئاسة الجمهورية وأجرينا مشاورات فعلية. طبعاً يمكن أن يكون لسعد الحريري أو وليد جنبلاط مرشح من كتلتيهما، ولكنهما لم يفعلا ذلك، بل تركا الأمر للقادة المسيحيين في قوى 14 آذار، وظلت اللعبة في أيدي المسيحيين. هذا ما حصل ولا يزال قائماً لأن تحالفنا استراتيجي على المستوى السياسي. وأنا مرتاح تماماً الى الشراكة في قوى 14 آذار.

 

قلت إنك ضد تغيير الحكومة الحالية، لكن البعض يعزو السبب الى أن حصول العماد عون على المقاعد المسيحية في الحكومة الجديدة سيكون على حساب الشركاء المسيحيين في قوى 14 آذار الذين يعتبرون الحكومة منبثقة من الانتخابات النيابية، والواضح أن هذه الانتخابات جعلت العماد عون الأكثر تمثيلاً للمسيحيين؟

ــ ستكون حصته على حساب حصة الرئيس لحود وليس أكثر من ذلك.

 

لكن لرئيس الجمهورية الحق في أن يرفض توقيع مرسوم الحكومة الجديدة إذا لم يحصل على حصته فيها. وهو حق دستوري له.

ــ عندما يتّفق الجميع على حكومة لن يكون في وسعه إلاّ أن يوقعها. أولاً نرفض في الوقت الحاضر مسّ حكومة الرئيس السنيورة، ونحن نراقب النيات السيئة المحيطة بها من البعض الذي يحاول التربّص بها. ما هو مطروح الآن ليس حكومة اتحاد وطني وإنما إسقاط الحكومة الحالية. ولو كان الأمر غير ذلك لتبدّل التصرّف. لدينا معطيات واضحة من بضعة أسابيع عن جهات غير لبنانية اتخذت قراراً بإسقاط الحكومة بكل الوسائل. قرار خارجي. ومن يطالبون اليوم بحكومة اتحاد وطني ليسوا من الجماعات التي كانوا تطالب بها قبلاً. فليس من يطالب بها أشخاصاً ذوي صدقية في ذلك كفؤاد بطرس أو تمام سلام وإنما من عملوا ضدها سنوات طويلة في عهد الوصاية. «حزب الله» كان من أركان النظام السابق ولم يطالب مرة بحكومة اتحاد وطني ولا صوّت مرة مع أي حكومة ما خلا الحكومة الأخيرة. لذلك ننظر بعين الشك والريبة الى هذه المطالبة، وليس لأننا قلقون على وضعنا ومستقبلنا. وإذا كان الموضوع هو تأليف حكومة اتحاد وطني فليقولوا لنا كيف هو تصورهم لها ونحن منفتحون عليها. لكننا لن نقبل على الإطلاق بأي محاولة لإسقاط الحكومة الحالية ثم نفكر كيف تكون حكومة الاتحاد الوطني. أما عن تمثيل العماد عون في الحكومة فأود أن أذكّر هنا بلقاء بيني وبين سعد الحريري قبل أسبوعين من خروجي من السجن إبّان تأليف الحكومة الحالية. يومذاك أصررت عليه بذل جهود لإشراك العماد عون في هذه الحكومة، وأن يزور العماد عون شخصياً لإنجاح هذا الأمر. كان رأينا وقتذاك أن وجوده في الحكومة يجعلها أكثر متانة وثباتاً. كان الطرح في ذلك الحين هو الآتي: إما أربعة مقاعد للرئيس لحود وهذا ما حصل، وإما إعطاء الرئيس لحود وزيراً واحداً وثلاثة وزراء للعماد عون، وتنطلق الحكومة على هذا النحو بمشاركة كل الأفرقاء. في أي حال، إذا كان هناك اتفاق على مشاركة جميع الأفرقاء في حكومة ما ورفض الرئيس لحود فإنه سيكون في مواجهة الجميع. إما أن يوقّع وإما أن يوقعوه من حيث هو. يسقطه المجلس النيابي. الآن الموضوع أصبح أكثر تعقيداً بسبب التموضع الاستراتيجي للعماد عون. الحل هو إعطاء العماد عون المقاعد الوزارية التي هي للرئيس لحود. وعندئذ يصبح العماد عون مع الأكثرية، وإذا رفض الرئيس لحود تُقصّر ولايته ويسقط.

 

إذاً لا يحل العماد عون محل الشركاء المسيحيين في قوى 14 آذار؟

ــ أبداً، أبداً. بل يكمّلهم.

 

هل أنت من الرأي القائل بأن المطالبة بتأليف حكومة اتحاد وطني ترمي في أحد جوانبها الرئيسية الى تعطيل تأليف المحكمة الدولية؟

ــ هناك أسباب أخرى أهمّ من هذا العامل، أي المحكمة الدولية، على أهميتها. هناك طرفان كبيران وراء السعي الى قلب الحكومة الحالية: الأولى هو السوريون وحلفاؤهم، الثاني هو «حزب الله». وتتقاطع مصالح الطرفين. السبب الرئيسي الذي يدفع سوريا الى تغيير الحكومة هو تعطيل المحكمة الدولية والعودة الى ما كان عليه الوضع في لبنان قبل 14 آذار 2005. أما الخلفية الرئيسية التي تكمن في تحرك «حزب الله» لإسقاط الحكومة فهي القرار 1701 الذي عطّل على الحزب 99،99 في المئة من حرية المناورة والحركة التي كان يسيطر عليها. كان يعتقد أن القرار 1701 شأنه شأن سائر القرارات الدولية يؤدي الى وقف للنار ويقتصر على هذا الحد. لكن الرئيس السنيورة وحكومته تعاملا بجدية مع هذا القرار وعملا على تنفيذه ولا يزالان يوماً بعد آخر. أما سرّ القرار 1701 فهو أمران: العودة الى اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، والاحترام الكامل لـ«الخط الأزرق». وما يتعلق بسلاح «حزب الله» فهو يصبح عندئذ غير ذي جدوى، لأن العودة الى اتفاق الهدنة واحترام «الخط الأزرق» يعطل تماماً استخدام السلاح ويوقف المقاومة نهائياً. هنا يكمن الصراع السياسي: تطبيق القرار 1701 أو عدم تطبيقه. وبمقدار ما يطبّق القرار يفقد الحزب أي مساحة لتحركه. وهذا ما لا يريده أبداً. أضف الى ذلك تمسك السيد حسن نصر الله بتحالفه مع سوريا كما يعلن.

 

لكن العماد عون يطالب أيضاً بحكومة اتحاد وطني، وإن مشاركته فيها تعزز من حظوظ ترشّحه لرئاسة الجمهورية؟

ــ خلفية العماد عون محلية، أي أن يصبح موقعه السياسي أفضل، وكذلك بالنسبة الى ترشحه لانتخابات الرئاسة، وتحسباً لفراغ دستوري في رئاسة الجمهورية يجعل الحكومة تحل محل رئيس الجمهورية، يكون هو داخل هذه الحكومة. وهذه أهداف قد تكون مبررة للعماد عون. لكن المشكلة هي في تموضعه الاستراتيجي. وهذا ما يعقّد اللعبة أكثر فأكثر.

 

هل سيكون في وسع الفريق الآخر إسقاط حكومة الرئيس السنيورة بالقوة؟

ــ بالتأكيد لا، وأتمنى ألاّ يلعبوا هذه اللعبة الآن وفي ما بعد، لأننا أكثرية فعلية وليست وهمية. إذا أرادوا معركة في مجلس النواب فنحن مستعدون ــ وهذا هو الإطار الفعلي ــ وإذا أرادوا معركة في الحكومة فنحن جاهزون أيضاً. وإذا أرادوها في الشارع فنحن مستعدون كذلك. لكن هذا الأمر خطير جداً، وليتذكروا ما حدث في 14 شباط 2006 حتى لا أذكّر بـ14 آذار 2005، وليتذكروا ما حدث في حريصا. نحن لا ننكر على الآخرين قواعدهم الشعبية، لكن عليهم ألاّ ينسوا أن لدينا أيضاً قواعد شعبية. لكن المهم في الأمر أن يعرف هؤلاء أننا واعون لما يحضّرون له على كل المستويات. أما المسألة الأخرى فهي أن عليهم أن يدركوا كذلك أن هناك دولة في حدها الأدنى موجودة على الأرض كجيش وكقوى أمن داخلي لن تقبل بأي إخلال جدي وفعلي بالأمن مهما تكن التوجهات السياسية المتصلة بهذا الإخلال. وهذا ما تعرفه المعارضة. وفي أي حال فإن الجيش وقوى الأمن بدأت تتلقى تعليمات من الحكومة لاتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع أي إخلال بالأمن.

 

إذاً تعتقد أن محاولة إسقاط الحكومة بالقوة رهان خاطئ؟

ــ أكيد... أكيد. ومن الآن أقول لهم إننا على اطلاع على ما يحضرون له.

 

تقصد حركة شعبية؟

ــ نعم.

 

هل لديك معلومات؟

ــ نعم، والبعض منهم يحضّر لمعركة شعبية غير بريئة، ونحن على علم بذلك.

 

ما يشبه العصيان؟

ــ شغب إذا شئت. ويحضّر لذلك فريق من الذين يطالبون بتغيير الحكومة. يخطط لهذا الأمر. وهو طرف لبناني. أما الطرف غير اللبناني فيعد لذلك أيضاً لأن هناك استحقاقات داهمة عليه. لكن لن نسمح لهم بإسقاطها.

 

ما هو سرّ تحالفك مع وليد جنبلاط؟ هل تعتقد أنه تغيّر وهو الذي لم يتقبّل مرة أن يكون هناك من يشاركه في زعامة الجبل؟ تقاتلتما في «حرب الجبل» وحاصرك في دير القمر وأيّد سجنك، والآن تتحالفان. فهل تثق بالتحالف معه بعد تجربة تحالفه مع «حزب الله»؟

ــ ليس هناك ثقة في التحالف السياسي. ليس الأمر كالعلاقة بين شخصين أو حبيبين. الأمر لا يتعلق أبداً بالثقة. أنا أكتفي كل يوم بأن أتصفح الجرائد أو أشاهد محطات التلفزيون وأسمع ما يقوله وليد جنبلاط. وأحياناً يتبادر الى ذهني كأن بيار الجميل (الجدّ) هو من يتكلم وليس وليد جنبلاط. وبناءً على ذلك أبني سياستي معه بحسب معطيات الواقع القائم. وإذا غيّر غداً أغيّر أنا أيضاً. لكن المتابع اليوم لتصريحات وليد جنبلاط وتصرفات وزرائه ونوابه في نطاق الخطاب السياسي نفسه يجد أن هناك تماهياً كبيراً بيننا وبينه. ورغم بعض الصعوبات التي تعتري بعض العلاقات بين المسيحيين والدروز في الجبل، فإن هذه العوامل تحملني على الاعتقاد بأن التحالف معه جدي وعميق وله أهدافه العملية ويجتمع على مصلحة لبنانية مشتركة. ولذلك تتوافر له كل ظروف النجاح. نظرتي الى التحالف معه أنه استراتيجي، وأظن أنه هو أيضاً يعتقد ذلك.

 

هل تعتقد أن من الممكن، بعد فشل مؤتمر الحوار الوطني في إقناعه، وبعد فشل العملية العسكرية الإسرائيلية، أن في الإمكان التوصل الى حل ثالث لحمل «حزب الله» على التخلي عن سلاحه؟

ــ الواقع الموضوعي في جنوب لبنان يملي على «حزب الله» التصرف بطريقة مختلفة في ظل 15 ألف جندي لبناني و5000 جندي دولي سيصيرون قبل نهاية السنة 15 ألفاً، ومع وجود قوات دولية بحرية أمام الشاطئ ومراقبة الحدود اللبنانية ــ السورية التي تضبط يوماً بعد آخر. ثم هناك معالجات على نار حامية لقرية الغجر التي ستسوّى خلال أسابيع، وكذلك مزارع شبعا موضوعة على نار حامية. لذلك لا بد من إعطاء فرصة للجهود الديبلوماسية، وأعتقد أننا خلال أشهر سنتوصل الى حل لمزارع شبعا. وعندما نصل الى كل ذلك لا أظن أن «حزب الله» سيتمسك بموقفه الحالي لأنه يفقد عندئذ كل مبررات سلاحه. وطبعاً أضيف استعادة المعتقلين اللبنانيين من السجون الإسرائيلية. الظروف الموضوعية هي التي ستفرض هذا الواقع.

 

الأمر مرتبط بعامل الوقت والجهود الديبلوماسية؟

ــ مئة في المئة.

 

وهل سقط نهائياً الخيار العسكري لـ«حزب الله»؟

ــ في تقديري نعم، وخصوصاً بعد صدور القرار 1701.

 

ألا تخشى ارتداد سلاح «حزب الله» الى الداخل؟

ــ لا. لم ألمس حتى الآن أي مؤشر بذلك لا سراً ولا علناً في أن الحزب قد يستخدم سلاحه في الداخل.

 

أنت والعماد كنتما أكثر من عانى من وجود سوريا في لبنان، ولكنك حتى الآن لم تقل كوليد جنبلاط إنك تريد إسقاط النظام السوري؟

ــ صحيح. كما تطلب من الآخرين التعامل معك على أساس عدم التدخل في شؤونك، عليك أن تفعل ذلك أيضاً معهم. ونحن نقول يومياً إننا لا نريد أن تتدخل سوريا في شؤوننا، ولا نريد التدخل في شؤونها، بغضّ النظر عن موقفنا من النظام السوري. ما نريده من سوريا الاعتراف بسيادة لبنان واستقلاله، وهذا ما لم يحصل حتى الآن. وكذلك عدم التدخل في شؤوننا ولا تهريب السلاح الى بلدنا. لكن أبعد من ذلك ليس من حقي التدخل في ما يجري داخل سوريا. تماماً كما نطالبهم بذلك عندنا.

 

هل تعتبر أن حزب البعث الحاكم لا يزال يشكل خطراًَ على لبنان حتى وإن كان في سوريا؟

ــ ويا للأسف نعم، نعم.

 

ما هو الضامن لمنع ذلك: مجلس الأمن مثلاً؟

ــ لا، الدولة اللبنانية تكفي لذلك.

 

أي دولة لبنانية؟

ــ الدولة التي تضم الجميع. لا حل خارج قيام هذه الدولة التي وحدها تقدر على مواجهة الأخطار التي يتهددنا بها النظام السوري. لا خلاص من دون هذه الدولة.

 

هل من الممكن نجاح حوار يجري بين لبنان والنظام الحالي في سوريا؟

ــ أشك في ذلك، ولكنني لا أريد أن أحكم بالإعدام على التاريخ. ولذلك لا بد من أن نحاول يومياً ذلك رغم شكوكي الكثيرة في التوصل الى هذا الأمر، نظراً الى طبيعة هذا النظام وطروحاته وخلفياته العقائدية ونظرته الى لبنان حتى اللحظة في ضوء تجربتنا معه في السنوات الطويلة الماضية.

 

قلت ذات يوم إنك كنت في سجن صغير والخارج كان في سجن كبير. فهل نحن اليوم بين سوريا وإسرائيل في سجن كبير؟

ــ بالتأكيد لا. هناك حرية رأي وتعبير وتظاهر. ونحن مسؤولون من ضمن النظام عن استمرار ذلك شرط ألاّ يؤدي الى تهديد جدي للأمن والاستقرار.

--------------------------------------------------------------------------------

التشكيلات الديبلوماسية

«قبل أسابيع تحدثت مع الرئيس فؤاد السنيورة في موضوع التشكيلات الديبلوماسية. قال لي: أعطني كل الأسماء التي تريدها وكل مَن تجده مناسباً وكل المراكز المسيحية خذها، ولكن شرط أن توقّع لي أنت مرسوم التشكيلات الديبلوماسية. أي المقصود بذلك أن مَن يوقّعها هو رئيس الجمهورية. وتالياً لا جدوى من التفاوض مع الرئيس السنيورة ما دام الأخير سيعود ويبحثها مع رئيس الجمهورية الذي يوقعها. وهو سيفاوضه حتى يوقعها. إذاً لن يتحقق التوازن الفعلي في الدولة قبل تغيير رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس جديد يدرك واقع الإخلال بالتوازن القائم في الدولة منذ 15 سنة. المشكلة تكمن هنا في أن الرئيس هو العقبة الأساسية».

--------------------------------------------------------------------------------

سمير جعجع هو ثالث ركيزة في «الحلف الثلاثي» الجديد مع النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط. ناخب كبير لرئاسة الجمهورية من دون أن يرغب فيها، وخصم كبير للمرشح الأقوى العماد ميشال عون ولا يؤيده. بين الرجلين كالذي كان بين فؤاد شهاب وكميل شمعون، وهو لذلك يطرح نفسه بعد قداس حريصا زعيماً للمسيحيين ظلمت انتخابات 2005 شعبيته، ورقماً صعباً في معادلة تستمد قوتها من حليفيه.

 

 

 

عدد الخميس ١٩ تشرين الأول