بعد أن أمضى في سجن وزارة الدفاع اللبنانية 11 سنة في قضية متفجرة كنيسة سيدة النجاة

جرجس الخوري لـ"السياسة": كل وسائل التعذيب البربرية والوحشية مورست

بحقي أجبروني على التوقيع على بياض في أمور لم أعرفها ولم أشترك فيها

بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة 18/3/2006

بعد انقضاء اثنتي عشرة سنة على متفجرة كنيسة سيدة النجاة واتهام قائد "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع بتدبير الانفجار واعتقاله مع مجموعة من "القوات اللبنانية" من بينهم المتهم جرجس الخوري الذي ساقه قدره السيئ وربما زياراته المتكررة لاسرائيل الى القاء القبض عليه والطلب اليه تحت الضغط والترهيب والتهديد بقتل افراد عائلته اذا لم يعترف بانه هو من فجر الكنيسة او انه احد المشاركين بعملية التفجير.. وبعد ان امضى مع قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع في السجن الانفرادي احدى عشرة سنة واربعة اشهر وستة ايام, وبعد ان توضح للراي العام بان موضوع الكنيسة كان مدبرا سلفا وان جعجع والخوري لم يكونا سوى ضحية مؤامرة, لدرجة جعلت احد القادة الامنيين يهدد احد القياديين بانه لم يكلفنا الا كنيسة سيدة نجاة ثانية وينتهي الامر.

بعد كل الذي جرى ما هي الصورة التي تكونت لدى جرجس الخوري بعد خروجه الى الحرية? وبعد ان تمكنت »السياسة« اخيرا من لقائه ومحاورته.. منذ تاريخ الافراج عنه في 21 يوليو 2005 لم يشا جرجس الخوري الذي كان قد اعتقل بتهمة ضلوعه في متفجرة كنيسة سيدة النجاة الى جانب قائد "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع الادلاء باي تصريح صحافي او ان تتمكن اي وسيلة اعلامية من اللقاء به وسؤاله عن اسباب وظروف اعتقاله, بسبب خضوعه للعلاج على ايدي اطباء اخصائيين تناوبوا على معالجة كل ما اصيب به من تعذيب نفسي وجسدي وهو الان يقضي فترة نقاهة ملزمة بعدما فعلت به سنوات الاحتجاز في الزنازين المظلمة فعلها ما تزال اثارها واضحة في اماكن عدة من جسده النحيل الذي قاسى الويلات وشهد على افظع انواع الاجرام والمعاناة والمذلة وقهر الذات ما لم يخطر ببال ولا يجوز بخاطر احد..

جرجس الخوري اوضح ل¯»السياسة« في حوارها معه انه سلم نفسه الى السلطات اللبنانية في 15 مارس 1994 بعد اسبوع واحد من اقتحام ضباط في الاستخبارات العسكرية منزل عائلته واعتقال جميع افراد العائلة, بمن فيهم شقيقته البالغة من العمر 10 سنوات. وكانت منظمة العفو الدولية اطلعت بدورها على ظروف الاعتقال حيث قدمت تقريرها في نوفمبر 2004 تحت عنوان سمير جعجع وجرجس الخوري "تعذيب ومحاكمة جائرة" وكلاهما يقضيان فترة حكم بالسجن مدى الحياة لتورطهما المزعوم في اعمال قتل بدوافع سياسية ويحتجزان في ظروف قاسية ولا انسانية ومهينة بناء على محاكمتين جائرتين وهما السجينان السياسيان الوحيدان المحتجزان في مركز اعتقال وزارة الدفاع بعد المحاكمة.. وتتلخص بواعث القلق بشان حقوقهما الانسانية في ما يلي:

- لم يسمح ل¯»جرجس الخوري« بالاتصال بمحامين طوال عملية استجوابه اثناء احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي, كما انه لم يعرض على قاضٍ للبت في مشروعية اعتقاله.

- واثناء فترة احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي السابقة على المحاكمة دفع جرجس الى الاعتقاد بانه مجرد شاهد ولم يبلغ كما يقتضي القانون بالتهم الموجهة اليه وتعرض جرجس الخوري بحسب ما ذكر للتعذيب والمعاملة السيئة وقبلت الاعترافات التي قال انها انتزعت منه تحت التعذيب كدليل رئيسي ضده لاحقا في محاكمته.

وبتاريخ 27 نوفمبر 2004 زاره وفد من اللجنة النيابية لحقوق الانسان مؤلف من النواب: عاطف مجدلاني, نعمة الله ابي نصر, غسان مخيبر وقد وصف النائب ابي نصر وضع جرجس الخوري بما حرفيته: "ان الغرفة التي يحتجز فيها جرجس الخوري عرضها 130 سنتمترا الى جانبها حمام بعرض متر وعشرة سنتمترات ومعروف ان جعجع امضى في هذه الغرفة عشرة اعوام وثلاثة اشهر وهي تفتقد الى التهوئة لا شباك فيها ولا نافذة ولا فتحة صغيرة باستثناء كوة للتهوئة في سقفها وليست فيها اي اضاءة, الخوري ينام على الارض وممنوع على محاميه زيارته.

وقال ابي نصر ان الزميل النائب جورج نجم الذي كشف انه طلب اذنا لزيارة موكله وقيل له لقد اصبحت نائبا ولم تعد وكيله.. واضاف ابي نصر: يقول جرجس الخوري انه لم يرَ احدا منذ عشرة اعوام وثمانية اشهر سوى والدته واخيه وهو في الانفراد لا يتكلم مع احد ويطلب ان يقابل كاهنا فلا يسمح له ويطلب بخروجه من السجن ويقول بانه بريء ويشكو من الم في ظهره ويحتاج الى صورة اشعة.. وانا خائف على وضع السجين جرجس الخوري.

وكان وزير العدل السابق عدنان عضوم رد على تقرير منظمة العفو الدولية بتاريخ 23 نوفمبر 2004 بتصريح جاء فيه: "ان المجلس العدلي الذي اصدر احكامه بحق جعجع والخوري انشاه المشرع كمحكمة جنائية عليا استثنائية للنظر بقضايا خطيرة ترتبط بامن الدولة وبالسلامة العامة وتقلق الراي العام". وحول ما تضمنه عما اسماه معاناة جعجع في السجن وما قد يصيبه نتيجة ذلك من امراض جسدية وعقلية قال عضوم: "ان السجن حيث ينفذ جعجع عقوبة السجن المحكوم بها هو سجن تابع لوزارة الدفاع الوطني الذي يخضع لمرسوم رقم 6236 الصادر بتاريخ 17 يناير 1995 المتعلق بالنظام الداخلي للسجون السابقة لوزارة الدفاع الوطني..".

ان التذرع بسوء معاملة الموقوفين او المحكومين في سجن وزارة الدفاع يهدف بالنتيجة الى اضعاف الثقة بالمؤسسات القضائية والامنية الساهرة على تحقيق العدالة ومنع التعدي على الحقوق بكل انواعها فردية كانت ام عامة, علما انه في الفترة الاخيرة اجريت للدكتور جعجع فحوصات عامة وشاملة اقترحها خمسة اطباء اخصائيين اجريت في عدة مستشفيات تم اختيارها من قبله وقبل عائلته اثبتت انه بصحة جيدة وخلوه من الامراض.

كما صدر عن قيادة الجيش وفي التاريخ نفسه بيان نفت فيه حصول اعمال تعذيب في مراكز اعتقال وزارة الدفاع, بعد ان بثت احدى محطات التلفزة حديثا لناطق باسم منظمة العفو الدولية خبرا ورد فيه "انه لا يسمح للمنظمات الدولية بزيارة مركز اعتقال وزارة الدفاع", وتحدث عن مزاعم باعمال تعذيب تحصل فيه ويهم قيادة الجيش مديرية التوجيه ان توضح ما يلي: "ان ما سمي بمركز اعتقال وزارة الدفاع هو سجن رسمي محدد من قبل الحكومة اللبنانية ويخضع لمعايير باقي السجون في لبنان وان زيارة السجن والمساجين مسموحة وفقا للاصول وباذن من السلطات المختصة...". اما ما ورد من مزاعم عن اعمال تعذيب هو امر غير صحيح يدخل في حملة غير جديدة من الشائعات المغرضة التي ثبت بطلانها في مختلف المناسبات.

وفيما يلي نص الحوار:

* بمناسبة مرور الذكرى الثانية عشرة على متفجرة كنيسة سيدة النجاة, برزت قضية اعتقال قائد "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع وعضو "القوات" جرجس الخوري كمتهمين بتفجير هذه الكنيسة ومن ثم الافراج عنهما بعفو خاص موقع من المجلس النيابي. لماذا ادين جرجس الخوري بهذه الحادثة دون غيره من "القواتيين"?

- اولا: اشكر الله لانه اعطاني اكثر مما استحق, وارجو ان تكون تجربتي لمجد الله واسمه المبارك, وبكل تواضع اقول انه فخر لي لانني تألمت وتحملت الظلم لاجل كنيستي ووطني وانا بريء ومظلوم. لم اكن انا المقصود كشخص لكن تحولت الى انسان مقصود من الاجهزة بعد بدء المحاكمات حتى لحظة خروجي من السجن.

* هل اجبرت تحت الضغط والترهيب والاهانات على الاعتراف بارتكاب هذه الجريمة?

- بحسب السيناريو المعد سلفا للنيل من "القوات اللبنانية" كان هناك مواصفات معينة ولسوء الحظ انها التقت مع جزء من شخصيتي وهي تعود الى انني مسيحي بالدرجة الاولى وانتمي الى "القوات اللبنانية" بالدرجة الثانية, وكنت اذهب الى اسرائيل بالدرجة الثالثة, وهذا لا يعني انني كنت اتعامل مع هذه الدولة او اي من اجهزتها العسكرية او الامنية الاستخباراتية. اما ادانتي كانت لانني لم اوافق على السير في مخططهم فقد طلب مني ان اعطي شهادة زور تخالف الضمير والمعتقد والمبادئ. واثناء جلسات الاستجواب في المحكمة تحدثت عن طريقة التحقيق غير القانونية والمساومة التي عرضت علي وكل الطرق التي استعملها القضاء والمحققين العسكريين في هذه القضية والتعذيب مع العلم ان كل الوثائق المقدمة في المحكمة تثبت براءتي دون ان ادنى شك..

كان يوجد مؤامرة للقضاء على "القوات" فكان المخطط بان يقام عمل ما يجعل الصف المسيحي يتخلى عن "القوات" وهكذا يستفرد الذين خططوا للقضاء على "القوات" فكان تفجير الكنيسة لادانة "القوات", وتم دمج الامور على اساس ان من فجر الكنيسة هم مسيحيون ينتمون الى "القوات" ويتعاملون مع اسرائيل وهكذا وقع الاختيار عليَّ لانهم اعتقدوا انهم بوسائل التعذيب اقول لهم ما يشاؤون.

* نريد وصفا دقيقا وحقيقيا لظروف الاعتقال والزنزانة والانفراد والى متى استمر التعذيب?

- الدليل على هذا كان خوفهم اخراجي من معتقل وزارة الدفاع الذي امضيت بداخله احدى عشرة سنة واربعة اشهر وستة ايام في الطبقة الثالثة تحت الارض, في زنزانة بطول مترين ونصف المتر وعرض متر وثلاثين سنتمترا دون نافذة, محروما من ابسط الحقوق الانسانية وهذه هي طريقة الانتقام من قبل القضاة والمحققين.

وهناك قول: اذا كنت مجرما واردت ان تبقى دون عقاب ابعد كل دليل للحقيقة عنك. وهكذا تم ابعادي ووضعي في هذا القبر, لانني كنت الحقيقة بالنسبة لهم وكل ما كتب وقيل في هذه القضية يتعلق بي ثم بوسائل التعذيب والضرب الجهنمي, فلمسوا براءتي وتحول الاتهام من مفجر الى مشارك.

* بعد كل الذي جرى كيف يمكن نقض القرار الظني وهل كانت المحكمة مسيسة?

- في ذلك الوقت المحكمة والقضاة والمحققون مسيرون ومسيسون اما كيف يمكن نقض القرار الصادر اعتقد انه على الكنيسة اولا واخيرا ان ترفع دعوى على الاجهزة الحاكمة في ذلك الوقت, حتى تنجلي الحقيقة لان الكلام والخطب التي نسمعها لا يجدي نفعا.

* ما هو نوع التعذيب الذي تعرضت له وكيف تمت معالجة اثاره?

- تعرضت لشتى انواع التعذيب من الضرب والتعليق والكرسي والكهرباء والوقوف لفترات طويلة تصل الى عشرة ايام مع لياليها دون شراب او طعام والمنع من النوم والراحة وتكسير الاظافر ونتف الشعر وغيرها من وسائل تستحي الحيوانات من ممارستها واليوم ازور احدى الدول الاجنبية لمتابعة العلاج الجسدي.

* مقارنة بين الامس واليوم كيف تصف لنا حالتك النفسية?

- انني اشكر الله لانه لم يتخلَ عني انه يشفي جميع جراحي النفسية والجسدية والدواء الوحيد هو الصلاة والتامل والايمان والرجاء وان الحق اقوى من الظلم وان اعمال الله الحقيقية اعظم من اعمال الانسان الشيطانية وان يوما كالف سنة والف سنة كيوم في عيني الله ومهما طال الظلم سياتي يوم القيامة كالشمس تحرق الظلم والظلام..

* هل بقي عندك شيئا من العزم للاستمرار في العمل السياسي ام تعتبر نفسك بحالة صحية سياسية ميؤوس منها?

- نعم, سياتي اليوم الذي اخوض فيه المعترك السياسي الذي اخدم به وطني وحقوق الانسان المهدورة فيه, اما الحالة السياسية الحالية في لبنان ليست حالة ميؤوس منها فقط, بل هي ميتة ونتمنى ان تقوم من سباتها الطويل.

* كيف تصف لنا علاقتك بالدكتور جعجع وهل انت على تواصل معه?

- علاقتي بالدكتور جعجع هي علاقة محبة واحترام كبيرين خاصة اننا تحملنا ذات المحنة و التجربة المريرة. ما تحملته من اجل مسيحيتي وكنيستي و"القوات اللبنانية" ووطني لم يتحمله احد وهو لا يقدر بثمن. انا اصلي لاجل الذين عذبوني وظلموني واسامحهم من كل قلبي..

* ما كلمتك الاخيرة?

- اود عبر جريدتكم الحرة »السياسة« ان اتوجه بالشكر لسعادة النواب عاطف مجدلاني ونعمة الله ابي نصر وغسان مخيبر الذين استطاعوا الذهاب الى سجن وزارة الدفاع برغم كل المحاذير وشاهدوا بام العين التعذيب والمعاناة التي واكبت ظروف اعتقالي بعد ان كانوا قد طالبوا بذلك منذ العام 2002, كما اشكر النائب المحامي جورج نجم الذي تسلم قضيتي في وقت لم يقبل احد ان يتسلمها الا مقابل مبالغ طائلة من المال. وايضا اتقدم بشكر خاص للمؤسسات الانسانية التي واكبت قضيتي وظروف اعتقالي ومنها منظمة حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية و"ايكات" و"سوليدا".