الباحث اللبناني أكد لـ "السياسة" وجود فرق كبير بين ما أتى به موسى الصدر وطروحات "حزب الله"

 د. وجيه كوثراني: ما حصل في الجنوب ليس  انتصاراً وإنما بطولات فردية ... وخطأ قاتل

 يروت-من صبحي الدبيسي: السياسة 6/9/2006

رأى الباحث السياسي الدكتور وجيه كوثراني أن العرب بقياداتهم وأحزابهم لا يتعلمون من دروس الماضي وأن تجاربنا تكرر أخطاءها منذ حرب النكسة في العام 1967 وحتى حرب يوليو ,2006 متناولاً ما قاله عبد الناصر آنذاك: "انتظرناهم من الشرق فأتونا من الغرب", وما قاله نصر الله اليوم: "لو كان يعلم رد الفعل لما أقدم على خطف الجنديين", مشدداً على ستراتيجية القائد ووعيه التاريخي.

كلام الدكتور كوثراني جاء في سياق حوار أجرته معه »السياسة«, معترفاً بوجود إحباط على مستوى النخب العربية, لأن مشكلة العقل العربي المراهنة على البطولة الفردية, رافضاً الاعتراف بأن ما جرى في الجنوب هو انتصار بل بطولات على مستوى الأفراد, معتبراً بأنه كان ينبغي أن يدخل الجيش إلى الجنوب في العام .2000

الدكتور كوثراني طالب بالتمييز بين الطائفية السياسية والعقائدية الشيعية الجديدة التي تبناها »حزب الله« من خلال تبنيه نظرية ولاية الفقيه التي ولدت وأنتجت في إيران, وإن هناك فرقاً كبيراً بين ما أتى به موسى الصدر وما أتى به "حزب الله". وإن "حزب الله" ظاهرة تاريخية والظاهرة التاريخة لا تدوم. ولو كان هناك نظام عربي قادر على حل الصراع العربي الإسرائيلي لما كان هناك "حزب الله".

وفي معرض رده على تهديدات العماد عون للرئيس السنيورة اعتبر كوثراني أن شخصية عون محيرة وهو ليس رجل سياسي ولا رجل دولة, مثنياً على خطاب الرئيس بري, واصفاً إياه بالإيجابي جداً, وإن الرئيس السنيورة يتقدم بإيجابية نحو ترسيخ فكرة الدولة إلى دور وظيفي منوط بالحكومة, وإن "حزب الله" يناور ويحاول إرضاء عون وإن حركة "أمل" عازمة على استعادة المبادرة من "حزب الله".

الدكتور كوثراني الذي وصف علاقته بالرئيس بري ب¯"لا علاقة", اعتبر عدم توقيع رئيس المجلس على قرار تعيينه عميداً لكلية الآداب أتى عقاباً له لتوقيعه عريضة تطالب بالإفراج عن رياض الترك.

"السياسة" التقت الدكتور وجيه كوثراني وأجرت معه الحوار التالي:

ما قراءتك لما حصل في لبنان منذ 12 يوليو حتى 14 أغسطس?

هناك تصوران يغمران شخص مثلي: الأول كإنسان مواطن شعوري بما جرى شعور كارثي, لأن كل إنسان وكل مواطن نزل عليها هذا العدوان كالصاعقة على مستوى الآلام والأحزان والدمار والخراب وكان كل واحد منا يشعر بعجز هائل من خلال ما يشاهد عبر التلفزيون من مآسٍ وويلات وما يزيد من الحزن والقهر أن الإنسان عاجز عن فعل أي شيء. عاجز عن أي فعل بالوهلة الأولى, وعاجز عن تغيير ما حصل وهذا شعور ينتاب المواطن مباشرة.

أكثر من ذلك هناك مواطنون ينتمون إلى أهداف مباشرة ويستفزون بكيانهم السياسي والإجتماعي والأمني والإنساني. هذا الشعور الذي ينتاب الإنسان عندما يشاهد على التلفزيون ما حل بوطنه من خراب ودمار فلا بد من أن ينفعل. لكننا في جانب آخر نعود ونتذكر بشيء من البرودة في أوقات معينة ليكتب شيئاً: أنا لست محللاً سياسياً أكتب الحدث السياسي وإنما أكتب في خلفيات الحدث لناحية تداعيات ما حصل على النواحي الاجتماعية والإنسانية, ومن هذه الزاوية أنظر لأهمية الحدث على قاعدة ما أنتجه من أبحاث في قراءاتي السياسية الحديثة والمعاصرة.

في العالم العربي وفي العالم الإسلامي طبعت فهمي للحدث في عدد من المفاهيم التي تساعدني على فهم ما يجري. المفهوم الأول لقد كتبت مجموعة من الدراسات هو أن العرب بقياداتهم وبأحزابهم لا يتعلمون من التاريخ. لا يذاكرون التاريخ كتجارب نستخلص منها دروساً وأعني بذلك أن كل حزب, كل فئة, كل نخبة تستلم السلطة أو مشروع السلطة تعتقد أنها ستغير العالم بنفسها, وأنها ستبدأ من الصفر وإن ما جرى في الماضي لا قيمة له لأنه كله أخطاء بأخطاء فكل نخبة جديدة تعتقد أنها تؤسس تاريخاً جديداً لا يستفيد من التاريخ الماضي, هذا كان شأن كل القيادات السياسية التي دخلت في الحروب المعاصرة في بلادنا العربية.

إن تجاربنا تكرر أخطاءها منذ حرب 1967 وحتى حرب تموز 2006. أذكر أن الرئيس عبد الناصر فسر هزيمة 1967 بمعادلة فهمت آنذاك بأنها معادلة تفسر ما قاله: إننا انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب, هذا هو تفصيل أسباب الهزيمة آنذاك. كلام السيد نصر الله في آخر حديث له أنه: لو كنا نعلم رد الفعل الإسرائيلي بهذه القساوة لما أقدمنا على خطف الجنديين. أيضاً هو تفسير مختصر ومبسط لما حدث, بمعنى أن القائد يجب أن يكون ستراتيجياً لناحية وعيه التاريخي ووعيه السياسي. أقصد بوعيه السياسي ليس وعياً آنياً للأحداث وإنما هو وعي تاريخ للمسارات وللمصالح. يعني غير مقبول للقيادات كلها ويمكن بين عبد الناصر وبين السيد حسن, أن نضع تجارب كثيرة, تجربة أبو عمار, كل هزيمة وكل انكسار ينتهي بانتصار لفظي وشكلي من خلال رفع الإصبعين يمكن وضع تجربة صدام حسين الذي أصبح من خلال الخطاب ومن خلال المزايدة ومن خلال المغامرات غير المحسوبة, أصبح في وعيه العربي غير التاريخي بطل الأمة العربية. أشعر أن هناك إحباطاً على مستوى النخب العربية والجماهير العربية, هذا الإحباط يؤدي بها أو يدفع بها إلى رهانات غير واقعية وغير ستراتيجية وكلما شعرت جماهير الأمة ببارقة أمل في نصرٍ ما, بإنجازٍ ما, تعول عليه كثيراً وتبني عليه كثيراً بمعزل عن السياقات التاريخية التي هي مجمل الظروف ومجمل الأسباب, ومجمل المسارات, أو لا يمكن المراهنة على الحدث الواحد العابر.

مطلوب وضع الحدث في سياقات كبيرة هل هذا الحدث يؤدي فعلاً إلى الانتصار? وهل تتحقق من هذا الحدث الشروط المتكاملة للانتصار أم لا?.. مشكلة العقل العربي أنه يراهن على البطولة الفردية, يراهن على البطولات, وهذه مغروسة في ثقافتنا التراثية منذ زمن كانت المعارك تقوم فيه على البطولات الفردية, على التضحية, على الفداء. الفداء والتضحية, أشياء مهمة جداً التي تندرج في نطاق النضال والفداء. لكن هذا وحده لا يكفي, اليوم في عصر الاقتصاد المعولم والتكنولوجيا الدائمة في سياقات أخرى وشروط أخرى للبطولة, إنها التكامل ولا يمكن أن أعد ما جرى في الجنوب انتصاراً, هو بطولات, هو مقدرة على التصدي على مستوى الأفراد والأبطال, لا شك في ذلك وهذا ما يدعو للإعجاب, لكن التضحيات الفردية لها أيضاً سياقات تاريخية أن نحمي الاقتصاد, المعارك في العصور الحديثة لم تعد تضحيات فردية وإن لعبت دوراً في مرحلة معينة يجب أن نفكر كيف نحمي الإقتصادي, كيف نحمي الجسور, كيف نحمي الجو, كيف نحمي الإنسان, كوننا في المقدمات بعد الألفين قامت مقدمات "حزب الله" على نظرية توازن الردع أو توازن الرعب, يعني أن إسرائيل لم تجرؤ على الاحتلال المباشر ربما هذا صحيح, لأن البطولات الفردية يمكن أن تصدها, لكن هناك تكنولوجيا وطيراناً وقدرة على التدمير, وفي الحروب عودتنا إسرائيل بأنها لا تقيم أي وزن لحقوق الإنسان ولحقوق المواطن ولا تقيم أي اعتبار لقواعد الحرب الكلاسيكية. تجويع الناس, الحصار, ضرب المدنيين, كلها أمور ممنوعة في الحرب, ويجب أن نحسب لها ألف حساب, نحن أمام عدو لا يلتزم بقواعد الحرب, فهذه جملة عناوين لم يستطع "حزب الله" مع الأسف الانتباه إليها وجلبت على الوطن هذه الويلات.

برأيك ما هو مبرر ما جرى, وهل كنا بعد الحدود بحاجة إلى هذه الحرب? وهل "حزب الله" كان بحاجة لاختبار قدراته ضدها, بعد أن كان تصدى لها وأجبرها على الانسحاب, لماذا كانت هذه المغامرة برأيك?

كان ينبغي أن يدخل الجيش اللبناني إلى الجنوب في العام 2000 بعد التحرير. وكان يمكن أن نبني دولة قوية وهذه الدولة يمكن أن تخوض حرباً سياسية وحرباً ديبلوماسية لاسترجاع مزارع شبعا والمطالبة بالأسرى والدفاع عن الأجواء اللبنانية, هذه المسائل الثلاث, مزارع شبعا, حماية لبنان من الاعتداءات والاختراقات العدوانية, كان يمكننا أن نبني دولة قوية حديثة. لكن المشكلة هنا, كيف نبني دولة? نعود إلى مشكلة سببها ليس "حزب الله" وحده. سببها تكوين سياسي لبناني هش وبتحليل آخر, إن الطائفيات السياسية في لبنان لا تتحمل مسؤوليته الشيعية السياسية تتحمل مسؤوليته الطائفيات السياسية الأخرى, السنية السياسية, الدرزية السياسية, المارونية السياسية, لأن التعبيرات السياسية عن الطوائف هي تعبيرات تاريخية لا تخدم برأيي فكرة قيام دولة وطنية حديثة. آن الأوان منذ الألفين كان يجب أن ندرك هذا الأمر أن تتخلى الطائفيات السياسية عن النعرات الطائفية عن صراعاتها السياسية على مستوى المناهج والمسؤوليات ونظام التوزيع, كان يجب أن تتخلى لتبني دولة الوطن, هذه مشكلة كبيرة لأن التركيبة السياسية تتحمل مع "حزب الله" مسؤولية مشتركة.

من العام 2000 وحتى اغتيال الشهيد رفيق الحريري كان يستحيل الكلام عن إرسال الجيش إلى الجنوب وبعد انسحاب الجيش السوري في 27 ابريل 2005 أصبح الكلام عن إرسال الجيش إلى الجنوبي خيانة عظمى, أحياناً تقول بأن تعدد الطوائف تنوع ثقافي ضروري لبنان وإسرائيل تسعى لتهديم هذه الصيغة وفي الأمور المصيرية نلقي باللائمة على الجميع. ما هي الدروس التي يمكن للطائفة الشيعية الاستفادة منها بعد حرب تموز 2006? وهل يمكن أن يتلبنن الشيعة?

الشيعة لبنانيون أقحاح. الشيعة تبلننوا منذ زمن وهم جزء أساسي من الكيان اللبناني. يمكننا أن نتحدث عن اتجاهات سياسية في الطائفة الشيعية ولا يمكن اعتبار أن الطائفة الشيعية تتماهى مع "حزب الله", الجماهير الشيعية والجماهير غير الشيعية العربية تتماهى مع "حزب الله" كإنجاز بطولي, وهذا يثير إعجاب كثير من الفئات العربية. وهنا أريد أن أميز بين الطائفية السياسية التي هي جزء من المشكلة اللبنانية. عند الشيعة يجب التمييز بين الطائفية السياسية وبين العقائدية الشيعية الجديدة التي تبناها "حزب الله" من خلال تبنيه نظرية لا تحوز الإجماع الشيعي العام هي نظرية ولاية الفقيه التي ولدت وأنتجت في إيران, نظرية ولاية الفقيه بصيغتها الخمسينية, يعني ولاية الفقيه المطلقة غير ولاية الفقيه الإسمية, ولاية الفقيه تعني دور الفقيه.

في المذاهب الإسلامية كلها دور للفقيه, هناك ولاية فقيه في التقليد الشيعي العام, ولاية الفقيه تنحصر فقط في المعاملات والعبادة, أما ولاية الفقيه المطلقة فتشمل أيضاً السياسة, السلم والحرب هذه النظرية الجديدة التي يعتمدها "حزب الله" تشكل إيديولوجيا جديدة انخرط فيها بعض الشيعة اللبنانيين نتيجة عدة عوامل سياسية مالية, خدماتية اجتماعية, وهناك عامل أساسي ناتج عن غياب الدولة التاريخي عن الاهتمام بالشيعة بشكل عام.

"حزب الله" حل محل الدولة وتحمل مسؤولية الدولة التي أهملت الجنوب وتركته لقمة سائغة لإسرائيل وللحرمان وللفراغ.. كان هناك فراغ وعبء هذا الفراغ. الفرق بين ما أتى به "حزب الله" وما أتى به السيد موسى الصدر, هناك فرق كبير يجب أن ننتبه له, قرأت خطاب الرئيس بري الأخير في مدينة صور فكان يشير بالشكل الضمني إلى هذا بصراحة مشروع موسى الصدر مشروع لبناني وطني يندرج في إطار الميثاق الوطني اللبناني, ما هو موقع الشيعة في الميثاق? كان هذا هو سؤال موسى الصدر الأساسي يجب أن نفهم حركة موسى الصدر على مستوى مشاركة شيعية لبنانية في دولة كيف ينال الشيعي حقوق مواطنة كاملة, وبعد غياب الإمام الصدر أكمل الشيخ محمد مهدي شمس الدين بنشاطاته وبمواقفه وبوصاياه الأخيرة, بأنه ليس هناك مشروع شيعي خاص, المشروع الشيعي هو جزء من المشروع الوطني. برأيي ظاهرة "حزب الله" ظاهرة تاريخية. والظاهرة التاريخية لا تدوم كثيراً, يعني أمام "حزب الله" خيار أو أن يكون حزباً إيرانياً وهذا أمر مستبعد لوجود قاعدة شعبية لبنانية, وبالتالي عليه أن يتخلى عن نظرية ولاية الفقيه ليندرج في المعتقد الشيعي السائد الذي هو معتقد شيعي إصلاحي وليس راديكالياً, الآن هناك تياران شيعيان, تيار أصولية شيعية شبيهة بأصولية سنية تتمثل بها ولكنها أكثر عقلانية منها, وراديكالية شيعية تتمثل ب¯"حزب الله" وهناك شيعية إصلاحية تتمثل بخط قوي ومتين وعميق في الثقافة الشيعية اللبنانية خاصة ونسميها الشيعية العاملية, بدءاً من السيد محمد حسن الأمين والسيد علي حسين شرف الدين إلى السيد موسى الصدر إلى الشيخ محمد جلال مغنية. فهم من كبار علماء الإسلام والعلماء العرب في الفكر والثقة, ثم الشيخ محمد مهدي شمس الدين. هذا التيار من التيار الإصلاحية الشيعية.

برأيك هل سيتغلب عنصر الاعتدال الشيعي على عنصر التطرف بعد التجربة العسكرية?

هناك صراع خاضه "حزب الله" بسياقات تاريخية معينة يمكن أن نفسرها موضوعية, لكن علينا معرفة الموقف العربي, النظام الإقليمي العربي إنهار, لو كان هناك نظام إقليمي عربي قادر على حل الصراع العربي الإسرائيلي, ومن جملة التداعيات التي أدت إلى نشوء "حزب الله" هو انهيار النظام الإقليمي العربي وانسحاب العرب من عملية الصراع العربي الإسرائيلي, هذه مشكلة كيف تحل الصراع العربي الإسرائيلي? حتى يصبح ما أطلقت عليه تطرفاً ويصير اعتدالاً.. وهذا ما ولد حركة "حماس" أيضاً, لأن العرب لم يستطيعوا حل الصراع العربي-الإسرائيلي.

برأيك من يعيق بناء الدولة الحديثة?

نحن الآن في مرحلة انتقالية ممكن أن يكون ميثاق الطائف منطلقاً للتغيير. هناك عدد من بنود اتفاق "الطائف" لم تنفذ حتى أن دخول الجيش إلى الجنوب سنة 2000 أعاقته الوصاية السورية, أيضاً هناك عدد من البنود الإصلاحية كإلغاء الطائفية السياسية والمجلس الدستوري وغيرها من البنود التي تنتظر تطبيقها, هذه رؤية لإصلاح الوطن وأيضاً يجب قيام أحزاب علمانية تخرق الطوائف, أحزاب لا طائفية... هناك أحزاب تدعي العلمانية لكن قاعدتها طائفية كالحزب التقدمي الإشتراكي, قاعدته درزية, "التيار العوني" قاعدته مارونية, نفس الشيء حركة "أمل" تعبر عن نفسها أنها حركة محرومين, المحرومون ليسوا من أبناء الطائفة الشيعية فقط, السيد موسى الصدر كان ينتمي إلى هذا المذهب وكان يشير إلى ذلك في مقابلاته وخطاباته.

برأيك هل تسمح سورية للبنان أن يتعافى بهذا الشكل ويصبح بالإمكان قيام أحزاب علمانية تخترق الطوائف?

النظام السوري عنده مشاكله, وعليه الاهتمام بها فإذا ما توفرت الإرادة الطيبة عند اللبنانيين لإنقاذ وطنهم فالعراقيل السورية لا تقف حجر عثرة أمام قيام هذه الأحزاب.

في كلامه الأخير يقول السيد حسن نصر الله: "إذا أردتم تطبيق الطائف فلنبدأ بتشكيل حكومة إتحاد وطني", برأيك ما هو مبرر المطالبة باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة?

في النظام الديمقراطي هناك سلطة تشريعية ويوجد انتقاد على قانون الانتخابات ومنذ استقلال لبنان حتى اليوم فإن قانون الانتخابات أعرج, هذا القانون الانتخابي الأخير جرت الانتخابات على أساسه, ونواب المعارضة انتخبوا أيضاً على أساسه وبالتالي فإن مجلس النواب مجلس شرعي وهو السلطة التي تعطي الثقة للحكومة وتحجبها عنها, إذا استطاع السيد حسن نصر الله أن يناقش الحكومة ويقنع مجلس النواب بنزع الثقة عن الحكومة وتشكيل حكومة جديدة, تكون اللعبة الديمقراطية تسير في الاتجاه الصحيح ويكون المواطن اللبناني يمارس حقه الديمقراطي بإطار الشرعية, وأي إنجاز يتم من خلال الشرعية يكون جيداً, شرط ألا يتم ذلك عن طريق الانقلاب. أن يتم ذلك بالأصول الديمقراطية والأساليب الديمقراطية.

المعارضة يجب أن تلعب دوراً ضاغطاً في البرلمان وليس بالضروري ليكون لها ثقل سياسي أن تكون في الحكومة, فالمناظرات داخل البرلمان تؤثر على قرارات الحكومة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, مثلاً ميشال عون يدعي أن الرئيس السنيورة أخذ النقاط الست عنه, نحن لا نتنافس على شطارة الكلام, فالمهم النتيجة.. وهنا أريد أن أسأل السلطة هدف بحد ذاتها أم وسيلة? السلطة وسيلة لتحقيق الهدف, فإذا تحقق هدف عون عبر الرئيس السنيورة فأين المشكلة?

برأيك على ماذا يرتكز عون بتهديده الأخير: "إذا لم يخرج السنيورة من الحكم سنخرجه بالقوة"?

شخصية عون محيرة من جهة, يجذب عن طريق تاريخه النظيف, ولكن من ناحية أخرى أجده لا يتمتع بوعي سياسي كافٍ ربما سيكولوجياً لديه هم كبير أو ما يسمى ب¯"هوس السلطة", وهذا ما يفسر "شطحاته" وأحياناً يتراجع عنها وأحياناً يشتم ويخاطب بطريقة استفزازية, ثم يتراجع ويندم. برأيي عون ليس رجل سياسي ولا رجل دولة, فمن خلال قراءتي لرجالات السياسة, أعتبر أنه ليس رجل دولة, وإذا كان رهانه على انقلاب عسكري فلبنان ليس دولة انقلابات والشارع لا يغير شيئاً...

ما الانطباع الذي خرجت به بعد خطاب الرئيس بري ودعوته للاعتصام حتى فك الحصار عن لبنان, وهل وجدت في خطابه تبايناً مع "حزب الله" في حين كان يدعم المقاومة خلال فترة الحرب?

الخطاب إيجابي جداً على عدة مستويات. المستوى الأول الذي لفت نظري شكل غطاء سياسياً للحكومة, وهذه نقطة تمايز كبيرة, في وقت كان "حزب الله" يبعث بين الحين والآخر رسائل تهديد للحكومة من خلال التعاون مع عون. ولو كان "حزب الله" يريد أن يترك البلاد في أزمة حكومة لماذا لم يستقل وزراؤه? وهم ليسوا بوارد الاستقالة. "حزب الله" برأيي يناور بالنسبة للحكومة ويحاول إرضاء عون بالمطالبة باستقالة الحكومة. "حزب الله" مستفيد من عون بالدعم الماروني وعون يستفيد من "حزب الله" من كل الجوانب, يوجد شراكة بين الإثنين. النقطة الثانية لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس السنيورة كان يدير الأزمة بحكمة ودراية, وهو يتقدم بإيجابية نحو ترسيخ فكرة الدولة الإلى دور وظيفي منوط بالحكومة, والرئيس بري يتميز معها بعمق الالتقاء ويسجل فيها نقطة إيجابية تندرج في الحصاد السياسي لحركة "أمل".

النقطة الثانية تندرج في النقطة الأولى بأن هناك عزماً على استعادة المبادرة من "حزب الله" على أن تستعيد حركة "أمل" قدرتها التي فقدتها بدءاً من العام 1984 نتيجة الضغط السوري والضغط الإيراني وضغط "حزب الله" عليها. لقد تقلص دور حركة "أمل" في المقاومة وتقلص دورها في القضايا الأساسية وحصر دورها في الوظائف وهذا ما سبب أذية لحركة "أمل" ولرئيسها نبيه بري وما يشاع عن فساد الموظفين وتحميله مسؤولية تعيينهم في الإدارات. هذا الواقع أساء فعلاً لحركة "أمل" وأساء لنبيه بري شخصياً. فعساه أن يستفيد من هذه المراجعة ويطل علينا بحركة "أمل" جديدة.. الذي يؤكد هذا التوجه عودته إلى نصوص السيد موسى الصدر, النصوص اللبنانية التأسيسية كيف فهم موسى الصدر المشروع اللبناني.. لبنان وطن نهائي, طبعاً الاقتراحات التي قدمها في البرلمانات العالمية كانت اقتراحات ذكية تندرج في ما يمكن أن تسميه ستراتيجية الديبلوماسية. وتكلم مع العالم وخاطب العالم بشكل جيد, كون لبنان منبر ديمقراطي متعدد الثقافات, ولاحظنا أن الديبلوماسية اللبنانية تحركت وقامت بنشاط مميزة من خلال ما قام به الرئيس السنيورة والوزير طارق متري وغيرت في القرار الفرنسي الأميركي الذي لو أقر لكان كارثة على لبنان.

كيف تصف لنا علاقتك بالرئيس بري?

لا علاقة.

لماذا أبعدت عنك رئاسة الجامعة والعمادة?

لأسباب كثيرة, أولاً: لأنني مستقل لا أزور الشخصيات السياسية. وهذه طبيعتي. والمسألة الثانية في موضوع العمادة, علمت بأنه اعترض على اسمي بعد توقيعي على عريضة المطالبة بالإفراج عن رياض الترك وأعتبره بمثابة قصاص لي.. لكني لست منزعجاً ولا أتصرف بشيء خارج قناعاتي.