محمد حسن الأمين: المطالبين بإسقاط الحكومة اللبنانية يسعون لتعطيل المحكمة الدولية

 «حزب الله»لم يستطع تحقيق «توازن الرعب» مع إسرائيل

الشرق الاوسط - 2006 / 9 / 16 - سناء الجاك

اعتبر المرجع والقاضي الشيعي اللبناني محمد حسن الأمين ان حزب الله لم يستطع ان يثبت في الحرب الاخيرة على لبنان انه قوة رادعة في مواجهة اسرائيل. وقال في حديث لـ«الشرق الاوسط» إن حماية لبنان تأتي من الاهتمام الدولي الذي حصل وتدويل صراعه مع العدو الاسرائيلي، وأن الاصطفاف الشيعي الحالي لا يعطي الشيعة ضمانات يُفترض أن تؤمنها مؤسساتها. كما رفض «تقديس الشخص» كما يحصل مع الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، معتبرا أن هذه الظاهرة تعكس «مرضا» في الاجتماع السياسي. ورأى الامين في محاولات اسقاط حكومة فؤاد السنيورة سعيا الى تعطيل قرار المحكمة الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم الاغتيال، من دون أن يستبعد تورط أطراف لبنانية مرتهنة لسورية في هذه الجرائم. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف تقرأ الحرب الاخيرة على لبنان؟

ـ كنت ممن يتوقعون العدوان الاسرائيلي على لبنان بذريعة وجود المقاومة التي هي حقيقة قائمة. وهذا العدوان مستمر لم يتوقف. لكن يمكن اعتبار حرب يوليو (تموز) استثنائية بقوة الدمار التي كانت أكبر من حجم المقاومة وخطورتها على الكيان الإسرائيلي. ونظرا الى واقع الكيان الاسرائيلي لم تستهدف إسرائيل المقاومة فحسب وانما الشعب اللبناني كله.

من هنا نرى أن هذه الحرب في جانب منها حققت أهداف إسرائيل. وفي جانب آخر، وهو جانب المواجهة البرية لم تحقق فيه أهدافها كطرف محارب لا يقوى أحد على مواجهته.

 

* هل تجد أن حزب الله تمكن من تحقيق «توازن الرعب» في استراتيجيته العسكرية؟

ـ لا. أنا لم أقل ذلك. وأعتقد أن النقطة الحساسة في هذا المجال هي أن المقاومة ورغم هذا الصمود العسكري والبطولات المميزة لمقاتليها، لم تستطع أن تثبت أنها قوة الردع الكافية في عدوان له هذه القدرة التقنية العالية واستخدامه سلاح الطيران بهذه الهمجية. لم يتحقق هذا الردع الا في المجال البري، على الرغم من ان المقاومة طرحت في استراتيجيتها السابقة انها قوة ردع وليست قوة هجوم.

 

* استطرادا مما طرحته، ما هو المطلوب ليتمكن لبنان من حماية نفسه بمواجهة عدو دائم مثل اسرائيل؟

ـ ما يجري حاليا هو الصورة التي كان يجب أن يجري العمل عليها لبنانيا ودوليا. يعني ان الحضور الدولي في لبنان يحول دون قيام عدوان اسرائيلي ويحظى فيه لبنان بنوع من الرقابة الدولية على الحدود الاسرائيلية ـ اللبنانية على النحو الذي يجري العمل عليه والذي كان هو الوسيلة المفترضة في السابق. ولأنه لم يحصل دفعنا ثمنا كبيرا كان يمكن ان نتفاداه.

 

* كيف تقرأ السجال الحالي على الساحة المحلية في ظل تدويل العلاقة بين لبنان واسرائيل؟

ـ هذا السجال هو امتداد لمرحلة ما قبل الحرب. واذا استمر فهو يعني ان كل الاطراف لا يريدون ان يعترفوا بالحقائق الجديدة التي يجب التعامل معها. ورغم وجود عناصر تفجير او محاولات تفجير في الوضع الوطني الداخلي اللبناني.. إلا اني لست متشائما في هذه الجهة. وارى ان لبنان بصفته وطنا وشعبا هو أحوج ما يكون الى المساعدة الدولية، ولا اسميها المصادرة الدولية. استقلال لبنان يحتاج الى هذه الدرجة من العناية الدولية الجدية في هذه المرحلة. وبالتالي كل محاولة لتجاوز هذا الواقع الجديد الذي استلزمته هذه الحرب المؤلمة هو محاولة لاعادة لبنان الى ما كان عليه قبل الحرب.

 

* ألا ترى ان لبنان ما زال اسير محوري الصراع السوري ـ الايراني من جهة والاميركي ـ الاسرائيلي من جهة ثانية؟

ـ لبنان اسير محاور متعددة. مشكلة لبنان كانت ولا تزال متأتية من التأثير الخارجي على البنية السياسية الداخلية. واذا ذكرنا سورية وايران والولايات المتحدة، فنحن نذكر عناصر لا شك في انها مؤثرة فعلا في بنية الاصطفاف السياسي الداخلي. ولكنني في الوقت نفسه، اعتقد ان حجم هذا التأثير سيتراجع، وإن كان ليس مؤهلا لأن ينعدم. سيتراجع بالدرجة التي تمكن اللبنانيين من إفراد هامش ليس واسعا للتأثير الاقليمي والدولي. هذا هو الطريق الثالث او الطريق الصحيح.

 

* كيف ترى مستقبل الشيعة في لبنان بعد حرب يوليو الماضي؟

ـ الطائفة الشيعية هي ككل الطوائف الاخرى في ظل نظام طائفي ينعدم فيه تأثير البنية الوطنية التي تعبر عنها الدولة، وهي تحاول ان تجد ضمانات خاصة وذاتية وقوة تمنع طغيان الطوائف الاخرى على حساب الوحدة الوطنية. وبقدر ما تقوم الدولة ومؤسساتها يمكن التعاطي مع الشيعة بصفتهم مواطنين راغبين حقيقة في تثبيت وجودهم وضماناتهم. أما في حال تعثر مشروع الدولة بسبب غياب الارادة المحلية والدولية، فمن الطبيعي ان نجد انشداد الطوائف الى محاورها الخاصة.

 

* من يتحكم في الطائفة الشيعية حاليا يملك قرار الحرب والسلم لأنه يملك السلاح والمال والتأييد الشعبي، كيف يمكن ان يقبل بالرجوع الى الدولة؟

ـ لست راضيا شخصيا عن تجليات هذا العصب الشيعي الذي برز في هذه الفترة وما زال يقوى شيئا فشيئا. ولكن في الوقت نفسه انا على يقين انه ليس عصبا طبيعيا. انه ينسجم عكسيا مع غياب قيام الدولة ومؤسساتها وفرديا مع انغلاق الطوائف على نفسها.

 

* هل يقبل الشيعة بهذه العودة الى الدولة بعد تجربة «النصر» كما يُطرح حاليا؟

ـ أي نصر تتحدثين عنه؟ بكل أسف ظاهرة النظام الطائفي في لبنان اعتبرت ان معادلة العلاقة بين الطوائف وموازين القوى في ما بينها هي التي تمثل الاجتماع السياسي..

كل شيعي يرى ان الضمانة الطائفية مؤقتة، وأي تبدل في الظروف والمعطيات التي تسمح بقوة عابرة أو جديدة لطائفة أخرى سيكون انعكاسه السلبي واضحا على الطائفة الشيعية نفسها. ثم مَنْ قال إن الشيعة سيستمرون موحدين في ظل هذه المعطيات التي تمر بهم الآن لا توجد ضمانة؛ مَنْ قال ان الشيعة لن ينقسموا ايضا في آرائهم وسياساتهم بدرجة تؤدي الى خلل كبير في امتيازاتهم الحالية، اذا صح ان لديهم امتيازات حاليا.

 

* هل تعتقد ان قيام الدولة سيتم تحديدا بعد تجربة الحرب التي مر بها لبنان؟

ـ طبعا انا اريد قيام الدولة واؤمن بها لأن البديل عن ذلك غير ممكن.

 

* هل تتخوف من حرب أهلية؟

ـ لا. انا اعتقد ان الحرب الاهلية في لبنان لها موجبات ومؤثرات لا تقتصر على البنية الداخلية. مؤثراتها الخارجية هي الخطيرة فعلا. واذا كانت الرغبة لدى بعض الخارج بأن تقوم حرب اهلية فان هذا لا يكفي في الوقت الذي نشهد اهتماما دوليا بالاوضاع الداخلية.

 

* هل تشعر ان هناك سباقا بين مشروع الدولة ومحاولة القضاء على هذا المشروع؟

 

ـ طبعا هناك قوى اقليمية من مصلحتها سقوط مشروع الدولة. ليس في مصلحة اسرائيل ان تقوم الدولة المتنوعة الطوائف في لبنان لاعتبارات خاصة. ولكن ايضا وبكل أسف قيام الدولة ليس في مصلحة جيراننا الاخرين ايضا. النظام السوري لم يتحمل صدمة خروجه من لبنان ولا يتورع عن اي شيء لإضعاف الكيان السياسي في لبنان.

 

* بعد خروج النظام السوري في لبنان عمدت الى تأسيس «اللقاء الشيعي». لكن هذا التأسيس أُجهِضَ. هل كانت خطوة غير ناضجة؟

ـ هي فعلا حركة متقدمة اكثر مما ينبغي. وقد يفسر هذا ما سميته إجهاضا. بمعنى انها تطمح الى الخروج المرحلي من الدائرة الطائفية. والمخاوف التي طرحناها وتحققت فعلا من خلال بقاء الاوضاع كما هي عليه. اثبتت ان هذه الحركة كانت بعيدة النظر وواجهت المخاوف بخطوة وطنية شيعية ولبنانية.. «اللقاء الشيعي» كان يؤسس لقيام الدولة في لبنان ولحدود الاستقلال والسيادة ومنع التطرف بما فيه التطرف الشيعي الطائفي.. انا اعتقد ان الاطراف اللبنانية سواء «14 آذار» او الاطراف التي تعارضها، تنتمي الى الاصطفاف الطائفي ولا تفضل ان تتعاطى مع حركة وطنية وانما مع اطراف أخرى، متجاوزة كل نقاط الاختلاف الجوهرية فيما بينها.

 

* الى اين تؤدي القداسة التي تضفى على رجل الدين الذي يقود حركة سياسية كما هي الحال مع «حزب الله» وأمينه العام حسن نصر الله؟

ـ تقديس الشخص وترميزه في تراث المجتمع العربي. وحسن نصر الله ليس ظاهرة غريبة عن المجتمع. اما السبب فهو عدم قيام الاجتماع السياسي الحديث البديل عن الاجتماع السياسي الكلاسيكي المبني على الاشخاص في غياب فكرة الدولة والمؤسسات. وتبدو هذه الظاهرة اكثر انتشارا عندما تكون الدائرة التي ينتمي اليها دائرة دينية وعندما يكون الشخص في دائرة الحرب والقتال. يحتاج هذا النوع من الاجتماع الى اضفاء القداسة على رموزه سواء كانت مسلمة مثل حسن نصر الله او مسيحية مثل سمير جعجع في مرحلة الحرب الاهلية اللبنانية.

اذن هي مرض في الاجتماع السياسي الذي يضفي القداسة على ما هو غير مقدس. وعلاجه يكون عبر الاصلاح الديني والاصلاح السياسي. ليست هناك مقدسات لا يجوز المس بها. لكن في ظل هذه الاصطفافات التي نراها في البلدان العربية. ومن يمس بها قد يتعرض الى القتل. وكانت لي اجتهادات فكرية حيال فكرة المقدس.

 

* لكن لدى «حزب الله» امتدادات واجتهادات لا تلائم التركيبة اللبنانية، كيف يمكن مواجهة هذه الامتدادات ومنها الالتزام بولاية الفقيه؟

ـ ليس كل الشيعة ملتزمين بولاية الفقيه. انما هي رؤية فكرية سياسية توجد بمواجهتها فكرة الخلافة الاسلامية. وكل هذه الاشكال هي نقيض لما نطمح اليه على مستوى الاجتماع الاسلامي.. ولاية الفقيه هي صيغة اتبعتها ايران ورغم اتباعها لم تستطع ان تتنكر لفكرة المؤسسات التمثيلية للشعب. حتى في ايران لا يوجد تطبيق كامل لولاية الفقيه. والكلام عن ولاية فقيه في مجتمع سياسي كلبنان هو منطق غير واقعي على الاطلاق. إننا ذوو مصلحة ان يكون لدينا اجتماع سياسي تحدده اختيارات الناس السياسية. ولن يكون لبنان ساحة لاي تجربة آيديولوجية خاصة بهذا الفريق او ذاك.

 

* هل تتهم المطالبين باسقاط الحكومة، اي حزب الله وحلفائه، بالسعي الى تعطيل المحكمة الدولية لحماية سورية مثلا؟

ـ بشأن الطبقة السياسية كل شيء يصلح للاتهام. مَنْ قال انه لا يوجد متورطون لبنانيون في الاغتيالات؟ مَنْ قال انه لا يوجد هناك من هم مرتبطون ارتباطا وثيقا بالنظام السوري؟ انا لا أريد ان أحدد لانه ليست لدي معطيات دقيقة. لكني اقول ان جسد هؤلاء السياسيين «لبيس» لدرجة انه يمكن ان نوجه اليهم اتهامات اكبر من هذه بكثير.