الأكاديمي اللبناني طالب بإعادة النظر في ستراتيجيات المواجهة مع الدولة العبرية

 محمد علي مقلد لـ "السياسة": "حزب الله" أدخل لبنان في مغامرة خاسرة.. وحربه شقت الصفوف

 الدكتور محمد علي مقلد

بيروت- من صبحي الدبيسي:السياسة 20/20/2006

رأى أستاذ الحضارة والقضايا العربية المعاصرة في الجامعة اللبنانية, الدكتور محمد علي مقلد.. أن المقاومة لم تحظَ بالإجماع اللبناني والعربي اعتراضاً على البرنامج السياسي الذي اتبعته في مواجهة إسرائيل وأثبت فشله من أيام صواريخ »ميس ميس« لأن لغة الصواريخ غير مجدية والمواجهة الناجحة هي المواجهة بالسلاح الأبيض المباشر لا بالطيران ولا بالدبابات التي لا نملكها وهي التي غيرت موازين القوى...

كلام الدكتور مقلد أتى في سياق حوار أجرته معه "السياسة", طالب فيه بإعادة النظر في ستراتيجيات المواجهة مع العدو, وأن يكون »حزب الله« قائداً لحركة التحرر في الوطن العربي لا أن يكون جزءاً منها بقيادة سورية, لأن النهج السوري لم يكن ناجحاً لا في الجولان ولا في لبنان. كاشفاً أن سورية منعت الحزب الشيوعي من المقاومة, لأنه رفض الانخراط في المعركة ضد المخيمات الفلسطينية ما عرضه لمجموعة من الاغتيالات طالت عدداً من قياداته.

ورأى أنه بعد هذه الحرب أصبح من الصعب على »حزب الله« القيام بعملية عسكرية في المدى المنظور, لأن هذا الحزب أدخل لبنان في مغامرة خاسرة شاء ذلك أم أبى وهذه المغامرة دمرت »حزب الله« قبل سواه ولا يمكن أن نسمي الأسلوب الذي استخدمه بالانتصار بمعزل عن النقاش الدائر, لأن إسرائيل لا تزال تحتل أراضينا وتخرق حرمة أجوائنا ومياهنا.

الدكتور مقلد, أشار إلى أن الحرب لم تحقق شيئاً بيننا وبين إسرائيل, لكنها في لبنان أقامت شرخاً بين اللبنانيين لم يكن موجوداً قبل الألفين. ومن المؤسف أن القوى السياسية اللبنانية لا تتعلم الدرس إلا بعد أثمان باهظة, مطالباً بإعادة النظر في المواقف الإيجابية لكل من وليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري. وإن الأفرقاء السياسيين لم يكونوا صادقين على طاولة الحوار بدليل تنصل البعض من النقاط التي اتفقوا عليها. متسائلاً كيف نفاخر بالنقاشات والنقد الذاتي الذي يجري داخل إسرائيل ولماذا يحاول »حزب الله« أن يقنعنا بما لا يمكن أن نقتنع به?

وفي مايلي نص الحوار:

بصفتك مدرس مادة الحضارة العربية نود أن نسألك ماذا بقي من هذه المغامرة, وهل من خطر عليها?

بقي من الحضارة العربية, كل ما أنجزته هذه الحضارة, لم يندثر منها شيء, لكن, كل الحضارات في التاريخ لها حدودها التاريخية وأحياناً الحضارة تتجاوز البعض ولكن لا تلغي البعض. إنها تعتمد على بعضها البعض كسباق البدوي, كل واحد يحمل الراية, وراء الآخر, فأنجزت الحضارة العربية كما أنجزت الحضارة اليونانية, والحضارة الرومانية, والحضارة الفارسية, وكل الحضارات في التاريخ ولا يستطيع أحد أن يلغي حضارة أحد.. وقد نستفيد منها. ولكننا من الناس الذين لم يستفيدوا من حضارتهم القديمة, لأننا ضيعنا حضارتنا وجعلناها تندثر, لأننا لم نستطع أن نبني عليها لنجددها وأفضل طريقة للاستفادة من حضارتنا, هي أن نبني فوق المدماك الذي بنته أجيال قديمة من شعوبنا, يعني أن نجدد هذه الحضارة وهذا ما لم نفعله.

في رأيك هل للحدود الجغرافية تأثير.. وهل الأنظمة المتعاقبة مسؤولة عن عدم الحفاظ على تلك الحضارة?

إذا كنت تعني بالسؤال ما أفضت إليه إتفاقية "سايكس بيكو" أعتقد أن الأمر يعني ذلك, لأن من يقرأ تاريخ أوروبا قبيل هذه التحولات نحو الحضارة الحديثة, يجد أن أوروبا كانت بحالة شبيهة إن لم تكن متطابقة لحالتنا, في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية, لم يبق من هذه النماذج الكبرى في أوروبا أي مملكة وأعيد تعديل جغرافيتها وحدودها أكبر مملكتين في أوروبا كانت مملكة إسبانيا ومملكة النمسا لم يبق منهما إلا حدودهما الحالية. أعيد تركيب جغرافية أوروبا استجابة لمصالح النظام الرأسمالي الجديد وبلادنا أعيد تركيبها استناداً إلى ما كان قائماً, الاستعمار لم يفعل شيئاً من لا شيء. الكيانات كانت موجودة. بلا الشام, العراق, الجزيرة العربية, ما حصل تعديلات طفيفة كانت ولاية دمشق ولاية الموصل, ولاية حلب, ولاية بيروت. الاستعمار جعل من كل ولاية جمهورية أو مجموعة ولايات جعلهم جمهورية, نحن اعتقدنا أن المشكلة الأساسية هي تأسيس جمهوريات وكان علينا أن نبني وطناً عربياً واحداً. وطبعاً الذين يطالبون بالوطن العربي الواحد حاولوا بناءه لكن الحركات القومية لم تستطع أن تحافظ على وحدة بلدانها وليس على وحدة العالم العربي.

هل هناك استحالة في تحقيق ذلك?

هناك استحالة في ظل القيادات العربية الراهنة, لكنها ليست مستحيلة, وهذه أوروبا بعد أن تقسمت عادت للتوحد مرة أخرى بصيغ بطيئة ولكنها ثابتة, هناك وحدة سياسية واقتصادية, والمجلس الأوروبي الذي اجتمع واستمع لكلمة الرئيس فؤاد السنيورة إحدى صيغ التوحيد بطيئة جداً, لكنها ثابتة. حين تترسخ القلوب عند شعب من الشعوب يصل إلى ما يريد.

التعاطف العربي مع لبنان هل تعتقد بأنه يؤسس لوحدة عربية قد تظهر في المستقبل القريب?

أعتقد ما حصل في الفترة الأخيرة ليس تعاطفاً مع المقاومة, حصل إجماع لبناني مع إجماع عربي مع إجماع دولي في الألفين عندما حررنا الجنوب اللبناني, لكن في المعركة الأخيرة لم يحصل تعاطف مع المقاومة لا في لبنان ولا في العالم العربي ولا في العالم.

لماذا?

بتقديري اعتراض هؤلاء الذين لم يجمعوا على دعم المقاومة, اعتراضاً منهم على البرنامج السياسي الذي اتبعته المقاومة في مواجهة إسرائيل وأنا واحد من الذين اعترضوا, لكن المقاومة في النهاية مهما أخطأت تبقى أولى بالاحتضان ونحن مطالبون شئنا ذلك أم أبينا بأن نقف ضد العدوان الإسرائيلي, لأن إسرائيل عدو وبعد أن انتهت الحرب علينا مناقشة هذه الحرب, لأن هذه السياسة في مواجهة العدو أثبتت فشلها من أيام ما كنا نقول في لبنان "صواريخ ميس ميس". يعني مواجهة بالصواريخ وصولاً إلى صواريخ لبنان حيفا. لغة الصواريخ من بعيد غير مجدية, أثبتت المواجهة مع إسرائيل منذ الثمانينات حتى اليوم المواجهة الناجحة هي المواجهة بالسلاح الأبيض المباشر لا بالطيران, لأننا لا نملك طيراناً ولا بالصواريخ, لأن لديهم صواريخاً أقوى من صواريخنا وطيراناً أقوى من طيراننا, ولا بالدبابات لأن ليس عندنا دبابات, إذن السلاح الأبيض جندي مقابل جندي هو المحل الوحيد الذي انتصرنا فيه, السؤال هل تسمح لنا إسرائيل دائماً أن نختار شكل المواجهة? يبدو لم تسمح بذلك. استمرت بقتالنا من الجو وفي الوقت الذي سمحت لنا فيه تكبدت خسائر هائلة. إذاً يجب إعادة النظر في ستراتيجيات المواجهة, وكما قلت ذات مرة لقياديي »حزب الله«. نحن مطالبون بأن يكون »حزب الله« هو قيادة حركة التحرر في الوطن العربي, لأن نهج المواجهة التي قام بها قبل الألفين هي الأساس وبالتالي عليه هو أن يكون قائد حركة التحرر, لا أن يكون جزءاً من حركة التحرر بقيادة سواه وأعني هنا سورية النهج السوري في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لن يكون ناجحاً لا في الجولان ولا في لبنان, في الجولان لا يزال الجولان محتلاً. وفي لبنان وبلسان عبد الحليم خدام كان حافظ الأسد والنظام السوري يبتز إسرائيل في لبنان والمواجهة بالنسبة إليه ليست في التحرير بالإبتزاز, نحن مطالبون لنبني نهجاً للمواجهة لنحرر لا لنبتز من أجل تسوية ما.

هل نستطيع كلبنانيين على الصمود والمواجهة من دون مساعدة الآخرين?

لا.. طبعاً, هذا وهم أن يتخيل أحد في الكرة الأرضية أنه قادر أن يعمل »دون كيشوت«, نحن ربحنا الحرب قبل الألفين بمساعدة سورية وبمساعدة إيران ومن يعتقد خلاف ذلك, يجافي الحقيقة. إذا كان تحرير فلسطين انطلاقاً من لبنان, أيضاً أعتقد بأنها تجربة فاشلة. بإمكاننا أن نساعد القضية الفلسطينية بالحدود التي يتقبل بها الشعب الفلسطيني المساعدة, وبالحدود التي يستطيع فيها الشعب اللبناني أن يتقبل المساعدة وليس بالوهم القديم, في الماضي كان ظهرنا محمياً من هنا إلى الإتحاد السوفياتي, اليوم من يحمينا? سورية? هي الأخرى بحاجة لمن يحميها.. بهذا المعنى علينا أن نعتمد على الآخرين, وعلينا أن نحدد ما هو البرنامج السياسي الذي بإمكاننا أن نطالب الآخرين بمساعدتنا في ضوئه.

لماذا تفرد »حزب الله« بالعمل المقاوم, هل بسبب نقص في وطنية باقي اللبنانيين, أم للإستفادة بالدعم المالي الخارجي الذي أمن له ازدهاراً في كل مناطق تواجده حتى أصبح دولة ضمن الدولة?

في البداية من الصعب على الطوائف أن تقاوم »حزب الله« ليس طائفة, إنه قوة سياسية لها برنامجها. والبرنامج في أصله ينص على قيام دولة إسلامية, مثله مثل كل المجموعات الإسلامية في هذا العالم العربي والإسلامي, على أساس هذا الشعار حصلت معركة في الجنوب. وكان الصراع يومها سوري-إيراني, استقرت الأمور على تسوية يوماً ما قضت بتخلي »حزب الله« عن شعار الدولة الإسلامية مقابل حصته في السلطة السياسية اللبنانية وفي المقاومة على أن تستفيد سورية وإيران من مقاومته. وهذا ما حصل سنة 1989-.1990 قبل ذلك كان »حزب الله« قد استفرد في المقاومة آنذاك, لأن قبل الحزب كانت مجموعة الأحزاب الوطنية بالرغم من تفاوت مساهماتهم. هذه الأحزاب بدأ يتراجع دورها في المقاومة منذ العام 1985 وفي العام 1987 اتخذ قرار بوقفه لأن سورية طلبت من الحزب الشيوعي الانخراط في معركة ضد المخيمات الفلسطينية رفض الحزب الشيوعي ذلك, عوقب على هذا الرفض واستمرت المعاقبة إلى أن انهارت كل علاقات الحزب الشيوعي مع السوريين وحلفاء سورية, خصوصاً مع حركة "أمل" في بيروت أثناء المعركة الشهيرة بين "أمل" و"الشيوعي" حصل على أثرها مجموعة اغتيالات استهدفت قيادات في الحزب الشيوعي. وربما من الصدف أو غيرها أن إسرائيل أغارت على أكثر من مكان قيادي للحزب الشيوعي وتحديداً في مقر قيادته في الرميلة, ولقد قيل للحزب الشيوعي بطريقة من الطرق ممنوع المقاومة لا سيما وأن الحزب كان على استعداد لمتابعة مقاومته باستقلال كامل عن ستراتيجيات التسوية. وفي هذا السياق لا أبرئ »حزب الله« مما حصل وأقله كانت مسؤوليته أن لا يرضى كونه حريص على المقاومة بدليل بعد توقف أعمال المقاومة الشيوعية ضد إسرائيل حاول »حزب الله« حثيثاً أن يستعيد دور الشيوعيين ضد إسرائيل بصيغة معينة وقيادة موحدة وجرت مساعٍ صادقة لإعادة الاعتبار للمقاومة كحركة مسلحة لبنانية الطابع ولم تنجح هذه المحاولات, لأنه كان قد سبق السيف العزل.

في المعركة الأخيرة, لماذا لم تعلم بقية الأطراف اللبنانية بما حصل, لماذا حصل التفرد في القرار بعضهم أطلق عليه مغامرة والبعض الآخر اعتبرها دعسة ناقصة, هل كانت ضرورية هذه المعركة من وجهة نظركم?

جواباً على هذا السؤال كتبت منذ فترة مقالة في جريدة "البلد" تحت عنوان "انتصار بين مزودجين كان يمكن تفاديه". والحقيقة هذا السؤال يجب أن يطرح على »حزب الله«, جوابنا سيكون بالتقديرات واستناداً إلى ما قاله مسؤولو »حزب الله« والسيد حسن تحديداً, لم يكن »حزب الله« يحاول إرباك الوضع السياسي الداخلي في لبنان ويحرك الحوار الداخلي الذي كان على جدول أعماله البحث في ستراتيجية الدفاع, على أساس بعد هذه العملية ينطلق البحث في ستراتيجية الدفاع ينطلق من نصر ما.. يمكن أن يحققه »حزب الله« على إسرائيل وبالتالي زيادة الفرص لتثبيت سياسته بمواجهة إسرائيل. لم يكن »حزب الله« متوقعاً لما حصل كانوا يتوقعون الرد بالقصف ويتوقف بعدها يتدخل فريق ثالث يتولى المفاوضات لتبادل الأسرى. هذا لم يحصل, إذا سألتني لماذا فعل »حزب الله« ما فعله أقول بأنه من الطبيعي بألا يخبر أحداً. ومثل هذه الستراتيجية المبنية على الكتمان وعدم الثقة بالقوى السياسية الأخرى في هذا الموضوع, القوى السياسية الأخرى تبدو مرتبكة أحياناً يتحالفون معها. تحالفوا في الانتخابات وبعدها فرطت السبحة, هذه الثقة المزعزعة لا تستقر على قرار من الطبيعي أن لا يكون »حزب الله« على ثقة بهؤلاء, خاصة وأنه يتهمهم بإدارة آذانهم للصهيونية والاستعمار والمجتمع الدولي.

في رأيك, هل أصبح »حزب الله« أسير الجهة الداعمة له, لدرجة أن قراره لا يستطيع أن يقرره بمفرده, وهل تتوقع أن يطلب بعد فترة القيام بعملية ما?

في تقديري, أصبح من الصعب على »حزب الله« أن يقوم بعملية عسكرية في المدى المنظور, وأنا أستند على التصريحات التي قيلت خلال الحرب: "هذه المعركة هي آخر المعارك بيننا وبين إسرائيل", هذا الكلام للسيد حسن في إحدى كلماته خلال العدوان. إسرائيل أيضاً قالت في أثناء ذلك لن نوقف إطلاق النار مع »حزب الله« لأننا لن نكرر الحرب مرة أخرى ورغبتهم أن تكون هذه الحرب آخر الحروب. كأن ظروفاً موضوعية ما تتجمع في مكان لما لتنضج تسوية لوقف الحرب أو هدنة لا أكثر ولا أقل, والهدنة هي تعبير لموازين القوى. حالما يتغير ميزان القوى عند أحد الطرفين تنكسر الهدنة. من اليوم ولأجل غير منظور ليس هناك احتمال لكسر موازين القوى لصالح »حزب الله« ونهج »حزب الله« ضد إسرائيل, إلا إذا كان كسر الهدنة هو المفتاح لتغيير موازين القوى وهذا يتطلب تغيرات في المنطقة ولست أعرف مدى استعداد المنطقة لهذه التغيرات. يقال مثلاً: إذا سورية كانت محشورة في المحكمة الدولية, يمكن أن تقوم بمعركة في الجولان عندها يكون الأمر مفتوحاً على احتمالات انفجار إذا كان »حزب الله« سيساعد سورية على ذلك, لكن هذا الموضوع مستبعد في الوقت الراهن.

ما الخلاصة التي خرجت بها بعد خطاب السيد حسن نصر الله الأخير?

إذا أجزت لنفسي أن أكرر ما استخلصته منذ أكثر من عام غداة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وقلت ما هو مطلوب من »حزب الله« ومن الآخرين, وما هو المطلوب من الشيعة ومن حركة "أمل" و»حزب الله«, وأكرر ذلك اليوم. نحن دخلنا في الجنوب اللبناني وأدخلنا لبنان في مغامرة شاء »حزب الله« ذلك أم أبى, هذه المغامرة بمعنى من المعاني مغامرة تدميرية تدمر »حزب الله« ولا تدمر سواه, لأنها مغامرة من دون أفق, نحن لسنا قادرين بالأسلوب الذي استخدمه »حزب الله« على الانتصار على إسرائيل, فإذا لم نكن قادرين على الانتصار, بمعزل عن النقاش الدائر حول النصر, أقله نحن لم ننتصر, لأن إسرائيل ما تزال موجودة في أراضينا وتخرق الأجواء والمياه, فإذا لم نكن قادرين على الانتصار, لا أقول انهزمنا يجب أن نعترف أن الحرب لم تحقق شيئاً بيننا وبين إسرائيل ولكن في لبنان أقامت شرخاً بين اللبنانيين لم يكن موجوداً قبل الألفين أو إلى ما قبل اغتيال الحريري كان هناك وحدة وطنية بالحد الأدنى. هذه الوحدة أمنت خروج جعجع من السجن, وعودة ميشال عون من الخارج. هذه الوحدة الوطنية تصدعت في الحرب, أضف إلى ذلك هناك شيء غير مرئي ولا يقدر في حساب الخسارة, ويتمثل بزعزعة ثقة اللبنانيين بوطنهم, وهناك عدد هائل من اللبنانيين غادر لبنان أو في طريقه للمغادرة تعبيراً عن يأسه وإحباطه وكلما فتح باب أمل للبنانيين بتعافي هذا البلد تحصل تطورات تزعزع الثقة وهذه الحرب زعزعت ثقة اللبنانيين بوطنهم وببعضهم البعض, وهذه خسائر لا تعوض, من السهل أن تأتي سورية أو قطر أو الاتحاد الأوروبي يقدمون لنا المال لبناء الجسور أو البيوت لكن هذه الخسارة المعنوية لا تعوض وإذا كنا سنعوضها فهذا يتطلب الكثير من الوقت, علينا أن نستفيد من درس أساسي, قبل الشيعة حاول الموارنة أن يقدموا على هذه المغامرة ولم تنته فقط بأنها باءت بالفشل, بل انتهت بأنها دمرت الموارنة وهم اليوم بأسوأ حالاتهم. فالشيعة إذا تكلمنا بمنطقهم منطق الطائفيين يتبين أن ما يقومون به هو خطر على مصالحهم بالدرجة الأولى, وعليهم أن يعودوا ولا مخرج لهم إلا بالوحدة الوطنية وبناء لبنان. الدولة هي الحل.. وليس الإسلام هو الحل.. ولا الاشتراكية هي الحل.. الدولة ما هي الدولة, هي دولة القانون والمؤسسات ومصدر السلطات, دولة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص, الدولة التي تأسست في معظم دول العالم وهي متحضرة وللأسف نحن رفضنا من مئتي سنة وحتى اليوم أن نؤسس دولة.

بدلاً من محاسبة أولمرت يحاسبون السنيورة وبدلاً من مزارع شبعا يريدون السراي الحكومي, إلى أي مدى تتفق مع النائب سعد الحريري في هذا القول?

أريد الإجابة على هذا السؤال لسبب واحد, هذا سجال سياسي وفي السجال السياسي كل شيء مباح. والمباح المناورة السياسية, قد يستهدفون شيئاً ويصوبون على شيء آخر. يواجه خصومه بالمداورة ليس بالصراحة يواجهه بنقاط ضعفه لكن ما ليس جائزاً هو جزء من لغة التخاطب السائدة في بلادنا وللأمانة فإن النائب سعد الحريري لم ينغمس بمثل هذه الأجواء المشحونة بلغة التخاطب, لم يركز على التعبئة الطائفية, ولم يستخدم الكلام النابي. للأسف بعض القوى السياسية الأخرى تستخدم من الكلام ما يخرج عن آداب الكلام, آداب العلاقات, آداب التخاطب وأنا في إحدى مقالاتي طالبت من الصحافة اللبنانية بأن تكون بديلاً عن هؤلاء الذين لم يتربوا لأنهم أحياناً يتكلمون خارج حدود الأدب باستخدامهم ألفاظ نابية وعبارات نابية, هذه اللغة عيب من الأحذية إلى غيرها.. هذه اللغة المعيبة على اللبنانيين أن يتراجعوا عنها نحو لغة التخاطب السياسي, من حقهم أن يختلفوا داخل الأطر الديمقراطية. عيب الاختلاف على هذه الطريقة... أجدني هنا منحازاً للحريري في لغة التخاطب.

أما بما يخص الخلاف والسجال السياسي برأيي منحاز لقوى 14 آذار في موضوع السيادة والحرية, لكن أساوي بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار كلها في موضوع بناء الدولة, جميعهم إما لا يعرفون ماذا يعني بناء الدولة يتماهى كل واحد منهم بالدولة وكل قوة تعتبر نفسها الدولة, أو أنهم يعرفون معنى الدولة وأنا أميل لذلك ولكنهم يتهربون من بنائها كما ينبغي أن تبنى ولذلك نجد الهم الأساسي عندهم ليس بناء الدولة وبناء الوطن, الهم الأساسي عند كل واحد منهم مختلف ونقيض الآخر, الهم الأساسي عند فريق 14 آذار إخراج السوريين من لبنان طبعاً ينبغي خروج السوريين لكن ليس خروجهم حلاً لمشكلة بلادنا, نحن مسؤولون عن استدراج السوريين وليس الحل بمعاداة أميركا وأوروبا من الصعوبة أن ينقطع عن بعضه البعض بهذا المعنى, نحن مطالبون أن نعود إلى أزمتنا الداخلية, إلى مسؤولياتنا نحن مع إعادة بناء البلد لا يبرأ أحد من القوى السياسية أنه حريص على بناء البلد, ووحدة الدولة أكثر من سواه. أنا أتهم الجميع ليس من موقع الخيانة. لأنهم يغلبون مصالح الخارج على مصالح الداخل, يستقوون بالجيران والأقارب والأعداء على أبناء البلد. وهذا ينبغي أن نقلع عنه, يجب قيام نقد ذاتي حوله, لا أن نستعين بأي كان على أبناء بلدنا.

كيف السبيل لإعادة الثقة المفقودة بين اللبنانيين?

من المؤسف أن القوى السياسية اللبنانية لا تتعلم الدرس إلا بعد أثمان باهظة, قليلاً من التعقل الذي يمثله اليوم الرئيس بري بين الشيعة, ينبغي لهذه المغامرة أن تتوقف, ليعاد النظر في كل المواقف, الحريري و"تيار المستقبل" أعادا النظر.. الحريري اختار لبناء الدولة التسوية والمساومة, لكن هذه السياسة لن تنجح, لأنها تكون لصالح المساوم الرخيص وليس المساوم الكبير, "القوات اللبنانية" أعادت النظر, كانت تطالب بالكانتونات والتقسيم, اليوم تعتبر أنها جزء من لبنان, جنبلاط كان يساوم كثيراً مع سورية خوفاً منهم, وحين تجرأ لأول مرة سنة الألفين فك علاقات المساومة بينه وبينهم هدد واليوم يقول بأنه أعاد النظر والدليل أن حلفاءه الأساسيين هم أعداء الأمس "القوات اللبنانية". علينا أن نرعى مثل هذا التحول بسياسة وليد جنبلاط وسياسة "القوات اللبنانية", وإن علينا أن نرعى هذا اللقاء ونوسع هذا اللقاء ليشمل قوى أخرى من بينها حركة "أمل", »حزب الله«, ميشال عون, وكل القوى السياسية مع حفظ الألقاب, هذا يتطلب حداً أدنى من النقد الذاتي, ما يوفر مستقبلا زاهرا للبنان..

هؤلاء الذي ذكرت كانوا على طاولة الحوار قبل 12 تموز?

لم يكونوا صادقين, وكل واحد منهم عندما ينتهي الحوار يتمسك كل واحد بوجهة نظره, بدليل اتفقوا على موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات واتخذوا قرارات أعلنها الرئيس بري في اليوم الثاني, اختلفوا عليها وعندما حاول الجيش اللبناني التمركز على الحدود الشرقية أطلقت النار عليه, وحصل خلاف حول السلاح الفلسطيني ولم يعودوا متفقين..

الحديث عن 20 ألف صاروخ أخاف اللبنانيين, ما يعني أن السلاح ما زال يتدفق باستمرار إلى »حزب الله«, وأنت كما تقول لا تتوقع معركة بين الحزب وإسرائيل, فلماذا هذا السلاح إذاً?

أعتقد إذا كان من تأثير لمثل هذا الخبر, تأثيره على اللبنانيين وليس على إسرائيل, إسرائيل متحسبة, غيرت قائد الجبهة الشمالية وتقوم بإنشاء تحصينات متطورة وقد تطالب أميركا بمعركة استباقية ضد إيران وسورية و»حزب الله« أو تلجأ إلى عمليات الاغتيال في لبنان. ولكن الذي لا يملك قدرة الرد هو الشعب اللبناني إلا بالتعبئة الطائفية إذا قال السيد حسن أنه يملك 20 ألف صاروخ, 20 ألف صاروخ شيعي, وسيكون الرد من جهة أخرى لديكم 20 ألف صاروخ نحن لدينا تعبئة طائفية أو مذهبية ضدكم... هذه خسارة..

أما الخسارة الثانية فهي قلة الثقة يعني ممكن أن تتكرر الحرب مرة أخرى بحيث تجبر اللبنانيين على النزوح ليس فقط من الجنوب بل من عكار وينبغي أن يسأل الأمن العام عن عدد جوازات السفر ومن هم أصحاب هذه الجوازات, أنا أزعم أن أصحاب هذه الجوازات هم من الكادرات العليا من اللبنانيين وليسوا مواطنين عاديين لأنهم لم يعد عندهم أمل بلبنان. هذه الخسائر الكبرى التي على »حزب الله« التنبه لها ليكون تصريحنا عن مدى قوتنا لا يخيفنا بل يخيف إسرائيل, كان الأجدى ب¯»حزب الله« عدم الكشف عن سلاحه كي لا يعرف العدو حجم هذا السلاح وإلا تبين لنا أن العدو يعرف أكثر من كل اللبنانيين حجم سلاح »حزب الله«.

لماذا »حزب الله« يحاول أن يمنع النقاش حول نتائج الحرب إلا من خلال الاستقواء والاستعلاء والحديث عن النصر بشكل دائم. بينما في إسرائيل هناك نقاش ومحاكمات, إقالات بينما هنا الكلام في هذا الموضوع من المحرمات?

في لبنان نعتز بالنقاشات الديمقراطية داخل إسرائيل هكذا يقولون. دليل عظمة هذا الانتصار, انظروا إلى النقاش الديمقراطي في إسرائيل. أعتقد لو كنت مكان »حزب الله« أقول نفس الكلام الذي يقوله الحزب مع بعض التعديل في اللهجة والنظرة, ولا أقول بأني انهزمت. لأنه أثبت أنه حزب شجاع فيه مناضلون شجعان تحدوا الهيبة الإسرائيلية وكسروها, وبهذا المعنى من حق »حزب الله« أن يتغنى بهذا النصر, ولكن ليس من حقه أبداً أن يقنعنا بما لا يمكن أن نقتنع به, والحروب تقاس بالمقياس السياسي وليس بمقياس القتل وحده.. حتى في هذا المقياس إسرائيل أقوى منا, فهي قتلت أكثر ودمرت أكثر. علينا أن نتواضع ونناقش هذه المعركة بالسياسة. في هذا المعنى أعتقد بأننا خسرنا.. بطولات »حزب الله« بطولات حقيقية, وإسرائيل ستتهيب حكماً من أي حرب يمكن أن تشنها علينا, لكن هذا مكسب جزئي علينا أن نثمنه في الداخل وللأسف السياسة التي يعتمدها »حزب الله« بتخوين الآخرين جعلهم يخافون هذا المكسب.