الأسد: العاهل السعودي دعمني ولا أتوقع حلولا من القمة
19 أذار 2007

إيلاف من الرياض: اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن العلاقة بين بلاده والسعودية علاقة تاريخية، وبأن الدور السعودي والدور السوري بالإضافة إلى مصر هو دور أساسي في تاريخ الديناميكية السياسية العربية، موضحاً أن العلاقة بين البلدين سبق أن مرت بظروف حرجة جداً، وبأنها "تمر بغيوم، لنسمِّها هكذا، مرّت مؤخراً غيمة ولكن تجاوزناها؛ لأن الشيء التاريخي القديم لا يمكن أن يؤثر فيه ـ أحياناً ـ بعض الكتابات محدودة الرؤية كما أسمِّيها"، مضيفاً بأن التعاون السعودي السوري كان دائماً ما يؤدي إلى حلول لمختلف مشاكل المنطقة، واستشهد الرئيس السوري باتفاق الطائف الذي اعتبره نتاج التعاون السعودي السوري.

وأكد الرئيس بشار في حواره مع صحيفة (الجزيرة) السعودية اليوم بأن ما كان يمنع حصول تباعد في العلاقات بين الطرفين هو العلاقة المباشرة التي كانت بين قيادات البلدين، مبينا أنها ابتدأت "بالملك فيصل ولاحقاً مع الملك خالد ثم مع الملك فهد، والآن مع الملك عبدالله. طبعاً العلاقة مع الملك عبدالله بدأت منذ أن كان ولياً للعهد، بل قبل ذلك بكثير؛ أي منذ أن كان رئيساً للحرس الوطني".
 
وكشف الرئيس السوري بأن العلاقة بينه والعاهل السعودي الملك عبدالله هي علاقة عائلة وأخوة، معتبراً العاهل السعودي بأنه "من جيل الوالد". مبيناً مدى الصراحة الكبيرة التي تميز العلاقة بين كليهما. وقد اعتبر الأسد بأن القضايا السياسية في هذه المرحلة خاصة في السنوات الخمسة الأخيرة كانت معقدة جداً، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك خلافات في وجهات النظر، ولا ينفي ذلك بحسب الأسد التحدث بشفافية مع العاهل السعودي حول مختلف القضايا، معتبراً أن الملك عبدالله "شخص شفاف وصادق بطبعه".
وتحدث الأسد عن وقوف العاهل السعودي الملك عبدالله معه بشكل مباشر إثر وفاة الرئيس حافظ الأسد، وبأن العاهل السعودي كان وفياً جداً مع سوريا من خلال مواقفه في المراحل الأخيرة التي تعرضت فيها سوريا " لهجمة شرسة".
 
القمة المرتقبة
 
وحول رؤيته ما هو الممكن تحقيقه خلال القمة العربية المزمع عقدها في الرياض نهاية شهر مارس الحالي أوضح الأسد أن الخروج "بتضامن عربي" شيء ممتاز، معتبراً أن أي قرار لا يؤخذ تحت إطار التضامن العربي سينقلب سلباً على الجميع. وقال الأسد " أنا لا أتوقع أن تطرح حلول الآن؛ لأن الحل لا يوضع في القمة، ولكن على الأقل إذا وضعنا آلية للحوار ولإيجاد حل ومن ثم تحرك عربي فهذا سيكون إنجازاً كبيراً".
 
لبنان .. والمحكمة الدولية
 
وحول الملف اللبناني أكد الرئيس الأسد بأنه ليس لدى السوريين أي مشكلة فيما يتعلق بالمحكمة الدولية، معتبراً أنها مشكلة لبنانية بالدرجة الأولى، وبأن أطرافاً لبنانية هي من ترفض مسودة المحكمة على أنها تنتقص من السيادة اللبنانية.
أما عن الجانب السوري فقال الأسد "يقول البعض: إنه يمكن استخدام هذه المسودة ضد سوريا أو استخدام هذه المحكمة ضد سوريا، نحن كنا واضحين بالنسبة إلى مجلس الأمن، أرسلنا رسالة بأن أي اتفاقية هي بين لبنان ومجلس الأمن، سوريا غير معنية. نحن لم نُشاوَر، ولن نتنازل عن سيادتنا".
واعتبر الأسد في حديثه حول لبنان بأن أبرز الحلول المطروحة الآن ليتجنب لبنان الإنزلاق نحو النزاع الداخلي هو الإنتخابات المبكرة والذي اعتبره مطلباً "دستورياً"، فيما ربط بين تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان وبين ما تم في اتفاق مكة المكرمة من الإتفاق بين الفلسطينيين على حكومة وحدة فلسطينية.
 
الوضع الداخلي
 
وعندما انتقل الحديث للوضع الداخلي السوري بين الأسد انه منذ تولى الرئاسة في العام 2000 كانت الأولوية الأبرز هي للشأن الإقتصادي، كانت الأولوية للاقتصاد، وهي الأولوية الأولى، معتبراً أن في سوريا معاناة اقتصادية يعانيها المواطنون، وبأن الأولوية الثانية كانت للتطوير بالمعنى العام، ومنها التطوير السياسي. وأوضح بأنه ونتيجة للظروف التي تعيشها سوريا منذ عام 2004م والتداعيات التي حدثت بسبب الوضع في العراق أصبحت الأولوية الأولى هي الأمن. معتبراً أن عزل سوريا، والحصار الذي فرض عليها في السنتين الماضيتين، كان يعطي أولوية هي الحرص على استقرار سوريا، حيث "كانت هناك محاولات لخلق عدم استقرار داخل سوريا". ولكن الأسد أضاف تعليقاً على زيارة خافيير سولانا الأخيرة لدمشق بقوله" هناك تغيّر، ولكن ليس تغيراً في موقع سوريا. بمعنى آخر، سابقاً عندما كنا في الشكل معزولين كنت أقول في كل مقابلاتي مع الوسائل الإعلامية الأجنبية عندما يسألونني عن عزل سوريا: إنهم لا يستطيعون أن يعزلوا سوريا، ونحن كنا واثقين من هذا الموضوع ولم يكن يوجد لدينا أي قلق لأننا جزء أساسي من هذه المنطقة، وجزء أساسي من قضاياها، لأسباب جيوبولوتيكية، سياسية، تاريخية واجتماعية، وغيرها.
 
وفيما يلي نص الحوار:
 
نبدأ الحوار - فخامة الرئيس - معكم عن العلاقة السعودية السورية، هل من الممكن أن تحدثنا عن هذه العلاقة في ظل المستجدات الثنائية والإقليمية والدولية ودورها في تشكيل هذه العلاقة؟
ـ هي أولاً علاقة تاريخية، ودور السعودية ودور سوريا في تاريخ الديناميكية السياسية العربية دور أساسي بالإضافة إلى مصر، وهذا لا يقلل طبعا من مكانة الدول الأخرى. وهذه العلاقة مرّت بمراحل حرجة جداً، أقصد الظروف السياسية التي أحاطت بها كانت دائماً ظروفاً حرجة من المفاصل العديدة التي مرت بها الأمة العربية.
ولكن نلاحظ دائما عندما كان يحصل تعاون سوري - سعودي في قضية معينة كان الحل يأتي، وأكبر مثال على ذلك اتفاق الطائف الذي يعد أحد الأمثلة الأخيرة والحديثة كنوع من التعاون السوري - السعودي، لكن الذي حافظ على هذه العلاقة السياسية المميزة التي لعبت أدواراً مختلفة، ومنعت أن يحصل أي تباعد في المواقف خلال هذه الظروف الصعبة، العلاقة المباشرة التي كانت مع الملك فيصل ولاحقاً مع الملك خالد ثم مع الملك فهد، والآن مع الملك عبدالله. طبعاً العلاقة مع الملك عبدالله بدأت منذ أن كان ولياً للعهد، بل قبل ذلك بكثير؛ أي منذ أن كان رئيساً للحرس الوطني.
وهذه العلاقة، مثل أي علاقة عربية، تمر بغيوم، لنسمِّها هكذا، مرّت مؤخراً غيمة ولكن تجاوزناها؛ لأن الشيء التاريخي القديم لا يمكن أن يؤثر فيه - أحياناً - بعض الكتابات محدودة الرؤية كما أسمِّيها، مع أن مثل هذه الكتابات ليست بالضرورة أن تكون سيئة النية، وأنا استقبلت المبعوث الذي قدم إلى سوريا موفداً من الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الشهر الماضي حاملاً معه دعوة لي لحضور مؤتمر القمة العربية، وتحدثنا بصراحة حول كل القضايا، وفي الواقع لدينا مصلحة مشتركة. السعودية بلد قومي وليست بلداً قطرياً محصوراً في قطريته، لها دور قومي، ويجب أن تلعب هذا الدور، سوريا كذلك.
فالحمد لله العلاقة الآن تمر بحالة جيدة، ومؤتمر القمة نتمنى أن يكون هو أيضاً محطة جديدة بالنسبة إلى علاقة سوريا بالسعودية وبالنسبة إلى العلاقات العربية - العربية بشكل عام.

كانت هناك علاقة تاريخية وصداقة مميزة بين الرئيس حافظ الأسد (رحمه الله) وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فماذا عن العلاقة بين الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد؟
ـ هذا صحيح.. فعلاقتي بالملك عبدالله لا تعود بالزمن إلى علاقة الرئيس حافظ الأسد معه الممتدة منذ عقود، وإنما عمر العلاقة بيني وبين الملك عبدالله تعود إلى أكثر من عشر سنوات عندما كان يأتي إلى سوريا بشكل منتظم من وقت إلى آخر ويلتقي مع الرئيس حافظ الأسد، وكانت هناك عدة لقاءات بيني وبين الأمير عبدالله - الملك الآن - أعتقد أنها تعود إلى ثلاثة عشر عاماً بالضبط إلى عام 1994م، عندما عدت أنا من لندن من دراستي، وذهبت إلى المملكة بدعوة رسمية من الملك عبدالله - ولي العهد آنذاك - كانت تلك هي الزيارة الأولى لي إلى المملكة في عام 1999م، أي قبل استلامي الرئاسة بسنة واحدة.
أنا دائماً أقول في كل الجلسات: إن العلاقة بيننا وبين الملك عبدالله هي علاقة عائلة وعلاقة أخوة، وطبعاً هو أكبر بالعمر، هو من جيل الوالد، وهي علاقة عائلة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. هناك نوع من الصراحة الكبيرة بيني وبين الأمير سابقاً، طبعاً الآن بيني وبين الملك. بالتأكيد هناك مفاصل كثيرة، قضايا سياسية، وبخاصة في هذه المرحلة، السنوات الخمس الأخيرة كانت معقدة جداً، ومن الطبيعي أن يكون لدينا وجهات نظر مختلفة، لكن في لقاءاتنا الكثيرة التي كانت تتم خلال المرحلة الماضية كنا ندخل في المواضيع مباشرة ونتحدث بشفافية؛ لأن الملك عبدالله شخص شفاف وصادق بطبعه. بالنسبة إلى الرئيس بشار فقد وقف معه الملك عبدالله بشكل مباشر بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، وهذا الموقف كل سوريا تعرفه، كان وفياً جداً مع الرئيس حافظ الأسد ومع سوريا من خلال مواقفه في المراحل الأخيرة التي تعرضت فيها سوريا لهجمة شرسة جداً، كلكم تعرفونها كدول عربية، الملك عبدالله عندما كان أميراً وولياً للعهد وعندما أصبح ملكاً كان يدافع بشكل واضح عن سوريا. الحقيقة هذا هو مضمون العلاقة بيننا وبين الملك عبدالله. طبعاً في المقابل نحن نبادل وفاء الملك عبدالله بوفاء مشابه، وكل هذا له علاقة بالعلاقة العائلية، له علاقة بموقع الملك، وله علاقة بالعلاقة بين سوريا والسعودية، هذه العلاقة التاريخية والشعبية وليس فقط الرسمية.

أنتم ستكونون من بين القادة العرب الذين سيشاركون في مؤتمر القمة، ما آمالكم وتطلعاتكم لهذا المؤتمر؟ وخصوصاً أنه سيعقد في الرياض في ظل أوضاع صعبة تمر بها منطقتنا، وأن المؤتمر سيكون برئاسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟
ـ في البداية، أنا عبرت للمبعوث السعودي عن سعادتنا بأن السعودية قررت أن تستعيد القمة إلى الأراضي السعودية. هذا شيء مهم؛ لأن أي دولة، وبخاصة إذا كانت من الدول المهمة، إذا ابتعدت عن العمل العربي الشامل فسنتضرر كلنا. ثانياً علينا أن ننظر إلى نتائج القمة من خلال واقعنا العربي؛ أي لا نستطيع الآن أن ننتظر معجزات. مررنا بظروف صعبة سبقت غزو العراق بفترة وتلت الاحتلال وتداعيات الاحتلال وما زلنا نمرّ بها، أثرت هذه الظروف في العلاقة العربية - العربية. بشكل طبيعي وعندما تهتز الأمة يحصل اختلاف في الآراء، هذا موضوع طبيعي، لكن الحل يكون من خلال الحوار.
القمم السابقة خرجت قراراتها نتيجة لهذه الظروف - بشكل أو بآخر - بنوع من بقايا خلافات بين الدول العربية في كل قمة حسب الموضوع.
أنا أعتقد الآن أننا يجب أن نكون واقعيين ونضع أولويات، الأولوية الأولى إذا خرجنا من هذه القمة بتضامن عربي هذا شيء ممتاز، أول شيء يجب أن نفكر فيه أنه من دون هذا التضامن لا قيمة لأي قرار آخر، أي قرارات نأخذ بها إن لم نكن متضامنين فستنعكس سلباً علينا. فأنا أقول: إذا تضامنا فهو الطريق لطرح الحلول لهذه المشكلات.
طبعاً هناك قضايا كثيرة، من موضوع العراق إلى موضوع فلسطين إلى ما يحصل في لبنان إلى تداعيات كل هذه الأمور علينا، من خلل وتوتر وضغط على الاستثمار وتشوّه لصورة العرب في الخارج.
توحد الموقف العربي يساعدنا في إيجاد تحليل لسبب هذه المشكلة أو تلك وإعطاء بعد للحل القومي. أنا دائماً مع الحل القومي. صحيح نحن لنا علاقة بالعراق، والسعودية لها علاقة بالعراق، وهناك دول لها علاقة بقضايا أخرى أكثر من دول أخرى، لكن دائما الحل القومي هو الصحيح. فإذا استطعنا بعد أن نحقق التضامن العربي أن نحقق رؤية موحدة ولاحقاً آلية فهذا شيء جيد، أنا لا أتوقع أن تطرح حلول الآن؛ لأن الحل لا يوضع في القمة، ولكن على الأقل إذا وضعنا آلية للحوار ولإيجاد حل ومن ثم تحرك عربي فهذا سيكون إنجازاً كبيراً. هذا يعني في الوقت نفسه أن هذا الإنجاز هو عودة لدور الجامعة العربية، الجامعة العربية هي إحدى نقاط ضعفنا، ونحن مسؤولون عنها كمسؤولين عرب، إن الجامعة العربية تعبّر عنا، فإذا استطعنا أن نحقق هذه الأشياء فسنكون قد عززنا موقع الجامعة العربية في القضايا المختلفة الحالية والمستقبلية. هذا ما أتوقعه الآن.

ننتقل إلى الوضع الشائك بالنسبة إلى لبنان: قضية المحكمة الدولية، قضية انتخاب الرئيس، قضية الانتخابات النيابية، قضية دستورية مجلس الوزراء وعدم دستوريته. وسوريا متهمة بأنها طرف في كل هذه المشكلات الأمنية وفي عدم استقرار هذا البلد الشقيق.. هل من تعليق أو دفاع أو وجهة نظر حول ما يقال؟
ـ دعنا نتحدث انطلاقاً من المصلحة السورية لكي لا نتحدث عن العلاقة الأخوية مع لبنان؛ لأن هذه الأشياء من البديهيات، دعني أتحدث من وجهة نظر سوريا بحتة، الآن أقول لك: إنه ليس لنا مصلحة في كل ما يحصل في لبنان، نحن دفعنا دماً على الأقل ثمناً لتحقيق وحدة لبنان والاستقرار في لبنان ما بين السبعينيات والتسعينيات، ومن دونه ما كان سيتحقق الوفاق الوطني في ذلك الوقت. السبب أن أي شيء أو أي خلل يحصل في لبنان ستدفع سوريا الثمن مباشرة، فأن تكون سوريا مساهمة في الخلل في لبنان فهذا يشبه من يطلق النار على نفسه، وهذا كلام غير منطقي.
أما بالنسبة إلى ما تُتهم به سوريا من أنها ضد المحكمة الدولية فنحن في مواقع رسمية عدة ومعلنة قلنا: إنه لا توجد لدينا مشكلة مع المحكمة الدولية. نحن منذ البداية، عندما كانت اللجنة الأولى؛ لجنة (فيتزجيرالد)، عندما أُعلنت قلنا: (هذا شيء جيد، نحن نؤيد)، عندما أتت لجنة (ميلس) قلنا: (نحن نؤيد وسنتعاون)، وعندما أتى (براميرتس) أيضاً قلنا الكلام نفسه، وهو قال: إن سوريا متعاونة.
عندما طُرحت المحكمة الدولية في الحوار اللبناني، الذي بدأ في العام الماضي واستمر أشهراً، سوريا ومن يسمونهم أصدقاء أو حلفاء لسوريا من اللبنانيين كلهم وافقوا على المحكمة. لم يكن هناك أي مشكلة، ولم يكن هناك كما تعلم منذ سنة أي طرح تجاه المحكمة. الطرح ظهر أخيراً بعد أن حصلت الخلافات الأخيرة.
فإذاً لا يوجد سورياً أو لبنانياً من لديه مشكلة مع قضية المحكمة، المشكلة هي مع مضمون المحكمة، وهي مشكلة لبنانية بالدرجة الأولى، بمعنى أن هناك أطرافاً أساسية في المعادلة اللبنانية ترفض هذه المسودة التي تُعدّ انتقاصاً من السيادة اللبنانية، وفي الوقت نفسه تعد أداة خارجية للتدخل في الشؤون الداخلية وللانتقام السياسي من أطراف لا تسير في اتجاه معين. فالخلاف إذاً حصل على هذه المسودة.
الآن يقول البعض: إنه يمكن استخدام هذه المسودة ضد سوريا أو استخدام هذه المحكمة ضد سوريا، نحن كنا واضحين بالنسبة إلى مجلس الأمن، أرسلنا رسالة بأن أي اتفاقية هي بين لبنان ومجلس الأمن، سوريا غير معنية. نحن لم نُشاوَر، ولن نتنازل عن سيادتنا. ولديّ مواقف واضحة بالنسبة إلى موضوع اغتيال الحريري، أي شخص سوري منغمس في هذا الموضوع فهو خائن. ذلك واضح، والخائن بالقانون يحكم عليه بأشد العقوبات بالنسبة إلى القانون السوري. فعندما يثبت أن هناك شخصاً منغمساً فسوف يحاكم في سوريا قبل أن يصل إلى أي محكمة خارج الإطار السوري، وهذا يشمل - لا كما يتحدث بعضهم - كل مسؤول سوري أو مسؤول بمستوى معين. أنا أتحدث عن أي مواطن سوري يخضع لسلطة القانون السوري. كل الناس في هذا الموضوع متساوون، نحن قلنا منذ البداية، وكنا صادقين فعلاً في هذا الكلام: نحن مع أي موضوع يتفق عليه اللبنانيون شعباً وقوى سياسية، وأي موضوع -لا يهم إذا كنا نقف معه أو ضده- يختلف حوله اللبنانيون فهو بذرة لتفجير الوضع في لبنان، ولبنان لديه تاريخ من اللااستقرار عبر المئتي عام الماضية، ويجب أن نكون دائماً حذرين من هذا الشيء، فنحن نقول: يجب أن يكون هناك توافق. هذه هي النقاط، لا أعرف إذا كانت هناك نقاط أخرى تريدها مني.

استكمالاً للسؤال السابق، هل هناك بحسب ما لديكم من معلومات من وجهة نظر سوريا أيّ تَصوُّر عن الجهة التي من الممكن أن تكون وراء اغتيال الرئيس الحريري؟ وما هذه الجهة؟
ـ من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذا السؤال الآن، فكل المعلومات تشير إلى أن ما تم كان تفجيراً انتحارياً. هذه هي المعلومات التي وردت من خلال ما نسمعه في الإعلام أو من خلال ما سمعناه ممن لهم علاقة بلجنة التحقيق، أو من خلال تعاوننا مع لجنة التحقيق. لكن مَنْ هذا الشخص؟ مَنْ يقف وراءه؟ وهل هذا الكلام صحيح أم لا؟ هذا ما لا أستطيع أن أجيب عنه، ففي البداية كانت هناك نظرية تفجير تحت الأرض ثم قالوا لا، هناك سيارة. حتى الجهات المعنية ليست لديها معلومات. فلا نستطيع رسمياً أن نوجِّه اتهاماً إلى أحد قبل أن تكون لدينا معلومات واضحة، ولكن بالنتيجة مَنْ المستفيد؟ هذا هو السؤال: مَنْ المستفيد أولاً، ومَنْ المتضرر أولاً؟ المتضرر أولاً طبعاً لبنان، بكل تأكيد الوضع اللبناني، الشعب اللبناني، الاستقرار اللبناني. أقول المتضرر ثانياً من عملية اغتيال الحريري هي سوريا، إن لم يكن أولاً، وهذا شيء واضح. المستفيد أولاً كل من يقف ضد سوريا ولبنان، أولهم إسرائيل، بمعزل عن توجيه اتهام لها، لا نعرف إذا كانت لها علاقة أم لا؟ لكن في المحصلة هل هي المستفيدة؟ نعم هي مستفيدة بشكل مباشر، وهذا هو السؤال الذي نستطيع أن نسأله سياسياً.

لكن هل لديكم في سوريا ما يمكن أن تساعدوا به لجنة التحقيق الدولية في اكتشاف الغموض الذي يلف مشكلة مقتل الحريري؟
ـ نعم. هذا ما نقوم به مع لجنة التحقيق، وكل طلباتها من دون استثناء تمت تلبيتها من أسماء، من أشخاص، من وثائق، حتى إننا قمنا ببعض التجارب التقنية المتعلقة بموضوع المتفجرات، وسلّمنا النتائج للجنة التحقيق كنوع من المساهمة السوريا. عدا عن ذلك الجانب الآخر الذي تستطيع سوريا أن تقوم به هو أن تسهم في العمل على الأرض، لكن نحن الآن لسنا موجودين في لبنان، ولا يوجد تعاون بين الحكومة السوريا والحكومة اللبنانية، فهذا الجانب الآن غير موجود. في كل الأحوال - عدا ذلك - كانت سوريا متحمسة منذ البداية للمساعدة بسبب الاتهامات التي وجهت إلى سوريا؛ بمعنى أننا كلما استعجلنا في الوصول إلى حقيقة عملية الاغتيال كنا مرتاحين بالنسبة إلى صورتنا أمام الآخرين ممن يعتقدون أن سوريا لها علاقة خاصة بما جرى في لبنان.

أنتم الآن غير موجودين في لبنان كما تقولون، لكن دعني أسألكم: كيف يمكن للبنان (من وجهة نظر سوريا) أن يتعافى ويخرج من المشكلة التي يعانيها بسبب الأزمة المتفاقمة بين المعارضة والموالاة؟
ـ في تاريخ لبنان كانت الحلول دائماً تأتي من خلال الوفاق، من الصعب في تاريخ لبنان - قبل الطائف وبعد الطائف، بمعزل عن الصلاحيات الممنوحة لأي رئيس من الرؤساء - أن يكون هناك حل قسري؛ لأن لبنان له بنية اجتماعية وطائفية تختلف عن بنية بقية الدول في هذه المنطقة، فكان دائماً الحل هو عن طريق التوافق.
اتفاق الطائف وضح هذه النقطة. أنا لا أذكر طبعاً الفقرات، ولكن اتفاق الطائف ركز على فكرة التوافق، واتفاق الطائف أصبح دستوراً. وبشكل طبيعي، وبمعزل عن وضع لبنان، فكل دولة تبحث عن الحل داخل الدستور وليس داخل عقول الأشخاص وأمزجتهم. أمزجة الأشخاص تجر البلدان إلى الهاوية إن لم تكن مؤطرة في اتفاق.
هناك طروحات عدة الآن في لبنان، أو على الأقل طرحان؛ أحدهما اللجوء إلى انتخابات مبكرة، وهو طرح دستوري؛ لأن أي دولة تكون فيها أزمة سياسية تذهب إلى انتخابات مبكرة، والطرح الثاني الذي يتداولونه الآن - حسب ما نسمع يومياً - هو حكومة الوحدة الوطنية. نستطيع أن نربط ما يحصل في لبنان مع ما يحصل في فلسطين، الحل واحد. ما هذا الحل في فلسطين؟ إنه تطبيق اتفاق مكة المكرمة. ما مضمون اتفاق مكة؟ اتفاق مكة مضمونه حكومة وحدة وطنية. فإذاً الحل لأي خلاف هو حكومة الوحدة الوطنية. نحن نعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية هي التي تعبر عن توافق القوى السياسية والشعب في هذا البلد حول نقاط محددة. فأنا أعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية هي الحل المنطقي والدستوري القابل للتطبيق الذي يبتعد عن منطق غالب ومغلوب؛ لأنه في الدستور لا يوجد غالب ومغلوب.

لكن هل سوريا جاهزة لمساعدة اللبنانيين على تحقيق هذا الوفاق؟
ـ طبعاً إذا طلبوا منا ذلك، فنحن بكل تأكيد لدينا مصلحة في تحقيق الاستقرار في لبنان.

بمن فيهم مَن يعارض سوريا في سياستها في لبنان؟
 ـ نعم فعندما كنا في لبنان كانت هناك أطراف تعارض سوريا، وكانت لدينا علاقة مع الجميع. لا أحد يطلب من كل الناس أن يكونوا معه، ومن غير المنطقي أن نتوقع من كل القوى السياسية أن تكون معنا، والآن الشيء نفسه، نحن لدينا مثلاً علاقات مع القوى السياسية المتناقضة في العراق، وبعض منهم يغضب من هذه العلاقة، وبعضهم يغضب ولا يريد لسوريا أن تكون لها علاقة في العراق، ومع ذلك نحاول أن نبني هذه العلاقة. أي دور تريد أن تلعبه يجب أن يُبنى على علاقة متوازنة مع مختلف الأطراف، وهناك من يريد أن يبعد سوريا من أن تكون طرفاً لصالح الاستقرار في لبنان.

لكن متى ستصلون يا فخامة الرئيس مع اللبنانيين إلى تبادل السفراء بين الدولتين ورسم الحدود فيما بينكما لتزيلوا بذلك هذه الشكوك في علاقتكم بلبنان؟
ـ ستستغرب إذا قلت لك: إن الاجتماع الأخير للجنة المشتركة العليا السوريا اللبنانية، وكان فيها الرئيس لحود، والرئيس نبيه بري، والرئيس عمر كرامي، وهي التي قررنا فيها الانسحاب، أو التي وقّعنا خلالها على انسحاب القوات السوريا من لبنان في 7 آذار 2005م منذ سنتين تقريباً، ستستغرب لو أنني قلت لك: إني طرحت هذا الموضوع، ربما هم فوجئوا بهذا الطرح. قلت لهم خلال الاجتماع نسمع من وقت إلى آخر حديثاً عن فتح سفارات بين سوريا ولبنان، فإذا كنتم تعتقدون أن هذا الشيء مفيد لكم، فنحن لا يوجد لدينا أي مانع. من الناحية الجغرافية المسافة بين دمشق وبيروت كالمسافة بين دمشق وحمص، وهي أقرب من حلب، وأقرب من طرطوس، ومن اللاذقية، ومن أغلب المحافظات الأخرى. ومن الناحية اللوجستية، ومن ناحية طبيعة العلاقة بين سوريا ولبنان. لم يكن هذا الموضوع مطروحاً في تاريخ وجود سوريا ولبنان منذ سايكس بيكو، ولكن طبعاً ربما طرح الآن لأهداف سياسية أخرى، لكن بالنسبة إلينا لا توجد مشكلة في ذلك.
لكن تطورت الأحداث وحصل خلاف وانقسام بيننا وبين الحكومة اللبنانية الحالية، وحصل حقيقةً سوء علاقات، وهذا شيء غير خفي على أحد. كثير من المسؤولين الأجانب والعرب سألوني السؤال ذاته، فقلت لهم: في الحالة الطبيعية إذا كانت هناك علاقة تصل إلى هذه المرحلة من السوء بين دولتين تُغلق السفارات أو يُسحب السفير، فكيف تريدون منا أن نفتح سفارة في ظل هذه العلاقة. فتح السفارات كمبدأ طبيعي، لا يمكن أن نقول: إنه من الخطأ أن نفتح سفارة في لبنان أو أن هذا الشيء مرفوض لدينا. كما قلت أنا طرحت هذه الفكرة، ولكن فتح السفارة في حاجة إلى ظروف إيجابية طبيعية بين الحكومتين على الأقل وبين الشعبين طبعاً.
 
دعنا ندخل قليلاً، سيادة الرئيس، في الشأن المحلي. في عام 2000م توليتم الرئاسة، واقترب الآن انتهاء السنوات السبع، وهي المدة المقررة لها، وبالتالي سيكون هناك استفتاء على التجديد لكم لسبع سنوات أخرى.. ما الذي تَعِدُ به الشعب السوري في الفترة الثانية القادمة لحكمكم إذا ما تم التجديد لكم؟
 ـ أول شيء على الإنسان أن يفعله هو أن يبذل جهده، وأن يقدم ما يستطيع. بالنسبة إلى سوريا وإليّ هناك قضايا كثيرة نعانيها كبلد. لدينا أولويات اختلفت ما بين المرحلة الأولى واليوم قبل أن أقول المرحلة الثانية أو غيرها، اختلفت بين مجيئي وبين المرحلة اليوم خلال سبع سنوات كانت الأولوية للاقتصاد، وهي الأولوية الأولى، لا شك أن لدينا معاناة اقتصادية يعانيها المواطنون، لدينا فقر، هذا الموضوع هو أولوية أولى. الأولوية الثانية هي التطوير بالمعنى العام، ومنها التطوير السياسي.
 
 
الآن نتيجة للظروف التي نعيشها منذ عام 2004م والتداعيات التي حدثت بسبب الوضع في العراق أصبحت الأولوية الأولى هي الأمن. لا شك أن عزل سوريا، أو محاولات عزل سوريا والحصار الذي فرض عليها في السنتين الماضيتين، كان يعطينا أولوية هي الحرص على استقرار سوريا، كانت هناك محاولات لخلق عدم استقرار داخل سوريا، فكانت هذه الأولوية الأولى.
 
وبفضل تعاون الشعب بالدرجة الأولى تمكنا من تجاوز الكثير، ولكن هذا لا يعني أننا خرجنا نحن والمنطقة بشكل عام من دائرة الخطر، كلنا نواجه هذا الخطر نفسه، فهذا الخطر أولوية أولى يجب أن نكون حريصين عليها، أنا أتحدث في المجال السياسي والخارجي، ولا شك أن الوضع في العراق هو هاجس لكل مواطن سوري، ومن الطبيعي أن أضع كل ثقلي في هذا الاتجاه، الوضع في لبنان الشيء نفسه، فيجب أن تكون وعودي في هذا الاتجاه. أنا أسعى إلى أن أحمي بلدي بالدرجة الأولى من تداعيات ما يحصل، هذا من الناحية الأولى.
 
من الناحية الثانية، طبعاً كما قلت لك الوضع الاقتصادي هو أساسي، كان النمو في سوريا عندما أتيت إلى الرئاسة عند الصفر تقريباً أو ربما ناقصاً، طبعاً الاحصائيات ليست بالضرورة أن تكون دقيقة دائماً، لذلك نقول بين الصفر والناقص. في عام 2005م كانت حسب صندوق النقد الدولي 4.5، ونتوقع أنها كانت في العام الماضي نحو 5.1، فإذاً هذا إنجاز، وما أتمنى أن نصل إليه في المرحلة المقبلة هو نسبة نمو تصل إلى 7% على الأقل. هذا يجسد كل التفاصيل الأخرى التي يمكن أن نضعها في إطار الوعود. طبعاً في إطار 4.5% أستطيع أن أقول: إننا أنجزنا موضوع البنوك الخاصة على مراحل، أنجزنا شركات التأمين الخاصة، وهناك تفاصيل كثيرة لا أريد الدخول فيها.
 
 
في جانب التطوير السياسي، هناك طرح لمجلس الشورى، هناك طرح لقانون الأحزاب، هناك قانون التجنيس لبعض الأكراد الذين لم يشملهم المرسوم عام 1962م بينما شمل أقاربهم من العائلة ذاتها، وهم لهم الحق في ذلك، نحن نقوم بإنجاز هذا الموضوع، ونكاد ننتهي من هذه الأمور. طبعاً ليس بالضرورة أن نحقق هذا الشيء أو ذاك بعد أو ربما قبل الانتخابات، لكن نحن الآن نعمل على هذه الأشياء.
أنا أقصد حين أذكر ما أفكر فيه الآن أن هذه أشياء وعناوين نتحدث بها الآن في المجتمع السوري، ويجب أن ننجزها في المرحلة المقبلة.

لكن هل سيكون من الأولويات لديكم ما دمتم تطرقتم إلى قانون الأحزاب، تشكيل أحزاب أخرى تكون موجودة ولها حضور فاعل إلى جانب حزب البعث؟
ـ نعم. وهي موجودة الآن، ولكن في إطار الجبهة. وهذا هو النقاش الأساسي الآن، ونحن اتخذنا قراراً في صيف عام 2005م، لكن الأحداث التي مررنا بها في هذه السنة كانت قاسية جداً، وللحقيقة فقد أُجّل هذا الموضوع، ولم يعد أولوية بالنسبة إلينا.
الآن يوجد العشرات من السيناريوهات والأفكار بالنسبة إلى هذا الموضوع، شكل الأحزاب التي ستدخل، شكل القانون، طبيعة الدولة، كل هذه الأشياء مرتبطة ببعضها البعض. طبعاً ستكون الاحزاب القادمة قائمة إلى جانب حزب البعث العربي الاشتراكي الذي هو حزب كبير وعريق وله تاريخ وسيبقى موجوداً بكل تأكيد، ولكن لن يتم أي شيء قبل أن نستخرج من هذه التصورات تصوراً واضحاً أو واحداً يُطرح على الشعب السوري عن طريق حوار وطني، مع توفير الوقت الذي يحتاج إليه، وعندها نحدد ما الشكل النهائي الذي نريده.

المواطن السوري يشتكي من الضائقة المالية ومن ارتفاع الأسعار، ويعزو هذا إلى وجود نحو ثلاثة ملايين شخص نصفهم فلسطينيون ونصفهم الآخر عراقيون، ألا توجد معالجة لهذه المعاناة في ظل استضافة هذا العدد الضخم جداً من غير السوريين؟ وما الفائدة التي ستعود على سوريا سياسياً باحتضانها كل هذه الأعداد الكبيرة من غير السوريين؟
ـ هذا الكلام صحيح، وأحد الأسباب الرئيسة هو موضوع القادمين من العراق، المقيمين العراقيين، ونحن لا نسميهم لاجئين، لأننا نعتقد أن هذا الشيء مؤقت الى ان تتحسن الظروف. هناك أسباب أخرى لها علاقة بالتطور الاقتصادي. فمع التطور الاقتصادي يزيد الطلب على أي شيء، مع زيادة الطلب ترتفع الأسعار.
هناك الانفتاح الاقتصادي في سوريا، الانفتاح الاقتصادي أيضاً زاد في دوران عجلة الاقتصاد وزاد معها الطلب، أي أنها تضافرت كل هذه الأشياء مع القادمين ليصبح الطلب عالياً جداً أكثر من العرض بكثير، بالإضافة الى قضايا لها علاقة بالتصدير؛ مثل ارتفاع أسعار اللحوم نتيجة تصديرها؛ إذ يأتي التصدير لمصدّر اللحم بنقد مالي أجنبي، وذلك أهم من أن يبيع للسوري. طبعاً الدولة أخذت إجراءات كانت جزئية حتى الآن. لا نستطيع أن نقول: إنها حلت المشكلة، ولكن أوقفتها لمرحلة، إذ ساهمت في خفض بعض الأسعار في بعض الجوانب من خلال قرارات لها علاقة بالتصدير وغيره.
 
أما بالنسبة إلى تلافي نتائج الجانب الأكبر، وهو جانب المقيمين في سوريا، فهذا كالتخلي عن العقيدة القومية لسوريا، كالتخلي عن الدور السوري القومي، كالتخلي عن الإنسانية، أي لو أتاك شخص يستجير بك فلا تستطيع أن ترفض له طلباً، فكيف إذا كان أخاك وجارك، فالعراقي يُقتل بسبب حرب ظالمة عليه، هذا جانب.
 
الجانب الآخر، لنأخذ حرب الكويت مثالاً. حرب الكويت أو غزو الكويت كان أحد الأشياء التي ضربت الحالة القومية، عندما غزا العراق الكويت، في عهد الرئيس صدام حسين، أصبح الكويتي يقول والعربي أيضاً: هل من المعقول أن تنتهي القومية بغزو أو باحتلال؟ إلى آخره. في المقابل إن رفض استقبال هؤلاء ورفض مساعدتهم من قبل سوريا أو من قبل بقية الدول العربية هو أيضاً يشكل ضرباً لهذه الحالة القومية، وتحولهم إلى أناس ودول يؤمنون بكل شيء ما عدا عروبتهم، وبالتالي كلنا ندفع الثمن.
 
فالقضية ليست فقط قضية إنسانية، إنها قضية إنسانية وقضية سياسية وقضية لها علاقة بالاستقرار. لكن في الوقت نفسه نحن في سوريا نفكر فيها من جانب إنساني، ولو تركنا هؤلاء الأشخاص فسيكونون إما متطرفين سياسياً، ويكونون سبباً في مشكلة أخرى في منطقتنا، سواء في العراق أو في غيره، وإما متطرفين أخلاقياً، وسيكونون أيضاً سبباً في مشكلة اجتماعية. فمن واجبنا نحن كدول عربية أن نحتضن هؤلاء، ومن واجبنا كدول ومجتمعات، أقصد بشكل أشمل، ان نحتضنهم أيضاً، هذا جزء من حماية أنفسنا وليس فقط جزءاً من الحالة الإنسانية. إن سوريا عبر التاريخ هي ملجأ للأمان وما إلى ذلك من الأمور.

هل تعتقدون أن ما يسمى (عزلة سوريا) مع مشاركة وفد منكم في مؤتمر بغداد ولقائكم مع خافيير سولانا مؤخراً ممثلاً للمجموعة الأوروبية يؤكد أن هناك تغيّراً في العلاقات السوريا الأوروبية والعلاقات السورية الأمريكية نحو الأفضل؟
ـ نعم، هناك تغيّر، ولكن ليس تغيراً في موقع سوريا. بمعنى آخر، سابقاً عندما كنا في الشكل معزولين كنت أقول في كل مقابلاتي مع الوسائل الإعلامية الأجنبية عندما يسألونني عن عزل سوريا: إنهم لا يستطيعون أن يعزلوا سوريا، ونحن كنا واثقين من هذا الموضوع ولم يكن يوجد لدينا أي قلق لأننا جزء أساسي من هذه المنطقة، وجزء أساسي من قضاياها، لأسباب جيوبولوتيكية، سياسية، تاريخية واجتماعية، وغيرها.
 
ما حصل أن بعض هذه الدول -وأنا لا أستطيع أن أدعي أن كل هذه الدول كانت مع عزل سوريا- كانت تُمارس عليها ضغوط لكي لا تأتي الى سوريا. الحقيقة أن الدول التي كانت خلف هذه الضغوط فهمت أن العزل لن يؤدي الى نتيجة وأنهم في حاجة إلى كل الدول ومنها سوريا، لا أريد أن أقول: إنهم في حاجة إلى سوريا وابالغ في الكلام، هم في حاجة إلى كل الدول وسوريا منها، وبخاصة المجاورة للعراق منها، والشيء نفسه بالنسبة إلى الدول الأوروبية تماماً.
الآن حصل حوار بيننا وبينهم بشكل صريح، وفهموا أنهم لا يستطيعون عزل سوريا، وكل هذه الدول بمن فيها الولايات المتحدة لا تستطيع أن تلعب دوراً بمعزل عن علاقات جيدة وعلاقات حوار، وليس أوامر، مع الدول الموجودة في المنطقة.

أسألكم فخامة الرئيس عن الوضع في العراق وتصوّركم للحل الذي يخرجه وينقذه من وضعه الحالي؟
ـ طبعاً الحل يجب أن يكون عراقياً أولاً، أي يجب أن نبتعد عن الطريقة التي سادت في السابق، أمريكياً تحديداً، من التطبيل والتزمير لإنجازات جيدة ربما، كأن نقول هناك مجلس وطني، وأن نقول هناك حكومة وانتخابات في العراق، هذا شيء جيد، ولكن لا نستطيع أن نقول إن هذا هو الحل. هذا ربما يكون بعض أدوات الحل، ولكن الحل بالتوافق على شيء معين، وأعود إلى الموضوع نفسه الذي قلته عن لبنان، التوافق يكون دائماً حول الدستور؛ لأن الدستور هو الضامن لكل المواطنين، لا يمكن أن يكون هناك حديث عن دستور حتى لو كان أحسن دستور في العالم دون أن يكون له وجود، وأنا قلت للأمريكيين وربما للبريطانيين في السابق: لا تتحدثوا عن دستور ديمقراطي قبل أن يُصنع الدستور، ستقولون هذا دستور ديمقراطي، وأيضا تطبلون وتزمرون له، بينما أحسن دستور في العالم هو الدستور الذي يتفق عليه الشعب، حتى لو كان أسوأ دستور بالنسبة إليكم أنتم في الغرب، لا يهم.
 
وما حصل أن الدستور العراقي لم يحقق هذه المعادلة، وهناك شرائح عراقية تأتي إلى سوريا وتقول هذا الدستور ظالم بالنسبة إليهم. وأنا تحدثت مع المسؤولين العراقيين الذين زاروا سوريا خلال الأشهر الأخيرة من دون استثناء، قلت لهم: إن لم تناقشوا القضايا الأساسية فأنتم تضيعون وقتكم، يجب أن تناقش كل هذه القضايا وبقلب مفتوح هذا أولا.
 
ثانيا، يجب أن تشارك كل القوى بمن فيهم البعثيون وبمن فيهم الإسلاميون الذين يعارضون العملية السياسية، يجب أن يتحاور الجميع، ونحن في سوريا نحاور الجميع بمن فيهم هؤلاء لكي نرى تصوراتهم.
 
بعد أن يتم الاتفاق على هذه النقاط، بما في ذلك الدستور، الفيدرالية، كركوك، وكل القضايا الشائكة التي لم تُناقَش، وتحدد النقاط التي تشكل قاسما مشتركا للعراقيين، تكون هناك حاجة إلى مؤتمر عراقي يعقد في العراق أو خارج العراق. وإذا عُقد بالعراق فهذا الشيء سيكون ممتازا ولا بد له من دعم إقليمي ودعم دولي.
لا نستطيع نحن أن نحل محل العراقيين. مؤتمر عراقي ينبغي أن يعقد بدعم من قبل هذه الدول المختلفة. وهذا المؤتمر يجب أن تحضره كل القوى العراقية، وأن يناقش المجتمعون خلاله كل هذه القضايا، وفي مقدمتها الدستور. طبعا سيكون من نتائج النقاش في المحصلة إقرار الدستور الذي يتفق عليه ومع إنشاء جيش وطني؛ لأن الجيش الوطني هو الذي يحل محل الميليشيا. لا تستطيع أن تتحدث عن حل ميليشيا من دون أن تشكل جيشاً وطنياً. هناك قوى عراقية تقول: إن الميليشيا هي حماية لنا، ولكن كلنا نعرف تأثيرات الميليشيا وسلبياتها الكبيرة. فإذا جيش وطني ومن ثم انتخابات جديدة وتفاصيل أخرى تأتي لاحقا هذه هي العناوين التي نراها كمنهجية لبدء الحل في العراق.

وهل أنتم مع تحديد وقت معين للقوات الأمريكية كي تنسحب من العراق؟
ـ طبعا، أنا نسيت هذا الموضوع، موضوع الجدول الزمني لانسحاب القوات الأجنبية، فهذا هو الموضوع الأساسي، والجدول الزمني يوضع بالتعاون مع العراقيين؛ أي أن العراقي هو الذي يحدد متى ينسحب الأمريكي. نحن في سوريا ضد الاحتلال كمبدأ، ولكن أن ينسحب غدا، أو ينسحب خلال أشهر، أو في أي وقت، العراقي هو الأدرى بكيفية الانسحاب وبتفاصيله؛ لذلك لا نستطيع أن ندخل في هذه الموضوع.

أنتم على الحدود مع لبنان وعلى الحدود مع العراق، ألا يخيفكم تأثير الوضع الطائفي المتأزم في الدولتين على استقرار وأمن سوريا؟
ـ جدا. وهو الآن مصدر القلق الأكبر لدينا. لذلك نحن نقول: إن أكبر خطر يهدد المنطقة الآن هو الوضع الطائفي، لذلك بدأنا نتحرك مباشرة كسوريا بشكل مستقل مبدئيا مع الإخوة العراقيين، وكان لدينا عدد من الوفود، من العشائر، من الطوائف المختلفة وبخاصة الإسلامية، وأجرينا فيما بينهم حوارا مباشرا. جمعناهم بعضهم مع بعض، وعلى المستوى الشعبي العراقي لم نرَ هذا الشرخ الذي نراه على المستوى السياسي؛ أي حتى الآن الخلاف الطائفي محصور ربما في قوى سياسية وفي مناطق جغرافية، ولم يتحول إلى حالة شعبية.
 
علينا أن نتحرك كدول عربية، أن نتعامل مع العراق ليس كطوائف، وإنما مع العراق العربي، علينا أن نكرس جهودنا لإذابة الخلافات فيما بينهم، وهذه إحدى النقاط المهمة التي من الممكن أن تطرح في القمة العربية، التأكيد على عروبة العراق. حل العراق هو في عروبته، من دون عروبة العراق كل الأشياء التي تحدثت عنها لا قيمة لها، وسيقسم العراق في يوم من الأيام، والطائفية والتقسيم واحد، وسينعكس ذلك علينا بشكل مباشر، ونحن وأنتم وبقية الدول، ولاحقا سيمتد إلى دول بعيدة، ولكن نحن وأنتم كدول جوار أولا.
فيجب أن نتحرك مباشرة، وأهم شيء أن يبتعد خطابنا السياسي عن التفاصيل أو الألغام التي يلقيها لنا الآخرون، عندما يقولون سنة وشيعة على سبيل المثال، وعرب وكرد، ونقول: العراق عربي، عربي ومسلم بكل ما فيه من تفاصيل عرقية وإثنية ودينية وطائفية. هذا هو الحل.
 
في موضوع العلاقات السورية الإسرائيلية، هناك أراض سوريا محتلة، وليست هناك مباحثات بين سوريا وإسرائيل، ولا أي تحرك من جانبكم لتحرير الأراضي السوريا المحتلة، وهناك الكثير من الاتهامات بأن سوريا لم تطلق رصاصة واحدة منذ احتلال إسرائيل هذه الأراضي.. أسألكم - يا فخامة الرئيس - هل هناك مبادرات من الجانب السوري لتحريك عملية السلام وإيجاد حل دبلوماسي لها بدلا من الدخول مستقبلا في معارك عسكرية؟
ـ أولا على المستوى السوري بادرنا دائما وبشكل مستمر منذ سنوات إلى تحريك عملية السلام. لكن لم يكن لدينا آمال كبيرة، وهناك أسباب لذلك يمكن أن نشرحها.
على المستوى الإسرائيلي كان دائما هناك رفض، وبخاصة بعد حرب لبنان وتداعياتها في إسرائيل. هناك رفض. لكن المشكلة الأكبر في اعتقادي، بالنسبة إلى عملية السلام، هي الرفض الأمريكي. رفض الإدارة الأمريكية لعملية السلام، هم اعتقدوا أن المشكلة كلها في العراق، وأن انتصارهم في العراق يغنيهم عن السلام.
لم ينتبهوا منذ البداية إلى أن كل القضايا في المنطقة مترابطة وما يحصل في لبنان يؤثر في العراق، وما يحصل في العراق يؤثر في فلسطين، وكله يتبادل التأثيرات بعضه مع بعض. الدور الأوروبي ضعيف جدا. وآخر شيء أبلغته لأكثر من مسؤول أوروبي، آخرهم مجموعة الأزمات الدولية، قلت لهم: أوروبا غير موجودة على الساحة السياسية؛ أي أنها تقوم بدور ساعي بريد لما تطرحه الولايات المتحدة.
 
 
كل هذه الظروف لم تساعد على خلق عملية سلام. لكن في المقابل، كان هناك شخصيات تأتي إلى سوريا، شخصيات أمريكية، أوروبية، بشكل عام لا أستطيع أن أقول عربية، ولكن ربما تكون شخصيات عربية تعيش في الغرب وتحمل جنسيتين. لا نعرف من هو عربي ومن هو أجنبي. المهم أن هذه الشخصيات كانت تأتي إلينا وتقول لنا يجب أن نحرك عملية السلام بيننا وبين إسرائيل، فتسمع هذه الوفود وجهة نظرنا لتنقلها إلى إسرائيل. شخصيات أخرى تذهب إلى إسرائيل وتأتي إلى سوريا وتقوم بنقل وجهات النظر الإسرائيلية إلينا.
 
ولكن لم يكن هناك أي شيء جدي على الأرض، وبخاصة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي أضعف حكومة مرت في تاريخ إسرائيل، وهم قالوا علنا على لسان أولمرت: إن القرار موجود في واشنطن. وهذه الإدارة الأمريكية صرحت أكثر من مرة بأنها غير مهتمة، طبعا ليس في الإعلام، وإنما عندما يسألون كانوا يقولون إنهم غير مهتمين بعملية السلام.
وفعليا الآن في هذه الظروف لا نرى مؤشرات قريبة أو مطروحة لعلمية السلام، ولو أن الحديث عن السلام بدأ أخيرا ينشط، ولكن ما زال في إطار الحديث. هل يتحول إلى فعل؟ من الصعب أن نحدد الجواب قبل الأشهر القادمة.

ألا ترون أن تأخير الحل يصعد المشكلة، ويهود المناطق السوريا ويصعب الحل في المستقبل، وأنه كلما تأخر الوصول إلى حل فإن إسرائيل ستواصل خططها في سبيل إنهاء الهوية السوريا والعربية في المناطق المحتلة، وبالتالي استحالة القبول الإسرائيلي لأي صيغة سلمية قد تطرح للحل، فلا يكون أماكم من خيار غرب الحرب؟
ـ لذلك فإن الوقت مهم بناء على كلامك. هذا رأي صحيح، وهو ما أقوله للمسؤولين الأجانب، الوقت مهم في عملية السلام. أولا كل جيل يأتي يكون أبعد عن السلام، والخطأ أنهم كانوا يعتقدون في إسرائيل أن كل جيل يأتي سيكون أسهل عليه أن يقدم ما تريده إسرائيل من أجل الحصول على السلام. الحقيقة ما يحصل العكس. لذلك فالتأخير يزيد التوتر، والتوتر يزيد التطرف، والتطرف يسعى إلى الحلول الأسرع، الأكثر كلفة بمعزل عن عقلانيتها وإمكانياتها، لذلك نحن في سوريا تصورنا دائما أن السلام هو الحل الأسهل والأسرع والأقل كلفة والأسلم للمستقبل وللاستقرار في المنطقة.
 
ما زلنا لم نفقد الأمل تماما. ربما تفقد الأمل في حكومة، في إدارة. أنا أقول مثلا لست متفائلا كثيرا بعملية السلام خلال السنتين المقبلتين، ولكن لا أستطيع أن أفقد الأمل في السلام مطلقا، وإلا عندها عليك أن تتجه في اتجاه الحرب شئت أم أبيت، هذا سيكون الخيار العام في المنطقة. لذلك نحن نقول: إن الوضع لا يبدو ورديا في العامين المقبلين، ولكن علينا أن نحضر أنفسنا، ربما تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة سلام.
 
في العلاقات السوريا - الإيرانية يلاحظ تناميها وتصاعدها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.. إلى أين تتجه هذه العلاقات؟
ـ إيران دولة موجودة في المنطقة تاريخياً، ليست دولة دخيلة، إيران دولة كبيرة ودولة مهمة وهي دولة جارة؛ أي علاقة إيجابية بين أية دولة عربية في هذه المنطقة وإيران هي علاقة تخدم المنطقة، الشيء نفسه بيننا وبين تركيا، أنت تعرف أن العلاقات تحسنت على خلفية هذه الرؤية، لأن العلاقات عندما تتحسن تخدم الاستقرار، وهذا ما نراه بشكل عملي على الأرض.
 
هناك جوانب أخرى لها صلة بتاريخ العلاقة بين سوريا وإيران بعد الثورة. لا يمكن ان تنسى سوريا أن إيران حولت السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية. هذا الشيء لا يجوز أن ننساه كعرب. ولن تنسى إيران أن سوريا وقفت معها عندما كان صدام حسين يحاربها. هذان مفصلان رئيسان بالنسبة إلينا وإليهم، وهو محل تقدير.
تطورت العلاقات بشكل مستمر، وبخاصة في هذه الظروف، لأننا رأينا أن الوضع في العراق، وضعنا أيضاً في إطار مواجهة مع جهة واحدة هي الولايات المتحدة وخلفها إسرائيل من جانب.
 
من جانب آخر، عدم الاستقرار الذي حصل في السنوات الأخيرة دفعنا أكثر لكي نعزز علاقاتنا مع إيران، ومع تركيا، أنا لا أريد أن يقال إن علاقتنا تتحسن فقط مع إيران، أيضاً تتحسن مع تركيا. يجب أيضاً أن تتحسن علاقاتنا مع الدول العربية في الاتجاه نفسه، أي أنني أتحدث الآن عن المنهج، ولكن هناك أسباب أخرى منعت هذا المنهج من أن يتحقق بهذه الطريقة فتطورت العلاقات مع إيران في الاتجاه الصحيح.
 
سؤالك: إلى أين تتجه العلاقات السوريا الإيرانية؟ أنا أعتقد أن ذلك إلى ما شاء الله، فيجب أن تتحسن علاقتنا مع بعضنا البعض. لا يجوز أن نفكر في الحد الذي يجب أن نقف عنده ما دام هذا الموضوع سيخدم منطقتنا وسيخدم العرب، وما دمت أتحدث انطلاقاً من خلفيتي القومية، ومن قناعاتنا القومية، ومن نهج دولتنا القومي، وبالتالي، الحرص على المصالح العربية، فأنا أعتقد أن هذه العلاقة يجب ألا تتوقف عند حد من أجل هذه المصلحة، وفي الوقت نفسه أتمنى أن تكون هذه العلاقة أفضل مع الدول العربية الأقرب جواراً وجغرافية إلى إيران للهدف نفسه.

عودة -فخامة الرئيس- إلى العلاقات السعودية السوريا، هل سيكون مؤتمر القمة الذي سيعقد في الرياض فرصة لإجراء مباحثات ثنائية مع الملك عبدالله على هامش المؤتمر حول فرص التعاون والتنسيق في العلاقات المستقبلية بين البلدين؟
ـ طبعاً القمة في حد ذاتها فرصة بالدرجة الأولى للحديث في القضايا الأشمل، القضايا الثنائية نستطيع أن نناقشها خلال القمة أو بعد القمة، ولكن أعتقد الآن أننا يجب أن ننسق مع المملكة أولاً في القضايا الكبرى، أي أن العلاقات مع السعودية تسير وهي جيدة، وفي الأمور التجارية والأمور التفصيلية يمكن أن يلتقي وزير مع وزير.
أنا والملك عبدالله نتحدث عادة في العموميات، التفاصيل نتركها للوزراء، ولكن ما يهمنا أن نناقشه خلال مؤتمر القمة بشكل مباشر مع السعودية هو أولاً موضوع العراق بالدرجة الأولى، لأن هذا الموضوع إذا انفجر فربما يحدث حريقاً أكبر من قدرتنا على أن نطفئه، ربما يكون هناك قضايا أخرى تُطرح. ماذا سيُطرح بالنسبة إلى الموضوع الفلسطيني؟ كيف نعزز اتفاق مكة؟ لقد أنجز اتفاق مكة، ولكن كيف نعزز الوحدة الفلسطينية من خلال الحفاظ على الاتفاق، وبالتالي الوصول إلى الحكومة؟ كيف تنجح هذه الحكومة؟ من خلال رفع الحصار الغربي، وهذا ما تحدثتُ به مع دول غربية. هذه القضايا تمسّنا مباشرة.
الموضوع الثالث - ربما - ما الذي سيطرحه اللبنانيون، هل هم في حاجة إلى حل عربي؟ هل هناك شيء معين؟ بالنسبة إلى عملية السلام - مثلاً - يجب أن نتفاوض. أعتقد أن هناك قضايا كبيرة الآن سوف نتحدث فيها مع السعوديين قبل العلاقات الثنائية التي تسير بشكل طبيعي.
وإذا كانت هناك إمكانية ولم يكن هناك تعقيدات في المؤتمر، وكانت هناك فرصة لبحث العلاقات الثنائية بين بلدينا، فهذا شيء مهم جداً.

حول مؤتمر القمة وما يقال عن جدول أعماله والمواضيع التي سيناقشها القادة العرب هل لديكم ورقة عمل ستقدمونها إلى المؤتمر: مطالب معينة، مقترحات جديدة، وجهات نظر حول قضايا محددة؟
ـ نحن في الحقيقة بالنسبة إلى القضايا الأخرى لا نستطيع أن نطرح شيئاً عنها نيابة عن أصحاب القضية. لدينا وجهة نظر في الموضوع العراقي، ولكن ليس من الجيد أن نطرحها إن لم يكن العراقيون قد وافقوا عليها. وما طرحته معك منذ قليل تحدثنا فيه مع الرئيس طالباني، ومع رئيس مجلس النواب، ومع نائب الرئيس الذي زارنا الأسبوع الماضي، ولكن لم يأتنا شيء واضح، ماذا يريد العراقيون منا؟ حتى الآن يتحدثون فقط على سبيل المثال عن ضبط الحدود.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين هم يؤكدون دائماً على موضوع حق العودة، هم دائماً يؤكدون على موضوع رفع الحصار الذي يعانون منه في الوقت الراهن. موضوع حق العودة كموضوع استراتيجي للوضع الفلسطيني ككل ورفع الحصار لمعاناة الشعب الفلسطيني في الوضع الراهن عناوين مهمة لقضايا مهمة.
أما بالنسبة إلى سوريا، ما يعنينا بشكل أساسي ونستطيع أن نطرحه دائماً هو موضوع السلام، وهذا ما نستطيع أن نطرحه، فلذلك أستطيع أن أقول: إن لدينا وجهات نظر واضحة، ولكن علينا أن ننتظر ما الذي سيطرحه أصحاب القضايا لكي نكون جاهزين للنقاش معهم أكثر من أن نأتي ونطرح ورقة وهم لا يوافقون عليها.

هل أنتم متفائلون بإقامة دولة فلسطينية في ظل الإعلان الأمريكي المتكرر المدعوم من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بأن للفلسطينيين الحق في إقامة دولة لهم إلى جانب دولة إسرائيل؟
ـ لا. وكما قلت من قبل فموضوع السلام في السنتين المقبلتين على الأقل لا يدعو إلى التفاؤل إلا إذا حصلت تبدلات لا نراها، ونتمنى أن تحصل هذه التبدلات، ولكن حتى الآن المعطيات لا تدل على هذا الشيء. كيف نرى دولتين وهناك حصار على الشعب الفلسطيني، وهناك رفض لحماس وهي منتخبة من الشعب الفلسطيني. هناك اعتداء عسكري مستمر، إلخ.. هناك إدارة أمريكية ليس لديها رؤية، والإدارة الأمريكية لسوء الحظ أساسية في كل عمليات السلام في المنطقة، ولكن لا توجد لديها رؤية ولا توجد لديها ديناميكية وآلية.

أريد أن أسألكم بصراحة عن الوضع الداخلي في سوريا، عن المعارضة السوريا تحديداً، هل لها وجود؟ وكيف تتعاملون معها؟
ـ بشكل بديهي لا نستطيع أن نقول إن الناس يوافقوننا على كل شيء. نحن نحترم كل الآراء، ونحاول أن نأخذ من آراء هذه المعارضة كل رأي موضوعي ينطلق من رؤية وطنية. بالنسبة إلينا المعارضة هي معارضة وطنية، وأي شيء غير وطني لا نعتبره معارضة. يحق لهم أن ينتقدوا ويقولوا رأيهم في كل شيء.
طبعاً، التطوير السياسي سيؤطر هذه المعارضات بشكل أفضل من الناحية الديناميكية السياسية، وحتى الآن لا نستطيع القول: إننا قطعنا خطوات كبيرة. دخل في سوريا أخيراً الإعلام الخاص بشكل أوسع، بدأ يشارك ويساهم في النقد وفي تصحيح الأخطاء. ما يعنيني كمسؤول من المعارضة في المحصلة أن أتعرف منها على الأخطاء التي أستطيع أن أصلحها. هذه هي وجهة نظري. عدا ذلك تصبح هناك أشياء لها علاقة بطبيعة الناس، لا تهمنا. ما يهمنا هو ماذا نستطيع أن نأخذ من أفكار لدى المعارض، وهكذا نتعامل معها.

كمسؤول عربي كبير كيف تصفون لنا حالة العالم العربي في الوقت الحالي؟
ـ الرؤية الوردية غير موجودة، ولكن لا أستطيع أن أعطي رؤية سوداوية. أستطيع أن أقول: إن المرحلة التي سبقت حرب العراق وبعدها بسنة أو سنتين كانت هي أسوأ مرحلة.
المرحلة الآن ليست جيدة، ولكن أعتقد أننا الآن أصبحنا نرى الخطر على الأقل، بدأت تحليلاتنا في العام الماضي تكون أقرب. هذه مرحلة أولى مهمة، كالمريض الذي يشعر بالألم، إن لم يشعر بالألم فلن يذهب إلى الطبيب ويبحث عن دواء. الآن بدأنا نشعر بالألم، بدأنا نعرف أن هذه المشروعات تفشل، وبالتالي إن لم نكن نحن أصحاب الحل فلن يكون هناك حل.
 
أصبح لدينا قناعة شاملة في هذا الموضوع، أصبحت لدينا رؤية واضحة بأن ما يحصل في العراق يضر كل الدول من دون استثناء، أي خلل في لبنان يضرنا دون استثناء، أي خلل فلسطيني لو استمر عندما بدأت الصدامات كنا سندفع الثمن. هذا شيء جيد، لذلك لاحظت مثلاً اتفاق مكة، كل الدول العربية أيدته دون استثناء، لم يكن هناك حوار حوله، دعوة السعودية في البداية كل الدول أيدتها. هذه نقطة إيجابية.
 
النقطة الثانية، كيف نستطيع من خلال هذه الرؤية الواحدة أو الشكوى الواحدة أن نقترح الحلول، هنا نستطيع القول: إننا نسير في الاتجاه الصحيح. فأنا الآن أستطيع القول: إنني أقلّ تشاؤماً بالنسبة إلى الوضع العربي مما كان عليه الوضع منذ بضعة أعوام، ولا أريد أن أعطي جرعة من التفاؤل الكبير، ولكن اقول: إن الوضع أفضل.

هل هذا الانطباع بسبب أن المقاومة للاحتلال في العراق أزالت مخاوفكم من التهديد الأمريكي، إذ لم يعد وارداً لدى الإدارة الأمريكية تكرار التجربة العراقية مع دول أخرى في المنطقة ومنها سوريا؟
ـ ربما يكون هذا أحد الجوانب، ولكن الجانب الأول في اعتقادي أنه لا يمكن لأحد في العالم أن يحل مشكلاتنا نيابة عنا، لا أمريكا ولا غيرها كائناً من كان. الاحتلال والاستعمار واجها المشكلات نفسها. الآن على العكس، هناك رفض أكثر لأي طرح أجنبي، هناك هوية في المنطقة تتجذر أيضاً، هناك وعي أكثر، هناك وسائل تواصل جعلت أسهل على الناس أن يتوحدوا في الرؤى وبالتالي يُفشلون أي مشروع يرفضونه. أنا أعتقد أن هذا هو السبب.
 
طبعاً المقاومة هي عامل من العوامل المهمة حسب وجهة نظرنا في سوريا، ولكن أيضاً الأخطاء الأمريكية، الرؤية الغربية الخاطئة أيضاً ليست فقط الأمريكية، ربما دائماً نضع الأمريكيين في المقدمة، ولكن الدول الغربية أو بعض الدول الغربية الأخرى وقعت أيضاً في أخطاء مشابهة ولو أنها لم تكن موجودة على الساحة. فهذا أيضاً جعلنا نفكر بهذه الطريقة.

يُقال: إن الكثير من المشكلات التي تواجهها بعض الدول العربية مصدرها أن هذه الدول تُستخدم كساحة للصراعات والحروب فيما بين قوى ودول خارجية، وبخاصة في لبنان، في العراق، في الصومال، في فلسطين، وبالتالي يتعذر حلّ المشكلات لدى هذه الدول بسبب التدخلات العربية والأجنبية في شؤونها الداخلية.. هل أنتم مع هذا القول؟
ـ هذا فيه شيء من الصحة؛ بمعنى أن سوريا في الماضي كانت واحدة من هذه الدول بنسب متفاوتة، وخصوصاً في الخمسينيات، كانت ساحة للصراع، لكن عندما قرر الشعب السوري وقررت الدولة السوريا أن تكون دولة مستقلة استقلت ومنعت هذا الصراع. فالدول هي التي تعطي المجال للآخرين لكي يتدخلوا أو لا يتدخلوا. هذا هو الجوهر الأساسي.