مقابلة من جريدة السياسة مع المحلل السياسي فايز القزي

المحلل السياسي اللبناني أكد إن ما يجري في لبنان صورة من صور الصراع الدولي على المنطقة

فايز القزي لـ "السياسة": الأصوليات استهدفت المسيحيين وزجتهم داخل رحى التسنن العثماني والتشيع الإيراني

 بيروت  من صبحي الدبيسي: 12 حزيران 2007

 

تمنى الباحث والمحلل السياسي المحامي فايز القزي أن تقوم الأكثرية بتبني ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية ولو صورياً لينكشف زيف حلفائه السوريين و»حزب الله« وحركة »أمل« الذين لا يمكن أن يوافقوا عليه كمرشح إجماع للرئاسة, لأن مواقفهم السياسية هي على عكس ما يضمرون. ولقد وصفه الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام ل¯»حزب الله« في كتابه الأخير (بالمتمرد).

 

القزي أبدى تشاؤماً حيال الاستحقاق الرئاسي, متوقعاً تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية, لأن تجربة 1988 مع الجنرال عون غير مطمئنة وهو لن يقبل بغيره كمرشح للرئاسة حتى ولو تمت الموافقة على أحد أعضاء كتلته.

 

كلام القزي جاء في سياق حوار أجرته معه "السياسة", اعتبر فيه أن ما يجري في لبنان صورة من صور الصراع الدولي على المنطقة تمتد من أقصى الأصولية السنية إلى أقصى الأصولية الشيعية, وإن لبنان مع الأسف  أصبح ضمن هذه الحلقة, مؤكداً بأنه ليس من المتفائلين بنهاية الوضع المتفجر في لبنان.

 

القزي رأى أنه لا يمكن أن نفصل الدور السوري عما يجري في مخيم نهر البارد, لأن شاكر العبسي خرج من رحم »فتح الانتفاضة«, وإن استمرار الصراع في المنطقة من خلال هذه المؤامرة ستكون نتيجته تهجير المسيحيين من لبنان.

 

القزي دعا إلى تبني الدولة المدنية بنظامها الوضعي وليس بقانون الزواج المدني ولكن بفصل مطلق عن الدين وإذا لم يستطع اللبنانيون بناء هذه الدولة ستبقى العلاقة التنافسية بين الطوائف تعرض لبنان إلى اقتتال دوري كلما برزت ظروف ورجحت كفة طائفة على طائفة أخرى.

 

ولاحظ شيئاً غريباً بتصريح السيد حسن نصر الله حين قال: الجيش خط أحمر والمخيم خط أحمر, فهل يعني أنه يريد قراراً دولياً آخر لدخول الجيش إلى مخيم نهر البارد, تماماً كما فعل عندما قال الجنوب خط أحمر على الجيش حتى صدر القرار »1701«, متسائلاً إذا كان الدفاع عن المخيم هنا يلتبس بالدفاع عن شاكر العبسي لمن يدفع نصر الله هذه الفاتورة وعلى حساب الشيعة وهذا ما سينعكس على مستقبل »حزب الله«.

 

القزي أعلن أنه يتحمل جزءاً من المسؤولية في تورط العماد عون بالتحالف مع سورية ومع »حزب الله«, لكن المسؤولية الكبرى يتحملها فريق 14 آذار والعماد عون نفسه.

 

وفيما يلي نص الحوار:

 

ما هي قراءتك للوضع العام في لبنان بعد إقرار المحكمة الدولية ولماذا هذا التوتر القائم ابتداءً من نهر البارد وصولاً إلى "عين الحلوة" مروراً بالتحركات المشبوهة على الحدود اللبنانية السورية وعودة مسلسل المتفجرات?

هذه مرحلة من مراحل الصراع على منطقة الشرق الأوسط إذا نظرنا إليها بالمنظار الدولي, والإقليمي الأوسع من المنظار الداخلي. هذا الصراع في المنطقة سواء في العراق, أو على نظام الثورة الإسلامية, وما تتوجه نحو الإنتاج النووي وسواه بالنسبة لدور إيران في العراق والدور السوري في العراق الذي فيه الكثير من الالتباس والكثير من الصراع مع الدور الأميركي, الممانعة في التدخل الأميركي في العراق, إنها صورة من صور الصراع الدولي على المنطقة. يسميه البعض الشرق الأوسط الجديد ويسميه الطرف الآخر هو التصدي لمشاريع الهيمنة, وللأسف كل فريق سواء كان الداخل إلى المنطقة في مشاريع ملتبسة أو المقاوم لهذه المشاريع كونها مشاريع ملتبسة في مواجهة هذه الثنائية ضد المشروع الأميركي الشرق الأوسط تمتد من أقصى الأصولية السنية إلى أقصى الأصولية الشيعية. وأنا أحاول أن أشبه الصراع الدائر هنا لما كان عندما كانت »فتح« هي الجسم الأكبر في الثورة الفلسطينية وبرزت مجموعات القيادة العامة جبهة التحرير »الصاعقة« وبعض التابعين لليبيا, فأصبحت كل واحدة منهم دولة, وسورية تقيم علاقة بهذا القوى التي نسميها أصولية فمنها, أصوليات تكفيرية ممكن استغلالها بعمليات ومنها قوى فلسطينية منظمة ك¯ »القاعدة« في قوسايا وفي الناعمة وفي مناطق أخرى. والأكيد أن لبنان دخل في هذه الحلقة, وأصبح هذا الدخول مؤكداً. وأنا لست من المتفائلين بنهاية الوضع المتفجر في لبنان رغم النهاية العسكرية في نهر البارد, إنما لن يكون هناك نهاية لكل الأزمة الحاصلة.

 

هل يفهم من كلامك أن تنامي الأصوليات في الشرق الأوسط ضد المصالح الغربية, وهل يكون ذلك على حساب تهجير المسيحيين?

من دون شك هناك مجموعات تعتمد الصراع مع الصليبيين وليس المسيحيين فقط, المسيحيون هم جزء مستهدف أساسي في وجه الأصوليات كلها, يعني الدعوة سواء صدرت واضحة عند الأصولية السنية أو ملتبسة عند القوى الشيعية, هي دعوة أحياناً تأخذ شكل إبادة المسيحيين ومرات تأخذ شكل إنهاء دورهم أو إعطائهم صفة المقيم وليس المواطن. الشراكة المدنية السياسية في المواطنية ليست موجودة للأٍسف عند الفريقين الإسلاميين سواء الشيعي المتشيع المنتمي إلى ولاية الفقيه من أيام الصفويين, أو التسنن من أيام العثمانيين, نحن مع الأسف أصبحنا ضحايا التسنن العثماني والتشيع الإيراني. الاثنان يشكلان خطراً قد يختلف هذا الخطر في طريقة تصديه للوجود المسيحي في المشرق العربي, ولكنه بطبيعة الحال خطر حقيقي والدليل إذا راجعنا إقامة المسيحيين في دول المنطقة تكاد تتلاشى في العراق وفي لبنان هناك هجرة تتأثر بهذا الجو.

لبنان, وإن يكن منذ فترة بدأ تمركز الوجود الأصولي فيه سواء كان ملتبساً تحت اسم المقاومة, للتحرير, أو كان واضحاً وملتبساً باسم مقاومة الاستعمار الغربي. هذه الأصوليات دخلت إلى لبنان وتمركزت ويجري الآن استغلالها وكما استغلت الحركة الفلسطينية تستغل المقاومة الإسلامية ويدخل عليها دول, وتدخل عليها قوى إقليمية وغير إقليمية ولا أستغرب أن تكون مستثمرة من هذه القوى الخارجية سواء أدركت أم لم تدرك.

»جند الشام«, »فتح الشام«, من الواضح أن لهم قيادة انبثقت عن »فتح الانتفاضة«, و»فتح الانتفاضة« هذه لا تزال قيادتها في سورية, ما يعني أن سورية ستتحمل مهما كان دورها غير واضح محاكمة الرأي العام لها, لأننا لا نستطيع أن نفصل الدور السوري عما يجري في مخيم نهر البارد. لأن علاقة شاكر العبسي الذي خرج من رحم »فتح الانتفاضة« وتسلم مكاتبها وأسلحتها وكان من قبل مسجوناً في سورية لتورطه بجريمة اغتيال السفير الأميركي في الأردن, لذلك لا أعتقد أن »فتح الانتفاضة« قد تسلم سلاحها بهذه السهولة ل¯»فتح الشام« أو لشاكر العبسي, ولا أعتقد أن »فتح الشام« كانت مضطرة للدخول في معركة مع »فتح الانتفاضة«, لقد كان بإمكانهم أن يؤسسوا حركة مستقلة لو كانوا غير »فتح الانتفاضة« وقاموا بالنشاط الذي يريدونه. من دون شك ما يجري يشكل أزمة لن تتوقف على الأرض اللبنانية ستتمدد إلى خارج لبنان. الواضح هنا بعد قراءتنا للدور الإقليمي أن نقرأ في كتاب الشرق الأوسط الجديد والصراع على تكوين الدول في المنطقة من جديد.

 

المسيحيون في فلسطين إلى زوال, ومسيحيو العراق في حالة هجرة مستمرة. والمسيحيون في سورية ليسوا بعيدين عما يجري في المنطقة. يبقى المسيحيون في لبنان. هل ترى أن خيوط المؤامرة تؤسس لهجرة المسيحيين من لبنان, وما حقيقة إعادة النظر في كيانية هذا البلد?

  قد لا يكون هناك قصد وتعمد لتهجير المسيحيين من خلال هذه المؤامرة. إنما ستكون النتيجة طبيعية لاستمرار هذا الصراع تهجير المسيحيين من لبنان. بقي حل وحيد, وأنا شخصياً وصفته بالحل المستحيل. إنما يجب أن نكرره حتى يرتاح ضميرنا, لكي لا يقال أن البعض يدعو للاستسلام أو للاستجابة إلى المشروع الأميركي أو الصهيوني, وما أكثرهم في هذه الأيام الذين يعملون لهذا المشروع ويتهمون الآخرين الذين لا علاقة لهم به بأنهم هم صانعوه, ما يظهر بنتيجة الأمر أنهم بسلوكهم هذا يعملون ضمن هذا المشروع. وأنا من القائلين إن لم نستطع أن نبني الدولة المدنية في لبنان بنظامها الوضعي وليس بقانون الزواج المدني الاختياري, النظام الوضعي بكامله. نظام وضع الأحوال الشخصية. يعني أن نفصل الدولة المدنية في لبنان, هي الدولة العلمانية بالمعنى المدني, فصل مطلق عن الدين. إن لم نستطع أن نبني هذه الدولة في لبنان فستبقى العلاقة التوافقية أو العلاقة التنافسية بين الطوائف تعرضنا إلى اقتتال دوري كلما اشتد ساعد أو برزت قوى, أو برزت ظروف ترجح كفة طائفة, كما فعلنا سنة 1943 عندما كانت كفة الموارنة بوجود الدعم الأجنبي قوية فسيطر الموارنة على الحكم, فقامت ثورة 1975 فالتف وراءها السنة معتبرين حقوق المسلمين مغبونة, ثم أتى نظام "الطائف" بسبب التوازنات المختلفة فاختل التوازن فجرى تقليص حقوق المسيحيين لصالح النظام السني. الآن فرخ »حزب الله«, والثورة الإيرانية, وبدأت الأرجحية تتجه باتجاه الشيعة, وقد نتحدث بعد سنة أو سنتين أو أكثر ربما عن الغبن اللاحق بالسنة وبالمسيحيين. هذا المنطق هو البديل للدولة المدنية, فإذا استطعنا بناء دولة مدنية علمانية, نتخلص من التنافر والتنافس ويصبح عندنا شعب ووطن ويصبح عندنا دولة ودولة مستقلة ودولة ذات كيان, ذات سيادة, لها نظامها الديمقراطي الحر, عندها يبقى المسيحي في لبنان مع ما تطور, ويبقى السني المتطور, وإلا سيخرج المسيحي وبعد خروجه يخرج السني والشيعي والدرزي المتطور ليبحث عن اكتمال شخصيته المدنية, لأنه لا أحد منا خارج المدارس الدينية المذهبية قادر على العيش في مجتمع يقوم على الطوائف, لأن هذه الطوائف لا تستطيع أن تخلق مجتمعاً واحداً مهما تحدثنا في الشعر وفي التعايش المشترك, كل هذا كلام عندما تأتي التجربة يسقط, لأنه ليس مبنياً على أساس متين. هذا كلام في المنطق. وأنا هنا لا أتحدث في المنطق الديني إطلاقاً, ليس هناك مشكلة في التعايش الديني بين المسلم والمسيحي والدرزي, المشكلة في المساواة في نظام مدني وليس في نظام طوائفي.

والسؤال المطروح: هل نحن باتجاه إقامة الدولة المدنية في لبنان, أو في دول الشرق الأوسط العربية وغير العربية? الجواب: كلا.. الاتجاه هو المعاكس, مزيد من الأصوليات, مزيد من المذهبيات, مزيد من التعصب, ولاية الفقيه. الفقيه الذي لا يخطئ, الفقيه الذي له الرأي والمشورة والقرار والإمرة والولاء. فماذا يبقى? هذا السؤال موجه إلى الذين يؤمنون بولاية الفقيه, وليس للماروني, موجه مني إذا كنت سنياً أو شيعياً, إصلاحياً أتبع موسى الصدر, أتبع شمس الدين, أتبع حسين فضل الله, أتبع أئمة علي الأمين وهاني فحص.. أتبع التشيع العلوي المنتمي إلى الإمام علي. إذا كنت تابعاً للإمام علي شرقياً ولست تابعاً للخامنئي. وما سيحصل لإيماني السني والشيعي والدرزي أمام هذه التجربة الأصولية, التي يحاول البعض أن يقدمها لنا على أساس أنها تجربة تحرير.

وهنا أقول أن وليد جنبلاط هو على حق, وقد أعطى هذه التجربة الكثير تكرماً, وقال: تعالوا أن نضيف التحرير إلى تجربة التحرر والاستقلال. لنصنع وطناً. إنما السؤال لوليد جنبلاط: هل هو مقتنع بأن أصحاب هذه التجربة يريدون المشاركة? وهنا أطرح علامة استفهام وتعجب على هذا السؤال.

 

لماذا يقف »حزب الله« متفرجاً حيال ما يجري في نهر البارد وفي "عين الحلوة" وهل هذه الظاهرة السنية المسلحة »فتح الإسلام« تخدم مصالح »حزب الله«? ليبقى متمسكاً بسلاحه ويمارس دور الدولة ضمن الدولة?

هنا أعود معك ومع القارئ إلى تجربة سابقة وقف فيها »حزب الله« موقف المتفرج. عندما اشتبكت »أمل« الشيعية مع المخيمات الفلسطينية في بيروت, وقد ورد ذكر هذا الموضوع وهذه الإشكالية في كتاب الشيخ نعيم قاسم. (حزب الله المنهج والتجربة والمستقبل) الطبعة الأخيرة ,2004 يقول الشيخ نعيم قاسم: وقد أحرجنا أمام ملتزمي الحزب وأعضاء الحزب لعدم مشاركتنا اخواننا في هجومهم على المخيمات الفلسطينية, وقتال الفلسطينيين الذين أساؤوا لأهلنا في الجنوب على مدى السنوات الماضية, ولكن الرابطة الدينية من جهة والمشورة الإيرانية آنذاك جاءت معاكسة, ولذلك بقي »حزب الله« خارج التعرض أو الهجوم على المخيمات الذي قامت به حركة »أمل«. الآن يكرر »حزب الله« نفس الموقف. عندما يقول أن مخيم نهر البارد خط أحمر, هذا طبعاً لم يقله قبل القرار »1701« وسبق واستعمل الجنوب وقال: الجنوب خط أحمر. مما جعلني ألاحظ شيئاً غريباً بتصريح السيد حسن نصر الله عندما قال: الجيش خط أحمر والمخيم خط أحمر. ذكرني هذا الموقف بكلام كان يقوله السيد نصر الله و»حزب الله« ذهاب الجيش إلى الجنوب خط أحمر. والجنوب خط أحمر على الجيش وكأنه يشبه هنا المخيم بالجنوب, وبقي هذا الخط الأحمر في الجنوب خطاً أحمر على الجيش إلى أن صدر القرار »1701«. فهل يعني السيد نصر الله أنه يريد قراراً دولياً لدخول الجيش إلى مخيم نهر البارد مشابه للقرار »1701«? إذا كان هذا هو المطلوب هذا يعني مشاركته مع المقاتلين الذين يفترضون أنفسهم مدافعين عن مخيم نهر البارد, كما يفترض نفسه شاكر العبسي. كما كان الفلسطيني في الجنوب يعتقد بأنه يدافع عن ابن الجنوب ومنع الجيش من الذهاب إلى الجنوب, كما استقل »حزب الله« في الدفاع عن الجنوب ومنع الجيش من التوجه إلى الجنوب. لذلك برأيي فإن هذا التبرير يحتمل أكثر من احتمال كما قال بعض حلفاء أو المتفاهمين مع »حزب الله« بأن »حزب الله« لا يستطيع اتخاذ موقف لأنه لا يريد إثارة حساسية بينه وبين السنة. هذا ليس موضوع حساسية, هذا موضوع جماعة وبالتأكيد »حزب الله« يملك معلومات كافية أكثر من الجميع وهو يعرف من هو شاكر العبسي ومن هي مجموعة »فتح الاسلام«, يعرف عنهم كل شيء وهو يملك معلومات أكيدة على صعيد المخيمات وعلى الصعيد الإقليمي ووضع المخيمات في لبنان, وعلى صعيد العراق حيث تأتي العناصر من العراق إلى لبنان.

»حزب الله« يملك شبكة من المعلومات واضحة بالنسبة إليه ويعرف من يقاتل في المخيم. فاذاً كان الدفاع عن المخيم, هنا يلتبس بالدفاع عن شاكر العبسي, لمن يدفع نصر الله هذه الفاتورة وعلى حساب الشيعة الذين ينتمون إلى الجنوب وإلى »حزب الله« بالذات? هذا السؤال سوف ينعكس على مستقبل »حزب الله«.

 

ماذا تفيد دول التوحيد في الشمال إذا ما قامت دولة »حزب الله« في الجنوب?

دولة التوحيد تفيد في المشروع الأميركي بالدرجة الأولى, لأن أميركا ما زالت في منطق الدول الإثنية, المذهبية, وأية فوضى تحصل في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم فوضى بناءة فهم لم يخرجوا من العراق ولم ينتفِ مشروعهم. أيضاً كما تفيد »حزب الله« بأنها تبرر قيام دولته التي يحاول بكافة الطرق والأساليب التمسك بها وعدم التخلي عنها وعن السلاح بحجة الصراع مع إسرائيل بالرغم من وجود الجيش في الجنوب وبالرغم من وجود القوات الدولية بموجب القرار  »1701«. ومن خلال التذرع بمزارع شبعا التي هي أصلاً كانت تحت القرار »242« وحسناً فعلت الحكومة بمحاولة وضعها تحت عهدة الأمم المتحدة حتى يتم البت بوضعها بشكل نهائي, رغم معارضة القوى التي تدعي حرصها على تحريرها بالرغم من استحالة ذلك في ظل هذه الأوضاع المعقدة.

 

بتقديرك إلى متى سيستمر الوضع على ما هو عليه, وهل هناك استحالة لإعادة وصل ما انقطع والعودة إلى طاولة الحوار, ولماذا لامس كلام البعض حدود التقسيم?

الإنقاذ لا يقوم إلا بالاتفاق على قيام الدولة المدنية, ولبنان اليوم بحاجة إلى قيادات قادرة على اتخاذ القرارات. وهذا ربما ما يجعلني أتذكر الرئيس شمعون مثلاً وأتذكر كمال جنبلاط ورياض الصلح ربما.. والسيد موسى الصدر والإمام شمس الدين ورفيق الحريري, هؤلاء كانوا رجالات دولة بكل ما للكلمة من معنى.. وهنا لا بد من أن نميز بين خطاب فريق 14 آذار المتقدم كثيراً عن فريق 8 آذار في موضوع السيادة والاستقلال. علماً أنني لست من هذا الفريق ولو كنت أؤيد الكثير من طروحاتهم. فخطاب وليد جنبلاط الأخير يمكن الاعتماد عليه كمرتكز وطني وكذلك موقف فؤاد السنيورة وسمير جعجع وسعد الحريري جميعهم لديهم موقف متمايز عن موقف 8 آذار وعن موقف المعارضة بالتمديد.

 

لماذا لم تتذكر العماد عون مثلاً?

وكأنك تسألني عن العماد عون لأنني كنت حتى وقت ليس ببعيد مقتنع بأن هذا الرجل هو المنقذ الذي يستطيع وحده إخراج لبنان مما هو فيه.. ولكن مع الأسف فالأمور تغيرت كلياً بعد تحالفه مع »حزب الله« وتوقيعه على ورقة التفاهم, وهذا ما جعل كثيرين يبتعدون عنه, علماً أن موقفه الأخير الداعم للجيش كان جيداً ولكن لا أعرف لماذا العماد عون وضع هذه (الشراشيب) في بيانه المؤيد للجيش والرافض لأي اعتداء عليه, من أي جهة كان. وأنا بالمناسبة أستغرب كلامه عن المحكمة الدولية وقوله المحكمة وجدت ولكن لا يوجد شهود, فكيف يمكن أن نفسر توقيف الضباط الأربعة, والعماد عون بقرارة نفسه يعرف أن القاضي ديتليف ميليس أخفى بعض الأسماء لضمان عدم التعرض لسلامتهم, وهل مدعي عام التمييز سعيد ميرزا يجامل في توقيف هؤلاء الضباط? بما عرف عنه من النزاهة والشفافية وكذلك بالنسبة للقاضي سعيد عيد هذان القاضيان النزيهان لا يمكن أن يسخرا ضميرهما كرمى لعيون أحد, فلو وجدا أن التهمة بحق هؤلاء الضباط غير عادلة وغير صادقة لما أوقفهم لحظة. ولكنهما يعرفان الكثير الكثير من الحقائق ولو أنهما لا يحبذان كشفها في هذا الوقت.

 

إلى أي مدى تشعر بأنك تتحمل جزءاً من المسؤولية عندما حاولت التوسط وإقامة صفقة مع السوريين تكفل عودة الجنرال عون إلى لبنان من دون أن يقيم تحالفات مع وليد جنبلاط ورفيق الحريري بحسب ما ذكرته لي في حوار سابق معك, وهل هذه الاتصالات هي التي مهدت لتوقيف العلاقة بين الجنرال عون والسوريين فيما بعد?

تحاول مرة جديدة أن تستثيرني في هذا الموضوع وتحملني مسؤولية ما هو قائم الآن بين الجنرال عون والسوريين. لا أنكر أنني قمت بصفقة مع السوريين لعودة العماد عون إلى لبنان وكان ذلك بتكليف من العماد عون نفسه, وذلك في نهاية 2004 أي قبل استشهاد الرئيس الحريري وحينها لم يضع السوريون شروطاً غير تلك التي أشرت إليها في حواري السابق معك, ولم يطلبوا شيئاً بالمقابل سوى تخلي عون عن تمسكه بالقرار »1559«, لا بل على العكس, فقد طلبوا من الفريق المتحالف معهم تقبل هذا الموضوع كما وضعوهم في أجواء تلك العودة. ولكن كما ذكرت لك في حينه فإن مبادرتي توقفت عند هذا الحد, فإذا كان هذا الأمر يحملني بعض المسؤولية فأنا لم أعتد التهرب من المسؤولية. ولكن يجب إعادة تقويم ما حصل بعد توقف مبادرتي, لقد اغتيل الرئيس الحريري وحصل ما حصل واشترك ميشال عون في 14 آذار التي أدت إلى خروج السوريين من لبنان وذهبت 14 آذار إلى ميشال عون واجتمعت به في فرنسا وهنا يجب أن نسأل فريق 14 آذار عن الأسباب التي جعلت ميشال عون يتخلى عنهم ويذهب إلى الفريق الآخر, فإذا كان من مسؤولية فإن هذا الفريق يتحمل قسماً من هذه المسؤولية كما أن الجنرال عون يتحمل بدوره جزءاً من هذه المسؤولية.

 

برأيك هل تتوقع أن يعود العماد عون إلى موقعه الأساسي ضمن فريق الرابع عشر ويساهم بعودته في إنقاذ الجمهورية? وهل تعتقد أن زيارته الأخيرة إلى أوروبا قد تساهم بتغيير موقعه السياسي?

بما أعرفه عن هذا الرجل واستناداً لتجربته عام 1988 عندما عرضت عليه الولايات المتحدة القبول بمخايل الضاهر أو جان عبيد وبعض الأسماء كيف رفض وتعطلت انتخابات الرئاسة آنذاك, ثم قام بحرب الإلغاء والتحرير وهذه المرة أعتقد أن ميشال عون سوف يستخدم نفس الطريقة فإذا لم يتأكد من أن فريق الأكثرية سيكون إلى جانبه في الانتخابات ويؤيده شخصياً كمرشح للرئاسة لأنه لن يقبل حتى بتأييد أحد من نواب كتلته, لأنه يعتقد أن النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات النيابية من مجموع عدد أصوات المسيحيين هي بمثابة توكيل له لقيادتهم وهو غير مستعد كما أعرف عنه أن يجير هذا التوكيل إلى غيره, فإذا لم تقبل به الأكثرية ليكون مرشحها للرئاسة, فإنه حتماً سوف يعطل هذه الانتخابات بالاتفاق مع »أمل« و»حزب الله«, وبذلك نكون أمام حكومتين أو أمام أزمة حكم وأنا متشائم جداً, في هذه النقطة, لأن »حزب الله« وحركة »أمل« وكتلة العماد عون لا يستطيعون المجيء برئيس جمهورية ضمن المواصفات التي يريدونها, ولذلك سوف يعطلون هذه الانتخابات.

 

ولو سألتني رأيي أتمنى ولو صورياً أن تخوض الأكثرية معركة ميشال عون كمرشح للرئاسة, لأن في مثل هذه الحالة سيكتشف العماد عون كما سيكتشف الرأي العام أن لا »حزب الله« ولا حركة »أمل« ولا سورية يؤيدون ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية. حبذا لو تفعل الأكثرية ذلك حتى تتوضح الصورة للجميع.. ولا ننسى ما قاله الشيخ نعيم قاسم عن العماد عون في كتابه الأخير عندما وصفه (بالمتمرد).