شهيدة الإعلام الحية في لبنان أكدت أنها تعرف من آمر بقتلها

مي شدياق لـ "السياسة": عاتبة على قوى 14 آذار لأنها لم تضرب الحديد وهو حام

بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة 14/5/2007

 

الحوار مع الشهيدة الحيّة الإعلامية مي شدياق له نكهة خاصة مغايرة عن باقي الحوارات التي قد تحصل مع سياسيين أو غيرهم لأن مي هي ابنة الإعلام والكلمة الحرّة وكادت تذهب ضحية هذه الحرية التي تميزت بها قولاً, وفعلاً, وموقفاً.. وعلى هذا فالحوار معها يعدّ إنجازاً كبيراً في غمرة مشاغلها ومتابعاتها, فما تعرّضت إليه ليس بالأمر البسيط فلا يمكن وصفه بكلمات أو المرور عليه ببعض العبارات أو الأسطر مرور الكرام.

 

فالجريمة بالطبع كانت تستهدفها اسماً وقلماً وموقفاً فمهما قيل ومهما حاولت (مي) تشخيص ما أصابها وما تعرّضت له, ومهما تحاول التعالي على كل ما حدث لها فإن الدمعة أحياناً تسبق الإجابة لتعبر بصدق عما في داخل هذه الإنسانة من غصة ليس على ما تعرضت له فحسب, بل الغصة على وطن أحبته بكل جوارحها وأعطته كل ما في قلبها من حب وحنان وكادت تفتديه بروحها لو تسمح الأقدار.

 

في حوارنا معها لم تبشرنا في هذا الحوار بقرب نهاية لبنان من محنته, لكنها سلمت أمر هذا الوطن إلى الله ليفعل به ما فعله معها, فربما تحصل الأعجوبة, أعجوبة خلاص لبنان كما حصلت أعجوبة خلاصها من الموت...

 

ففي المنزل الذي فصّلته مي على قياسها وقياس تعلّقها بالأرض وبالحياة, كان لقاؤنا معها وكان لها مع "السياسة" استراحة أفق فتحدثت عن لبنان عن محاولة اغتيالها وعن فرنسا والرئيس جاك شيراك وعن الوسام الذي قلّدها إياه.. كما تحدثت عن اللبنانيين, عن كل المحبين ولم تنس السيدة نازك والوليد بن طلال وبيان الضاهر.

كما تحدثت أيضاً بمزيد من الغصّة والدمعة في عينيها عن جبران تويني وبيار الجميّل وعن كل الذين افتدوا لبنان بدمائهم..

 

وفي جميع الحالات تبقى مي شدياق هي هي التي لم تتغير ولن تتغير أبداً, وبكل جرأة ردّت على أسئلة "السياسة" ملقية ببعض اللوم على القوى التي تنتمي إليها لأنها لم تضرب الحديد وهو حامٍ. ومن دون أن تخفي قلقها الشديد على لبنان.

 

وفي ما يلي نص الحوار:

* قلّدت في فرنسا وساماً رفيعاً, كيف تصفين لنا شعورك بهذه المناسبة, لا سيما وأنها أتت بعد أن كان الرئيس الفرنسي شيراك قد منح الشيخ سعد الحريري والوزير مروان حمادة وسامين رفيعين أيضاً?

- صحيح أنه أرفع وسام في فرنسا. لقد خصّني الرئيس الفرنسي جاك شيراك به, في مناسبة استثنائية أراد أن يكرّمني بها خلافاً لما ذهب البعض هنا في تفسيره. هذا التكريم وهذه الحفاوة والإحاطة التي لقيتها من الرئيس شيراك أعتز بها كثيراً وهي مناسبة غالية جداً على قلبي, وأنا سعيدة جداً بهذا التكريم ولا أستطيع أن أصف لك شعوري عندما استرجع اللحظات التي قلّدت فيها هذا الوسام.

 

* البعض ربما يتساءل عن مغزى هذه المناسبة بعد تكريم النائب الحريري والوزير حمادة? فكيف تصفين لنا هذه اللفتة تجاهك من الرئيس شيراك?

- أعتقد أن لكل إنسان تقديره في مجال عمله ولا بد هنا من شكر الرئيس شيراك على عاطفته النبيلة تجاهنا, وهذا التكريم لا يعني أنه فقط تكريم لأشخاص بل تكريم للبنان من خلالنا ومن خلال رسالتنا كل على طريقته, بمعنى آخر نحن كنا الواجهة, وفي سبيل ذلك ما زال اللبنانيون يستحوذون اهتمام الرجال الكبار ويستحقون التكريم. وكما يقول المثل: "ما من نبي يكرم" ولهذا ربما جرى تكريمنا في فرنسا.

 

* أيضاً فرنسا دولة صديقة وتعيش الهم اللبناني مثل كل اللبنانيين.

- بالنسبة لي الحمد لله أنني أيضاً منحت الجنسية الفرنسية. ولكن جنسيتي الأولى والأخيرة التي أعتز بها وكدت أن أضحي بروحي في سبيلها هي كما يقال إلى أبد الآبدين جنسيتي اللبنانية. ولولا إيماني بلبنان لما ناضلت لهذه الدرجة على طريقتي, في سبيل حرية واستقلال لبنان. وعلى الرغم من الاعتداء الآثم الذي تعرضت له, لم أتوان من الرجوع إلى لبنان, وأعود إلى عملي في ظرف عشرة أشهر, بالرغم من أن كل العالم يعرف أنني خضعت ل¯26 عملية جراحية في أنحاء متعددة من جسمي وما لحق بي من أضرار نفسية وصحية لكن القضية تستحق أكثر من ذلك.

 

* ما سر هذه الإحاطة الكريمة التي تلقيتها من الرئيس شيراك التي تجلّت باهتمام زائد بك من رئيس دولة كبيرة مثل فرنسا التي توجت في النهاية بهذا التكريم الذي لا يعطى إلا لرؤساء الدول?

- أعتقد بأن الإعلاميين يحملون رسالة بارزة, مثل السياسيين لا بل أحياناً أهم من السياسيين, ولو لم يكن الصحافيون والإعلاميون على هذه الدرجة من الأهمية, لما كانوا في مقدمة شهداء الاستقلال وشهداء ثورة الأرز, اختاروا ثلاثة, لا بل أربعة, فالوزير مروان حمادة هو رائد الإعلاميين, ثم اغتالوا سمير قصير, بعدها كانت محاولة اغتيالي, ثم اغتالوا جبران تويني. هذه دلالة إلى أي مدى للكلمة وقعها, وأهميتها, وإلى أي مدى الصوت الصارخ في البلد يترك صداه المؤثر في نفوس الناس, كما كان يردد دائماً جبران تويني.

 

* من خلال القناعات التي تكونت لديك, لماذا القضاء على الصوت الصارخ في لبنان?

- لأن كل من يقول الحق, وكل من يرفض الهيمنة الغريبة على أرض لبنان, كل من كان يضع إصبعه على الوجع, ويشير إلى مكامن الخلل, كان هناك إرادة لإلغائه, لإسكاته ولإخافة الآخرين من خلال إسكاته.

 

* كثيرون من الإعلاميين في لبنان وضعوا الإصبع على الجرح, وقاربوا المشكلة, وتحدوا الهيمنة والوصاية. فلماذا جرى اختيار سمير قصير ومي شدياق وجبران تويني, لماذا استهدفت هذه النوعية من الناس?

- لا يمكن أن نعتبر كل الإعلاميين اللبنانيين كانوا بنفس مستوى من استهدفتهم يد الإجرام مع احترامي للجميع. هناك الكثير من الإعلاميين يفضلون عدم مقاربة الخطوط الحمر والابتعاد عنها قدر الإمكان, وحفظ (خط الرجعة) ولا يريدون أن يذهبوا ضحية ما هم مؤمنون به, وهناك آخرون على استعداد للموت في سبيل قضيتهم.. يبرزون أكثر ويسلط الضوء عليهم أكثر. هذه النوعية التي استهدفت هي النوعية الشابة.. من أصحاب الأقلام الجريئة, والكلمة التي تصيب الهدف, ولها تأثيرها الكبير على جيل الشباب, وممكن أن يشكلوا نواة حركة شبابية. مثلاً: سمير قصير كان يدرس في الجامعة, مي شدياق تدرس في الجامعة, جبران تويني لا شك مدرّس على طريقته وكان على علاقة قوية مع الشباب الصاعد. عندما نفكر بهذه النوعية من الناس, نعرف ما هو القصد من استهدافهم.. المقصود هو النيل من هذه الطاقات الشابة التي تستطيع إيصال صوتها بسرعة أكثر وتستهوي الشباب بشكل أكثر...

 

* واضح أنهم حاولوا إسكاتك وإخفاء صوتك ولكن العناية الإلهية أنقذت حياتك وعدت أكثر جرأة, وأنت اليوم تقدمين برنامجاً سياسياً عنوانه "بكل جرأة". لماذا عدت إلى السياسة, وإلى الجرأة? ألم تفكري بتغيير نمط عملك مثلاً, وما سر تعلقك بالقضية اللبنانية التي كدت أن تكوني إحدى ضحاياها?

- واضح أنهم كانوا يستهدفوني للقضاء على لساني وعلى عقلي ولكن (مار شربل أنقذني) فكروا بإنهائي كلياً, بترت ساقي وقطعت يدي, لكن عقلي ما زال في مكانه ولساني أيضاً, وتفكيري ما زال قادراً على التحليل وكشف المخططات, وطالما أنني ما زلت أملك هذه العناصر التي حاولوا إسكاتها فلن أسكت. ولو قيض لي أن أسكت لكان حصل بي ما كانوا يريدونه لي.

 

* خلال معاناتك وتنقلك بين مستشفيات بيروت وباريس ورغم الجراحات التي أُجريت لك, هل ساورك شعور بالتخلّي عن الإعلام?

- ولا لحظة, حتى عندما كنت في غرفة العناية الفائقة كنت أرسم مشاريعي التي سأنفذها بعد خروجي من المستشفى ولو كانت عندي مثل هذه النية, ما عدت إلى العمل بعد عشرة أشهر. في الوقت الذي كنت أرتبك فيه في طريقة التنقل. عدت إلى لبنان وبعد أقل من 14 ساعة اندلعت حرب يوليو, شعرت وكأن شيئاً ما يناديني فعدت إلى العمل في 25 يوليو بعد أن قضيت عشرة أشهر بالكمال والتمام في رحلة العذاب.

 

* بعد رجوعك إلى لبنان ألقيت كلمة وجدانية أمام الذين احتشدوا لاستقبالك لم تخلُ من العتب واللوم, فالتغيير لم يتم بالسرعة التي كنت تأملينها. الآن وبعد عودتك إلى لبنان منذ ما يقارب عشرة أشهر, هل ما زال عندك نفس الملاحظات حول عملية التغيير المرتقبة?

- اليوم, عتبي أكثر, ولومي أكثر...

 

* أين قصرت قوى الأكثرية في موضوع التغيير?

- كان مفترضاً ضرب الحديد وهو (حامي).

 

* هل تعتقدين أن أموراً ما أخّرت إنجاز ثورة الأرز?

- ربما كان هناك اعتبارات معينة, جعلت قوى 14 مارس يراهنون على تفاهمات معينة, لكن ظهرت في الممارسة وجوه وخبراء... لأن سورية علمت المقربين منها لعبة الرهان على الوقت, وهناك متغيرات, ويجري احتساب الأمور لهذا الفريق بحكم تغير المعطيات. وأعتقد كان على قوى 14 مارس أن تكون واعية لهذه النقطة, لتدارك هذه المطبات. بالطبع نحن وطن واحد وشعب واحد... ولكن علينا التنبه للأساليب والألاعيب السياسية, لأننا نعرف أن بعض الطروحات لن تؤدي إلا لمساومات معينة ومع الوقت لن توصلنا إلى الحل المنشود... ربما في بعض المسائل كنت أفضل أن تكون الضربة حامية على الطاولة.

 

* من خلال مقاربتك لقضية لبنان واستضافتك لمجموعة كبيرة من السياسيين, هل تكونت لديك فكرة واضحة عن المشهد اللبناني, وما يحاك ضد لبنان من مؤامرات? وما هو مسموح به وما هو غير مسموح به?

- في لبنان كل شيء مسموح وفي النهاية كل واحد يتصرف حسب هواه وميوله... هذه الفرادة الموجودة عندنا في لبنان ليست موجودة في أي بلد آخر. وهذا ما كنت أحاول تفسيره للغرب ولمن التقيتهم. وهناك عبارة للرئيس الحص (في لبنان كثير من الحرية وقليل من الديمقراطية) أنت تستطيع أن تقول ما تريد, وهم يفعلون بك ما يريدون... بينما في الدول التوتاليرية والديكتاتورية ممنوع الكلام. ولكن في لبنان تستطيع أن تتكلم وتعبر عن رأيك, ولكن ماذا ينتظرك فأنت لا تعلم.

 

* ما تقولينه اليوم سمعته من الزميلة جيزيل خوري زوجة الشهيد سمير قصير فهي مثلك أبدت عتباً ولوماً عن التأخير والتقصير في كل شيء. ولكن ما سمعته من الزميلة سهام تويني كان مخالفاً تماماً إذ كانت تتمنى على زوجها الشهيد جبران أن يبتعد قدر الإمكان عن البلد وأن يخفف من لهجته وجرأته وخاصة في حملته على السوريين. هل تعتقدين أن كل شخص ينظر إلى المسألة من منظاره الخاص?

- مع محبتي لسهام وهي صديقة عزيزة جداً على قلبي, سهام ليست سياسية ولا إعلامية, سهام ابنة مجتمع, ولكن أنا وجيزيل نعرف بعمق المواضيع أكثر, لأننا على مقاربة أكثر من الوقائع ولدينا قراءة نوعاً ما ربما تكون مختلفة.

 

* هل تبدو لك قيامة لبنان قريبة?

- كما هي الأمور اليوم, للأسف لا.. المشكلة عندنا.. كفى قولاً.. لا شيء يحصل في الداخل بمعزل عن الخارج, لأننا نحن نستعمل الخارج, كل واحد على طريقته, للاستقواء على الداخل. ليس الخارج الذي يستعملنا, نحن أيضاً نستعمل الخارج لتنفيذ مآربنا وغايتنا, في وقت نستطيع أن نكون سدّاً منيعاً. قسم منا يستخدم الورقة السورية-الإيرانية ليستقوي على الداخل.. وهناك قسم يرى أن اتجاهات الرياح الغربية هي لصاحله. في الماضي كانت الرياح الغربية ضد هذا الفريق الذي أعتبر نفسي منتمية إليه. ربما نستفيد من الرياح المؤاتية لنا, على الأقل لنساعد على قيامة هذا البلد. ولو كل اللبنانيين يجسلون مع بعضهم على طاولة واحدة ليفكروا بإنقاذ هذا البلد بغض النظر عن الاعتبارات الخارجية, ومصالح الخارج عندنا كان الموضوع مختلفاً تماماً.

ولكن لسوء الحظ يبدو صعب المنال حتى أننا كلبنانيين لا يوجد عندنا نظرة واحدة للبنان, البعض يحاول أن ينقض صيغة العيش المشترك, الذي كرسها اتفاق "الطائف", البعض يحاول نسف الأسس التي اتفقنا عليها ودفعنا ثمنها غالياً جداً وأخذت منا سنوات حرب وعشرات ألوف الشهداء حتى توصلنا إليها.. هذه تسوية توافقية تؤمن ولو لفترة زمنية الاستقرار في لبنان, البعض يحاول نسفها من أساسها لأنهم يراهنون على لعبة العدد ولعبة المال لشراء الأرض وتحاول أن تمتد ديمغرافيا وجغرافياً, وهي غير مستعدة لمساومة الآخرين لأنها في النهاية تعتبر نفسها الأقوى. ولكن لبنان لا يقوم على هذه الصورة ولن يكون له مستقبل بهذه الطريقة. من حيث لا يدرون يذهبون بنا إلى صيغ مختلفة. عن الصيغة الحالية التي نريدها ونتمسك بها..

 

* هل نحن أصبحنا أمام ثقافتين لا بد للواحدة أن تسيطر على الأخرى, أم نحن ضحية مؤامرة لم تنته فصولها بعد?

- لسنا ضحية, نحن أيضاً مذنبون, لماذا إلقاء المسؤولية على غيرنا, مقولة حرب الآخرين على أرضنا ربما حصلت في فترة معينة. أما آن لنا أن نعي مصلحتنا, ألم نصل بعد سن النضج? ألم يحن الوقت كي نتعلم من تجاربنا وننظر إلى الأمام طالما تتحكّم بنا الأنانية, والمآرب الشخصية, والطموحات الخاصة في بعض المجالات... لا يمكننا أن نعرف أين مصلحة لبنان, لأننا نريد مصلحتنا قبل مصلحة لبنان..

 

* عندما يجتمع المسيحي والمسلم السنّي والمسلم الدرزي على مبدأ السيادة والحرية والاستقلال, مقابل بعض القوى المؤثرة على الساحة الشيعية مع القوى المرتبطة بتحالفات دائمة مع سورية. ما ذنب هذه الشريحة الكبيرة من اللبنانيين (مليون ونصف لبناني نزلوا إلى ساحة الحرية للتعبير عن رفضهم للوصاية والهمنة), فماذا يمكنهم أن يفعلوا أكثر من ذلك?

- لا أستطيع أن أعطي جواباً ولا أعرف ما ذنبهم, لأنني أكثر الناس دفع ثمناً لهذا الموقف, ولكن لا يمكن لنا أن نستسلم, لسنا لعبة في يد أحد بعد اليوم. يريدون الذهاب بنا إلى الهاوية, وبالنتيجة الهاوية ستكون علينا وعليهم.. لو أخذنا مثلاً المساعدات الدولية. دول كثيرة تحركت لمساعدة لبنان في مؤتمر "باريس-3" توقف كل شيء وكل التقارير الواردة من المجموعة الأوروبية رفضوا مساعدة لبنان, لأنهم يريدون مساعدة بلد ليزدهر ويكون عنده استقرار ويستفيد. ولا يريدون مساعدة بلد هو نفسه لا يعرف ماذا يريد.. عندما نقول أننا خسرنا هذه المساعدات, هل خسرتها أنا لوحدي.. هذه المساعدات خسرها لبنان. هم لا يفهمون أن هذه المساعدات لكل اللبنانيين وهذا مثل بسيط أمام الاعتبارات الكبرى المصيرية. فإما أن يهيمنوا على البلد وإما نسف البلد برمته, أو التفتيش عن صيغة أخرى تضمن لكل فئة حقوقها..

 

هل سيكون هذا الحل?

* بماذا تفسرين عودة الوزراء الشيعة إلى تصريف الأعمال? وكيف تفسرين ذلك?

- ماذا تعني عودتهم لتصريف الأعمال وهم مصرون على عدم حصول جلسة مجلس الوزراء.. هذه هرطقة سياسية. وأنا انتقدتها في برنامجي على الهواء, لأنهم لم يستطيعوا إسقاط الحكومة.. جربوا وهذا من حقّهم. فشلوا.. عليهم أن يكملوا الحياة السياسية. لأن أمور الناس ومشاكل المواطنين تتطلب ذلك, هم لم ينتفضوا لأجل المواطنين.. انتفضوا لأجل مصالحهم الخاصة والمحسوبيات المحسوبة عليهم ببعض التعيينات التي ليست لمصلحتهم.. لهذه الأسباب يحاولون العودة لممارسة مهامهم.. وهذا دليل واضح على تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة البلد. هل وزارة الصحة لكل اللبنانيين أم لفئة معينة? وزارة العمل لكل اللبنانيين أم لفئة معينة? عندما أحسوا أن مركزاً معيناً لم يعد لهذه الفئة وكان لنفس الطائفة والمذهب ولكن ليس للمحسوبين عليهم بحكم امتحانات معينة فاز أشخاص معينون, هل ندعهم خارجاً لأنهم لا ينتمون إلى تبعية معينة.. هذه الذهنية التي سنتطلع بها في الأيام المقبلة.

 

* هذه الفئة بتحالفها مع العماد عون استطاعت تعطيل كل شيء. ما هو السبيل إلى إيجاد الحل? وكيف تنظرين إلى الاستحقاق الرئاسي, وهل تجدينه مدخلاً للحل?

- ربما عندما ننتهي من الانتخابات الرئاسية يعودون إلى رشدهم, فإما أن نصل إلى ما نريد أو لا نريد بلداً.

 

* لماذا إثارة موضوع النقاط السبع في هذا الوقت وما الفائدة من الحديث عن خلاف حولها?

- ربما لأنهم شعروا بحصول تقدم في مزارع شبعا في موضوع ترسيم الحدود وتصبح في عهدة القوات الدولية ويصبح بمقدور اللبنانيين الذهاب إلى أراضيهم وقد تصل لحل نهائي لهذه المسألة. وعندما يقولون بأنهم سيقاومون حتى تحرير الأرض اللبنانية فإذا تحررت مزارع شبعا لا يعود من داعٍ للسلاح, وهناك فريق في لبنان يفضل بقاء الأمور على حالها للحفاظ على هذه الحيثية الاستثنائية التي يتمتّع بها.

 

* ما هي قراءتك لتقرير بان كي مون?

- شعرت بوجع شديد, بعد تصريح الرئيس السنيورة ودعوته الأشقاء العرب المجيء إلى لبنان ويكون عندنا موسم سياحي ناجح, نجد من ناحية ثانية دخول السلاح إلى لبنان بشكل مخيف في ظل أوضاع لبنانية غير مستقرة, والحكومة عاجزة عن المواجهة بالشكل المطلوب... السيناريو مأساوي, ولا أعرف لأية درجة أن تعود الثقة بهذا البلد, نحن نهدم حالنا بحالنا لو قررنا أن نشتغل في السياسة ولا نلعب (بوكر) بالوطن من دون أن نقامر بمصير وطننا, في كل دول العالم يوجد معارضة وموالاة والتعاطي السياسي مسألة شرعية والتنازع السياسي, هذه فرنسا مثلاً فاز اليمين ب¯53 في المئة والاشتراكي خسر ب¯47 في المئة, لم يقل الاشتراكيون بأنهم لن يعترفوا بالنتيجة ماذا قالت "روايال" (الديمقراطية ربحت) وإلى الانتخابات القادمة بعد خمس سنوات.

اللعبة الديمقراطية يجب أن تجري حسب الأصول, وليس على الطريقة اللبنانية, نصور الأمور كما تناسبنا, فإذا لم تأت النتيجة وفق ما نريد نرفض الانتخابات ونطالب بانتخابات جديدة. عندنا في لبنان مفهوم خطأ, لو نشتغل سياسة وندع العالم تعيش بغض النظر عن شد الحبال كان البلد بألف خير, توجد أيادٍ خارجية لا تريد لهذا البلد أن يقوم. وكل جيران لبنان سواسية بهذا الموضوع, لا يريدون لا استقراره ولا ازدهاره, ولا يريدونه لا مركز مصرفي وأو مركزا سياحيا, وأو مركزا استثماريا, يريدون القضاء علينا ونحن نقوم بتنفيذ مؤامرتهم كل واحد منا لغاية في نفس يعقوب.

 

* بتقديرك هل أخطأ رئيس الحكومة بعدم تعيين بدائل من الوزراء المستقيلين?

- في الحقيقة كانت الأمور قابلة للانفجار بهذا الاتجاه أو باتجاه آخر. ربما لو جرى تعيين وزراء بدلاً عن الذين استقالوا كان الوضع انفجر في حينه, لكن عدم التعيين أجل التفجير... كان يجب التعامل معهم بطريقة طالما أنهم ضد المحكمة الدولية وضد كل ما من شأنه أن يؤدي إلى صورة لبنان التي تسعى إليها الأكثرية.

 

* لماذا لا يريدون أن تعرفي من فجّر لك سيارتك?

- من لا يريد الحقيقة ويريد التستر على مفتعلي الجرائم بالتأكيد إنه يعرف الفاعل ويقوم بمداراته كي لا تصل السكين إلى ذقنه, لأنهم يعرفون الجهة التي أمرت وأنا أيضاً ولكن لا أعرف من هم صغار النفوس الذين نفّذوا... صاحب الدم البارد.. الذي يعلم أنني صبية في أول عمري.. فلم يرف له جفن وبكل أعصاب باردة (كبس على الزر) (وتغرورق عيناها بالدموع).

 

* هل كنت تتوقّعين أن يعطل الرئيس برّي جلسات مجلس النواب على الأقل لإقرار المحكمة الدولية?

- بصراحة لم أتوقع ذلك ولكن في المنطق المذهبي الطاغي على البلد, بالارتباطات الخارجية وبالتهديدات... لقد حصل تهديد مباشر إذا ما أقرّت المحكمة, فالثمن سيكون غالياً جداً. وكل واحد أصبح يفضل أن تقر المحكمة من دون أن يكون له يد في ذلك, إذا كان لا بد من إقرارها فبرأيي أن كل الناس مهددة في لبنان.

* من المتوقع عقد جلسة لمجلس النواب بمناسبة "عيد التحرير", فما رأيك? هل سيدعى النواب بمناسبة عيد التحرير أم لانتخاب رئيس للجمهورية, كيف تتم الدعوة لعقد جلسة للتحرير من دون أن يكون لها هدف, وإذ لم يصر إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس جمهورية في 24 سبتمبر ندخل من جديد في أزمة دستورية?

- ربما يكون الخامس والعشرون من سبتمبر ذكرى محاولة الاغتيال التي تعرضت لها مناسبة أيضاً لنهاية آلام هذا الوطن..

 

* إلى أي مدى استطعت تجاوز ما جرى لك, وهل لديك قدرة على النسيان?

- أشكر الله سبحانه وتعالى الذي أعطاني القوة لأتخطى وأتقبل ما جرى معي, بالنتيجة أنا بشر, أنا إنسانة.

 

* وقّعت أخيراً كتابك باللغة الفرنسية وتحدثت فيه عن كل ما جرى معك, نريد إعطاء صورة مبسطة عن هذا المؤلف الجديد?

- الكتاب أصبح في عهدة دار "النهار" وسيصدر قريباً باللغة العربية وهو عبارة عن شهادة للتجربة التي مررت فيها بعد محاولة اغتيال إلى أن عدت إلى عملي في التلفزيون وفيه جردة لكل ذكرياتي لتلك المحطات الأليمة ليس فقط للمحطة التي تتعلق بالحادثة..

أستذكر جبران تويني عندما زارني في المستشفى وكيف صدمت عندما جرى اغتياله. الكتاب سلس جداً كتب بلغة السهل الممتنع لا تتطلّب قراءته أكثر من عدة ساعات. ولكن كما ذكر لي بعض الأصدقاء تنتهي من مطالعته ورأسك معبأ بكل ما تضمنه من محطات مضحكة ومبكية في آن. وهو بالنتيجة يشبهني كثيراً. فيه معاناة ولكن أحياناً تخرج نكتة من هذه المعاناة من الظرف القريب الذي أعيشه أو من محطات سابقة خلال الحرب, أو الأشياء التي تميزت بها ولا أريد أن أخفيها. جربت قدر استطاعتي ألا أدع الوجع يطغى عليه كي لا يكون أشبه بورقة (النعي), بمعنى أنني خففت من الوجع قدر ما أستطيع ولكن عندما أعيد قراءتها أبكي..

 

* بعيداً عن الكاميرا, كيف تقضين أوقاتك? ما سلوتك, ومن ينسيك همومك?

- أدرس في الجامعة, وأمضي وقتي بين الجامعة والتلفزيون.

 

* قيل لنا أنك سيدة أعمال أيضاً?

- اشتغلت فترة بمجال الأعمال في بيع العقارات, لأن التعليم والعمل الثقافي سرقا الكثير من وقتي. وفي العام 1990 اشتغلت في السفارة اللبنانية في برن بسويسرا ولدي طاقات كثيرة, ولكن مع الإنشغالات الكثيرة أسترق أوقات الراحة, فأحياناً لا أقوى بالرد على الاتصالات الهاتفية. منذ حصول الحادث معي وبعد عودتي إلى لبنان كثرت مشاغلي ونفذت العديد من الرحلات إلى الخارج في اكتوبر الماضي ذهبت إلى الولايات المتحدة مدة ثلاثة أسابيع ونلت جائزة حرية الصحافة للعام 2006, بعد ذلك جرى تكريمي في مصر من هيئة الإذاعة والتلفزيون وهذه اللحظة تؤلمني فأثناء عودتي إلى المنزل أبلغت بنبأ اغتيال الوزير والنائب بيار الجميّل. تعبت أعصابي كثيراً بعد هذه الحادثة. حياتي ليست مزحة وأحياناً لا أستطيع الاتكال على غيري لتركيب أعضائي فهذه مسألة مزعجة. فأنا لدي استقلالية كثيرة لكن وضعي لا يسمح لي بالاستقلالية قدر ما أحب.

ولكن في مطلق الأحوال أنا من النوع الذي لا يستسلم. عدت وذهبت أخيراً إلى نيويورك, التقيت بربارة وولتز كما جرى تكريمي في باريس والتقيت الرئيس ساركوزي صدفة في فندق "فوكس" عندما حضر للقاء أنصاره. صافحني وقدمت له التهاني وتهاني اللبنانيين وفي مارس ذهبت أيضاً إلى فرنسا لإطلاق كتابي كما أجريت لقاءات على مختلف المحطات التلفزيونية في فرنسا. واللافت حصول أشياء لا يتصورها الإنسان أبداً كما يحصل معي أحياناً عندما أكون في فرنسا في ال¯"شانزيليزيه" بعض من ألتقيهم يستوقفني لالتقاط الصور والتوقيع على الأوتوغراف ويتحدثون معي عن وضعي وعن وضع لبنان, فأتذكر ما قالته لي جمانة ابنة السيدة نازك الحريري, عندما كانت تزورني: (الله أبقاك على قيد الحياة لأنك صاحبة رسالة) ربما من حيث لا أدري بقيت على قيد الحياة. ربما حبي لوطني على طريقتي وبأسلوبي الخاص. استقطب هذا الاهتمام الخارجي. فأنا تاسع شخصية نلت جائزة الأونيسكو العالمية, عندما أصل إلى المنابر الدولية لإيصال رسالة لبنان من خلال رسالتي أتيقن لماذا الله سبحانه وتعالى أبقاني على قيد الحياة.. من يشاهد السيارة لا يعتقد أن من كان بداخلها بقي على قيد الحياة..

 

* من هم الأشخاص الذين تعتبرين نفسك مدينة لهم بشيء ما?

- عائلتي لها دور كبير في حياتي ما زالت تستحملني بمعاناتي اليومية منذ سنة ونصف, بيار الضاهر الذي رافقني كل هذه المرحلة, والأمير الوليد بن طلال الذي اهتم بعلاجي في أول فترة, والسيدة نازك الحريري التي كانت تزورني مرتين في الأسبوع, الرئيس شيراك كان دائماً يتصل بي, كنت أشعر بأني لست متروكة أبداً.

 

* في النهاية هل أنت خائفة على لبنان?

- نعم.. لبنان الذي أحبه أخاف عليه.. لأنهم يحاولون نسف لبنان "فإذا كانوا لا يدرون فتلك مصيبة وإذا كانوا يدرون فالمصيبة أعظم"..