توقعت في حوار مع "السياسة" تغييرا جذريا في نهج "حزب الله" خلال 5 سنوات

 منى فياض "الشيعية الوطنية": لا فائدة من اعتصام المعارضة فما صح في إيران عند اسقاط الشاه لن يصح في لبنان

 بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة

 

رأت المفكرة والباحثة السياسية الدكتورة منى فياض ان اللبنانيين يخلطون بين الولاء والانتماء وان الانتماء للطائفة يصبح ولاء لها حتى ولو كانت هذه الطائفة مرتبطة سياسيا بدول اخرى, وهذا الامر لا يصح في بناء الدول. واعلنت ان لديها انتقادات كثيرة لبعض شخصيات 14 اذار, ولكن عندما يكون مصير البلد مهددا فانها مع خيار الاكثرية وليست مع خيارات المعارضة.

 

ورأت فياض في حوار مع »السياسة«, ان »اتفاق القاهرة« جعل المواطن الشيعي يتخلى عن ارضه ويقدمها للفلسطينيين معتبرة ذلك تخليا من العرب لان الدولة اللبنانية كانت دولة ضعيفة. واعتبرت ان الشيعة السياسية تخلط بين  انواع عدة من الحرمان الذي لم يعد حرمانا بالمعنى الحقيقي, وكان ينبغي التخلي عن هذه الكلمة بعد التحرير في العام 2000.

 

واشارت فياض الى ان»حزب الله« لم يعد منزها ومع وجود المال يوجد الفساد وان الحزب دخل في اللعبة واصبح يفتقر الى الكثير من المثالية التي تميز بها في بداية نضالاته, وعليه ان يدرك ان انخراطه بالوحول اللبنانية اوصله الى حيث لا يريد, فاما ان يكون حركة ما فوق القومية ويبحث بعد تحرير الجنوب عن مكان اخر يناضل فيه كما تفعل "القاعدة" او ان يتصرف مثل كل اللبنانيين.

 

وعن مخيم الاعتصام في ساحة رياض الصلح, رات فياض ان»حزب الله« حاول تطبيق شيء ما في زمان ومكان غير مناسبين لان ما يصح في ايران عندما جرى اسقاط الشاه لا يمكن ان يصح في لبنان, متسائلة لماذا تناسوا ان انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا للمجلس كان خيارا شيعيا وبالمقابل فمن الطبيعي ان يتحرك السنة دفاعا عن مركز سني.

 

وقللت من خطورة تهديد الكيان اللبناني بعد القضاء على عصابة»فتح الاسلام« مستبعدة ان يسعى»حزب الله« للتقسيم لان نضالات هذا الحزب تمنعه من ذلك, معتبرة ان تقسيم لبنان الى دويلات يشكل خطرا مباشرا على النظام السوري, وليس من مصلحة ايران دعم مشاريع كهذه مع بداية التحول السياسي في ايران.

وطالبت الدكتورة فياض »حزب الله« باستعادة وطنيته متوقعة تغييرا جذريا في نهج الحزب خلال خمس سنوات.

وفي ما يلي نص الحوار:

 

* كيف تحددين موقعك في الساحة الشيعية?

- نحن جزء من الشيعة الوطنية, وليس الشيعة السياسية ونريد ان يتعاملوا معنا كوطنيين وهذا الكلام موجه لجميع الفئات ومن كل الطوائف.

* ممن تطلبين ان يتعامل معك من هذا الموقع, وهل هناك نظرة مغايرة لما انتِ فيه?

- كل الاخرين وانا اسمح للاخر ان يسميني شيعية وبالمقابل, اريده ان ينتقد طائفته كما انتقدت طائفتي, وهكذا نستطيع الخروج من طوائفنا, ولكن عندما اجده يفرح لانني انتقدت طائفتي, وبالمقابل لا يفعل الشيء نفسه حيال طائفته فماذا يتغير?

 

الولاء للطائفة

* لمصلحة من تنتقدين الخط الشيعي?

- لمصلحة الدولة المدنية, واذا وجدت ان لدى الفريق الاخر التوجه نفسه فلا مشكلة, ونستطيع ان نتفق على كل الاهداف, شرط الا يكون ذلك من منطلق تعصب الاخر لطائفته. واحيانا اسال نفسي بماذا يختلف الشيعة عن بقية الطوائف وهل صحيح ان الشيعة السياسية تهدد الكيان والوطن, ولماذا يكون الولاء للطائفة اكثر من الولاء للوطن? قيل لي ان السنة والموارنة والدروز هم كذلك, ولا فرق في ممارسات الطوائف. كلهم منخرطون في الخيار الطائفي.

 لو نظرنا الى المسيحيين المؤيدين لعون على الرغم من تحالفه مع»حزب الله«, لوجدنا انهم يؤيدونه لانه زعيم مسيحي قوي ويشكل لهم ضمانة. وفي البداية تعاطفوا معه عندما كان ضد»حزب الله«, ومع جنبلاط.

الدروز مثلا متحلقون حول وليد جنبلاط, على الرغم من اعجابي بخطه السياسي, لكنه اذا ارتكب اخطاء لا يتجرا احد على انتقاده, والسنة مع الحريري كذلك. حتى الارمن اصبحوا طائفة اثنية وخياراتهم السياسية يجب ان تتلاقى مع اثنيتهم, مع اصلهم الارمني على حساب لبنان. فعندما يختارون ان يكونوا ضد مشاركة القوات التركية في "اليونيفيل" فهذا يعني انهم فضلوا اثنيتهم على انتمائهم للوطن, الذي تعامل ويتعامل معهم كلبنانيين, فجاة اصبحوا ارمن غير لبنانيين.

 

انا لا التقي مع الخيارات الشيعية السياسية لسببين: على الرغم من ان الشيعة مثل كل الطوائف اللبنانية, ومعظم الناس في هذه الطوائف يتمسكون بالقائد وبالزعيم, ولكن خطورة الخيار الشيعي ان له ميزتين يؤكد عليهما ولن يتخلى عنهما. اولا خلط الدين بالسياسة, فانا استطيع ان انتقد اي زعيم اخر من دون ان يتهمني احد بانني انتقد القدسية الدينية.

ان انتقاد عون والحريري وجنبلاط وغيرهم ليس اهانة للروح الالهية, اما اذا انتقد احد نصر الله فكانه ينتقد الدين والقداسة. وكلنا نتذكر ماذا جرى بعد تقديم حلقة شربل خليل (برنامج بسمات وطن على ال بي سي), رغم انه ينتمي الى حلفائهم العونيين.

 

الامر الثاني الخطير, ان»حزب الله« مسلح... كيف يمكن لجهة سياسية ان تكون على قدم المساواة مع الاخرين, في وقت تملك السلاح, بماذا يهددني جنبلاط? مهما كانت خياراته, او الدروز او السنّة, بالنسبة للسنّة يحاولون اليوم الصاق»فتح الاسلام« بهم وبرايي ان هذا غير صحيح ونحن ننتظر التحقيق. لهذا السبب انتقد خيارات ممثلي الطائفة الذين يحتكرون تمثيلها, واعتقد ان هناك كثيرين في هذه الطائفة مثلي يرفضون هذا الدور لكن تنقصهم الجراة الكافية لتوجيه الانتقاد. لهذين السببين يتميز»حزب الله« عن الاخرين اي خلط الدين بالسياسة, والامر الثاني وجود السلاح تحت حجة مقاومة اسرائيل.

 

* هل يفهم من كلامك ان يتحرر ابناء جميع الطوائف من التعصب المذهبي لطوائفهم والانخراط في مشروع الدولة?

- الانتماءات الطائفية والمذهبية والاجتماعية والعائلية بحسب المفهوم العشائري لا يستطيع احد تغييرها, لانه انتماء عضوي كوننا ولدنا في هذا المكان, ويشكل لنا حماية للجو العاطفي المحيط بنا. ولكن الانتماء شيء وان يكون عندنا ولاء بالمعنى السياسي شيء اخر. قد يستطيع الانسان ان ينتمي لاي كان, يمكنه ان ينتمي للخميني, او للبابا, لكن الولاء السياسي يجب ان يكون للدولة اللبنانية. فقط لا غير.. وهذا هو الشيء المفقود, لاننا نخلط الولاء بالانتماء. ننتمي للطائفة فيصبح ولاؤنا لها حتى لو كان عندها ارتباطات سياسية بدول اخرى. وهذا الامر لا يصح في بناء الدول.

 

واحد من خيارين

* هل تعتقدين ان الدولة اللبنانية سليمة من الاخطاء حتى يكون الولاء لها اهم من الولاء للطائفة?

- قطعا الدولة غير سليمة. وانا لدي الكثير من الانتقادات لشخصيات من 14 اذار, ولكثير من الشخصيات ضمن الفئة التي نسميها »فريق السيادة« او فريق الموالاة, ولكن عندما يكون مصير البلد مهددا, ولدي خيار بين العنف والحرب الاهلية وزوال الدولة التي اسمها لبنان, بحسب خيارات المعارضة, وبين اعتماد خيارات 14 اذار التي تحافظ على لبنان, اي عندما اكون امام خياري وجود او اللاوجود, اختار اولا المحافظة على الوجود, وعندما نتاكد من وجود الدولة عندها نستطيع ان نحاسب ونناضل ضد الفساد.

لقد اوضحت لنا معركة»فتح الاسلام« ان الكثير من الفئات السنّية نظرا لحرمانها الحقيقي, التحقت بفئات مسلحة وكل فئة منهم تاخذهم الى الجهة التي تريد. فئة تاخذهم الى مكان مخابراتي مثل»فتح الاسلام«, وفئة تاخذهم الى جهاد اممي لا يعرفون اتجاهاته كتنظيم "القاعدة". وهذا يفرض السؤال عن السبب, وكل الدولة حتى الان لم تستوعب بعد خطورة المسالة.

سمعنا كثيرا عن حرمان الجنوب, وهنا ايضا نخلط بين حرمانين.. صحيح ان الجنوب كان يعيش حالة حرمان اقتصادي, لكنه لم يكن يختلف عن اية منطقة لبنانية بالحرمان لا عن البقاع ولا عن عكار, فالحرمان كان يعم كل الريف اللبناني وهذا امر طبيعي في بلد مصنف عالم ثالث ولكن تم خلط الحرمان الاجتماعي بالحرمان السياسي واعتقد ان الشيء الذي كان يعاني منه الجنوبيون شعورهم بالتهميش والاهمال. انطلاقا من اتفاق القاهرة سنة 1969, لان الاحتلال الاسرائيلي شكل اذية للجنوبيين مثل اذية الفلسطينيين. وبالتاكيد كانت الاذية اكبر على الجنوبيين, لانهم فصلوا عن شريان حياتهم الحيوي, اذ ان علاقة الجنوبي كانت مع فلسطين ولم تكن في مكان اخر, والاحتلال الاسرائيلي قطع الجنوبي عن فلسطين فاجبروا على اقامة علاقات تجارية واقتصادية مع اسرائيل, لان الاحتلال حصل مع بدايات تركيز الدولة القومية.

لقد جاء »اتفاق القاهرة« ليزيد من هذا الانقسام, ما جعل المواطن الجنوبي يتخلى عن ارضه ويقدمها للفلسطينيين عبر "فتح لاند" ولتتولى المقاومة الفلسطينية محاربة اسرائيل انطلاقا من هذه البقعة الصغيرة في العرقوب, وكان ذلك تخليا من العرب ككل لان الدولة اللبنانية كانت دولة ضعيفة. تم التخلي عن الجنوب لان اتفاق القاهرة يشبه تفويض العرب لسورية بادارة الملف اللبناني. اتفاق القاهرة كان يحتّم على الفلسطينيين الانطلاق بعملياتهم ضد اسرائيل من منطقة معينة في العرقوب وبحجة هذا الاتفاق استباح الفلسطينيون الجنوب اللبناني, تماما كما فعلت سورية عندما كلفت بحفظ الامن في لبنان فاحتلته عسكريا وسياسيا, وانا لا الوم الدولة في ذلك الوقت لانها دولة ضعيفة. وكل الدول العربية كانت تريد ذلك والولايات المتحدة بحسب مشروع كيسنجر كانت تسعى لذلك.

من هنا تخلط الشيعية السياسية بين عدة انواع من الحرمان, الذي لم يعد حرمانا بالمعنى الحقيقي, هذا الحرمان كان بالمعنى السياسي, لقد تحررنا سنة 2000, بعد التحرير كان ينبغي ان نتخلى عن كلمة حرمان لانها لم تعد تنطبق على واقع الطائفة الشيعية ابدا لان الامور تطورت الى الافضل بدرجات عالية.

 

المال والفساد

* هناك حرمان يشكو منه الجنوبيون, نتيجة الولاء السياسي, فمن يماشي سياسة»حزب الله« وحركة "امل" يحصل على حقوقه كاملة ومن لا يؤيد هذه السياسة تنزع منه حقوقه, ما المطلوب برايك لمعالجة هذه المشكلة?

- عند وجود المال, يوجد الفساد, وهذه قاعدة اساسية. وهذا بالدرجة الاولى يشير الى ان»حزب الله« لم يعد منزها, وانه دخل باللعبة للاخر. في البداية كانت ممارسات»حزب الله« فيها الكثير من المثالية. وكانوا يتصرفون ضمن نطاق الاخلاق بشكل عام. وكانوا بعيدين عن الفساد اللبناني, بعد حرب تموز انخرطوا في هذا الجو عن قصد او عن غير قصد وبرايي يجب التنبه الى خطورة هذا الموضوع.

 وعليهم ان يدركوا ان غرقهم في الوحول اللبنانية الى اين اوصلهم. عليهم ان يتخلوا عن ذلك. فاما ان يكونوا حركة ما فوق القومية, فاذا تحرر الجنوب عليهم البحث عن مكان اخر ليناضلوا فيه تماما كما تفعل "القاعدة" او انهم لبنانيون منتمون لهذا البلد وعليهم ان يتصرفوا كمواطنين لبنانيين. من الخطا ان يتسلّم»حزب الله« الاموال ويوزعها على المتضررين بطريقته الخاصة.. ولكن اعود واذكر اينما وجد المال وجد الفساد.

سمعت الكثير مما يجري ولكنني لم اعاين المسالة بشكل شخصي. حتى»حزب الله« سيتعرض لهذا الفساد, خصوصا اذا لم يتعاط مع الجميع بالتساوي. كيف يمكن ان تدفع التعويضات على المتضررين الموالين ل¯"حزب الله" وتحجب عن الفريق الذي لا يؤيده. فباي حق يجري ذلك. الاسلام يقول بالتعاطي مع الضحايا بشكل متساوٍ والا يصبح فهمهم للاسلام مختلفا. وكذلك ايضا على حركة "امل" ان تتصرف بشكل اخر. الحكومة شكلت مجلسا للجنوب كي لا تتهم بالفساد والاختلاس فلماذا يتهم مجلس الجنوب بالفساد. وهذه مناسبة لمساعدة الناس بشكل عادل. برايي هذه ممارسات خاطئة والناس لا يمكنها ان تصمت كل الدهر ولا نعرف كيف ستكون ردة فعلها. فالاوطان لا تبنى بهذه الطريقة.

* ما رايك بمخيم رياض الصلح الذي دمر الوسط التجاري وهدد الاقتصاد اللبناني?

- اعتقد ان الامور اختلطت طويلا. فالمسالة برايي معقدة جدا ومتشابكة. في بداية الامر كان الهدف اسقاط الحكومة من خلال النزول الى الشارع والقيام بالاعتصامات كان ذلك نوعا من التطبيق لما حصل في ايران قبل عودة الخميني اذ نزل الناس الى الشارع وادى ذلك الى سقوط الشاه. لكن الشاه كان فعلا حاكما مستبدا.

والامور في لبنان لا تقاس بما جرى في ايران. لقد حاولوا تطبيق شيء ما في زمان ومكان غير مناسبين اطلاقا وتناسوا ان الرئيس برّي انتخب رئيسا لمجلس النواب انطلاقا من خيار شيعي وبالمقابل من الطبيعي ان يتحرك السنّة دفاعا عن مركز سنّي. في البداية كان هدفهم تغيير الحكومة, واسقاط خيارات 14 اذار لم ينجحوا بذلك لان هذا الامر هدد بحرب اهلية حقيقية. واود الاشارة الى امر اخر هو ان الفولكلور الذي حصل والاحتفالات التي جرت في هذا المخيم كانت وليدة شعور البعض ممن لم يكن بمقدورهم السهر في وسط بيروت حتى لتناول فنجان القهوة. فنزلت الفئات الريفية والمحرومة اقتصاديا الى مكان يعتبر رمزا للراسمالية الجديدة (سوليدير). وكان في ذلك مطالبة اجتماعية تقول بان وسط بيروت ليس للاغنياء فقط. وهكذا خيّموا في رياض الصلح ودخنوا النرجيلة وشربوا القهوة و"النسكافيه" ب¯500 ليرة. والمشكلة انه بعد تحريض واثارة الجمهور باتجاه الفوضى والشغب من الصعب التخلي عن ذلك بسهولة.

 

صعب التقسيم

* هل الكيان اللبناني في خطر من خلال ما يحكى عن ظواهر تقسيمية بدات تطل براسها, وهل هناك استحالة لقيام وفاق وطني حقيقي يحمي لبنان من هذا الخطر?

- بعد القضاء على العصابة الارهابية في الشمال, اصبح من الصعب الكلام عن التقسيم, ولا اعتقد ان»حزب الله« والجمهور الشيعي الذي يتحدث باسمه يسعيان لهذا النوع من التقسيم, ولا افكر في يوم من الايام ان يقدم»حزب الله« على هكذا خطوة لان نضال هذا الحزب يجعلنا نامل ان يتخذ خطوات لمصلحة لبنان. احيانا نشعر انهم يغلبون مصالحهم الخاصة على لبنانيتهم. ولكن الان اشعر بان لبنان يمر بمرحلة خطيرة. وفي هذا السياق فانا لست مؤهلة للدخول في مجال الاسئلة الستراتيجية, ولكن لدي حدسا بهذه المخاطر ويجب ان نعرف اولا من هي الجهة التي تريد تقسيم لبنان الى دويلات لها طابع اسلامي متشدد, حتى النظام السوري لا يناسبه تحويل لبنان الى دولة او دويلات اسلامية متشددة. وكما لاحظنا في الفترة الاخيرة كان لدى السوريين رغبة بالقول بانهم ساعدوا الجيش. اعتبر هذا الامر نوعا من اعادة التفكير لدى النظام السوري شعورا منه ربما بتهديد داخلي من هؤلاء الناس. وهذا ما حصل في العراق.

استطيع القول ان هذا النظام استبدادي وليس عندي امل بان يستعيد السلوك المتوازن او على الاقل الجراة لتصحيح اخطائه. في المقابل يجب ان نتطلع الى الاطراف الداعمة لهذا الخيار, لا يوجد الا ايران, فهل هي مستعدة للمساهمة في التقسيم? اذا ساهمت باقامة دولة سنّية في الشمال هذه الدولة بطبيعة الاحوال جمهورها فقير ومعبا, على الطائفة الشيعية بشكل اساسي وضد العلويين بالدرجة الثانية, وبالتالي ليس من مصلحة ايران دعم مشاريع كهذه, مع الاشارة بان ملامح التحول في السياسة الايرانية قد بدات تظهر مع عودة رفسنجاني الى الواجهة السياسية بقوة, فهو يتميز بعقلانية سياسية اكثر لان الرئيس نجاد اخذهم الى اماكن لم يتخيلوا بانهم قد يصلون اليها, من خلال اعتماده على الجماهير. فالرئيس نجاد جماهيري بالمعنى السيئ, وليس بمعنى مصلحة الجماهير, يستخدم شعارات الجماهير الفارغة وياخذها الى طريق مسدود.

اما عن القوى الدولية الداعمة للتوجه التقسيمي في لبنان فاعتقد ان لا وجود لهذه القوى, نحن محكومون بالتوافق, ومحكومون بالتطلع الى مصلحة لبنان, ولا اعتقد بان هناك ظروفا اقليمية تسمح اطلاقا باقامة هذه الدويلة. ولذلك امكن القضاء على عصابة»فتح الاسلام«.

 

مشاعر عنصرية

* برايك هل تستطيع قوى الاعتدال الشيعي ان تفتح كوّة في الجدار الصلب المتمثل ب¯"حزب الله" والى اين يريد»حزب الله« اخذ الشيعة?

- ما نطالب به هو استعادة عقلانية هذا الحزب واستعادة وطنيته, وبرايي ان التطرف لن يكتب له النجاح على المدى الطويل, قد ينجح لفترة قصيرة بتعبئة وشحن نفوس الناس لفترة, ولكن هذا لا يدوم, لست متفائلة بسرعة حصول تغيير في الذهنية. ولكن خلال خمس سنوات في ظل المعطيات الموجودة حولنا, يمكنهم ان يستعيدوا صفاء ذهنهم, وتوازنهم, وتكون المنطقة قد شهدت بعض التغييرات تجعلهم يعيدون قراءة واقعهم وادراك ان الانسان لا يمكن ان يعيش بكرامة الا في بلده. وحتى ايران غير مؤهلة ان تستوعب الشيعة اللبنانيين اذا ما حصل لهم مكروه. لان تجربة العراقيين ما زالت ماثلة للعيان. عندما هجر الشيعة العراقيون الى ايران عوملوا معاملة سيّئة جدا من خلال التضييق عليهم ومنعوا من الزواج بالايرانيات, منعوا من حرية التحرك. العرب الموجودون في ايران يشعرون بتعاظم السلوك العنصري ضدهم. عند الايرانيين وعند العرب ايضا, في بلادنا الكثير من المشاعر العنصرية, يجدر بنا عدم اثارتها والعمل على عدم تعميقها, وتعزيز فكرة قبول الاختلاف والراي الاخر, لانني لا احب كلمة تسامح فالذي يتسامح مع الاخر يرى بانه هو مصيب وغيره مخطئ. التسامح مع من? مع المسلمين او مع الاكراد او السريان? فهؤلاء موجودون في هذه الارض قبل السنّة والشيعة فاذا اراد المسلم ان يتسامح مع المسيحي الذي مضى على وجوده الاف السنين في هذه الارض, فكانه يقول له انت على خطا وانا على صواب. هذه الفكرة يجب ان نتخطاها.

وان نقبل الاخر كما هو

 نحن موزاييك من الشعوب والطوائف يجب ان نعتز باننا في هذه الرقعة الصغيرة في منطقة الشرق الاوسط نملك كل هذا التنوع. لقد اصبح الكون قرية صغيرة. وكل النقاشات التي تدور بيننا الان لا ادري ماذا سيكون مصيرها بعد خمسين سنة. عندما اسمع البعض يتحدث عن الوطن العربي او الاسلامي اشعر باجحاف تجاه الاخرين. والتسمية الجغرافية »الشرق الاوسط« لا تزعجني اطلاقا. رغم نظرة البعض اليها بانها تسمية امبريالية, وتسمية يريدها بوش..

* ربما لانها تضم اسرائيل?

- اسرائيل اصلا موجودة, والانظمة الرافضة لهذه التسمية معظمها يتعامل مع اسرائيل. هذا واقع. اذا اردنا عدم الاعتراف بدولة عنصرية بهذا الشكل علينا ان نطالبها بالتحول الى دولة ديموقراطية. فانا شخصيا انحو نحو التسميات الجغرافية مثل اوروبا. ومعلوم ان اصل الدين المسيحي من ارضنا فاذا قلنا بالعالم الاسلامي فكاننا نريد تغيير الحقيقة وطرد المسيحي من ارضنا.

* متى برايك سياخذ المثقف والمفكر اللبناني موقعه على الساحة ويصبح الرجل المناسب في المكان المناسب على الصعيد السياسي?

- لا اعتقد بانه يستطيع ان ياخذ موقعه بسهولة على الساحة. دائما استشهد ب¯"فوغو" الذي توفي العام 1984 قبل وفاته اجريت معه مقابلة صحفية وسئل عن عدم مساهمته بتحسين السجون, اجاب: لم يطلب مني احد ذلك. ولم يسالني احد عن رايي في هذا الموضوع. ونحن لسنا افضل من فوغو. المثقف انسان مثير يسلّط الاضواء ويحفز. والمثقفون الاقل راديكالية يستطيعون ان يكونوا جزءا من الانظمة. وعلى الانظمة ان تعرف كيف تتعامل معهم. من الصعب على المثقف ان يكون سياسيا حقيقيا. اذا اردنا ان نستفيد في بلادنا من المثقفين يجب ان ننشئ لهم مراكز ابحاث ونقيم نوعا من الترابط بين مراكز الابحاث ومراكز القرار. وهذا ما يحصل في كل العالم وعلى الاخص في الولايات المتحدة الاميركية. نصيحتي للحكام العرب الالتفات الى البحث العلمي, والاستفادة من مثقفيهم, وبناء جهاز تربوي يؤسس المعرفة الصحيحة.