مقابلة مع العلامة السيد علي الأمين/النهار/27 أيلول

بأن لا مصلحة للطائفة الشيعية في لبنان خارج مشروع الدولة وبمعزل عن مصالح الوطن العليا ومصالح الطوائف الأخرى/ الصراع اليوم صراع قيادات وزعامات لها ارتباطات بمشاريع خارجية وليس صراعاً بين الطوائف التي تريد العيش المشترك فيما بينها وترفض التقسيم والانقسام/المشكلة في عدم تطبيق بعض بنود الطائف/خيار لبنان الوحيد هو في قيام الدولة اللبنانية المستقلة وفي تعزيز مؤسساتها في جميع المجالات

 

النهار 27/9/2007

أكد العلامة السيد علي الأمين بأن لا مصلحة للطائفة الشيعية في لبنان خارج مشروع الدولة وبمعزل عن مصالح الوطن العليا ومصالح الطوائف الأخرى، معتبراً الصراع اليوم صراع قيادات وزعامات لها ارتباطات بمشاريع خارجية وليس صراعاً بين الطوائف التي تريد العيش المشترك فيما بينها وترفض التقسيم والانقسام.

 

ورأي العلامة السيد الأمين، في حديث خاص لـ «النهار» ان المشكلة الحالية التي يعاني منها لبنان تكمن في الابتعاد عن مرجعية الدولة والقانون وليست في الاختلافات نفسها، مشيراً الى ان «اعتماد المعارضة في لبنان آليات غير قانونية لتحقيق مطالبها قد يعرض النظام لأفدح الأخطار».

 

واعتبر السيد الأمين أنه لا مشكلة في اتفاق «الطائف» على مستوى الحقوق والمشاركة في السلطة وانما المشكلة في عدم تطبيق بعض بنود هذا الاتفاق، خصوصاً فيما يتعلق ببسط الدولة لسطلتها الكاملة على أراضيها والذي يستدعي حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها!

 

وفيما يلي وقائع الحوار:

 

هل كُتب على لبنان بسبب موقعه الجغرافي وتنوعه الديموغرافي ان يكون وطن الأزمات؟

 

إن الأزمات السياسة التي تحدث عادة في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي وطن من الأوطان هي صنيعة الانسان وحده وليس لها من علاقة بالعوامل الجغرافية والديموغرافية ولا بما كتبه القضاء والقدر، فالدول المتقدمة والأنظمة السياسية الراقية التي لا تعصف بمجتمعاتها وشعوبها الأزمات في صناعة بشرية، والعكس أيضاً يصنعه في مجتمعه ووطنه الانسان الذي لا يُحسن الادارة ولا يستفيد من تجارب الماضي ولا يتدبر عواقب الأمور، فالمسؤولية تقع على الانسان في ايجاد الأزمات وفي لبنان الأمر هو كذلك، فما يجعل منه وطناً للأزمات بين حين وآخر هي السياسات الخاطئة والقيادات غير الكفوءة وغياب المحاسبة الادارية والرقابة الشعبية على تلك القيادات التي تشكل ارتباطاتها الخارجية وجهاً من وجوه الأزمات الداخلية.

 

هل برأيكم التعدد الطائفي نعمة أم نقمة؟ والى أي مدى يمكن للفيدرالية أن تشكل حلاً للبنان ؟

 

إن التعددية هي سمة بارزة من سمات المجتمع البشري الذي تتحدد آراؤه وأفكاره ومعتقداته ومذاهبه، وقد لا يخلو من ظاهرة التعدد هذه شعب من الشعوب وأمة من الأمم في عصرنا الحاصر، ولم تكن التعددية سبباً للنزاعات في مجتمعاتها ولا سبباً للأزمات في بلادها، وقد عاشت الطوائف اللبنانية في العهود الماضية، حالات من التعاون والانسجام والأخوة الوطنية، ولم يكن التعدد الطائفي سبباً من أسباب الأزمات التي عاشها لبنان إلا بعد ان اصبح في مرحلة من المراحل ساحة للصراعات الخارجية على أرضه، كما هي الحال في الصراع لوجود اليوم فانه صراع قيادات وزعامات لها ارتباطات بمشاريع خارجية وليس صراعاً بين الطوائف حتى نحتاج الى الفيدرالية، فكل الطوائف في لبنان تريد العيش المشترك فيما بينها، وتريد الدولة الواحدة التي تشكل مرجعية جامعة لكل اللبنانيين، وقد كانت الفيدرالية حلاً لشعوب متنازعة ومنقسمة، أما نحن فشعب واحد يرفض التقسيم.

 

أين مكامن المشكلة في لبنان؟ وما هو الحل الذي يحفظ الكيان وتنوعه؟

 

إن المشكلة الحالية التي يعاني منها لبنان تكمن في الابتعاد عن مرجعية الدولة والقانون وليست في الاختلافات نفسها، فقد يقع الاختلاف في كل بلاد الدنيا بين موالاة ومعارضة ولكن هناك آليات قانونية موضوعة لحل المشاكل الناجمة عن الاختلاف على الحكم والسلطة في لبنان ليست المشكلة في مطالبة المعارضة بالمشاركة في السلطة التي أخرجت نفسها منها، وانما في اعتماد آليات غير قانونية لتحقيق مطالبها وقد تصل الى حد تعريض النظام والوطن الى أفدح الأخطار في ظل غياب سلطة عسكرية وقضائية تفرض على الجميع الرجوع الى مؤسسات الدولة الدستورية وغيرها، ولا توجد في رأينا حلول لهذه المشكلة الخطيرة خارج العودة الى الدولة التي تفرض مرجعيتها عبر مؤسساتها على جميع الأطراف، وبذلك تصبح الجبهة الداخلية الوطنية أكثر تماسكاً وتضعف المؤثرات الخارجية، ولذلك فاننا نرى ان ما يحفظ الكيان اللبناني وتنوعه يكمن في الأساس في قيامة الدولة الفاعلة والمؤثرة.

 

اتفاق الطائف

 

كان اتفاق الطائف ضرورياً لمجاراة تغير الواقع الديموغرافي، فهل حان الوقت لاتفاق آخر يواكب تغير الواقع الحالي ديموغرافياً وعسكرياً؟

 

لازال اتفاق الطائف في موضع القبول عند معظم اللبنانيين شعبا وقيادات، ويرون فيه الاتفاق الذي أرسى قواعد السلم الأهلي، وأسس لقيامة الدولة وحقق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وأرضى كل الطوائف اللبنانية، ولم تكن من مشكلة في اتفاق الطائف على مستوى الحقوق والمشاركة في السلطة، ولكن المشكلة نشأت من عدم تطبيق بعض بنود اتفاق الطائف، خصوصاً فيما يتعلق ببسط الدولة لسلطتها الكاملة على أراضيها خصوصا الجنوب اللبناني الذي يستدعي حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها وعدم الطبيق لهذا البند هو الذي أرجع الأمور في لبنان الى الوراء وليس تغير الواقع الديموغرافي، وعلى كل حال فان اتفاق الطائف قد صنعه التراضي والتوافق بين اللبنانيين وأوجد آليات متعددة للتغيير والمشاركة والاصلاح من خلال مؤسسات الدولة وقوانينها، ولا يحصل التعديل والتغيير ان كان مطلوباً لبعضهم الا من خلال التوافق واعتماد الآليات الدستورية والعودة الى مؤسسات الدولة.

 

هل صحيح ان لبنان اليوم واقع بين خيارين، الإيراني والأميركي؟

 

نحن نرى أن خيار لبنان الوحيد هو في قيام الدولة اللبنانية المستقلة وفي تعزيز مؤسساتها في جميع المجالات، بحيث تتمكن من بسط سلطتها الكاملة على أراضيها وتثبيت سيادتها، وكل دولة تدعم لبنان بهذا الاتجاه، فهي بذلك تدعم خيار لبنان واللبنانيين جميعاً الذين يرفضون ان يكون خيارهم مردداً بين المحور الايراني أو بين المحور الأميركي، لان خيارنا الوحيد كلبنانيين أن نعمل لبناء وطننا وقيام دولتنا رافضين التدخل في شؤوننا الداخلية ورافضين العلاقات مع أي دولة الا من خلال الدولة اللبنانية التي تمثل جميع اللبنانيين.

 

الى أي مدى يمكن ان ينعكس التباعد الإيراني - العربي في السياسة صراعاً طائفياً في المنطقة العربية؟

 

ان التباعد بين ايران والعرب ليس في مصحلة ايران على الاطلاق لان الدول العربية وشعوبها يشكلون النافذة لايران على العالم الإسلامي، لذلك فإن المطلوب من إيران أن تكون على علاقة جيدة بالعالم العربي وان أي صراع طائفي داخل العالم العربي لن تكون ايران بعيدة عن تداعياته الخطيرة داخل ايران نفسها، وسيكون المستفيد من هذه الصراعات - اذا حصلت لا سمح الله - هم أعداء الأمة العربية والاسلامية، وأرى ان الرهان على الصراع الطائفي داخل العالم العربي هو رهان خاسر لأن الشيعة العرب هم جزء لا يتجزأ من أمتهم العربية، وهم يؤمنون بأن روابط المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان والأمة التي ينتمون اليها والتي لا يجوز تقسيمها الى طوائف ومذاهب داخل الشعب الواحد والوطن الواحد.

 

هل أصبحت المرجعية الشيعية محصورة في ايران بعدما ضعفت في العراق بسبب الحرب وقبله في لبنان؟

 

لاتزال النجف الأشرف هي المركز للمرجعية الدينية عند غالبية المسلمين الشيعة، ولكن لاشك بأن هناك نفوذاً قوياً وتأثيراً كبيراً لايران على المرجعية، ولذلك لا نرى امتيازاً في المواقف العملية والآراء السياسية حول ما يجري في العراق والمنطقة وان كان هناك اختلاف نظري في بعض المسائل الفقهية.

 

قد يتهمكم البعض اليوم أنكم تسيرون عكس التيار داخل الطائفة الشيعية، بعدما باتت اليوم أكثر حضوراً ونفوذاً وقوة بفضل «حزب الله» وامتداداته خارج لبنان، فما هو ردكم؟

 

نحن نسير وفق قناعاتنا التي نرى فيها مصلحة الوطن والطائفة، ولا توجد مصلحة للطائفة الشيعية خارج مشروع الدولة وبمعزل عن مصالح الوطن العليا ومصالح الطوائف الأخرى القائمة، في العيش المشترك و الالتزام بدولة القانون والمؤسسات، وهذا هو رأي عموم الطائفة الشيعية في لبنان الذي عبرت عنه عبر ممارساتها وعبر قياداتها الروحية والسياسية في العهود السابقة، ولاتزال الطائفة على هذا الرأي حتى داخل التيارات السياسية التي لم تتضح لها خلفية المشاريع السياسية لاحزابها وتنظيماتها الفكرية والوطنية، وبسب التضحيات التي شارك فيها اللبنانيون من كل الطوائف.

 

كيف يمكن برأيكم التعايش مع نظام عرب شقيق لا يعترف بلبنان، ومجاورة العدو الاسرائيلي من دون الاستناد الى مقاومة عسكرية؟

 

لاشك في صعوبة مثل هذا التعايش الذي يمر على لبنان ولكن لا يمكن اعتبار الشقيق على قدم المساواة مع العدو، فمن مصلحة الشقيق في نهاية الأمر ان يعترف بشقيقه وأن يتعاطى معه على أساس من الاستقلال والسيادة، كما هو الحال بين الأشقاء في عالمنا العربي وذلك لا يتنافى مع تطلعاتها نحو أحسن العلاقات وآمالنا الوحدوية، وأما فيما يتعلق بوجود العدو الاسرائيلي على حدوده الجنوبية، فهذا ليس من خصائص لبنان وحده، فهناك عدد من الدول العربية المجاورة لاسرائيل وليس فيها مقاومة عسكرية بمعزل عن الدولة التي تتولى وحدها مسؤولية الدفاع وقرارات السلم والحرب.