المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

ورقة تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر على مشرحة المحلل السياسي والمسؤول الإعلامي السابق في التيار،

المحامي الياس الزغبي

وذلك لمناسبة مرور سنة على توقيعها

تاريخ اجراء المقابلة/02 شباط/2007

مقابلة مع المحامي والإعلامي والمحلل السياسي الياس الزغبي تناولت ورقة التفاهم بين العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله بعد مرور سنة على توقيعها

أجرى المقابلة ولخط نصها بالكامل الناشط الإغترابي الياس بجاني

أضغط هنا للإستماع للمقابلة/52 دقيقة

 

تفاصيل الحوار

في قراءته لسلبيات وايجابيات ومآسي وكوارث ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله بعد مرور سنة على توقيعها والتي كانت وقعت في 6/2/2006 في كنيسة مار مخايل – الشياح من قبل االعماد عون نيابة عن التيار والسيد حسن نصرالله  نيابة عن حزب الله، رد المحامي الزغبي قائلاً:

لقد كان لي نقد واسع وشامل منذ اليوم الأول لتوقيع تلك الورقة وذلك حول مضامينها. فبالشكل هي طبعاً ورقة تعني قوتين سياسيتين أساسيتين لكل منهما طابعه الطائفي، حزب الله شيعياً والتيار الوطني مسيحياً وقد اتفقا على أفكار معينة. بالشكل هذا أمر جيد كون طرفين كبيرين على هذا المستوى في لبنان قد اتفقا على نقاط مشتركة، ولكن الدخول إلى عمق هذه الورقة بعقلانية وتجرد يكشف أنها في نفس الوقت تتمتع بوجهين مختلفين، الأول وجه تجميلي بالشكل والمظهر من خلال تعابير عامة هي المجتمع المدني، وشرعة حقوق الإنسان، والحوار والديموقراطية والتوافق وإصلاح الدولة ومكافحة الفساد، وهذه كلها عناوين وعبارات جيدة تستخدمها كل الأطراف اللبنانية. أما الوجه الثاني وهو المشكلة فمعبر عنه في ثلاثة محاور تحت عناوين حزب الله والمحكمة الدولية أو العلاقة الدولية من خلال التحقيق الدولي ومسألة العلاقة مع سوريا والفلسطينيين.

إن أخطر بنود الورقة هو البند العاشر الذي يتناول سلاح حزب الله، فبملاحظة سريعة نرى أن هذا السلاح موصوف في الورقة على أنه وسيلة مقدسة. اللافت في هذا التوصيف هو إنها المرة الأولى في لبنان التي يعتبر فيها فريق غير حزب الله أن السلاح هو وسيلة مقدسة. من هنا فإن التعاطي مع سلاح حزب الله طبقاً لهذا المفهوم هو تعاط مع الآلهة وهنا تكمن بالتالي صعوبة بل استحالة مناقشة هذا الأمر المقدس مع قيادة الحزب، فعندما تكون الوسيلة مقدسة تصبح بالتالي الغاية إلهية. إن المستغرب في موضوع القداسة هذا هو قبول الطرف الآخر الموقع على الورقة به، أي التيار الوطني ممثلاً بقائده العماد ميشال عون، رجل الدولة المخضرم الذي كان قائداً للجيش ورئيساً للحكومة ورمزاً للشرعية والسلطة والقانون. مستهجن جداً قبول العماد بهذه اللغة الإلهة وموافقته على وضع توقيعه على ورقة تقول إن سلاح حزب الله مقدس، وهو بالنهاية سلاح ميليشياوي لأنه ليس شرعياً ولا هو تابع للدولة، علماً أن هذا المفهوم الرباني للسلاح والأهداف الإلهية لاستعماله قد ظهر في العديد من المناسبات اللافتة كان آخرها الاحتفال بالنصر الإلهي الذي أقيم في الضاحية الجنوبية وشارك فيه التيار بوفد رسمي كبير.

أما الأمر الآخر الخطير الذي يتناول سلاح حزب الله فهو أن الورقة لا تطرح أية آلية لمعالجة هذا السلاح وتسليمه للدولة، ولا هي تحدثت عن مدد زمنية لإنهاء دوره، بل فتحت له المدى الزمني لسنين غير محددة وهي ربطت مصيره بمصطلح "الدفاع عن لبنان" وهو مصطلح لمفهوم عام وغامض. فبالإمكان الاستمرار بالقول إننا نريد الدفاع عن لبنان حتى ولو كان آمناً، وبهذه الحجة يبقى السلاح إلى ما لا نهاية.

والأمر الأخطر في النص هو الذي يقول "سلاح حزب الله، وليس حتى سلاح المقاومة وهنا افتراضاً إذا أراد أي مسيحي لبناني أن يحمل البندقية ليقاوم فالنص لا يشمله، وبالتالي فأمر المقاومة محظور عليه.

 

وعن خطورة البند العاشر في الورقة الذي جاء تحت عنوان: "حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته ويقول" إن حماية لبنان وصون استقلاله وسيادته هما مسؤولية وواجب وطني عام تكفلهما المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لا سيما في مواجهة أي تهديدات أو أخطار يمكن أن تنال منهما من أي جهة أتت. من هنا، فإن حمل السلاح ليس هدفا بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتل أرضها تماما كما هي أساليب المقاومة السياسية. وفي هذا السياق، فإن سلاح "حزب الله" يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين: الحد الأول هو الاستناد إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني وتشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحد الأخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله. وبما أن "إسرائيل" تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدد لبنان فإن على اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم وتقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته من خلال:

1- تحرير مزارع شبعا من الاحتلال "الإسرائيلي".

2- تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.

3- حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة إستراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون، وينخرطون فيها عبر تحمل أعبائها والإفادة من نتائجها"." أوضح اللاستاذ الزغبي الأمور التالية:

السؤال الأساس هنا يتمحور حول مصطلح "حماية لبنان". علماً أن طرح موضوعي مزارع شبعا وتحرير الأسرى هو أمر مفهوم وله منطق وآلية لأنه مع إيجاد حلول لهذين الملفين فإنه من المفترض أن تنتفي الحاجة إلى وجود السلاح ويقفل بالتالي الملف بأكمله. أما ورود مصطلح "حماية لبنان" وربط السلاح بهذه الحماية فهذا هو الفخ والمشكلة معاً. دعنا نسأل هنا من يقرر استيفاء ونضوج "الظروف الموضوعية" عندما تتأمن لفك الارتباط بين الحماية والسلاح، ومن يضمن تخلي حزب الله عندها عن سلاحه؟ الخطير هنا كما أشرت سابقاً هو أمر تحديد النص للسلاح "بسلاح حزب الله" حصراًً كما ورد فيه، وهو لا يقول سلاح المقاومة لأن المقاومة قد تكون من غير حزب الله. إن الهدف الأساس من استعمال هذه المصطلحات كان استدراج الطرف العوني للتوقيع على الورقة وإقراره الموثق بأن سلاح حزب الله هو سلاح أبدي وأمره مربوط بالظروف الموضوعية التي تبقى مطاطة وواسعة وحمالة لكل التفسيرات التي بالنهاية ستستعمل من قبل حزب الله لإبقاء السلاح معه وعدم تسليمه للدولة إلى ما لا نهاية تحت حجج ومبررات كثيرة في مقدمها استمرار الخطر الإسرائيلي. هذا وتنطبق على مصطلح "حماية لبنان" نفس المواصفات المطاطة التي أوردت حول مصطلح "الظروف الموضوعية". الخطورة في هذا النص هي أن أفق السلاح سيبقى مفتوحاً إلى أمد غير محدد، وعملياً فإن اللافت للنظر في كل البند العاشر هذا أن لا ذكر فيه إطلاقاً للجيش اللبناني.

 

وعن هرطقة ما سمي صياغة إستراتجية دفاع وطني والتوافق عليها من قبل اللبنانيين كما ورد في الفقرة الثالثة من البند العاشر، مع علم الجميع واقع استحالة حصول هذا التوافق كون حزب الله يقيم دولة داخل الدولة ويصادر بالقوة قرار شريحة كبيرة جداً من اللبنانيين، وحول التغييب الكلي لدور الدولة ومؤسساتها العسكرية والدستورية قال الأستاذ الزغبي:

لقد تبين خلال طاولة الحوار بالواقع الملموس قولاً وممارسة وطروحات ودون أدنى شك أن لدى حزب الله إستراتجية دفاعية وحربية خاصة به. هو يقول أنه جزء من الشعب اللبناني وسوف يبقي على سلاحه بحجة الحماية والدفاع والإستراتجية والعديد من التبريرات التي منها اعتبار السلاح مقدساً ومصيره مرتبطاً بالشرف والكرامة والعرض، وأنه باق، باق، باق، طالما بقي القرآن والإنجيل، وطالما بقي بقدرة إسرائيل "تطير طيارة ورق" في سماء لبنان. علماً أن الحزب يهدد علناً بقطع أيدي ورقاب كل من يقترب من هذا السلاح. هنا تكمن الألغام التي فخخت بها ورقة التفاهم وذلك لعدم توفر إمكانية توافق اللبنانيين على أمر السلاح في هذه الأجواء الحربية التي يفرضها حزب الله. أما المشكلة الكبرى هنا فتتمحور حول إدعاء التيار والحزب أنهما وضعا من خلال الورقة تصوراً لكيفية التعاطي مع السلاح، فيما بالواقع أن ورقتهما قد عقدت المسألة بشكل خطير وربطت السلاح بالإستراتجية الدفاعية طبقاً لمفهوم ومعايير حزب الله، وبحماية لبنان والظروف الموضوعية التي عند بلوغها والتي يقررها فقط حزب الله تنتفي فيها حاجة الحماية وبالتالي الحاجة لبقاء السلاح.

وملاحظتي الأخيرة على هذا البند هي أن الورقة قد وظفت شرعة حقوق الإنسان لتبرير حمل حزب الله للسلاح بحجة الدفاع عن النفس. أشير هنا إلى أنه في أي اتفاق أو وثيقة، خصوصاً ما يسمى منها تاريخي ومصيري، كما سميت ورقة التفاهم، يرد أمر شرعة حقوق الإنسان والقوانين الدولية والشرائع والدساتير وغيرها من القوانين والضوابط الدولية في مقدمة الوثيقة، حيث يقال في اسطر قليلة إن الوثيقة استلهمت نصوصها وأطرها من هذه  الشرائع.

هذا مبدأ لم يطبق في ورقة التفاهم حيث بدأت ودون مقدمة بأولاً وثانياً حتى عاشراً. هذا أمر غريب وغير مألوف وهو مقصود بهدف الهرب من ذكر مبادئ الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان والدستور اللبناني وقد وضع مصطلح شرعة حقوق الإنسان فقط، وفقط لتبرير سلاح حزب الله.

أستغرب كيف وقع التيار الوطني الحر في هذا الفخ الخطير وهو يعلم جيداً أن عقيدة حزب الله لا تعترف بشيء اسمه المجتمع الدولي ولا بالأمم المتحدة، والحزب خلال خمسة وعشرين سنة لم يأتِ على ذكر أي قرار دولي في أدبياته ووثائقه، ولا حتى القرارين 242 ولا 338 وإن تظاهر بذلك أحياناً لأسباب تكتيكية. وهو عندما يحشر يذكر القرار 194 الذي يطالب بعودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وهو أيضاً أورد في مرات قليلة القرار 425 تحت خانة قيامه بإجبار إسرائيل على تنفيذه. إن عقيدة حزب الله تعترف بالشريعة الدينية فقط وليس بالشرعة الدولية.

إن توقيع التيار الوطني الحر على ورقة التفاهم مع حزب الله تعني ببساطة متناهية أنه وقع في مطبات عديدة أخطرها تبنيه عقيدة الحزب الأصولي هذا وموافقته على عدم الاعتراف بالشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان والأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومن هنا غابت كلمة الدولة عن كل بنود نص الورقة.

 وعندما نصل إلى البند الذي تتناول فيه الورقة المحكمة ذات الطابع الدولي نجد أن النص غيب كل ما هو دولي وشرائع لأن جوهر عقيدة حزب الله لا يعترف بالقرارات الدولية والأمم المتحدة والشرائع الدولية. وأشير هنا إلى أن تعاطي حزب الله مع القرار الأخير 1701 في تصريحاته وأدبياته هو أنه لا يأتي على ذكره إلا في حالات خاصة وإن أشار إليه مضطراً فلا يقول أنه سيطبقه. باختصار إن كل ما هو دولي وصادر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة أمره صعب جداً عند حزب الله إن لم نقل أنه منكر بالنسبة له.

 

وعن إلغاء التيار الوطني الحر لتاريخه النضالي الطويل من جراء التبدل الجذري الكبير في أدبياته وثوابته وطروحاته وتحالفاته وممارساته وخطابه بعد توقيعه ورقة التفاهم وتحديداً لجهة مزارع شبعا والجنوب والقرارات الدولية والارتكابات الدموية السورية وسلاح حزب الله ومربعاته الأمنية وعلاقته مع إيران تمويلاً وسلاحاً وقراراً، كما سلطة الدولة وعمل مؤسساتها والمخطوفين من أهلنا إلى سوريا واللاجئين منهم في إسرائيل، علماً أن العماد عون كان يعتبر مزارع شبعا غير لبنانية وكذبة كبيرة فبركت سنة 2000 لتبرير بقاء سلاح حزب الله، واعتباره أن الحزب هذا لم يحرر الجنوب، بل أخر تحريره لمدة 14 سنة، ووصفه بقاطعي الرقاب وناحري البطون ودفاعه عن شرعية الدولة وضرورة حصر السلاح والدفاع وأمر السلم والحرب بها فقط، رد الأستاذ الزغبي شارحاً:

للأسف هذا أمر محزن جداً فالانقلاب على الذات واضح وجلي وكل ما ورد في ورقة التفاهم يتناقض كلياً مع تاريخ العماد عون وطروحاته الوطنية والنضالية طوال سنين، أما الأمور العامة التي وردت في الورقة مثل الإصلاح والعدل والمساواة فهي عموميات وأدبيات يستعملها الجميع في لبنان. إن ادعاءات التيار بأنه غيّر وبدل  مواقف حزب الله من خلال ورقة التفاهم بشأن ملفات معينة في مقدمها ملفا اللاجئين إلى إسرائيل والمخطوفين في سوريا فهذه مجرد ادعاءات ولا صحة لها.

 

وتعليقاً على ما ورد في البند السادس من الورقة تحت عنوان "اللبنانيون في إسرائيل" والتي نصها: "انطلاقا من قناعتنا، إن وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على ارض العدو. فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلب عملا حثيثا من اجل عودتهم إلى وطنهم، آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع. لذلك، نوجه نداء لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم استرشادا بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب "الإسرائيلي" من جنوب لبنان، واستلهاما بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب"، أوضح الأستاذ الزغبي قائلاً:

إن حزب الله منذ أيار سنة 2000 وعقب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من الجنوب لم يقل ولا مرة واحدة إنه ضد عودة اللبنانيين الذين لجأوا إلى إسرائيل، ولكنه ربط عودتهم بالمحاكمات، وورقة التفاهم لم تضف أي جديد في هذا الشأن حيث أنها هي أيضاً قالت بمحاكمتهم. إن عودة اللاجئين من إسرائيل طبقاً لبنود ورقة التفاهم قد تعرضهم لمحاكمات أشد هولاً وأكثر ظلماً من تلك التي أجريت لمن بقي من أهل الشريط الحدودي في لبنان سنة الفين ولم يلجأ إلى إسرائيل، وهذا الأمر بالطبع هو سبب عدم عودة أي لبناني من إسرائيل منذ أن وُقِعت الورقة، فلا هذه نفعت ولا الاتفاق بين حزب الله والتيار الوطني الحر قد أدى إلى نتيجة في هذا المجال.

 

وتعقيباً على ما ورد في نفس الفقرة من ورقة التفاهم (البند السادس): "لذلك، نوجه نداء لهم بالعودة السريعة إلى وطنهم استرشادا بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب "الإسرائيلي" من جنوب لبنان، واستلهاما بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب"، وتعليقاً على تبني التيار الوطني الحر لمفردات حزب الله التي تصنف اللاجئين من أهلنا إلى إسرائيل بالمرتكبين والمدنين والمغرر بهم والأطفال وغيرها، كما القبول بتعبير: استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله، قال الزغبي:

أكرر هنا أن كل ما تناولته ورقة التفاهم بشأن اللاجئين إلى إسرائيل والعلاقات مع سوريا وترسيم الحدود والتي اعتبرهما التيار الوطني الحر تنازلات من قبل حزب الله، ما هي إلا نصوص تجميلية لا تحمل أي مضمون ولم ولن تؤدي إلى أية نتيجة، والدليل أنه بعد انقضاء سنة كاملة على توقيع الورقة لم يحصل أي تقدم في هذه الملفات، بل على العكس تعقد أمر حلها بشكل كبير. فلا عاد لأجئ واحد من إسرائيل، ولا أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا، ولا الحدود رسمت، وهذه أمور كلها تؤكد إن ما جاء في الورقة كان مجرد نصوص تجميلية وضعت في وقت كان فيه الموقف السوري يتميز نوعاً ما بالليونة والهدوء تجاه لبنان، وكانت سوريا يومها تتناول علناً كل هذه المواضيع دون حرج. وهذا أمر يؤكد أيضاً أن النصوص هذه لا تُعبِّر عن قناعات لدى حزب الله، ولا عن نوايا صادقة عنده لجهة السعي مع سوريا لحل ما هو عالق من هذه الملفات. واللافت في لغة هذا النص أيضاً الخلفية التي على أساسها تم اختيار مفردة استرشاداً، وهو موضوع بحاجة إلى الكثير من التأني والمعرفة لتوضيح مراميه، وهي مرام وغايات باتت جلية للكثير من اللبنانيين.

باختصار إن النص الذي استعمل في صياغة ورقة التفاهم يعبر عن حالة التحاق كاملة للتيار الوطني الحر بما كان يريده حزب الله. هذا وكنت تناولت الورقة ببنودها العشر من خلال دراسة لي نشرتها جريدة النهار السنة الماضية وقلت فيها إن حزب الله نجح 100% في أخذ التيار إلى حيث أراد وهو لم يتنازل في الجوهر عن أي شيء وإن كان بدا ظاهرياً غير ذلك.

 

وعن جدية وفاعلية الفقرة ب من بند ورقة التفاهم الثامن الذي جاء تحت عنوان "العلاقات اللبنانية السورية" علما أن الفقرة هذه تقول حرفياً: "ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بعيدا عن التشنجات التي تؤدي إلى تعطيل العملية التي طالما احتاج لبنان وسوريا على إنهائها ضمن اتفاق البلدين"، رد الزغبي موضحاً:

هذا أمر آخر يبين أن الورقة لم تؤدِ إلى أية نتائج إيجابية لا في شأن ترسيم الحدود، ولا فيما يتناول إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين (سوريا ولبنان). وهنا أشير إلى أن الأجواء السورية في شهري كانون الثاني وشباط من السنة الماضية كانت في نفس المناخات السياسية التي تم التعبير عنها في الورقة حول الترسيم والعلاقات حيث كان المسؤولون السوريون والصحافة وكل وسائل الإعلام السورية يقولون بأن لا مشكلة في دمشق بشأن ترسيم الحدود مع لبنان ولا في أمر إقامة علاقات دبلوماسية معه. ففي ذلك الوقت كان الخطاب السوري مختلفاً عما هو عليه الآن وكانت دمشق تناور لأنه لم تكن قضية المحكمة الدولية قد تبلورت بعد.

في تلك الظروف والمناخات السورية جاءت يومها ورقة التفاهم، وعقب التغيير الذي طرأ على السياسة السورية تجاه لبنان غاب عن بيانات وتصريحات وأدبيات حزب الله والتيار الوطني الحر كل ما هو متعلق بملفي ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي. واللافت هنا أن أياً منهما لم يقم بأية محاولة أو مسعى مع شريكتهما سوريا لتحريك أمر أي من الملفين، وخصوصاً ترسيم الحدود في شبعا والاعتراف توثيقياً بلبنانيتها ليتمكن لبنان من استردادها عن طريق مجلس الأمن والطرق الدبلوماسية.

من هنا نستنتج أن "ورقة التفاهم" وكل ما جاء فيها من مسميات براقة اندرج تحت عنوان "الخدع البصرية في النص"، أما المضمون فكان ولا يزال مغيباً بالكامل، وهذه حقيقة ملموسة يبينها مرور سنة على توقيع تلك الورقة دون تنفيذ أي بند من بنودها المتعلقة بسوريا من ترسيم حدود وعلاقات دبلوماسية ومخطوفين وغيرها الكثير

 

وعن تخلي العماد عون الفاضح والمعيب عن خطابه الوطني المتشدد المتعلق بالاحتلال السوري طوال 18 سنة وتسمية هذا الاحتلال "بالتجربة" والموافقة على ما جاء في هذا السياق في مقدمة البند الثامن من الورقة التي قالت: "إن إقامة علاقات لبنانية - سورية سوية وصحيحة تقتضي مراجعة التجربة السابقة باستخلاص ما يلزم من العبر والدروس، ولتلافي ما علق بها من أخطاء وشوائب وثغرات، بما يمهد الطريق للنهوض بهذه العلاقات على أسس واضحة من التكافؤ والاحترام الكامل والتبادل لسيادة الدولتين واستقلالهما على قاعدة رفض العودة إلى أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية"، رد الزغبي موضحاً:

نعم كان في الورقة تنازلٌ مطلق بهذا الشأن من قبل العماد عون لمصلحة حزب الله. إن وصف احتلال سوري استمر لثلاثين سنة مع كل ما رافقه من  ممارسات قهر وصهر وانتهاكات وتعديات فاضحة بحق اللبنانيين، وتحديداً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية "بالتجربة"، والقول إن الأمر يقتضي مراجعة هذه التجربة لتنقيتها من الشوائب والأخطاء،  فهذا والله استغباء لذكاء وذاكرة اللبنانيين وتعد فاضح على حقوقهم والكرامات، كما أنه يعني بوضوح تام أن موقعي الورقة هما على استعداد تام لإعادة استنساخ التجربة بعد تنقيحها مما علق بها من "شوائب وأخطاء وثغرات"، إنه بالفعل نص خطير، وخطير جداً.

 

وحول مخاطر الفخ الذي نُصب في نفس الفقرة (الثامنة) من الورقة حيث جاء ما يلي: "بما يمهد الطريق للنهوض بهذه العلاقات على أسس واضحة من التكافؤ والاحترام الكامل والتبادل لسيادة الدولتين واستقلالهما على قاعدة رفض العودة إلى أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية"، شرح الزغبي قائلاً:

اللافت في هذا النص الفخ أن الوصاية سُميت "الوصاية الخارجية، وذلك لعجزهما ولحذرهما الشديدين عن تسميتها باسمها الحقيقي الذي هو "الوصاية السورية". السؤال هنا لماذا الامتناع عن تسمية الأمر هذا باسمه طالما أن الحديث يدور حول العلاقات اللبنانية – السورية؟ والجواب بالطبع يأتي في سياق اللعب على الكلام والمناورات وإخفاء حقيقة القصد والنوايا. مؤسف جداً أن يتعامل هذا الطرف (التيار الوطني الحر) المقابل لحزب الله في قضايا مصيرية ووجودية ووطنية ومجتمعية بعقلية الهواة وبهذه الخفة والسطحية، إن لم نقل الجهل المطبق.

أما الأمر الخطير الآخر في هذا البند بالذات، وأنا أتناوله هنا لأول مرة، فهو النص الذي يقول: "لسيادة الدولتين واستقلالهما".

إن كل الوثائق اللبنانية - السورية، واللبنانية ومنها اتفاق الطائف واتفاقات التعاون والتنسيق والأخوة وغيرها الكثير ماضياً وحاضراً وأيضاً بيان حكومة الرئيس السنيورة الحالية والنص الذي اتفق على بنوده الأربعة خلال طاولة الحوار السنة الماضية، جميعها قالت بنصوصها، "سيادة واستقلال كل من الدولتين"، (لبنان وسوريا).

إن الفرق بين المصطلحين، "سيادة الدولتين واستقلالهما"، و"سيادة واستقلال كل من الدولتين"، شاسع وكبير، وهنا تلعب اللغة العربية دورها حيث أن المصطلح الأول الذي ورد في ورقة التفاهم (الفقرة الثامنة) يعني "سيادة واستقلال واحد لدولتين". وهذا نص دون شك ملتبس وهو يجسد توثيقياً مفهوم وجوهر نظرية الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد الذي يقول بـ: "شعب واحد في دولتين". إن النية المظهرة في هذا النص والمنقلبة على لغة ومفردات كل النصوص التي تناولت نفس الموضوع منذ سنين طويلة تُبين تبني نظرية الأسد الأب التي كانت تجسدت خلال سنوات الاحتلال السوري في شعارات "وحدة المسار والمصير" ومتفرعاتها، وهذا أمر في منتهى الخطورة وقد قبله ووقع عليه التيار الوطني الحر، وهنا لا فرق إن كان ما قام به عن جهل أو فهم لأن النتيجة واحدة.

 

وعن إنكار العماد عون العلني لوجود معتقلين لحزبه في السجون السورية الموثق صوتاً وصورةً، مع أنه كان دأب باستمرار على القول خلال 18 سنة إن تياره تأسس في الثمانينات، وتعقيباً على ما جاء في البند الثامن من ورقة التفاهم تحت فقرة ج التي حرفيتها: "مطالبة الدولة السورية بالتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية من اجل كشف مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية في أجواء بعيدة عن الاستفزاز والتوتر والسلبية التي من شأنها إعاقة البت في هذا الملف على نحو إيجابي"، علق الزغبي بأسى ولوعة قائلاً:

مما لا شك فيه أن التيار الوطني الحر هو تراكم نضال من الثمانيات حتى يومنا هذا، وهو بالواقع العملاني والممارساتي والتنظيمي لم يتحول بعد إلى حزب. من هنا فإن كل الجنود والمدنيين والضباط الذين استشهدوا أو أصيبوا في المعارك أو خطفوا، كما كل الذين لا يزالون مختطفين ومفقودين ومعتقلين في السجون السورية هم جميعاً يحسبون على التيار. أما هرطقة التنكر لهؤلاء الأبطال جميعا فهو بالحقيقة عمل اغتيالي جديد يطاولهم، كما يطاول ذاكرة التضحيات والعطاءات والقرابين كافة، وهذا تصرف لا يجوز تحت أي ظرف. هذا واللافت في نص الفقرة ج هذه هو استعمال توصيف "المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية". لا،لا، هؤلاء ليسوا معتقلين، كون سوريا تحتجزهم اعتباطاً وخلافاً لكل القوانين والشرائع، بل هم مفقودين ومخطوفين ومجهولي المصير بكل ما في هذه التواصيف من معان ومداليل وقانونية. هذا ونص الورقة يستعمل مفردات وعبارات وأدبيات لم تكن يوماً من أدبيات ولغة التيار.

 

وحول مفهومه القانوني لما ورد في الورقة في البند الثالث الفقرة الرابعة لجهة حقوق المغتربين والذي حرفيته: "تأمين الوسائل اللازمة لتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من ممارسة حقهم الانتخابي. إن الحكومة والمجلس النيابي مطالبان بالتزام أقصر المهل الزمنية الممكنة لإقرار القانون الانتخابي المطلوب"، لفت الزغبي إلى ما يلي:

مرة أخرى يلفتني في هذا النص استعمال مفردات وجُمل وتعابير لها خلفيات ملتبسة وهي تخفي مرامي مبطنة مثل عبارة "المقيمين في الخارج". إن مصطلح "مقيم في الخارج" ينطبق عملياً وقانوناً على أولئك اللبنانيين الذين هاجروا حديثاً خلال سنوات الحرب وجميعهم لا يزالون يحتفظون بجنسيتهم اللبنانية. كان من الواجب الوطني استعمال مصطلح "المغتربين" وليس "المقيمين". علماً أن كلمة مقيمين تنطبق أكثر على واقع حال غير المسيحيين من اللبنانيين لأن غالبية المغتربين الأوائل هم مسيحيون. المغتربون في أكثريتهم من الجيل الثاني والثالث وليس لديهم هويات لبنانية، وهم بالتحديد من نسعى لإعادة الهوية لهم وضمان كافة حقوقهم في المواطنية من اقتراع وترشيح وغيرهما من الحقوق. كنا ومنذ سنوات الاستقلال الأولى نستعمل مصطلح المغتربين في كل وثائقنا وأدبياتنا ونصوصنا وخروج ورقة التفاهم عن هذا العُرف له مداليل هي ليست مطمئنة بالتأكيد. كما أن انجرار التيار عن علم أو جهل لا فرق وتوقيعه على ورقة فيها هذا الكم من الأدبيات المناقضة أصلاً لأدبياته هو أمر يترك العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام. لقد اغتالت ورقة التفاهم كل التراث اللبناني ومعه الأعراف التي عرفها اللبنانيون لجهة الاغتراب منذ ما يزيد عن 150 سنة. هذا تصرف مرفوض وممارسة متهورة يجب ألا يمرا دون مراجعة وتصويب.

 

وعن إغفال ذكر اتفاق الطائف في ورقة التفاهم كلياً، وعن مواقف العماد عون المتناقضة والمتغيرة من هذا الاتفاق حيث أنه وقبل عودته إلى لبنان كان يفاخر برفضه له في العديد من كتاباته وتصريحاته والمواقف، وهو أمسى بعد العودة من المنفى ولأسباب ليست خافية على أحد في القاطع الآخر، رد الأستاذ الزغبي موضحاً:

هذا الإغفال لذكر اتفاق الطائف في ورقة التفاهم هو رغبة عند حزب الله وقد لاقت هذه الرغبة تجاوباً كاملاً عند العماد عون، فغيب عن الورقة بالكامل ولم تشر إليه لا من قريب ولا من بعيد. ويوم سئل السيد حسن نصر الله عن مسببات هذا الاغفال أجاب نستغفر الله لقد نسينا. الحقيقة أن حجة النسيان هنا ليست هي سبب الإغفال كون الورقة وكما يقول التيار وحزب الله استغرق أمر تحضيرها والتفاوض بشأن نصوصها والبنود ما يزيد عن الستة أشهر. كان من المفترض القول فيما إذا كان طرفا ورقة التفاهم يعارضان اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً للبلاد وأية بنود منه هي التي يعارضانها أو أنهما يؤيداه، وبالتالي الإشارة إليه (اتفاق الطائف) بشكل واضح وصريح.

 

وعن الهدف من استعمال مصطلح "المجتمع المدني" في الفقرة الأولى من البند الثالث الذي حرفيته: "تفعيل عمل الأحزاب وتطويرها وصولا إلى قيام المجتمع المدني، أجاب الأستاذ الزغبي موضحاً:

مرة أخرى يلفتني استعمال تعابير تجميلية لا يلتزم بمضمونها هذه المرة حزب الله، أحد الطرفين الموقعين على الورقة. فلقد تم هنا استعمال تعبير "المجتمع المدني". فهل فعلاً حزب الله العسكري والميليشياوي والمذهبي يعترف بالمجتمع المدني الذي في جوهره غير عسكري وغير مذهبي وغير طائفي وتحكمه الشرائع الدولية والدساتير وليس الشريعة؟ فأنا متأكد كما باقي اللبنانيين من أن حزب الله لم يعتنق العلمانية ولا هو أبدل الشرائع بالشريعة ومن هنا أعود وأكرر القول إن الكثير، الكثير من التعابير التي استعملت في نص الورقة هي تجميلية وخدع بصرية ومفرغة كلياً من أي مضمون.

 

وعن خلفية عدم تسمية الورقة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم التي تلتها بالدولي، بل بالرسمي كما جاء في مقدمة البند السابع الذي حرفيته: "نشدد على أهمية استمرار التحقيق وفق الآليات المقررة رسميا وصولا إلى معرفة الحقيقة" فيها، التي هي أمر لا يمكن إخضاعه لأي مساومة، باعتباره الشرط الضروري لإحقاق العدالة وإنزالها بحق المجرمين، ولوقف مسلسل القتل والتفجير. لذا، من الواجب إبعاد هذه القضايا عن محاولات التوظيف السياسي التي تسيء لجوهرها، وجوهر العدالة التي يجب أن تبقى فوق أي نزاعات أو خلافات سياسية.، قال الأستاذ الزغبي:

إن عدم تسمية التحقيق بالدولي، بل بالرسمي يوضح بما لا يقبل الشك رفض الورقة لمبدأ تدويل التحقيق، وعبارة "رسمياً" هنا تعني التحقيق الذي تقوم به مراجع لبنانية قضائية رسمية، وليس دولية، مما يفسر موقف حزب الله الحالي الرافض للمحكمة ذات الطابع الدولي، وأيضاً موقف التيار الملتبس في هذا الشأن. كما أن حشر عبارة "الشرط الضروري"، في النص هو في جوهره والغايات ينسحب على مبدأ الناسخ والمنسوخ، أي ربط كل أمر بأخر يعاكسه ليصبح بالإمكان التفلت منه عندما تقتضي الحاجة. نعم، لقد تم تغييب ذكر المحكمة الدولية كلياً عن نص الورقة، وهذا أمر بحد ذاته موقف رافض لها مهما قيل بعكس ذلك من خلال تصريحات شفوية عابرة وغير ملزمة. أشير هنا إلى أن الورقة وُقِعت بعد صدور القرار  1595وبعد أن بدأ المحقق الدولي تحقيقاته في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

يبقى أنه حتى إشعار آخر واستناداً إلى نص ورقة التفاهم الذي ُغيب كلياً ذكر المحكمة الدولية وهو نص سموه تاريخياً، من حقنا القول إن موقف الطرفين الموقعين على الورقة هو موقف مدروس ويتلاقى مع الموقف السوري الرافض لمبدأ المحكمة الدولية.

 

وعن مدى احترام حزب الله والتيار من خلال ممارساتهما الاعتصامية والإنقلابية والعنفية لما جاء في ورقة تفاهمهما في البند الرابع من الفقرة رقم 2 الذي حرفيته: "احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتأمين استمرارية عملها وعدم تعطيلها"، رد الأستاذ الزغبي قائلاً:

أكيد لا دليل هنا من قبل الطرفين على احترام هذا النص من خلال الممارسات الحالية والمستمرة منذ أكثر من شهرين.

دعني هنا ألخص نص ورقة التفاهم موضوع حديثا وأضعها في خانتين، الأولى نظرية وشكلية تجميلية ومجرد خدع بصرية ليس إلا، أما الثانية والتي تُكوِّن المضمون فخطيرة، وخطيرة جداً، ليس بالطبع على حزب الله، بل على التيار وعلى المجتمع المفترض أن التيار يمثل، وخطيرة جداً بالمفهوم الوطني اللبناني الأشمل بكل ما له صلة بالعلاقات مع سوريا، والمحكمة الدولية، وسلاح حزب الله، والوضع الفلسطيني والسلاح الفلسطيني في لبنان، والدولة بكل مؤسساتها، والكيان اللبناني، والدستور، وأسس قيام الدولة. وهنا أهنئ حزب الله على نجاحه الباهر في جر التيار الوطني الحر إلى كل ما أراد وتمنى.

 

وعن أخطر ما نتج عن ورقة التفاهم، قال الأستاذ الزغبي:

لقد أعطت الورقة يوم وقعت منذ سنة نفساً قوياً لحزب الله الذي اعتبر على أساسه أن ظهره محمي ويستند على قاعدة مسيحية واسعة، هي 70% من المسيحيين يمثلهم العماد عون، وهم خط خلفي يريحه. هذا الأمر كان من أهم الأسباب التي أدت إلى مبالغة الحزب بتصرفاته وفي مقدمها تورطه في حرب تموز. لقد شعر الحزب في تلك المرحلة وبسبب ورقة التفاهم أنه أصبح لديه من القوة والحصانة في الداخل ما يمكنه من القيام بكل ما قام به من أعمال وممارسات كل نتائجها لم تكن موفقة أبداً وكان آخرها الاعتصامات الانقلابية المستمرة فصولاً.

أما الإدعاء بأن الورقة قد خلقت أجواء إيجابية معينة من الاسترخاء والطمأنينة بين المسيحيين والشيعة، وأراحت مناطقهما، فهو قول ليس له ما يبرره على أرض الواقع المعاش، والأحداث والمواجهات ومحاولات الاقتحام الكثيرة والخطيرة التي شهدتها مناطق التماس من عين الرمانة والشياح والحدث والأشرفية وغيرها تنقض هذا الإدعاء.

يبقى أن الورقة لم تحقق حياة مشتركة أو حالات سلام وتفاهم ووئام بين الطوائف اللبنانية، بل على العكس تماماً فهي وإن تركت ارتياحاً لدى شريحة محددة من المسيحيين، فقد تسببت بحالة من القلق والحذر والشك لدى شريحة مسيحية أخرى هي بالواقع أكبر بكثير على الأرض من الشريحة التي توافق التيار على خياراته التي في مقدمها ورقة التفاهم. مما لا شك فيه أن حزب الله قد أصبح مدركاًُ لهذه الحقيقة والتي تظهرت بشكل كبير وواضح مؤخراً.

إن الورقة وبدلاً من أن تترك حالة من الاستقرار والسلم والثقة المتبادلة، فهي زرعت الحذر وذلك مرده لعدم قبول منطق اعتماد مبدأ الطائفة المسلحة أو الحزب المسلح المولج مهام حماية طائفة عزلاء غير مسلحة. هذه نظرية تبعية وضعف جوهرها الذمية وهي مرفوضة من قبل المسيحيين.

إن حالة الوئام والاستقرار والسلم والطمأنينة عمادها المساواة والاحترام المتبادل. كما أن أي اتفاق ثنائي يشعر بنتيجته طرف أخر أنه يستهدفه فهذا أمر يؤدي إلى مشكل وليس إلى حل.

انتهت المقابلة