السيد علي الأمين: حزب الله ليس ممثلاً للشعب اللبناني ولا للدولة ولا للشيعة بل يمثل الرؤية الإيرانية في المنطقة

ما قدمّه حزب الله وإيران لم يُبطل مفعول صاروخ واحدٍ نال من أجساد أهل غزّة وفلسطين

 

10 نيسان 2009

 

عرض التلفزيون الرسمي لجمهورية مصر العربية مقابلة خاصة مع سماحة السيد علي الأمين تحدث فيها عن آخر المستجدات والأوضاع،

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

 

س1 سماحة السيد نتيجة للأحداث الأخيرة التي تجري على الساحة العربية : سؤال يطرح نفسه : هل الفكر الشيعي يدعو الى التشيع من دون مراعاة أو الأخذ بالاعتبار الأرض التي يتم فيها التشيع وبدون ضوابط؟

 

التشيع في الحقيقة ليس حالة حزبية من أجل أن تضم إليه أنصاراً أو أتباعاً جدداً ، وإنما هو طريقة في فهم النصوص الدينية التي تفتح أبواب الاجتهادات بين العلماء وأئمة المسلمين اعتمدها أئمة أهل البيت الذين رفضوا أي دعوة لهم بوصفهم حالة حزبية داخل جسم الأمة وخصوصاً الإمام جعفر الصادق الذي هو مؤسس المذهب الشيعي والجعفري ، رفضوا أن تتم أي دعوة للتشيع ولأنفسهم ولذلك كانوا يقولون لأتباعهم وأصحابهم : ( كفَّوا عن الناس ولا تدعوا الى هذا الأمر ، إنما شيعتنا من كفَّ لسانه عن الفرقة والأذى وعفَّ بطنه وفرجه عن الحرام وأدى الأمانة وصدق في الحديث ) كانوا يرفضون أي حالة استخدام للرأي الإجتهادي وللرؤية المذهبية خارج الاطار الفقهي و الفكري ، كانوا يرفضون أن تتحول الى حزب والمذاهب الأخرى الى أحزاب تتصارع على السياسة وعلى السلطة . كانوا يريدون أن تبقى هذه المذاهب في اطار الإجتهادات والآراء الفكرية التي تغني الفكر الإسلامي بالآراء وبالأفكار والإجتهادات لا أن تتحول الى أحزاب ومن هنا رفضوا عملية الدعوة ونهوا عنها أتباعهم وكانوا يقولون ( إنما شيعتنا بركة على من جاوروا وسلمُ لمن خالطوا ، إذا رضوا لم يسرفوا وإذا غضبوا لم يظلموا ) كان هناك عملية تربوية لأتباعهم وأنصارهم بأن لا يتحولوا الى حالة نافرة داخل جسم الأمة لأنهم كانوا يريدون أن يحفظوا وحدة الأمة من كل التفرقات والإنقسامات .

ومصر أنا أعتقد أنه لا يمكن أن يزايد أحد عليها باعتدالها الديني لأنها كانت من أول الدعاة الى الإعتراف بالمذاهب الإسلامية جميعاً وخصوصاً الأزهر الشريف ، حيث أن الإمام الأكبر محمود شلتوت قبل أواسط القرن الماضي أعلن بأن المذهب الشيعي هو كسائر المذاهب الإسلامية يصحُّ التعبد به كما يُتعبَّدُ بأي مذهب إسلامي آخر لأن هذه المذاهب هي آراء واجتهادات وليس ديناً . إن المذهب الشيعي ليس ديناً ، والمذهب الحنفي ليس ديناً والمذهب المالكي ليس ديناً وسائر المذاهب الأخرى ، وإنما هي أراء أئمة في الفقه وهذه الآراء يمكن أن يتعبد بها الإنسان المسلم ويجمعها كلها الدين الواحد .

 

س2 - من هنا أريد أن أسألك سماحة السيد هل الطوائف الأخرى أو هل المسلمون الآخرون غير الشيعة أهم ضالون يعني ؟ هل هم في طريق الخطأ حتى يتم تشييعهم ، كما يقوم أصحاب التشيع الآن بهدايتهم ؟

 

نقول، إن هذه الطريقة المعتمدة هي طريقة حزبية، وهي ليست طريقة أعتمدها ائمة أهل البيت، هذه طريقة فيها خروج عن مسار أهل البيت ، لأن أهل البيت كانوا يعتبرون أن المسلمين أمة واحدة ولا يجوز أن يسعى أي إنسان الى التفرقة في ما بينهم على القاعدة المأخوذة من كتاب الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وعلى القاعدة التي تقول بأن هذه المذاهب ليست أدياناً . نحن ليس عندنا دين شيعي أو دين جعفري ، الدين هو الإسلام. هذه المذاهب نُسِبت الى أئمة بالفكر والإجتهاد، والموجود في القرآن الكريم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) الإسلام هو دين الجميع . وأنا قلت في مرة من المرات أن من يحاول أن ينقل شخصاً من مذهب الى آخر كالذي يحاول أن ينقل الماء من الضفة الشرقية للنهر الى الضفة الغربية ، وهم يجمعهم نهر واحد ، فلا معنى لأن تنقل ماءً من ضفة الى ضفة أخرى ، هذا أمر غير معقول ، فأنت لا تنقله من الألحاد أو الشرك الى الإسلام اذ هم كلهم مسلمون يجمعهم هذا النهر الكبير ، وهذه المذاهب هي روافد وسواقي تأخذ من هذا النهر الكبير والضخم. فلذلك لا أعتقد أن موقف مصر هو موجه ضد المذهب الشيعي لأنها هي أول من أعترف بالمذهب الشيعي وخصوصاً مشيخة الأزهر ، ومؤخراً صاحب السماحة الأخ العزيز مفتي الديار المصرية الدكتور الشيخ علي جمعة أيضاً اكد على الفتوى السابقة للإمام شلتوت بالإعتراف بكل المذاهب الإسلامية وخصوصاً المذهب الشيعي ضمنها بشكل صريح، وهذا حصل قبل فترة وجيزة حيث قرأت له هذا المعنى في عدة صحف .

 

أيضا الإمام الأكبر شيخ الأزهر سيد طنطاوي أنا أيضاً اجتمعت به في مصر وهو معروف أنه إمام من أئمة الإعتدال والإنفتاح على مختلف المذاهب والأديان ولطالما شارك في مؤتمرات التقريب . وعلى كل حال فإن مصر كانت في القرن الماضي هي السابقة الى انشاء جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية . فلذلك أنا لا أعتقد بأن النظام المصري هو في حساسية من أن يدرس الإنسان المذهب الشيعي كما يدرس المذاهب الأخرى ، وإنما الحساسية في التسييس ، إن الذي يجري في مصر أو في بعض الدول العربية والإسلامية هي محاولة استخدام المذهب الشيعي كإطار سياسي وليس كإطار ديني فقهي فهم يريدون تسييس المذهب الشيعي . الذين يدعون اليوم الى المذهب الشيعي لا يدعون اليه كما دعا الإمام جعفر الصادق - الذي هو امام المذهب - وسائر أئمة أهل البيت ، إنما يريدون أن يستخدموه مطية لمشاريع سياسية تعطي لإيران نفوذا في المنطقة . وليست القضية قضية مذهب إذ أن الشيعة موجودون في العراق موجودن في لبنان ،موجودن في الخليج ولا يوجد هناك من يمنعهم من أداء عباداتهم أو معاملاتهم وفقا لآراء فقهائهم ومجتهديهم ،هذا أمر موجود لكن الحساسية أن بعض من يريد أن يتخذ الدعوة إلى المذهب الشيعي ستاراً لمشروع سياسي يعطي نفوذاً لقوى خارجية ،لإيران .هذا هو الأمر الذي رفضته مصر ونحن نرفضه ويرفضه الشيعة عموماً ،يرفضون أن يكونوا جزءاً وكأنه خارج عن جسم الأمة العربية والاسلامية.

 

س3- في هذه النقطة سماحة السيد هل ترى ما جرى في مصر مؤخراً أيضاً من توقيفات يصب في خلفياته في هذه الهجمة الاقليمية الايرانية على المنحى العربي؟

 

هذا الأمر نعتقد أن نتائجه متروكة للقضاء المصري ليحكم فيها لكن الهدف من وراء أي عمل من هذا النحو ،طبعاً هو لا يصب في خدمة التشيع . الشيعة العرب هم جزء لا يتجزأ من شعوبهم وفي أوطانهم وليس من مصلحتهم لا الدينية ولا الدنيوية أن يحولهم أو أن يتحول بعض أفرادهم اداة لخدمة مشاريع خارجية كالمشروع الإيراني في المنطقه .

 

إيران ليست حريصة على التشيع بهذا الشكل الذي يوحى به .ونحن نعرف بأنه لو كانت حريصه على التشيع لكانت لا تسعى لقسمة الشيعة. مثلاً كثير من الشيعة العرب هم ليسوا على علاقة بإيران لأنهم لا يستجيبون لأوامرها ولولاية الفقيه فيها وهي تحاربهم ولا تعترف بهم وبعض العلماء الايرانيين أودعوا في السجن لعدم اعترافهم بولاية الفقيه. فإذاً ليست القضية أن أيران حريصة على المذهب الشيعي وتريد أن تنشره وإنما حريصة من أجل أن يكون لها نفوذ في المنطقة لتمرير سياستها وليس من أجل حالة دينية أو مذهبية.

 

فمن هنا نحن نقول بأن هذا العمل الذي جرى مؤخراًً في مصر مع غض النظر عن أن هناك ضلوعاً أو ليس هناك ضلوع فهذا أمر متروك للقضاء ولكني أعتقد أن هذا النحو من العمل خصوصاً في مصر التي تشكل البوابة الرئيسية للعالم العربي والاسلامي لا يمكن أن يكون لإيران حضور في الوطن العربي والإسلامي بدون العلاقة الطبيعية مع دول وشعوب هذه المنطقة التي تمر عبر دولها وأنظمتها وإلا هذا سيؤدي بإعتقادي إلى مزيد من العزلة لإيران عربياً وإسلامياً

 

س4- نريد أن نعبر إلى نفس النقطة متواصلةً معها وهي أن الخلاف بين حزب الله ومصر والواضح أن السبب المباشر له كان على خلفية حرب غزة هل بإعتقادك أن خلفية هذا الخلاف مرتبط أيضاً بسياسات اقليمية وهل كان محقاً حزب الله بموقفه من مصر خلال حرب غزة وما رأيكم بموقف مصر خلال حرب غزة؟

 

أعتقد أن هناك حالة من التحالف بين حزب الله وحماس كلاهما له علاقة وثيقة بإيران لذلك هو حاول أن يستغل هذه الفرصه في حرب غزة من أجل أن يشوه صورة مصر وليخفف من عدم دفاعه عن غزّة من جنوب لبنان ويجعل كأن ايران هي التي تحمي الشعب الفلسطيني وفي غزة مع أن الشعب الفلسطيني لم يسمع إلا كلام حتى من الذين تكلموا سواء من ايران او من حزب الله او غيره ما الذي قدموه لغزة غير الكلام؟! ما تحدثوا عنه من كلمات لم يبطل مفعول صاروخ نال من أجساد أهل غزة إنما كانت هي عملية دعائية ليست أكثر في الحقيقة لم تدفع عنهم ضراً ولم تجلب لهم نفعاً بينما عملياً على الأرض كان الفلسطينيون بحاجةٍ ألى دعم خارجي وكانت البوابة الوحيدة في تلك المرحلة هي مصر مع غض النظر عن تلك الدعايات التي حاولت أن تشوه الدور المصري والمعروف تاريخياً أن مصر هي التي دفعت عشرات الألوف من الشهداء والخسائر الكبرى في سبيل قضية فلسطين والشعب الفلسطيني فلذلك الدور المصري لم أره ضد الشعب الفلسطيني وإنما كان يريد أن يدفع عنهم الضر والأذى بحسب القدرات المتاحة والممكنة التي لا تؤدي إلى مزيد من الخسائر وإلى مزيد من ضخ الدماء في القضية الخاسرة.

 

س5 -أخيراً سماحة السيد أريد أن أسألكم هل يمكن أن يكون لنتائج هذا الخلاف أي آثار سلبية على العلاقات اللبنانية المصرية بشكل عام أم أنها غيمة سوداء وتمر؟

 

لا أعتقد بأن مصر وقيادتها وشعبها أن يحملوا لبنان ما لا يتحمله. هم يعرفون بأن حزب الله ليس ممثلاً للشعب اللبناني وليس ممثلاً للدولة اللبنانية وليس ممثلاً للشيعة اللبنانين أو الشيعة العرب ،هو يمثل الرؤية الإيرانية في المنطقة ولا يمثل رأينا كشيعة وكعرب ولذلك نحن لا نتوقع أن مصر تحملنا أوزار غيرنا في هذه القضية بل هي معنا من أجل أن نبني دولتنا دولة المؤسسات والقانون وأن يبقى لبنان هو مساحة الحرية والديمقراطية وجسر التواصل بين الأشقاء العرب جميعاً.