نص حديث السفير جوني عبدو الى مجلة الصياد

 

 السفير جوني عبدو يُفجِّر قنبلة معلومات

شخصٌ واحد اذا خضع للتحقيق يكشف ٨٠% من ملابسات الاغتيالات

سئل جميل السيد أمام لجنة التحقيق عن مصدر ثروته الطائلة، فأجاب فلان ونتحفظ عن ذكر اسمه. ووقّع على محضر الجلسة

لجنة التحقيق لا تحتاج الى اعترافات بل الى قناعات

ميشال عون في بيروت تحوَّل الى اميل لحود آخر

أتحدى ميشال عون أن يقول بماذا يختلف عن اميل لحود

وقفتُ مرة واحدة أمام لجنة التحقيق الدولية

قبل يومين من الاغتيال كانت كمية المعلومات عن التصفية كبيرة

تحويل الزنزانة الى مكتب اعلامي هرطقة

اغتيال الحريري إعصار سياسي ونتائج التحقيق زلزال محلي!

حدثت مفاوضات ومقايضات حول المحكمة بين ساركوزي والاسد

هذه هي الوقائع المشتعلة في محضر الغداء الاخير بين الحريري ورستم غزالي في قريطم في مطلع شباط - فبراير - ٢٠٠٥

دتليف ميليس محقق جدي لم يسيس الموضوع وبراميرتس اخذ في الاعتبار تركيبة الموزاييك اللبناني

الحريري تلقى ضمانات من دول كبرى بأن امنه لن يمُسِّ

في باريس، تطلع ميشال عون الى ان يصبح شارل ديغول وفي بيروت اقتصر طموحه على دور اميل لحود

 

السفير جوني عبدو لا يترك جليسه المختار بعناية، الا بعدما يزوده بأكثر مما يتطلع اليه من معلومات ومعطيات وخفايا. وهو ذاكرة متوقدة وقدرة على التحليل والربط والاستشراف. كما منجم اسرار. ويكشف انه مثل امام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري مرة واحدة، زمن القاضي الالماني ديتليف ميليس. ولم يدل يومها بمعلومات، بل باتجاهات للبحث والتقصي.

ويؤكد انه اذا كان الاغتيال اعصار فان نتائج التحقيق زلزال تتجاوز تردداته حدود الوطن الصغير. ويشير الى ان معلومات الانوار حول ترتيبات واستعدادات يوم الحرائق والدم، في منطقة السان جورج، سحبت ذريعة من يد القائلين ان الزمن يعمل ضد المحكمة... وان هناك من يريد اغتيال الحريري مرة ثانية. وذروة المكاشفة التي دامت ساعة ونصف، كانت في الاشارة الى ان شخصا واحدا، في حال خضوعه للتحقيق، قادر على فك الغاز وملابسات اكثر من ٨٠ في المئة من الاغتيالات. لكن هذا الشخص يتمتع بالحصانة. وهو ليس بالتأكيد عسكريا.

لا مجال لأي ظل للملل مع السفير عبدو. المهم هو الحصول على الموعد، وهذا ليس دائما، امرا سهلا، فالرجل يعرف كيف يستحضر كل جديد وساخن حسب التوقيت الذي وحده يرى انه مناسب. وهنا شريط الحوار.

 

 شخص واحد قادر على فك الغاز ٨٠% من الاغتيالات، اذا خضع للتحقيق، لكنه يتمتع بالحصانة

سجلت الشقيقة الانوار سبقا اعلاميا قبل اسبوعين عندما كشفت من مصادرها الخاصة عن معلومات تنشر للمرة الاولى عن التحضيرات التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري والكيفية التي نالوا بها منه. كيف قرأتم في هذا السبق وهل كنت في صورة هذه المعطيات؟

لنبدأ اولا بكلمة شكر ل الانوار ودار الصياد لحسن درايتها للمواضيع الحساسة والمواضيع الوطنية بصورة خاصة، وهي التي قد تبتعد عن السياسة، احيانا، انما اساسها وثوابتها وطنية. واي انسان يتمنى ان يكون صديقا لهذه الدار ولعميدها، الاستاذ الكبير دون شك، سعيد فريحه وللسيدة الهام فريحه التي نجلها ونحترمها.

وبالنسبة الى السبق الصحفي الذي سجلته الانوار، فأنا شخصيا لا احب تسميته كذلك، لأن الهدف الاساسي لا يبدو انه تسجيل سبق اعلامي.

لا شك انه كان هناك ذكاء خارق في التوقيت. وانا شخصيا كنت من قراء زاوية المحلل السياسي في الانوار وانطوت على لمعات وطنية واعلامية وسياسية دلت على عمق التفكير ودقة المعلومات والخبر الاخير ل الانوار احدث خبطة دون شك. في البداية، كاد المرء ان يرسم علامات استفهام حول صدقية المعلومات. ومن حق اي قارئ ان يتساءل عن المصدر الذي تم استقاء الخبر منه.

وما دفعني انا شخصيا للميل الى تصديق المعلومات هو اولا التوقيع لكاتبها. والسيدة الهام فريحه لا تخترع اخبارا. ولم تعودنا في السابق على الفبركة. واتى بعد ذلك رد الناطقة باسم لجنة التحقيق الدولية. اذ وقعت في مطب لم يكن من المفترض ان تقع فيه.

وللسيدة الهام فريحه الحق في الاطلاع على بعض قضايا التحقيق من مصادر معينة بصفتها الاعلامية وموقعها في اكبر مؤسسة اعلامية في لبنان والعالم العربي. ومن حقها ايضا ان تنشر هذه المعلومات. اما الناطقة باسم لجنة التحقيق الدولية، فهي لا تملك الحق في معرفة مضامين التحقيق. وليس لها، تاليا، الحق في الرد. كان في وسعها القول انها لا تعرف، وليس من اختصاصها ان تعرف. وهي فعلا لم تكذب الخبر.

وادلت باقوال مفادها انه لا استباق للنتائج واسماء المشتبه فيهم تعطى لاحقا وليس الآن. وما تلا هذا الخبر بالذات ليس بقليل ابدا. ذلك ان محطة التلفزيون الايراني الناطقة باللغة العربية، وهي العالم، تبنت الخبر بتفاصيله وحذافيره. وتحدثت عن ١٢٠ شخصا بين متهم ومشتبه فيه، دون ان تذكر المصدر.

هذا التبني يعني ان هناك معلومات. والسي. ان. ان والصحف الروسية والاوروبية تناقلت الخبر بدورها. من هنا حدوث الخبطة وتجاوز كل المعلومات السابقة التي كانت تتحدث عن تأخير وتباطؤ في اجراءات المحكمة، اي كل ما ينسف معنويات الذين ينتظرون قيامها ويراهنون عليها في الكشف عن الحقيقة. هذا الخبر قال للعالم، بما في ذلك الضباط الاربعة، ان لا احد سينجو من عقاب العدالة اذا ثبت تورطه. انا، شخصيا، لا اعرف ماذا يجري داخل لجنة التحقيق، واين وصلت. لكن لم اعد اسمح لنفسي بالتشكيك بالنتائج بعد خبر الانوار ، صاحبة المصداقية والنوعية الاعلامية.

يبدو من ردود الفعل والمعطيات المتراكمة ان مواصلة تقليب الحجارة وبلورة المحكمة لقناعات ومستمسكات محددة، وبداية مرحلة الاستدعاءات الى لاهاي، من شأن ذلك ان يفجر بركانا سياسيا على شاكلة الاغتيال الذي كان بدوره ايضا بركانا سياسيا. هل يستطيع لبنان تحمل كل هذه البراكين؟

دون ادنى شك ان نتائج التحقيق سوف تحدث زلزالا محليا، اكبر من الاعصار الذي شكله اغتيال رفيق الحريري، ان لم يكن اكبر. والنتائج السياسية قد تكون ادهى وافدح من الاغتيال الشخصي في ١٤ شباط - فبراير - ٢٠٠٥.

 

هذا يعني ان المحكمة خطت خطوات حاسمة في الطريق الى تفكيك اللغز؟

الواقع ان بعض الاطراف يعتقد ان لجنة التحقيق في حاجة الى اعترافات. هذا غير صحيح. اللجنة في حاجة الى قناعات في ضوء المعطيات والمستمسكات. ولم ارى ولم اسمع بطرف ارتكب هذا الحجم من الاغتيالات واعترف بمسؤوليته عنها. في هذه الحال، لكان التحقيق قد انتهى منذ زمن بعيد. ان الامور ليست كذلك واليوم نلمس ان هذه اللجنة شكلت قناعة محددة حول مضبطة الاتهام، على اساس معلومات واثباتات تساعد القاضي على اصدار الحكم.

 

ارادوا منعي من العودة
سعادة السفير، يقال ان مرحلة التخويف والتهويل بدأت بالاعتداء الآثم الذي تعرضت له زوجتك في الضبية، وفي تعقب سيارتك كلما كنت في بيروت. ماذا عن تلك المرحلة ومن يقف وراء تلك الممارسات؟

هذه مرحلة بدأت، وما تزال متواصلة. انها مرحلة اسكات الصوت الجريء. واعتقادي الخاص انهم ظنوا في بعض الاوقات ان التهويل يخيفني، والذين وقفوا وراء هذه الممارسات كانوا من المخابرات وامن الرئيس السابق اميل لحود، يعرفون تماما من انا، وان هذا التخويف لا يخيفني، وهذا التهويل لا يؤثر فيّ. ارادوا في شكل او في آخر، منعي من المجيء الى لبنان. ولو استطاعوا يومها اغتيالي، لما كانوا قد تأخروا دقيقة واحدة، بالطبع لم اترك لهم مجالا لتنفيذ مآربهم. ولذلك ركزوا على بعض نقاط الضعف ولم يتصور احد انهم قد يوجهون الاذى الى نساء.

ولم يخطر ابدا في بالي انهم قد يستهدفون زوجتي، خصوصا انني كنت في بيروت، يومئذ. ولماذا ليس انا؟ يومها كنت في جنازة شقيقي. وحضرت للتعزية. وكانوا حاضرين في تقبل التعازي، وسجلوا اسماء المعزين ورصدوا الحاضرين والغائبين. هذه دلالة اضافية الى ان هناك احدا حتى في التعزية. عقل سخيف وتافه لا يجاريه احد في السخف والتفاهة.

عهد مشؤوم نشكر الله انه مضى. انا شخصيا، لم اتأثر بهذا الموضوع على الاطلاق، واصدرت بيانا للتعبير عن وجهة نظري. والحق يقال ان جريدة واحدة نشرت البيان كاملا دون اجتزاء، هي الانوار. حتى النهار حرّفت فيه بناء لطلب جميل السيد واميل لحود ورفيق شلالا.

وبدأت بياني كالتالي: ايها الجبناء وايها الجبان الاول، ايها الخونة، وايها الخائن الاول... وكنت اقصد ب الجبان الاول والخائن الاول اميل لحود. وهو عرف انني اقصده. ولذلك طلب حذف هذه العبارة. وبهذا التاريخ، وحدها الانوار نشرت البيان كاملا. وكان هدفي ابلاغهم انني لن اسكت ولن اصمت، مهما فعلوا، خصوصا ان الوطن في خطر، ويسير نحو شفا الخطر، ولا بد من ان ترتفع اصوات لوقف هذا التدهور. واميل لحود ارتكب الخيانة العظمى، وان لم يكن احد يستخدم هذه العبارة. وطوال تسعة اعوام، كان هذا الرجل قائدا للجيش، وركز كل جهده مع مخابراته على تقوية حزب وميليشيا وسلاح على حساب الجيش. واذا كان لا بد من معالجة مسألة سلاح حزب الله، فلا بد من ١٨ عاما، على الاقل، للوصول الى ذلك، لاعادة القوة الى الدولة. ولا شك ان الدولة وحدها هي الرادع ضد استخدام حزب الله لسلاحه في الداخل، وبالتالي لاعادة تكوين الدولة، والقضاء على التخريب الذي لحق بها، علما ان البناء عملية صعبة في الظروف الحالية، حيث الجو المذهبي والطائفي يحول حتى الاحاسيس الى متاريس نفسية.

 

هل كان مطلوبا من الرئيس اميل لحود ان يلعب هذا الدور ولم يكن يملك اوراق الرفض... فاستسلم حتى ان الناس طوت صفحته نهائيا من ذاكرتها؟

لا انسب اليه ذكاء خارقا، اعتقد انه كان ينفذ التعليمات من دون ادراك خطورة المفاعيل والنتائج. الفارق بينه وبين ميشال عون هو ان هذا الاخير يعرف النتائج. لكنه يتصرف مثل اميل لحود، بالتمام والكمال. كانت طموحاته في باريس ان يصبح مثل الجنرال ديغول. وبعد عودته الى بيروت، اصبحت طموحاته ان يتحول الى اميل لحود اخر. وهذا هو الخوف اليوم، ذلك ان عون لديه قاعدة مسيحية، في وقت افتقر اليها اميل لحود. ويغطي بشكل هائل سياسة لحود الاساسية.

 

هل تقصد زيارته الى ايران ١٣ الشهر الجاري تلبية لدعوة قديمة، كما يقول؟

ليس فقط الزيارة، بل كل سلوكه وتصرفاته ومواقفه. انا اتحدى ميشال عون ان يقول بماذا يختلف عن اميل لحود؟ بماذا يتميز عنه؟ قناعتي الشخصية ان الرجلين متشابهان الى حد التطابق. ولا شيء يميزهما عن بعضهما بعضا، على الاطلاق لا في التحالفات، ولا في الصور التي نراها، والى جانب من يجلس في اجتماعات ما يسمى المعارضة في الرابية. الصور ذاتها، الاشخاص ذاتهم. يكفي استبدال عون بلحود، لكي نحصل على الكليشيه نفسها. والخوف ان عون ليس رئيسا للجمهورية. ولو تبوأ هذا المنصب ولديه هذه القاعدة المسيحية، لكان قد شكل تغطية اكبر مما قام به حتى الآن، لسياسة اميل لحود، اي تنفيذ سياسات الاخرين على ارض لبنان.

 

المحكمة والمقايضات

كنت مديرا للمخابرات في احلك الظروف، بهذه الصفة، ماذا تجمعت لديكم من معلومات حول الظروف التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري؟ وهل ما تملكون من معطيات يتكامل او يتناقض مع ما توصل اليه المحققون الذين توالوا على رئاسة لجنة التحقيق الدولية؟

 لا اعرف، في الواقع، اين وصلت لجنة التحقيق الدولية. لا شك انها شكلت بعض القناعات. وبدا ان اي دولة اجنبية تتحدث مع أية دولة، تكون هذه المحكمة في صلب التداول، على اساس تخفيف ضغوطها ومفاعيلها. ويطرح المقايضات حولها وعليها... وجرى ذلك مع فرنسا والرئيس ساركوزي ارتكب خطأ فظيعا بفضح هذه المفاوضات. لأنه عندما غضب من السوريين وانتفض عليهم، قائلا: لقد جمدت كل الخطوات معهم. واتخذ القرار بتمويل المحكمة الدولية.

معنى ذلك انه في شكل او في اخر، وعد السوريين بتخفيف المحكمة الدولية لانكم طلبتم مني ذلك. وحاولت فعلا تأخيرها او عرقلتها لكنكم لم تلتزموا وعودكم ولم تنفذوا تعهداتكم. لذلك سأعود الى المحكمة هذا يعني ايضا ان مفاوضات ومقايضات حصلت بين فرنسا وسورية حول المحكمة.

من هنا اريد القول ان المعلومات التي املكها، وقد ابلغت الجزء الكبير منها الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قبل اغتياله. وقد اتهم دولا كبرى باطمئنانه الى امور وضمانات مخالفة لهذه المعلومات. قيل مثلا ان اميركا وفرنسا الشيراكية نبهتا وحذرتا من محاذير المساس بركني المعارضة، اي الحريري وجنبلاط. هذا التحذير حدث بالفعل. ونقل الى الرئيس الحريري، ولم اكن قادرا انا شخصيا ولا غيري بين الذين نبهوه وحذروه، وطرحوا امامه بعض المعطيات التي كانت لديهم، وهي مخيفة، بأن عليه ان يصدقنا نحن، ان مصادر الرئيس الاميركي او الفرنسي اهم من مصادري، بكل تأكيد .. وكنت في موقع العجز عن القول له انني لست مطمئنا مثل الرئيس الاميركي او الفرنسي. وهو شخصيا، كان اكثر اطمئنانا الى ضمانات بوش وشيراك ومسؤولين اوروبيين آخرين.

 

تردد من اكثر من مصدر وقناة دبلوماسية فرنسية وعربية في باريس ان الرئيس جاك شيراك نصح الحريري بمغادرة بيروت؟

لا اعرف اذا كان شيراك طلب منه فعلا مغادرة بيروت، وتتداول اطراف معلومات مفادها انه نصحه فعلا بالمغادرة لكن اعتقادي الخاص بأنه عندما كنا نبلغ الى الرئيس الشهيد معلومات خطيرة جدا وان الاجراءات الامنية المتخذة لم تعد تحميه، كان يجيب بأنهم لن يفعلوها ولن يجرؤوا على ارتكابها. وردد هذا القول عدة مرات امامي. واكثر من شخص سمع هذا الكلام. وكلامه يعني ان لديه بوليصة تأمين من طرف كبير وفاعل ومؤثر او اطراف كبيرة وفاعلة دخلت على الخط. فظن البعض ان ضجة الاغتيال تهدأ بعد يومين او ثلاثة ايام. وجميل السيد رفع تقريرا في هذه المسألة. وجاء فيه ان صدمة الاغتيال في الشارع لن تدوم اكثر من ٥ الى ٦ ايام. والحريري يموت مثل كل الآخرين وينساه الناس. لم يأخذ في الاعتبار ان الحريري من الرجال العظماء. لم يصدق انه من نادي العظماء في العالم، وعضوا في النادي الدولي الكبير، الى جانب شيراك وبوش وشرودر وغيرهم. وجاء يوم جلسوا جميعا الى طاولتهم المألوفة، والتفتوا يسارا ويمينا ولم يجدوه. كان رمزا وكان كبيرا وشجاعا.

 

الحقيقة قاتلة في لبنان

استمعت اليكم لجنة التحقيق الدولية، فما هي الاسئلة التي طرحت عليكم؟ وماذا استخلصتم من طبيعة اسئلتها، وهل ابلغتموها هذه المعلومات المشتعلة؟

وقفت مرة واحدة امام لجنة التحقيق ورسمت اللوحة. ولم ادل بمعلومات لكي لا اقع في مشكلة المصادر والاسماء التي قد تكون خاضعة لتهديدات وتعود عما تكون قد ادلت به، حرصا على سلامتها. لم اسمح لنفسي بالتطرق لا الى المعلومات ولا الى المصادر. وتحدثت باسهاب عن الاجواء التي سبقت الاغتيال ومهدت له. وفي اليومين قبل العملية، اي في ١٢/١٣/١٤ فبراير - شباط ٢٠٠٥، كانت كمية المعلومات حول التصفية كبيرة. وفي ضوئها، كان لا بد للرئيس الشهيد من البقاء في دارته، مهما كانت الانشغالات. اعتقد ان هذا الاطمئنان المعطى من دول كبرى جعله يستخف بالخطر.

بالنسبة الى ما استخلصته من لجنة التحقيق بعد مثولي امامها، هو انها جدية في الوصول الى الحقيقة. وقد مثلت امامها زمن المحقق الالماني ديتليف ميليس. وهو من اهم المحققين. لم يسيس الموضوع ولم يهتم اطلاقا بانعكاسات القضية على الواقع اللبناني. حصر كل جهده في التحقيق. ولم ينظر في وقع واصداء ومفاعيل النتائج التي يمكن ان تصدر عن الاستقصاء في الملابسات. اما براميرتس، فقد جرى لفت انتباهه الى ان لبنان بلد فسيفسائي، ولا يمكن الاعلان عن اية حقيقة فيه. واذا اعلنت اية حقيقة، تتأثر موازين القوى الهشة والمناخ العام. وميليس اصدر الاوامر بتوقيف الضباط الاربعة على اساس ان ذلك ضروري لكي يكشفوا عن الحقيقة. وكان يعرف ان لديهم الكثير من المعلومات. من هنا الاسئلة التي طرحتها اللجنة علي كانت استفسارية وتقنية على غرار لعلك تفيدنا عن الطريق التي تقودنا الى الحقيقة. واشرت الى خطوات يمكن اتخاذها في اتجاه معين.. نصحتهم بطرح اسئلة للجيش حول المتفجرات: هل نقصت المخازن؟ هل طلب الحرس الجمهوري متفجرات؟ واين انفقها؟ هذا الطراز من الاسئلة كانت له فاعلية في تركيز الاضواء على الغاز وملابسات محددة.

 

امني وسياسي

ما قصة الصندوق الاسود في مديرية المخابرات؟ وما هي وجهة صرف الاموال فيه؟ هل تغيرت مصادر التمويل ووجهة الصرف لدى الذين تعاقبوا على رئاسة هذه المديرية؟ وكيف؟

ليس بعيدا ولا مستغربا زمن كنت مديرا للمخابرات بين ١٩٧٧ و١٩٨٢، وحتى هذه اللحظة، ان يُصرف جزء من مبالغ الصندوق على حالات وأنشطة لا علاقة لها لا بالأمن المعلوماتي ولا بالاستقصاء او أية ضرورات لها علاقة بها. وليس هناك ما يُسمّى، رسمياً الصندوق الأسود بل مصاريف سرية تابعة للمخابرات ولا تخضع للرقابة. حُدّد مثلاً لموازنة مديرية المخابرات مبلغ ٨ ملايين دولار، كل عام، على سبيل المثال. ولا تسأل الجهات الرقابية عن طريقة صرف هذا المبلغ. قد يسأل قائد الجيش عن كيفية الصرف، وهذا حقّ من حقوقه، وعن حجم المكافآت لهذا المخبر او ذاك، واذا كانت ثمّة أهمية او جدوى للمعلومات الاستخبارية التي يقدّمها. والانفاق يرتدي عادة أولوية: تمويل الأمن المعلوماتي والاستقصاءات. ومن ثم السياسة والتعامل مع بعض النواب والفاعلين على الأرض، في مناطقهم واحيائهم. وقد تحدث مساعدات لأسباب سياسية، وبناء لطلب رئيس الجمهورية، في بعض الأوقات. والاستفادات الشخصية التي حصلت على صعيد مديرية المخابرات، زمن الرئيس اميل لحود، بشكل خاص، لم نرَها ابداً. انه استغلال الوظيفة للإثراء غير المشروع والفساد. لم يحدث ذلك لا معي ولا مع الذين سبقوني على رأس المديرية.

سعادة السفير، اللبنانيون في قهر ووجع لا يوصفان: نحو ٢٠ عملية اغتيال وتفجير وتصفية وتفخيخ من دون ان تتمكّن الأجهزة من القبض على رأس خيط واحد،

 

باستثناء خلية البداوي. لكن، حتى هنا، فالفرحة ناقصة لأن قائدها، جوهر، ما يزال فاراً. أين الخلل؟ لماذا التقصير؟

حتى الكلام على خلية البداوي، اعتقد انه يفتقر الى الدّقة. اؤكد، دون الكشف عن أسماء، انه على صعيد استخباري، هناك شخص واحد في لبنان، يمكن انه يتمتّع بحصانة، إذا خضع للتحقيق الجدّي، يُصار الى اكتشاف ما هو فوق الثمانين بالمئة من الاغتيالات والتفجيرات التي حصلت في لبنان، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، اي من مروان حمادة - أطال الله عمره - الى الشيخ صالح العريضي في بيصور - رحمه الله - هذا الرجل لديه حصانة. والعسكر لا حصانة لهم.

 

من موّل اغتيال الرئيس الحريري؟ ما هي مصادر التمويل؟ ما هو دور بنك المدينة؟ ولماذا بقيت رنا قليلات في البرازيل؟

العملية في حاجة الى قوّة عقائدية. ومن ثم الى قوة مالية. هذا يعني ان سوريا في تحالفها مع ايران، لم تعد كما كانت في السابق. والذين يتوقعون انهيار هذا الحلف قريباً، كما يظنون، فهم على خطأ. والدليل هو المال الايراني الموزّع في بلدنا العزيز ولدى الحلفاء والأزلام والمحاسيب. وعلى دول الخليج في شكل خاص ان تدرك حجم التمويل الايراني في لبنان والوقوف في وجه التخريب الناتج عنه.

 

الثروة المشبوهة

ما حقيقة ان لجنة التحقيق الدولية تملك وثائق ومستندات عن ثروات طائلة يملكها كثيرون ممن تبوأوا مناصب عامة، هل بالإمكان كشف هذه المستندات؟ وأين هي محفوظة؟

هذه المستندات محفوظة لدى القضاء اللبناني. وهذا القضاء لا تنحصر مهمته فقط في التحقيق اغتيال الرئيس الحريري. بل يتعدى الجريمة الى جرائم انسانية وسياسية واقتصادية. حسب معلومات استقيتُها من مصدر موثوق جداً أن ثمّة تواقيع على اعترافات أدلى بها بعض الضباط الموقوفين وتحديداً جميل السيّد، رداً على سؤال حول مصدر ثروته، بمعنى من أين لك هذا؟، وهي تقدّر بأكثر من عشرة ملايين دولار، فأجاب في ردّ ممهور بتوقيعه ان هذه الأموال مصدرها ... فلان لبناني. غير ان المصدر الذي أدلى أمامي بهذه المعلومات موثوق جداً، لأنه كان على تماس قوي مع كل تلك المرحلة السوداء. والاعترافات الموثقة موجودة لدى المدعي العام. انني لا أتّهم قضائياً الضباط الأربعة، لأن ذلك يقتضي مستندات ووثائق لا املكها في الواقع، انما الأجواء العامة تشير الى غرابة واستهجان. لقد سجن سمير جعجع في زنزانات وزارة الدفاع. لكن الضباط الأربعة موقوفون في سجن رومية. وحوّلوا زنزاناتهم الى مكاتب اعلامية. والقضاء في غيبوبة أهل الكهف. بالطبع، ان المقارنة لا تجوز بين القضاء زمن اميل لحود، وكان منحازاً وفاسداً ومُفسداً، والقضاء اليوم الذي قد يكون متريّثاً. لديّ بعض المعلومات التي تقول ان مدعي عام التمييز لديه من المعطيات والثوابت تجعله يتمسّك باحتجاز الضباط الأربعة، أكثر بكثير مما نعرفه نحن.

 

القضاء متريّث

عودة الى وجودكم في المؤسسة العسكرية ما هي المعايير التي كنتم تعتمدونها لإرسال ضباط الى الخارج في دورات تدريبية؟ هل هو معيار الكفاءة ام أن مداخلات سياسية كانت تتم لديك لتغطية أسفار العلاج بأسفار التدريب؟ هل من حالات محدّدة يمكن تسليط الضوء عليها؟

حتى داخل الجيش، فان معادلة ٦ و٦ مكرّر موجودة. والمداخلات السياسية قائمة. لكن قيمتها تبقى محدودة جداً ليس فقط امام الكفاءة، بل ايضاً الأقدمية والدور. فلا يمكن مثلاً إرسال ضابط الى فرنسا في دورة اركان، وقبله هناك ٢٠ ضابطاً يتقدمون عليه بالأقدمية والأهلية. ومديرية المخابرات ليس من اختصاصها ارسال فلان الى الخارج. بل انها تعطي رأيها امنياً وسلوكياً في ما يتعلق بالشخص المرشح للايفاد الى الخارج. وتحديد الكفاءة من صلاحية الشعبة الثالثة، اي العمليات، اضافة الى مديرية الأفراد وقائد الجيش ورئيس الأركان. هذا ما كان سارياً زمن ادارتي للمخابرات واعتقد ان القواعد ثابتة، علماً ان المعايير تقنية ايضاً. وترتبط بالأسلحة ونوعيتها.

 

سؤال أخير سعادة السفير: هل برأيكم يفترض بالقضاء اللبناني ان يبقى صامتاً حيال ما توجه اليه من اتهامات؟ هل الصمت يقوّيه أم يضعفه؟

لا اريد تحريض القضاء اللبناني، لا على الهجوم ولا على الدفاع. أطلب منه شيئاً واحداً، وهو تطبيق القانون. وهنا، التريّث في تطبيق القانون أمر في غاية السلبية. لم أرَ في حياتي ولم أسمع سجيناً يدلي بتصريحات شبه يومية ضد القضاء، وهو في زنزانته. لم تحدث هذه الهرطقة، لا في فرنسا ولا في الولايات المتحدة الأميركية. والأدهى ان يلوذ القضاء، موضع الشكوى والهجوم بالصمت. ثمّة قوانين تُطبّق على الجميع، سجناء كانوا ام غير ذلك. ومن أجل ان تزداد ثقة الناس بالقضاء، والتدرّج نحو الأفضل، لا يمكنني القبول بما يقوم به الضباط الأربعة وسجناء آخرون ضدّ القضاء الذي ليس هو يتيماً، كما كان الأمر مع إميل لحود.

 

26 تشرين الأول 2008