مقابلة مع المحامي رئيس حزب السلام المحامي روجيه إده

مجلة المسيرة

الاثنين 5 ايار 2008

روجيه إده/المطلوب تعديل ثقافي في سوريا/إنتخاب الرئيس أو حرب أهلية أو طلاق

 

بعد تجربتي الحوار والتشاور، هل تجوز المغامرة بتجربة حوارية جديدة؟ رئيس حزب السلام المحامي روجيه إده يجيب بالنفي، رافضا تحويل رئاسة الجمهورية عند كل استحقاق موضوع مفاوضة للحصول على تنازل من هنا أو مكسب من هناك، وداعيا إلى انتخاب رئيس بالنصف زائد واحدا لأن خلاف ذلك يعني استمرار الأزمة وتعريض لبنان للحرب الأهلية أو الطلاق بين لبنان السيادة والحريات والديمقراطية وحوار الحضارات، وبين دولة حزب الله وأتباعه.

      

 هل الحوار الذي أطلقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري يشكل مدخلا الى التسوية السياسية؟

-لقد خيب الرئيس نبيه بري الآمال على امتداد رئاسته للمجلس النيابي، فهو لا يوحي بأي نوع من أنواع الثقة. التجارب معه غير مشجعة على الإطلاق: من مؤتمر الحوار  الذي ألغى دور المجلس النيابي وكان الهدف من ورائه كسب الوقت بغية تفويت اللحظة السياسية المواتية للحؤول دون معالجة الملفات الداخلية بعد الانسحاب السوري من لبنان، بدليل أن ما صدر عنه من مقرارات بالإجماع بقيت حبرا على ورق، إلى مؤتمر التشاور الذي كان من أبرز تداعياته احتلال وسط العاصمة. لا يجوز بعد هاتين التجربتين المغامرة في تجربة حوارية جديدة مع الرئيس بري الذي من أبسط واجباته، وفقا للدستور والقانون، اعتبار المجلس النيابي في حال انعقاد دائم، خصوصا أن الدستور واضح  لناحية رفض مناقشة أي مسألة قبل اتمام الاستحقاق الرئاسي، لأسباب لها علاقة بتلافي ما قامت به المعارضة بالمفاوضة على رئاسة الجمهورية. لن نقبل بأن تتحول رئاسة الجمهورية عند كل استحقاق موضوع مفاوضة للحصول على تنازل من هنا أو مكسب من هناك.

طالما أن الحوار ليس الوسيلة الفضلى لحل الأزمة اللبنانية، ما الآلية المطلوبة لولوج الحل المنشود؟

-الأزمة في لبنان هي أزمة الفراغ في رئاسة الجمهورية، والحل هو في توجه الأكثرية إلى المجلس النيابي أو إلى أي مكان آخر لانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائد واحدا، وخلاف ذلك يعني استمرار الأزمة إلى ما شاء الله، وتعريض لبنان للحرب الأهلية أو الطلاق.

 

ماذا تعني بالطلاق؟

-الطلاق بين لبنان السيادة والحريات والديمقراطية وحوار الحضارات، وبين دولة حزب الله وأتباعه. ثمة خروج عن هوية لبنان الحضارية ومؤسسات الجمهورية اللبنانية من حزب الله الذي يقيم دولته على جزء من الأرض اللبنانية ويهول على اللبنانيين للاستيلاء على الجزء الآخر.

 

عندما دعا السيد وليد جنبلاط إلى الطلاق الحبي جاءه الرد من السيد حسن نصرالله مباشرة بالرحيل واللجوء إلى أسياده اليهود والأميركيين؟

إذا كان لليهود من حيز في لبنان، فالفضل في ذلك عائد إلى المحور السوري-الإيراني وحزب الله، وأكبر دليل عندما انسحبت إسرائيل من لبنان لم تسلم الأرض للدولة اللبنانية أو للقوات الدولية، إنما سلمتها لحزب الله، والتقاطع السوري-الإسرائيلي على حساب لبنان، وتهويل جماعة سوريا بعودة الاحتلال السوري انطلاقا من الحماية التي تؤمنها إسرائيل للنظام السوري ومقايضة الأخير الجولان بلبنان، الأمر الذي يناسب الإسرائيليين استنادا إلى أهمية الجولان من الناحية الاستراتيجية. 

 

هل الولايات المتحدة في وارد المقايضة على لبنان أم أن منطق الصفقات ولى إلى غير رجعة؟

-لا يمكن الحديث في مجال العلاقات الدولية عن ثوابت غير قابلة للتغيير. ولذلك الجزم يبقى ممكنا في الحال المنظورة فقط، أي لغاية انتهاء عهد الرئيس جورج بوش على الأقل. ولكن في حال تمكن المرشح ماكين قلب الأسد من خلافة الرئيس بوش، وهذا على الأرجح، كل ما يمكنني قوله للذين يأملون بأن تتوسط لهم إسرائيل للعودة إلى لبنان من سوريين وغير سوريين، أنهم سيترحمون على عهد الرئيس بوش.

 

في أي إطار تضع الكلام عن إحياء المسار السوري-الإسرائيلي؟

-ثمة في إسرائيل ثلاثة اتجاهات كبرى تخاض على أساسها معركة رئاسة الحكومة المقبلة: الاتجاه الأول يمثله إيهود باراك الذي تفوق على رئيس الحكومة الراهن أيهود أولمرت، وهو يخوض معركته على أساس إعادة الجولان إلى سوريا مقابل السلام معها، خصوصا أنه كان الساعي والدافع وراء اللقاء الأخير الذي عقد بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد في جنيف. ولا بد من الإقرار في هذا المجال، للتاريخ، بأن باراك هو الذي تراجع عن العرض المقدم لا الأسد، بعدما تم إبلاغه أن الوضع الصحي للأخير دقيق جدا وأن هناك صعوبة في معرفة مدى قدرة نجله بشار على ضمان تنفيذ ما تم التوصل إليه، فأجهض التسوية مخيبا آمال الرئيسين الأميركي والسوري. أما تسيبي ليفني، فتمثل التوجه الثاني في إسرائيل الذي يعطي الأولوية لخيار الدولة الفلسطينية والاتفاق الاستراتيجي مع الفلسطينيين ومع السلطة الفلسطينية. والاتجاه الثالث يمثله الليكود الذي يخوض معركته على أساس رفض عملية السلام، مستفيدا بذلك من جبهة الممانعة بقيادة سوريا التي تفضل استرجاع لبنان بدلا من الجولان. وعليه، المناخات الإسرائيلية هي مناحات انتخابية أكثر مما هي واقعية وفعلية.

 

هل الرعاية الدولية للبنان جعلته في منأى عن الأخطار الخارجية؟

-هناك حدود دائما لأي رعاية دولية أو عربية، وهي حدود الإرادة اللبنانية، ففي حال عودة شبح الحرب الأهلية لن نجد مناصرا أو مدافعا عن القضية اللبنانية، لأن الدفاع عن لبنان هو دفاع عن رسالته، ولذلك يجب تمتين إرادة العيش المشترك لا العكس. أما لناحية حزب الله، فلا أحد في وارد معالجة موضوع سلاحه بالقوة، إنما في حال تمسكه بهذا السلاح لا يجوز بكل بساطة إشراكه في الحياة السياسية باعتباره حالاً انقلابية، وما علينا عندذاك إلا تخيير أهلنا في جبل عامل وبعلبك الهرمل المؤيدين والداعمين لسلطة حزب الله بين الانضمام إلى لبنان الرسالة أو الالتحاق بلبنان ولاية الفقيه.

 

ولكن هذا نوع من استسلام وتنازل لحزب الله عن جزء من الأرض اللبنانية؟

-لا يجوز إنكار لبنانية حزب الله، فهم لبنانيون مثلنا مثلهم، وجبل عامل ليس مارونستان، وهو الذي شيع إيران لا العكس. وبما أن للشعوب الحق بتقرير مصيرها، علينا تخيير جمهور حزب الله ومناصريه بين هذا النموذج أو ذاك، لأننا لسنا على استعداد إطلاقا للاستسلام لخيار الجمهورية الإسلامية أو أن نكون مطية لطاغية ولاية الفقيه على الأرض اللبنانية.

 

لا يبدو أن حزب الله في وارد الاكتفاء بجزء من الأرض، إنما يبغي السيطرة على كل الأرض اللبنانية؟

 -طموح الحزب واضح جدا، واستتباعه مجموعات لبنانية من طوائف مختلفة يدخل في هذا الإطار، وهو يراهن على تطويعنا واستسلامنا مع الوقت، ولكنه واهم لأننا لن نستسلم للحرب الأهلية ولا لتسليمه السلطة، إنما هذا لا يعني غياب الخيارات البديلة لدينا، إذ يبقى في هذه الحال خيار الطلاق هو الأفضل.

 

ولكن الطلاق يعني التخلي عن شريك شيعي لبناني والتسليم بأن حزب الله يختزل الطائفة الشيعية؟

-لا شك في أن حسم الطائفة الشيعية خياراتها اللبنانية التاريخية يرفع الغطاء تلقائيا عن حزب الله ويساهم في إنهاء هذه الحال، ولكن ما أخشاه أن يكون ثمة عدد كبير من الشيعة يستعملون حزب الله وسلاحه للتهويل به وسيلة للضغط على اللبنانيين بغية إعادة النظر في الصيغة، وبالتالي هذا المنحى مرفوض رفضا باتا.

 

هل الصراع في لبنان هو على قاعدة طائفية أم على خيارات وطنية كبرى؟

-الصراع هو على قاعدة خيارات وطنية كبرى، أي بين لبنان الإرث الحضاري وبين الجمهورية الإسلامية التي هي حتى من وجهة النظر الإسلامية مهدوية، أي خارجة عن جوهر الفكر الإسلامي والمنحى الإسلامي التاريخي، ولا تختلف مهدوية ولاية الفقيه عن وهابية القاعدة. لا مشكلة في العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين طالما أنه يدخل في إطار القيم الأخلاقية والروحية الإسلامية والمسيحية، والتمثيل الصحيح والمشاركة الصحيحة وفق النظام اللبناني الجمهوري الديمقراطي الذي علينا احترامه وتطويره لا الانقلاب عليه كما يفعل حزب الله.

 

ألا تعتقد بأن حزب الله هو حال إقليمية، وبالتالي تنتفي تلقائيا عندما يتم التوصل إلى تسوية على المستوى الإقليمي؟

- تقول أن حزب الله مرتبط وجوده باستمرار النظام المهدوي في إيران، وفي حال حصول أي تغيير في المنحى أو في النظام الإيراني ينعكس تلقائيا على الساحة اللبنانية. في حال تم التوصل إلى تفاهم بين المجتمع الدولي وإيران تتراجع حدة الصراع مع حزب الله، وتصبح عملية انخراطه في الحياة السياسية وفق الأصول الديمقراطية والقواعد الدستورية أسهل بكثير، وفي أحسن الأحوال يمكن التوافق معه حينذاك على حياد لبنان على الطريقة النمساوية.

 

كيف تقرأ التحولات التي حدثت في انتفاضة الاستقلال لناحية التقاء اللبنانيين مسيحيين ومسلمين على ثوابت وطنية مشتركة؟

-شكل اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحولا جذريا لحال كانت في الأساس في طور النمو التدريجي  على مدى سنوات الاحتلال السوري للبنان، علما بأن أول جبهة تأسست لمقاومة الاحتلال السوري ضمت قيادات سنية عدة أمثال صائب سلام ورشيد كرامي وغيرهما إلى جانب ريمون إده، ولا يجوز تصوير السُنة كأنهم كانوا مؤيدين للهيمنة السورية على لبنان، لأنهم في الحقيقة كانوا يتعاطون مع هذه الهيمنة أمرًا واقعًا مفروضًا على البلاد.

 

هل الأزمة هي بين اللبنانيين أم سورية المنشأ؟

-لا يجوز إغفال أن ثمة مشكلة داخلية فعلية طالما أن هناك قسما من اللبنانيين يتعاملون مع كل من سوريا وإيران، إنما ما يمكن قوله كذلك أنني لم أجد نظاما أو حاكما أو سياسيا أو قياديا في سوريا يوحي بالإطمئنان حيال استقلال لبنان وسيادته والاعتراف بنهائيته، وبالتالي إن استمرار غياب القيادات الفكرية والسياسية الواعية التي تتوقف عليها قيادة معركة تصحيح الوقائع التاريخية ورسم العلاقات المستقبلية يعني استمرار المشكلة بين البلدين.

 

هل المشكلة هي مع الشعب أم مع النظام السوري؟

-المشكلة هي مع النظام والشعب السوري في آن.

 

ولكن ماذا عن إعلان بيروت-دمشق / إعلان دمشق-بيروت؟

-جاء من يقول لنا كلاما نحب سماعه، بينما المطلوب تعديل المنحى الثقافي في سوريا من كتاب الجغرافيا إلى التاريخ والتربية المدنية بغية وضع حد نهائي لهذا التشويه المتعمد للحقائق التي يتم تلقينها للأجيال السورية، ومن أهمها أن أجمل قطعة أرض  في الشرق والتي تقع غرب الشام وحلب هي ملك لهم.

لا يجوز إغفال الحال القمعية التي يعيش في ظلها الشعب السوري؟

-يجب أن تكون لدينا الجرأة للإقرار بأن النظرة السورية تجاه لبنان تتجاوز النظام في دمشق لتطال مكونات الشعب السوري وفي مقدمتهم المسيحيون، وبالتالي المدخل الوحيد الى إرساء علاقات طبيعية وثابتة بين البلدين حصول ثورة ثقافية تعيد تصحيح المفاهيم التاريخية المغلوطة.

 

هل هذا النظام في وارد تطبيع علاقاته مع لبنان؟

-لا يمكن لهذا النظام أن يسلم باستقلال لبنان وسيادته، لأن مجرد التسليم بذلك يعني سقوط النظام في سوريا، وهو لا يوفر مناسبة لترهيب الإسرائيليين ومن ورائهم الأميركيين بأن سقوطه يعني تعميم الفوضى وبالتالي تهديد أمن إسرائيل، بغية تأمين استمراريته.

 

هل الاستقرار في لبنان مرتبط ببقاء هذا النظام أو زواله؟

-الاستقرار في لبنان مرتبط قبل أي شيء بوقف التدخلات السورية والإيرانية في شؤونه الداخلية، ولكن تصحيح العلاقات اللبنانية-السورية في ظل انعدام الثقة القائم، لم يعد يتوقف فقط على خطوات بديهية وأساسية يفترض بدمشق القيام بها على غرار وقف إمداد حزب الله والفلسطينيين بالسلاح والكف عن تهريب جماعة القاعدة وتخريب النظام اللبناني والتعامل مع لبنان من دولة إلى دولة، إنما يستدعي اللجوء إلى خطوات بنيوية تتعلق بالمناهج المدرسية والتربوية لتبديد الهواجس وإعادة بناء جسور الثقة بين البلدين والشعبين، وبالتالي ولوج هذا المسار غير ممكن قبل تعاقب جيلين إلى أربعة أجيال، ليتمكن بعدها أي نظام في سوريا من إقناعنا بأنه قام بما عليه القيام به لإقناع الشعب السوري بأن للبنانيين الحق بلبنانهم كما للسوريين الحق بسوريا، وبأن الكيان اللبناني دائم وأزلي وسرمدي مثلما يتمنون أن تكون سوريا.

 

هل تتوقع حل الأزمة في المنطقة سلما أم حربا؟

-لا يمكن أن تخوض الولايات المتحدة حربا من دون مبررات دامغة، بمعنى أن التجربة العراقية غير قابلة للتكرار، إنما يتوقف الأمر في المقابل على كل من إيران وحزب الله. ففي حال لم تشأ طهران المواجهة مع الرئيس بوش، لن يكون هناك من مواجهة، وفي حال قيام حزب الله بأي تحرك في الداخل اللبناني أو على الحدود الإسرائيلية خرقا للقرار 1701 سوف يستخدم هذا القرار لتوسيع مهام القوات الدولية وزيادة عديدها لتشمل قوى من الحلف الأطلسي والعالم العربي والولايات المتحدة من أجل حماية الدولة اللبنانية والنظام اللبناني والأرض اللبنانية من أي صراع إسرائيلي-سوري على الساحة اللبنانية. أما في حال قيام حزب الله بعملية ثأرية ردا على اغيال عماد مغنية، فلن تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بالرد في لبنان.

 

أين تتوقع أن يكون الرد إذا؟

-الرد انطلاقا مما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت سيكون في سوريا، وهذا ما يفسر إلى حد كبير ارتباك حزب الله الذي أصبح على غرار دمشق يتحدث تبريرا عن اختياره ظروف المعركة وتوقيتها، أي تبنيه هذه اللازمة التي ترددها دمشق منذ العام 1973. ولذلك لن يخاطر حزب الله لا بنفسه ولا بالنظام السوري، وبالتالي سيبقى الستاتيكو  سيد الموقف لغاية انتهاء عهد الرئيس بوش ومجيء رئيس جديد.

 

هل تخشى من فتنة مذهبية سنية-شيعية؟

-إطلاقا. أي فتنة درزية- درزية، في حال حصولها، ستخنق في المهد لأن قوى الأمن كافية لذلك. أما الفتنة السنية- الشيعية، فهي من سابع الممنوعات من قادة السنة والشيعة في آن. قد تحاول سوريا تحريك بعض المنظمات التي تتغطى بشعار الوهابية والقاعدة، على غرار شاكر العبسي، ولكن الرد عليها لن يختلف عما حصل في نهر البارد، لا بل سيتم دعم الجيش اللبناني مخابراتيا ولوجستيا في شكل غير مسبوق ومؤازرته في المعارك من خلال قصف جوي هائل وفعال.

 

ماذا عن المحكمة الدولية وهل من تسريع لهذا الملف؟

-التعامل الدبلوماسي مع سوريا أو علاقاتها الخارجية باتت تتوقف حصرا على ما ستتمخض عنه المحكمة الدولية. أما لجهة تسريع الخطوات المتعلقة بملف المحكمة، فهي بالمقارنة بمحاكم أخرى من يوغوسلافيا إلى لوكربي تعتبر الأسرع على مستوى طريقة تشكيلها وآلياتها وتكوينها ومسارها، علما بأن القتل تواصل والملفات تراكمت، غير أن ملف الرئيس الحريري يبقى الملف الأساسي. تتنكر سوريا اليوم لشرعية القضاء الدولي، وهي تعتبر أن لا شرعية لهذا القضاء لمواجهة السيادة السورية على سوريا، وهذا في حد ذاته خطأ كبير في قراءة القانون الدولي، لا بل هو خروج عن هذا القانون وتصرف انقلابي على غرار تصرف حزب الله حيال الدولة اللبنانية.

 

هل الهم المسيحي هو مطلبي أم سيادي؟

-الهم المسيحي هو هم وجودي، لأن مصير مسيحيي الشرق يتوقف على استمرار الحضور المسيحي في لبنان. المسيحيون مهددون وجوديا، مما يقتضي إدراك هذا الواقع والعمل على تحصين الوجود المسيحي عبر وضع استراتيجية واضحة المعالم تشمل القطاعات والمستويات المختلفة، وصولا إلى تعميم ثقافة الوعي داخل البيئة المسيحية.

 

ماذا عن القادة المسيحيين وهل يملكون رؤية استراتيجية؟

-لا شك في أنهم يثيرون هذه المواضيع في مجالسهم الخاصة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ينسجم تحركهم النضالي مع حجم الخطر الموجود؟ الجواب لغاية اليوم هو سلبي. لا يمكنني القول أن القيادات الفكرية والسياسية المسيحية توصلت إلى بلورة خيارات واضحة تصارح بها الرأي العام اللبناني. فالعماد عون على سبيل المثال يبرر للمسيحيين زواج المتعة الذي أقامه مع الشيخ حسن نصرالله بأنه لحمايتهم، وهذا في حد ذاته خيار الاستسلام وهو مرفوض. كما لا توجد خيارات أخرى تطمئن المسيحيين الذين زادت هواجسهم عمقا وجدية منذ حلول الفراغ في رئاسة الجمهورية، وبدأت التساؤلات عن أسباب عدم قيام الأكثرية بواجبها في انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية الدستورية، خصوصا أنها استحصلت على ضوء أخضر من أهم قائد مسؤول في النظام الدولي وهو الرئيس جورج بوش. نحن قلقون على مصيرنا، ولذلك نبحث عن أقصى الخيارات في أقصى الظروف، ومستعدون لكل الاحتمالات مهما كانت راديكالية وجذرية لإبعاد الخطر عن المسيحيين ولبنان. لا يجوز التغاضي عن الواقع الأليم بأن كياننا مهدد وهويتنا مهددة ووجودنا مهدد، وأننا في حال تراجع مستمرة وتخاض علينا حرب أرحام وحرب عدم الاستقرار، وحرب اقتصادية، والمشكلة أننا فقدنا الثقة حتى بحلفائنا.

 

ولكن ثمة تشديد مستمر من القيادات الإسلامية في 14 آذار على أولوية انتخاب الرئيس؟

-صحيح، ولكن ما النفع في حال عدم ترجمة هذه المواقف أفعالاً. هدف المعارضة من وراء الإصرار على الخيار التوافقي توفير الغطاء اللازم للفراغ الدستوري، خصوصا أن الفراغ الرئاسي الراهن قائم بالتوافق، وعدم قيام حكومتين ورئيسين حصل أصلا بالتوافق، والحكومة تدار مع حزب الله بالتوافق. يكفي توافق.

 

ألا تخشى من تداعيات الانتخاب بالنصف زائد واحدا؟

-أنا لست مستعدا لخسارة المعركة قبل خوضها، خصوصا أنها معركة وجودية، أي تتعلق بالوجود المسيحي في لبنان واستمراريته. علينا انتخاب الرئيس، ومن يريد أن يشن حربا علينا يتحمل منفردا تبعات هذا الموقف. ففي حال هزمنا نعرف عندذاك تماما مدى خسارتنا وفداحتها ونتموضع على أساسها، ولكنني متأكد في حال قيامنا بأبسط واجباتنا بالمواجهة دفاعا عن سيادة بلدنا وهويته الحضارية ان العالم كله سيقف إلى جانبنا، كما وقف معنا في 14 آذار وتمكنا من طرد السوري من لبنان.

 

هل الانقسام المسيحي مرضي أم صحي، انطلاقا من التعددية الموجودة داخل هذه البيئة والتي يفترض أن تنسحب على الطوائف الأخرى؟

-ندعي إجمالا بأن ثمة تعددية داخل البيئة المسيحية، ولكن القيادات المسيحية تسعى في الحقيقة إلى توحيد البارودة السياسية على غرار البارودة العسكرية، ونزعة الأحادية موجودة لدينا بخلاف ما هو شائع في الخطابات السياسية.

شارل جبور

charlesjabbour@almassira.com