مقابلة مع عضو»14 آذار المحلل والكاتب السياسي السيادي المحامي الياس الزغبي

السياسة – بيروت- صبحي الدبيسي

5 شباط 2008

 

الياس الزغبي :عون تأخر سياسيا وشعبيا باتفاقه مع حزب الله؟/دواليب مار مخايل أحرقت ورقة التفاهم وأثبتت أنها موجهة ضد السنة ولا تحمي المسيحيين/هل كان المطلوب من الجيش اللبناني أن يتفرج على مئات الشباب المتهورين يندفعون إلى مناطق طائفة أخرى/حزب الله فشل في وضع خطوط حمر أمام الجيش في البارد ويحاول اليوم وضعها في الضاحية الجنوبية والمربعات الأمنية/إسرائيل حققت هدفها من حرب تموز بإبعاد حزب الله عن حدودها ودفعته الى الداخل ليفعل فيه ما يشاء/الحلف السوري الإيراني مع حزب الله خلفيته إسرائيلية على اعتباره حالة شيعية في وجه الأكثرية السنية الشابة/بات واضحا أن عقدة رئاسة الجمهورية موجودة في دمشق فالنظام السوري يخاف المحكمة الدولية التي ستطال رؤوسا كبيرة/ وعن اتهام عون للرئيس الشهيد رفيق الحريري بالسعي لتوطين الفلسطينيين سأل: من نصدق أكثر ورقة كتبها أحد المخبرين عام ,2000 أو خطاب بالصوت والصورة للسيد حسن نصر الله, أعلن فيه بالفم الملآن كيف كان الهم والهاجس الأساسيان لرفيق الحريري ان يحارب التوطين/

 

رأى عضو فريق 14 آذار الياس الزغبي أن ممارسات »حزب الله« تهدد لبنان بالتجزئة تحت عناوين براقة, كالمشاركة والتوازن والديمقراطية التوافقية, معتبراً "أن هناك رغبة بأن يتم الانقلاب على النظام الديمقراطي اللبناني, لمصلحة ما يسمونه خط الممانعة في الشرق الأوسط للسياسة الأميركية", ومؤكداً أنه تحت شعار الممانعة ترتكب كل الجرائم في لبنان".

 

وإذ أكد أنهم لم يستطيعوا رسم خطوط حمراء أمام الجيش اللبناني في نهر البارد, ولا في الجنوب", لاحظ الزغبي "أنهم يحاولون أن يضعوا أمامه خطوطاً حمراء في الضاحية الجنوبية أو في أي مربع أمني محسوب على »حزب الله« أو المعارضة.

 

واستغرب في حديث لجريدة "السياسة" التردد في فضح موقع العقدة فيما يخص الاستحقاق الرئاسي والأزمة السياسية المستمرة, بعدما أصبح مكشوفاً للقاصي والداني أن بيت الداء الحقيقي موجود في دمشق", مشيراً إلى أن "النظام السوري يخاف المحكمة الدولية في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري, لأنه يخشى أن تكشف حقائق تطال الرؤوس الكبيرة".

 

وفي معرض تعليقه على أحداث الأحد الأسود في منطقة مار مخايل عين الرمانة, شدد الزغبي "على أن ورقة التفاهم بين »حزب الله« والتيار الوطني الحر لا تحمي المسيحيين, لأن هناك من هاجم مناطق مسيحية", مؤكداً "أن العماد ميشال عون خسر الرهان على الورقة التي جعلته في موقع سياسي متأخر, وأحدثت حالة من الانكماش والضمور في قاعدته الشعبية نتيجة تحالفاته السياسية", وانتقد "تحالف الأقليات", داعياً إلى "تحالف الأولويات".

 

وعن اتهام عون للرئيس الشهيد رفيق الحريري بالسعي لتوطين الفلسطينيين سأل: "من نصدق أكثر ورقة كتبها أحد المخبرين عام ,2000 أو خطاب بالصوت والصورة للسيد حسن نصر الله, أعلن فيه بالفم الملآن كيف كان الهم والهاجس الأساسيان لرفيق الحريري ان يحارب التوطين".

 

واعتبر الزغبي "أن هناك التقاء مصالح بين النظام السوري وإسرائيل, ولذلك فإن الأخيرة حريصة على ألا تصل بالأمر إلى حد إسقاط النظام, والسوري الذي يرد الجميل بضبط الحدود في الجولان, وقمع حالات التحرر, والإبقاء على الساحة اللبنانية ساحة متفجرة".

 

 وهنا نص الحوار:

 

ما تشخيصك لما يجري في لبنان, في ظل استمرار الفراغ الرئاسي, والهجوم على بكركي, واستئناف مسلسل الاغتيالات, والضبابية في موقف وزراء الخارجية العرب, وأخيراً الوصول إلى السلاح والاحتكام إلى الشارع؟

ما يحصل الآن في لبنان ليس ناتجاً عن فراغ, إنه ناتج عن مسلسل من المواقف, ومن الشروط, ومن التعقيدات التي أدت إلى الحالة التي نحن فيها الآن وإذا عدنا قرابة السنة والشهرين إلى الوراء, لاكتشفنا مدى عمق الأزمة من اللحظة التي قررت فيها ما تسمي المعارضة أي قوى "8 آذار", وبالطبع مع خلفيتها السورية ¯ الإيرانية, النزول إلى الشارع, وإنشاء هذا الاعتصام الأبدي المفتوح في قلب العاصمة بيروت, وكل التداعيات التي نشأت بعد ذلك, وما سبقها من استقالات للوزراء, وصولاً إلى استخدام المطالب الاجتماعية ستاراً أو واجهةً لتنفيذ خطة مدبرة تقضي بالقضاء على النظام السياسي في لبنان, كنظام ديموقراطي ¯ توافقي مبني على وثيقة معروفة وشهيرة هي وثيقة "الطائف".

 

وهناك رغبة بأن يتم الانقلاب على هذا النظام وتغييره لمصلحة ما يسمونه خط الممانعة في الشرق الأوسط للسياسة الأميركية- الغربية, وتحت شعار "الممانعة" ترتكب كل هذه الجرائم في لبنان,

 

جرائم الاغتيالات والتفجيرات واصطياد الناس على الطرقات, وجرائم الانفلات في الشارع والتي كان آخر نماذجها الدموية هو ما حصل في منطقة الشياح -مار مخايل, إضافة إلى كل التعقيدات السياسية التي تستولد نفسها في كل مرة نقترب من الحل, على مدى الأشهر الماضية, لأننا اقتربنا من الحل مرات عدة, وكان الحل منطقياً وموضوعياً وممكناً عبر المبادرة الفرنسية - الأوروبية, وعبر المبادرة السعودية - الإيرانية, أو عبر المبادرة العربية الأولى للجامعة العربية أي عبر عمرو موسى, وعبر المبادرة الأخيرة المتتابعة فصولاً. فتأتي فجأة الشروط والعراقيل غير المتوقعة لتنسف كل هذه الجهود, لذلك فنحن نحاول أن ننفخ في هذه المبادرات بعض الحياة, كما فعلت الجامعة العربية يوم الأحد الماضي, ونحاول أن نعيد مبادرات لم تستطع أن تصل إلى خواتيمها السعيدة, والمهم في الأمر أن المسألة باتت مكشوفة كلياً, وهي موجودة في دمشق, مكشوفة جداً للعيان وللقاصي والداني وللبنانيين العاديين, وللعالم العربي والعالم الإقليمي والمجتمع الدولي, ورغم كل ذلك نجد أن هناك تردداً في فضح موقع العقدة, ومعالجتها في موقعها, فترانا نلجأ إلى معالجة ذيول هذه المشكلة أو بعض مظاهرها ونفض الطرف عن المشكلة الأساسية, عن بيت الداء الحقيقي والمأزق الحقيقي الموجود في دمشق, حيث النظام الذي لا يستطيع أن يحتمل دولة مستقلة وسيدة اسمها لبنان على خاصرته, لأنه لا يعترف بلبنان كدولة قائمة بذاتها, ونتيجة العقدة السياسية المستجدة منذ 2005 منذ اغتيال الرئيس الحريري وتداعيات هذا الاغتيال وإنشاء المحكمة الدولية, وبالتالي هناك عقدة سورية من المحكمة الدولية, لأنها تخشى أن تكشف حقائق تطال الرؤوس الكبيرة المتورطة في هذه الجريمة وما سبقها ولحقها من الجرائم.

 

 مصالح سورية – إسرائيلية

 

هل النظام السوري يحاول اللعب على الوقت الضائع الذي قد يستجد من الانتخابات الرئاسية الأميركية لتغيير المعادلة على الساحة اللبنانية؟

النظام السوري يراهن على أمور عدة, وليس على أمر واحد, كالتغيير في الرئاسة الأميركية, وانتقال الحكم إلى الحزب الديمقراطي, ولكن هناك رهانات أخرى, على تفكك النظام العربي, لأن النظام السوري يعتبر أن تشدده سيؤدي إلى نوع من التناقض ما بين الدول العربية, كما يراهن على التماسك العربي للنظام العربي الجديد الذي نشأ عملياً في بيروت سنة 2002 في القمة العربية والذي أصبح راسخاً أكثر في قمة الرياض 2007 مع بيان الرياض الذي يتحدث عن الحريات وعن النظام الجديد المنفتح على العالم, وعلى الحقوق العربية بشكل حضاري.

 

وهناك رهان على تغيرات يتوقعها النظام السوري في المنطقة, كونه على علاقة غير سيئة مع إسرائيل. هذه العلاقة غير المباشرة أو ربما المضبوطة مع إسرائيل, أنتجت عبر السنوات الخمس والثلاثين الماضية اتفاقات كثيرة, ابتداءً من اتفاق الخطوط الحمر في عهد كيسنجر سنة ,1974 وصولاً إلى كل مجريات ووقائع الحرب في لبنان حتى حرب الصيف الأخيرة ,2006 وكيف لاحظنا أن النظام السوري بقي على الحياد, ولم يحاول أن يساعد "»حزب الله«" في هذه المعركة, إضافة إلى المفاوضات السرية والمكشوفة أحياناً التي تحصل سواءً في عواصم غربية أو بصورة مباشرة أو عبر الرسل بطريقة غير مباشرة.

 

إذاً, هناك تلاقٍ للمصالح ما بين النظام السوري وإسرائيل تتم ترجمته من قبل إسرائيل التي تقول أنها لا تثق بنظام قد يأتي بعد نظام الأسد لناحية ضبط الأمور أكثر في الجولان أو على الحدود, لذلك فإن إسرائيل حريصة على ألا تصل بالأمر إلى حد إسقاط النظام السوري, لأنها أحرص الناس على هذا النظام وبالمقابل في فإن الجانب السوري يرد الجميل إلى إسرائيل من خلال ضبط الحالة على الحدود في الجولان, وقمع حالات التحرر داخل سورية, من خلال سجن المثقفين, وأصحاب الإرادة الحرة, والإبقاء على الساحة اللبنانية ساحة متفجرة, وهذا ما يحصل منذ شهور وشهور أي منذ أن غادر الجيش السوري لبنان, من خلال اهتزازات أمنية في مخيم نهر البارد, إضافة إلى ما يحصل في باقي المناطق, ولكنها أمور تتم تحت إطار نوع من "الدوزنة" للمعيار السوري, خدمة لمصالح شرق أوسطية, وتنفيذاً لسياسة كبرى في الشرق الأوسط, تدخل فيها إيران, وفي العالم تدخل فيها أميركا كي لا تنفلت الساحة في الشرق الأوسط إلى حدود الانفجار الكبير.

 

إذاً يمكن القول أن النظام السوري مكلف بمهمة الرعاية للساحة اللبنانية بمعنى تفجيرها بالاغتيالات وغير ذلك, لكنه يقدم وعوداً في الوقت نفسه للمجتمع الغربي انه لن يسمح بأن يفلت الوضع في لبنان إلى حد التفجير الكبير.

 

إذا كانت العلاقات السورية- الإسرائيلية كما تقول مضبوطة على إيقاع عدم الإخلال بأمن البلدين, هذا يعني أن العلاقات الإيرانية ¯ الإسرائيلية أيضاً على نفس الإيقاع. ما يعني أن "»حزب الله«" ليس بعيداً عن ذلك. هل تعتقد أن رغبة "»حزب الله«" في التغيير هي لإيجاد مثلث إيراني ¯ سوري"»حزب الله«" مقابل المد الإسلامي العربي لطمأنة إسرائيل؟

هذا هو الواقع, على مدى الشرق الأوسط, لأننا إذا نظرنا جيداً للخارطة, لوجدنا أن هناك حلفاً سورياً إيرانياً مع "»حزب الله«" وبعض القوى الأخرى, وخلفية هذا الحلف هي إسرائيل, وأنا لا أقول أن إسرائيل هي حليف مباشر لهذا التحالف الثلاثي, بل إنها تعرف كيف تستفيد وتستغل سياسة هذا الحلف الذي يشكل حالة شيعية تقف أمام الأكثرية الشابة المعروفة بأنها أكثرية سنية. وهذا ما يفسر كيف تأخذ الأحداث أحياناً منحى الصدام المذهبي السني ¯ الشيعي, وكيف تأخذ أحياناً منحى صدام الأقليات. وهنا تكمن خطورة مسألة الأقلية والأكثرية. مثلاً: الدروز- المسيحيون - العلويون - الشيعة هم أقليات, وقد كان هناك نظرية قبل 30 عاماً مع بداية الحرب خاصة عند المسيحيين تقول بأنه يجب اللجوء إلى حلف الأقليات للوقوف بوجه الأكثرية السنية, ولكن هذه النظرية أثبتت عقمها وفشلها, وهناك الآن من يستعيد النظرية نفسها, وتحديداً العماد ميشال عون حين يقول أن المسيحيين يجب أن يتحالفوا مع الشيعة, ومع نظام علوي, بحيث نجد أن إيران في خلفية هذا التحالف. وبالتالي فإن هذه النظرية خاطئة جداً ومدمرة, وعلى الأقليات الواعية والذكية ألا تلجأ للتحالف في ما بينها بوجه الأكثرية, وعليها أن تستبدل حلف الأقليات بحلف الأولويات أي أن يقوم المسيحيون والدروز والشيعة بالتحالف مع الأكثرية الأخرى على الأولويات, أن يتحالفوا مع السنة مثلاً على الأولويات, لأن السنة اليوم يطرحون لبنان السيد الحر المستقل, ولا يطالبون بالوحدة مع أية دولة عربية, حتى ولو تحول الحكم في سورية إلى سني. أنا أستبعد ذلك, لأن التجربة اللبنانية جعلت من السنة في لبنان قوة كيانية كما الأقليات اللبنانية.

 

كما أن الشيعة أيضاً طائفة كيانية في الأصل, ولكن منذ 25 عاماً هناك فريق يسمى "»حزب الله«" وبدعم إيراني مباشر حاول أن يأخذ الشيعة إلى عكس تاريخهم, وهذا هو المأزق الحقيقي اليوم لدى الشيعة, لأن هناك قوة تريد أن تأخذهم إلى إيران, وأن تجعلهم منتمين فوق الجغرافيا والتاريخ, وفوق العالم العربي إلى حلف مع النظام الإيراني الفارسي تحت ظل ما يسمى الشيعة, وهذا خطأ تاريخي.

 

حرب ومنتصران

 

إذا كان "»حزب الله«" يتمسك بارتباطه بسورية وإيران, هل إسرائيل فككت جيش لحد على هذه القاعدة, وما هو مبرر حرب تموز برأيك؟

مع مرور الزمن تتضح الصورة أكثر وأكثر لأهداف حرب تموز التي يخرج منها لأول مرة بتاريخ الحروب منتصران, أي إسرائيل و"»حزب الله«", فقد حققت إسرائيل أهدافها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, لأن شمال إسرائيل اليوم في أمان, ولا أحد يزعجها إذاً, هي حققت هدفاً مركزياً من أهدافها في هذه الحرب, وكذلك "»حزب الله«" في المقابل, حقق هدفاً مركزياً, يتمثل بربط الحالة اللبنانية بحالة أوسع سورية من جهة, وإيرانية من جهة ثانية, ودفع بقوته المتجددة إلى الداخل لتغيير موازين القوى وتغيير النظام السياسي.

 

إسرائيل لا يضيرها أبداً أن يدير "»حزب الله«" ظهره لها ويتجه نحو الداخل ويقوم بما يقوم به, هي تقول له اذهب إلى الداخل اللبناني, وافعل ما شئت واستلم السلطة, ادخل في حرب أهلية لأنها حققت هدفها في إبعاده عن حدودها, بحيث لم يعد باستطاعته إشعال الحرب ساعة يشاء, فالصواريخ لا تحرر ارضا ... لا تحرر مزارع شبعا, لأن الذي يحرر مزارع شبعا هو إما الدبلوماسية, وإما الحرب المباشرة الميدانية على الأرض.

 

إذاً  لصواريخ "»حزب الله«" هدف إقليمي وليس لبنانياً, لأن وظيفتها تتعدى المصالح والأهداف اللبنانية...

 

إذا كان العماد عون يسعى للتحالف مع الشيعة من ضمن تحالف الأقليات, لماذا طرح على سعد الحريري نموذج ادلة بشارة الخوري رياض الصلح؟

هذه الفكرة أضعها في خانة المناورة السياسية لأن تجربة رياض الصلح وبشارة الخوري لا يمكن تكرارها, خاصة أن لبنان بات أكثر تعقيداً على المستوى الاجتماعي, فهناك طائفة شيعية تشكل حالة معينة, إذاً كيف يتجاهلها, هل يمكن معالجة الوضع في لبنان من خلال تحالف ماروني – سني؟ هذه العودة إلى الثنائية المارونية - السنية هي عودة غير منطقية, وخلفية هذا الطرح هي الثنائية الشيعية - المسيحية التي حاول ميشال عون أن يقوم بها, وأثبتت التطورات وأحداث الأحد الماضي في مار مخايل الشياح أنها غير صحيحة وأنها سقطت فعلاً, لأن الذي احترق ليس الدواليب فقط في كنيسة مار مخايل بل احترقت ورقة التفاهم.

 

طالما أن العماد عون يقول بأنه وقع ورقة التفاهم مع "»حزب الله«" لحماية المسيحيين, ولإرساء حالة وفاق بين اللبنانيين, ولكن أثبتت هذه الورقة بعد سنتين أنها لا تحمي المسيحيين, لأن هناك من هاجم مناطق مسيحية في عين الرمانة, وأنها لا ترسي حالة وفاق بين اللبنانيين لأنها ثنائية موجهة ضد طرف كبير وهو السنة.

 

ما رأي "التيار الوطني" بما جرى في عين الرمانة؟

هناك خاسران كبيران في هذه الأحداث على المستوى السياسي والشعبي هما: "»حزب الله«" والعماد عون.

عون خسر الرهان على أن الورقة التي وقعها ستصل به إلى موقع سياسي متقدم, فإذ بها تجعله في موقع سياسي متأخر على مستوى رئاسة الجمهورية, وعلى مستوى القدرة والحضور في التأثير السياسي. كما جعلته متأخراً على المستوى الشعبي, لأن هناك حالة ضمور, وحالة انكماش شعبي في قاعدته وهذا ما يفسر عدم قدرته على تحريك قواعد التيار تحت شعارات النقابات في الإَضراب الأخير, فالمناطق التي كانت محسوبة على العماد عون خصوصاً في المتن وكسروان وجبيل كانت فيها الحالة طبيعية جداً ولم يكن هناك أي مظهر من مظاهر التحرك النقابي, إضافة إلى الانتخابات الأخيرة التي حصلت في الجامعات, كما أن المرشح الوحيد الذي سقط في انتخابات نقابة المحامين في تشرين الثاني الماضي هو مرشح العماد عون واسمه ميشال عون وهناك من علق على النتيجة بقوله (اسمه أسقطه) والمعروف أن نقابة المحامين ذات أرجحية مسيحية.

 

إذاً النقابة الأكثر تعبيراً عن الحالة المسيحية سقط فيها مرشح العماد عون بينما فاز مرشحو "14 آذار", هذا معبر جداً, إضافة إلى انتخابات المتن الفرعية والتحول المسيحي الكبير, وصولاً إلى مواقف نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر وما تعنيه خصوصاً في عرينه المتن, حيث قال أن المتن لا ينزل إلى التظاهرات, ولا يتأثر بقرارات التظاهر ولا يؤثر عليه "التيار الوطني الحر", وهذا يؤكد أن الحالة الشعبية للعماد عون إلى تراجع, والسبب هو الخيارات السياسية التي اتخذها.

 

من نصدق عون أم نصر الله؟

 

كيف تفسر تصرف العماد عون عندما عرض في لقاء تلفزيوني وثيقة فيها إدانة للرئيس الحريري بالسعي لتوطين الفلسطينيين في وقت كان مكلفاً باسم المعارضة بالتفاوض مع سعد الحريري بحضور عمرو موسى؟

هذه ليست وثيقة, هي خبر من إنتاج مخبر أيام الأمن العام في ظل اللواء جميل السيد أي في ظل الجهاز الأمني السوري المشترك الذي كان يفبرك عشرات الأخبار والتعليقات يومياً عن شخصيات سياسية عديدة ومنها العماد عون عندما كان في المنفى في باريس, وما تم تركيبه من أخبار حول العماد عون خطير جداً, كان يصفه بأنه عميل إسرائيلي, وأنه يقبض من هذه الجهة أو تلك ويعمل لمصلحة الموساد, وأنه عميل الاستخبارات الاميركية.. هذه الأخبار التي جرى ضخها في تلك الآونة, وهي نوع من عمل مخابراتي قام به النظام السوري وملحقه النظام اللبناني الذي كان قائماً, فكان جميع السياسيين ضحايا هذا الجهاز.

 

إذاً لا يجوز الاستناد إلى خبر أنتجته مخابرات خاضعة للنظام السوري والاعتداد به واعتباره وثيقة لإدانة شخص أصبح في دنيا الحق. والسؤال هنا, من تصدق أكثر الورقة التي كتبها أحد المخبرين سنة ,2000 أو خطاب بالصورة والصوت للسيد حسن نصر الله في الأونيسكو سنة 2006 عندما أعلن بالفم الملآن كيف كان يجتمع أسبوعياً مرة أو مرتين مع رفيق الحريري وكان الهم والهاجس الأساسي للحريري كيف يحارب التوطين, وأعلن السيد حسن مرات عدة أن التوطين يعني التقسيم, إذاً من نصدق أكثر, مخبراً كتب ورقة أم السيد نصر الله?

 

لماذا الهجوم على الجيش وعلى شخص العماد سليمان بعد الانتصار في البارد, ولماذا الهجوم على بكركي؟

الاستهدافات الأخيرة واضحة جداً على مدى الشهرين الأخيرين, استهدفوا موقع رئاسة الجمهورية فأفرغوه, استهدفوا الترشيح الحصري للعماد سليمان وبدأوا بالتشكيك به من دمشق مباشرة عبر الصحف المحسوبة على سورية واحداها كتبت أن فرنسا وسورية يتفاوضان على اسم بديل عن العماد سليمان وأوردت ثلاثة أسماء بديلة على سبيل الاختيار. كما أن النظام السوري استغل الأحداث الأخيرة في الشياح عين الرمانة, ليقول من خلال حلفائه في لبنان "»حزب الله«" وحركة "أمل" أن العماد سليمان فقد ثقة الشعب وفقد ثقة الناس ولم يعد مرشحاً موثوقاً به, لأن هناك نية لتعطيل رئاسة الجمهورية التي هي مركز ماروني, ولتعطيل دور بكركي من خلال الوزير السابق سليمان فرنجية, ومن خلال العماد عون قبل ذلك, ومحاولة تصوير بكركي بأنها لا يحق لها الكلام في السياسة والكلام في الوطنية, وأنها مجرد موقع روحي, وأن البطريرك السياسي ليس موجوداً في بكركي, إنه موجود في الرابية.

 

إن كل هذه المحاولات تعتبر شبكة منسوجة بشكل جيد للإطاحة بكل المرتكزات التي على أساسها يمكن إعادة بناء الدولة اللبنانية. فكيف يمكن بناء دولة لبنانية من دون رئاسة جمهورية وبمجلس نواب مقفل وبحكومة منتقصة وبمراجع وطنية كبرى إذا كانت بكركي مشكك فيها وموضوع تحت الاتهام الدائم? كما أن المسألة الخطيرة المبرمجة لضرب الدولة في لبنان هي في ضرب الجيش كجيش وليس فقط قائد الجيش, كمرشح لرئاسة الجمهورية, لأننا بعد الحوادث الأخيرة أصبحنا نسمع كلاماً من "»حزب الله«" وحركة "أمل" بشكل مباشر, يصف ما قام به الجيش اللبناني في الشياح وعين الرمانة بما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة لجهة القمع والضرب والإهانة وإطلاق النار. هذا الكلام خطير. قبل فترة كنا نسمع أن الجيش اللبناني جيش وطني, وله قيادة وطنية, واليوم أصبح الجيش عميلاً وجيشاً صهيونياً, وفيه ضباط مشكك بهم..

 

كيف يتصرف الجيش في حالة مثل هذه الحالات، وما هو المطلوب منه, هل المطلوب أن يتفرج على مئات من الشباب المتهور والمندفع يدخل إلى مناطق طائفية أخرى, ولتحصل مجازر, وتحصل ردود فعل, ويسقط بدل 6 ضحايا 600 ضحية؟ هل كان هذا المطلوب من الجيش, أم كان المطلوب أن يقف حائلاً دون هذا الأمر وأن يصد المهاجمين وأن يخنق الفتنة في مهدها.

 

خطوط حمراء!

أنا في اعتقادي أنهم لم يستطيعوا رسم خطوط حمراء أمام الجيش في نهر البارد, ولم يستطيعوا رسم خطوط حمراء في الجنوب, لأن الجيش ذهب إلى الجنوب بعد غياب 30 سنة, فحاولوا هذه المرة أن يضعوا خطوطاً حمراء أمام الجيش في الضاحية الجنوبية أو في أي مربع أمني محسوب على هذا الحزب أو هذا الفريق, وهذا أمر خطير قد يؤدي برأيي إلى أحد الأخطار الثلاثة التي ينص عليها الدستور.

 

التجزئة والتقسيم والتوطين.

هم يقولون بأن التوطين هو الخطر, والتوطين فكرة مطروحة ولكن بشكل مجرد, وجميع اللبنانيين يرفضون التوطين. إذاً, لا خوف من التوطين طالما أن اللبنانيين يرفضونه. هل المسيحيون يريدون التوطين? بالتأكيد لا.. هل الشيعة يريدون التوطين? بالطبع لا.. هل السنة يريدون التوطين لأن الفلسطينيين سنة, طبعاً لا, وذلك لسببين, اولهما الانتماء العربي والفكرة العربية بأن الفلسطينيين لديهم حق في العودة إلى أرضهم, ولا يستطيع المسلم السني أن يسلم بهذا الحق والسبب الثاني ان التوطين يعني إدخال لبنان في لعبة إقليمية خطيرة لا يمكن لأحد أن يتحكم بنتائجها لا السنة ولا الشيعة ولا المسيحيون ولا الدروز. إذاً, السنة يعون خطورة التوطين, والرمز السني الذي أصبح شهيداً وهو الرئيس رفيق الحريري أكد للسيد نصر الله ولجميع الذين يعرفونه أن التوطين كبير جداً لدرجة أنه يؤدي إلى التقسيم, هل كان رفيق الحريري يريد تقسيم لبنان? أكيد لا.. أين مصلحة السنة بتقسيم لبنان؟

 

الشيعة اليوم يتكلمون عن التقسيم وكما ذكرت هناك ثلاثة أخطار, التوطين وهو مرفوض. التقسيم ينتج عن التوطين إذا كان التوطين مرفوضاً, فالتقسيم مرفوض أيضاً.

 

يبقى الخطر الثالث وهو التجزئة وهذا ما يقوم به "»حزب الله«" اليوم, لأنه في سياسته مع حركة "أمل" والقاطرة التي يقطر بها سائر المعارضة ومنهم "التيار العوني" يأخذ لبنان إلى خطر التجزئة, ولا أحد يذكر هذا الخطر, هم يتحدثون فقط عن التوطين وخطر التقسيم. والتجزئة تعني أن فريقاً لبنانياً يأخذ مساحة من لبنان ويحكمها وهذا ما يحصل اليوم من خلال "»حزب الله«", لأن الأحداث الأخيرة أثبتت ذلك, وبالتالي من يجزئ لبنان اليوم هذا هو السؤال, هل المسيحيون يجزئون لبنان? بالتأكيد لا.. هل الدروز يجزئون لبنان? بالتأكيد لا.. هل السنة يجزئون لبنان في طرابلس وبيروت وصيدا والإقليم والبقاع الغربي والأوسط? بالتأكيد لا..

 

عملياً الذي يهدد لبنان بالتجزئة هي الممارسة التي يقوم بها "»حزب الله«" ومن معه في المعارضة وتحت عناوين براقة جداً المشاركة والتوازن والديموقراطية التوافقية. هذه شعارات جميلة ولكن مضمونها خطير, هم يريدون قلب النظام, وحين يشعرون أن هناك قوة حية في لبنان تمنع سقوط هذا النظام منذ ثلاث سنوات, تتمثل بقوى 14 آذار مجتمعة وهي قوى ممانعة تمنع سقوط لبنان, بمعنى أنها تمنع سقوط اتفاق "الطائف" وتمنع تفريغ المؤسسات وهي الحريصة على ملء رئاسة الجمهورية وعلى فتح مجلس النواب, وعلى إعادة دورة الحياة إلى المؤسسات, عندها يمكن مطالبة هذا الحكم, هذه الإدارة الجديدة المكتملة برئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة مطالبتها بالمطالب الاجتماعية, كالكهرباء وغلاء المعيشة وغيرها من المطالبة المحقة.