مقابلة مع جوني عبدو من جريدة السياسة

السياسة/ بيروت - من عمر البردان

13 شباط/2010

 

*هناك جهوداً كثيرة لإبقاء الاستقرار في لبنان كما هو عليه لكن الوضع هشُّ 

*ما حققته دماء رفيق الحريري تكملة لما حققه في حياته

الديمقراطية التوافقية التي تشكلت على أساسها الحكومة أبقت القرار اللبناني غامضاً ولا يستطيع الخروج من هذا المأزق

*الأوضاع السياسية واتفاق الدوحة فرضا هذا النوع من التوافق الوطني الذي يعرقل العبور إلى الدولة كما تريد الأكثرية

*جمهور "ثورة الأرز" لا يمكن أن يحاصر وهو لا يهتم بالانقسامات بين قياداته

*لا أحد يستطيع أن يلوم جنبلاط على مواقفه باعتباره زعيم أقلية ويريد المحافظة عليها

*جنبلاط يريد أن يتنحى وهو في طريق تسليم القيادة لنجله تيمور

*عمليات الاغتيال توقفت نتيجة التغيير في سلوك من كان يقوم بها والسلوك السوري بالذات قد تغير

*ما يُقال عن مواجهة قريبة بين "حزب الله" وإسرائيل ليس في محله لأن إسرائيل همَّها الوحيد الخطر الإيراني

*اختفاء جوزف صادر لغز كبير وهناك مثلث "برمودا" جديد على طريق المطار

*لو اتهم القرار الظني سورية و"حزب الله" باغتيال الحريري سيكون له تداعيات كبيرة في لبنان

*الظروف والمعادلات الحالية لا تسمح بالاغتيالات الكبيرة

*الجهة التي ارتكبت جريمة اغتيال الحريري لا بد وأن تعاقب ليس بالدخول إلى السجن إنما بتوجيه أصابع الاتهام إليها

*يجب إعلان الثقة في المحكمة الدولية قبل صدور قرارها لحماية لبنان

المنحى الذي نتج عن اكتشاف شبكات التجسس أعطى بعض الجهات الحزبية حق الاتهام للذين يعترضون على السلاح

 

"أما ونحن وعلى عتبة دخول الذكرى الخامسة لاستشهاد كبير كبير من بلادي".. بهذا الكلام استهل السفير جوني عبدو حديثه ل¯"السياسة", مؤكداً "أن ما حققته دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري, هو تكملة لما حققه في حياته ودماء جميع شهداء "ثورة الأرز" الأحياء منهم والأموات الذين رسموا لنا طريق الكرامة والعزة والعنفوان وجعلوا منحى السيادة والاستقلال أكثر سلوكاً ومنالاً, فلروحه الطائرة ولروح جميع شهداء "ثورة الأرز" لهم منا تحية إكبار وإجلال وخشوع ليبقوا لنا أمثولة ومنارة في العزة والوطنية ورفض الوصايات من أي جهة أتت حتى من أقرب المقربين", واصفاً الديمقراطية التوافقية التي تشكلت على أساسها الحكومة, بأنها هي التي أبقت على القرار اللبناني غامضاً, وأن »اتفاق الدوحة« »هو الذي فرض هذا النوع من التوافق الوطني الذي يعرقل العبور إلى الدولة كما تريد الأكثرية«, مستبعداً إمكانية محاصرة جمهور "ثورة الأرز", »لأنه لا يهتم بالانقسامات ما بين قياداته«.

 

عبدو وفي حوار هاتفي أجرته "السياسة" معه من مقر إقامته في باريس, رأى بأن لا أحد يستطيع أن يلوم رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط على مواقفه, باعتباره »زعيم أقلية ومن حقه المحافظة عليها«, مبدياً اعتقاده بأن جنبلاط يريد أن يتنحى, وهو في طريق تسليم القيادة لنجله تيمور, كاشفاً عن ان »عمليات الاغتيال توقفت نتيجة التغيير في سلوك من كان ينفذها كما تغير السلوك السوري أيضاً, لأن الظروف الحالية والمعادلات المحلية لم تعد تسمح بالاغتيالات الكبيرة«, مؤكداً بأن الجهة التي ارتكبت جريمة اغتيال الحريري, لابد وأن تعاقب, ليس بالدخول إلى السجن, إنما بتوجيه أصابع الاتهام إليها", مطالباً بإعلان الثقة بالمحكمة الدولية قبل صدور قرارها الظني الذي لم يعد بعيداً.

عبدو اعتبر المنحى الذي نتج عن اكتشاف شبكات التجسس في لبنان أعطى بعض الجهات الحزبية حق الاتهام للذين يعترضون على السلاح, معتبراً ما يُقال عن مواجهة قريبة بين "حزب الله" وإسرائيل ليس في محله, لأن »إسرائيل همها الوحيد الخطر الإيراني«, واصفاً جريمة اختفاء جوزف صادر »باللغز الكبير«, ومشيراً إلى وجود مثلث "برمودا" جديد على طريق المطار.

وإذ توقع تداعيات كبيرة على لبنان, لو اتهم القرار الظني سورية و"حزب الله" باغتيال الحريري, فإنه أكد في نهاية الحوار, بأن غيابه عن لبنان لن يستمر طويلاً وهنا نص الحوار:

 

هل أنتم مطمئنون للأوضاع في لبنان بعد تشكيل الحكومة؟

الاطمئنان أصبح نسبياً, ولا يمكن أن يقول الإنسان إن الاطمئنان كامل في أي معادلة كانت, فهناك جهود كثيرة تبذل لإبقاء الاستقرار كما هو, لأنه هش, لابد من الاهتمام به.

أما أن أكون مطمئناً للأوضاع بعد تشكيل الحكومة, فإن هذا الاستقرار الذي حصل هو نتيجة توافقات سياسية واتفاقات وطنية, إنما أيضاً وضع لبنان في معادلة العجز عن اتخاذ اي قرارات ذات طابع جماعي, وبالتالي فإن هذه الديمقراطية التوافقية التي تشكلت على أساسها هذه الحكومة, لا يمكن إلا أن تكون محاصرة للقرار اللبناني الذي سيبقى مع الأسف غامضاً ولا يستطيع الخروج من هذا المأزق.

 

هل تخشون أن يعيد حلفاء سورية تعكير الأوضاع الداخلية, بخلق أزمات جديدة لمحاصرة رئيس الحكومة والأكثرية؟

المحاصرة حصلت مع الأسف, والأكثرية التوافقية ليست كما يشاع, بأنها موجودة وفقاً ل¯ "اتفاق الطائف" الذي لم ينص على الإطلاق على حكومة تكون بحاجة لثلثي المجلس النيابي لتأخذ الثقة. الحكومة وفق "الطائف" تستطيع أخذ الثقة في النصف زائد واحد من الحضور, إذا كانت الجلسة قانونية, ولو كان "اتفاق الطائف" يريد أن يقول, إن هناك حكومة وفاق وطني, كان هذا يعني أن الحكومة يجب أن تحصل على ثقة المجلس النيابي بثلثي الأصوات وهذا غير موجود. مع الأسف فإن الأوضاع السياسية و"اتفاق الدوحة", هما اللذان فرضا هذا النوع من التوافق الوطني الذي بدون أدنى شك يعرقل مسيرة العبور إلى الدولة كما تريده الأكثرية. وما أريد قوله إذا جاز التعبير, إنه إذا كانت هناك محاصرة للأكثرية ضمن الحكومة, فجمهور "ثورة الأرز" لا يمكن أن يحاصر, فهو لا يهتم بالانقسامات بين قياداته, لما له هو من ثوابت مصر عليها. وهذا الجمهور سيظهر في 14 فبراير حتماً, تمسكه بهذه الثوابت.

 

هل ما زالت قوى الأكثرية متماسكة بعد خروج النائب وليد جنبلاط منها? وما تفسيرك لمواقف رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" واستمرار تغزله بالنظام السوري؟

 أكثرية جمهور "14 آذار" متماسكة حتماً, أما أكثرية القيادات في هذا الفريق فلا يستطيع أحد أن يقول إنها متماسكة, والسبب من دون أدنى شك, موقف الزعيم وليد جنبلاط الذي لا يستطيع أحد أن يلومه على مواقفه. وباعتقادي الخاص أن جنبلاط زعيم وطني, ولكنه فعلاً زعيم أقلية في لبنان يريد المحافظة عليها, إذا أردنا أن نقرأ كل ما يفعله هذا الرجل, فمن دون شك استطاع توحيد الطائفة الدرزية, وهو في طريق تسليم القيادة لنجله تيمور, ويريد أن يعبد له الطريق السياسي, ما يجعلنا نشعر أنه يريد أن يتنحى. ومن موقع صداقتي للنائب جنبلاط, استطيع القول إن قراءته للأوضاع أجبرته على أخذ هذا المنحى. أما التغزل بالنظام السوري, فمرده أيضاً, إلى أن كل المعطيات, بمعنى الحماية الشخصية له, لم تكتمل بعد, وبالتالي أنا أضع كل هذا الغزل إذا جاز التعبير في إطار الحمايات الشخصية.

 

السؤال الذي يطرحه غالبية اللبنانيين: لماذا توقفت عمليات الاغتيال? وما سر هذا التوقف برأيك؟

 من دون أدنى شك أن توقف عمليات الاغتيال, هو نتيجة التغيير في سلوك من كان ينفذ هذه الاغتيالات وسلوك سورية بالذات, وبالتالي فإن الاغتيالات تؤخذ بقرار وتتوقف بقرار, هذا لا يعني أنها توقفت إلى الأبد. ولكن الظروف الحالية والمعادلات الحالية, لا تسمح بالاغتيالات الكبيرة.

 

لماذا توقعت أن يحدث قرار المحكمة الدولية زلزالاً في لبنان؟

المحكمة الدولية قبل أن تصدر قرارها, فإنها تحدث زلزالاً يومياً في لبنان. لقد توقعت ذلك, لأن لدي شعوراً, وليس لدي معلومات, ولا أفتش عن معلومات في هذا الإطار, فالجهة التي ارتكبت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري, لا بد أن تعاقب, ليس بالدخول إلى السجون, وإنما بتوجيه أصابع الاتهام إليها أو إلى غيرها,إلى هذا الشخص أو ذاك, وسيقع شهداء أكثر إذا لم نكن محضَّرين لمثل هذه الاحتمالات.

 

ماذا لو اتهم القرار الظني سورية و"حزب الله" باغتيال الحريري؟

 سيكون له تداعيات كبيرة في لبنان وبالتالي يجب الاعتراف مسبقاً بالثقة بالمحكمة الدولية, مهما كان القرار الظني. ومن أين يأتي الاتهام, وإلى أي اتجاه يذهب؟

 

هل أقنعتك رواية "دير شبيغل

لم تقنعني, لأنني لا أعرف إذا كانت هذه الرواية صحيحة, ولكن مع الأسف أعطيت إشارات وكأن "دير شبيغل" حصلت على هذه المعلومات من صلب المحكمة الدولية وليس من أي مكانٍ آخر.

 

كيف يمكن للبنان حماية نفسه من هذا الزلزال الذي تحدثت عنه؟

مواجهة هذا الزلزال يجب أن تقوم أولاً: على إجماع لبناني بالثقة في هذه المحكمة مهما كانت نتائجها, ومهما كان قرارها الظني, أو مهما كانت مذكرات التوقيف التي ستصدر عنها, لا يجب أن ننتظر قرار المحكمة لكي نقول إذا كنا نثق في هذه المحكمة أم لا, يجب إعلان الثقة في هذه المحكمة قبل صدور أي قرار, وبذلك نكون قد حصنا أنفسنا تجاه أي قرار سيصدر عنها, وحمينا أنفسنا من تداعياته في الداخل.

 

برأيك هل اكتملت عملية إدانة الفاعل في قضية الحريري, وما هو المطلوب لإصدار القرار الظني في ظل الحديث عن تأثيرات سلبية له في الوضع الداخلي اللبناني؟

 القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة لن يكون بعيداً, بمعنى آخر أن جميع الدول التي ساهمت بتمويل هذه المحكمة, سيكون لها رأي وستسأل: أين أصبحت النتائج، ولا يجوز أن تشعر وكأنها تمول هذه المحكمة للبيانات والإعلانات فقط.

 

بصفتك مدير مخابرات سابقا في الجيش اللبناني, هل ما يعلن عن اكتشاف شبكات تجسس داخل الجيش ينطوي على تصفية حسابات

أم محاولة لتغيير جذري في بنية المؤسسة العسكرية؟

 أنا لا أعتقد أن هناك تصفية حسابات إنما المنحى الذي أخذته أعطى لبعض السلطات الحزبية في لبنان, حق الاتهام ساعة تشاء وبالتالي إذا كانت هناك صدقية في هذه الشبكات المكتشفة فإنها تعطي انطباعاً أن تستعمل في المستقبل للتجريح ولاتهامات مسبقة لبعض الأشخاص الذين يعترضون على سلاح "حزب الله" أو على سلاح المقاومة. هذا هو ما يزعجني في هذا الموضوع, ولكن يجب أن نحيِّي الأجهزة الأمنية على ضبط هذه الشبكات.

 

هل يمكن لعدد من الضباط أن يستمروا بالتجسس طوال سنوات, من دون أن يكشف أمرهم؟

ربما, فالأحداث والتاريخ في مجال المخابرات, ومجال التجسس, تشير إلى أن هناك جواسيس لا يكتشف أمرهم, وهناك أمثلة كثيرة عن هذا الموضوع, بحيث أنه يمكن أن يبقى الجاسوس سنوات طويلة من دون أن يكتشف أمره.

 

عاصرت واحدة من أكثر الحقب تعقيداً في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ومن موقفك كمراقب كيف تنظر إلى المواجهة المقبلة بين إسرائيل و"حزب الله", في لبنان، وهل فعلاً بات "حزب الله" قوة قادرة على هزيمة إسرائيل؟

"حزب الله" لا يدعي أنه قوة قادرة على هزيمة إسرائيل وحتى لو بقي بضعة عناصر من هذا الحزب فإنهم سيرفعون الأصابع بإشارة الانتصار حتماً. المهم برأيي التأكيد بأن ما يقال عن مواجهة ما بين "حزب الله" وإسرائيل في القريب المنظور هو ليس في محله على الإطلاق. فالقراءات عديدة في هذا الموضوع وقراءاتي أنا لهذا الموضوع, أن إسرائيل همها الوحيد والأكبر مواجهة الخطر الإيراني قبل أي أمر آخر. وبالتالي كل ما تدعيه اليوم, وتهدد به, إن كان تجاه سورية, أو تجاه قطاع غزة, ينطوي على حماية نفسها في حال قررت التعرض لإيران, ورغم أن تداعيات هذا العدوان إذا ما حصل ضد إيران يمكن أن يستدعي بعض التدخلات إن كان من "حزب الله" أو من سورية أو من غزة. وإسرائيل ترغب منذ الآن, أن تضع حداً لردات الفعل هذه على أي عمل يمكن أن تمارسه, لأنها تعتبر أن الخطر الأكبر, يأتيها من السلاح النووي الإيراني.

 

من موقعك الأمني السابق, ما هو تحليلك للغز اختفاء جوزف صادر؟

إنه لغز كبير ويمكنني القول إن هناك مثلث "برمودا" جديد موجود على طريق المطار وحوله يختفي فيه من يختفي, ولا أحد يستطيع لاحقاً أن يعرف مكانه. البدعة الرسمية التي صدرت بعد اختفاء جوزف صادر عن وزارة الداخلية وعن المؤسسات الرسمية اللبنانية, هي أن لا يتحدث أحد في هذا الموضوع لأن كتمان السر وعدم المطالبة بالإفراج عنه يساعد في إخلاء سبيله. وما زالوا حتى اليوم يسكتون الأهل ويسكتون المظاهرات ولا يزال جوزف صادر مختفياً في مثلث "برمودا" مع الأسف.

 

إلى متى سيستمر غيابك عن لبنان؟

 لن يستمر كثيراً.

 

انتهت المقابلة