في حديث خاص بـ"يقال.نت": جوني عبدو ينتقد ويقترح ويقرأ في كتاب الثورة السورية 
موقع يُقال.نت
 الأحد في 15 ك2"/12

العناوين
لا شيء يوحي بأن قيادات 14 آذار تملك خطة للمستقبل سواء سقط الأسد أم بقي
قوة "حزب الله" ناتجة عن امتلاكه جهازا أمنيا وضعف 14 آذار ناجم عن افتقادها الى المعلومات
"حزب الله" يملك ملفات تمكّنه من خطف أو اغتيال أي شخصية في لبنان
إسألوا اللبنانيين من يخيفكم أكثر : مدير المخابرات أم وسام الحسن أم وفيق صفا؟
أنصح البطريرك الراعي أن لا يحاور "حزب الله" سياسيا ونواب بيروت "مش عارفين الله وين حاططهم"
غياب الدولة القوية في لبنان يفسّر سلوكيات وليد جنبلاط الهادفة الى حماية الدروز
هناك فرز طائفي في سورية وهذا هو الأخطر
لتُستهدف التظاهرات المؤيدة لبشار بالرصاص كما تستهدف التظاهرات المعارضة حتى نرى حجم المشاركة
أعتقد  أن المصلحة الإستراتيجية للمجتمع الدولي بالتدخل العسكري في سورية قد سقطت
بشار الأسد غير قادر على حسم الأوضاع عسكريا
لا توجد كاريزما لا في المعارضة ولا عند الأسد
هناك قرارات كثيرة اتخذت في القصر في سورية من دون أن يعلم بها كبار الوزراء إلا في الإعلام
هذه هي رسالة مسؤول مخابراتي سوري عن إنتاج النظام  للإرهابيين
تجربة إيلي حبيقة تؤكد أنه من السهل اختراق أهل النظام في سورية

كأن جوني عبدو، إستعمل خبرة عمره في إدارة المخابرات اللبنانية في أعقد أزمنة الأزمة اللبنانية، كما في صناعة الرؤساء قبل خسارتهم، كما في الدبلوماسية المنتجة في سويسرا على زمن مؤتمري لوزان وجنيف قبل أن ينتقل الى باريس، كما في المراقبة التفاعلية منذ سنوات طوال، ليجيب عن سؤال وحيد يتردد صداه في مدى 14 آذار:" لماذا نحن مستاؤون؟" وعلى الرغم من أن جواب جوني عبدو عن هذا السؤال المحوري يكفي بذاته ليشكل حدثا، إلّا أنه قدّم في حواره الخاص مع "يقال.نت"، الكثير من المعلومات والتوصيات، التي خرقت الحدود اللبنانية لتجول في دائرة الصراع السوري- السوري! ووجد جوني عبدو قاسمين مشتركين على الأقل بين الثورة السورية وبين قوى 14 آذار، أولهما "أنه يحصل للشعب السوري ما يحصل عندنا في 14 آذار. جمهورهم أقوى من قياداتهم"، وثانيهما أن الفريقين يعملان ، بالحدس والعاطفة، في ظل غياب جهاز يوفر المعلومات، في مواجهة نظام مخابراتي في سورية وعمل أمني متقن لـ"حزب الله" في لبنان! ولأنه كان صريحا في " النقد الذاتي" وفي تحديد التحديات، وفي رسم خارطة الطريق الى الأمل الذي يحيط " بالحالة غير الميؤوس منها"، إختار أن ينهي حديثه على قاعدة رسولية ، فقال:" من له أذنان سامعتان فليسمع"!

خلاصة الحوار

إنتقد السفير السابق جوني عبدو قيادات 14 آذار لأنها لا توحي بوجود تصوّر لها للمرحلة المقبلة في ظل المتغيّرات الإستراتيجية في سورية. وقال :"أنا لا أعرف ماذا ستفعل هذه القيادات، في حال سقط النظام السوري، أم طالت الفترة الفاصلة عن سقوطه، أم لم يسقط، في حين أن "حزب الله" جهّز نفسه لكل الإحتمالات!" ودعا هذه القيادات الى التحلّي بحكمة التفاعل مع الأفكار التي يطرحها هو وغيره ، حتى تتمكن من تهيئة نفسها لمعطيات جديدة، وأن تتخلى عن سياسة الإنتظار لما سوف يحدث، لأنها بذلك تتخلى عن مسؤولياتها في صناعة المستقبل. واستغرب غياب الخطة لمواجهة الخطر الأمني الذي يمثله "حزب الله"، معتبرا أن سبب ضعف قوى 14 آذار هو في افتقادها الى جهاز أمني متخصص بتوفير المعلومات عما يحصل لدى الفريق الآخر، في ظل واقع يبدو فيه أن المسؤول في "حزب الله" وفيق صفا أقوى بكثير من مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد إدمون فاضل ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن. وكشف أن "حزب الله" لديه ملفات تمكنه من خطف أو اغتيال أي شخصية سياسية لبنانية ، في اللحظة التي يتلقى فيها أوامر بذلك. وإذ نصح البطريرك الماروني بشارة الراعي بعدم الدخول في حوار سياسي مع "حزب الله" ، قال إن نواب بيروت، بمسعاهم الى الحوار مع "حزب الله" من أجل الوصول الى بيروت منزوعة السلاح " مش عارفين الله وين حاطتهم" ! وقدم تفسيرا لسلوكيات وليد جنبلاط السياسية، معتبرا أن ما لا يمكن للرئيس سعد الحريري أن يقوم به، يفعله وليد جنبلاط لحماية الدروز، على اعتبار أن غياب الدولة القوية يحتّم عليه أن يبحث بنفسه عن حمايتهم. وفي المسألة السورية، لفت الى أن أخطر تطور هو الفرز الطائفي الحقيقي الحاصل، معتبرا أن المجتمع الدولي لم تعد له مصلحة إستراتيجية في حسم الأوضاع في سورية، لأن الوضع الحالي يناسبه، بعدما شلّت يد سورية عن القدرة على المشاركة في نصرة إيران، في حال شنّت حرب عليها!
وأشار الى أن الشعب السوري سيقدم تضحيات أكثر من التي قدمها، في وقت لن يتمكن بشار الأسد ، على الرغم من رغبته المعلنة في ذلك، من الحسم العسكري. وانتقد الممثلين السياسيين للمعارضة السورية ، لأنهم ، من جهة أولى يفتقدون الى الكاريزما المطلوبة، ولأنهم من جهة ثانية، ارتضوا في المرحلة الأخيرة أن يقفوا وراء الجامعة العربية والمجتمع الدولي، بدل أن يكونوا هم في الواجهة. وهنّأ الثوار السوريين لأن بشار الأسد هو الآخر بلا كاريزما، وإذ دعاهم الى توفير معلومات عما يحصل في القصر الرئاسي السوري، إعتبر أن خراب بشار الأسد سيكون على يد أجهزته الأمنية التي تتحمّل مسؤولية إنتاج الإرهاب، كاشفا مضمون رسالة ، بهذا المعنى ، تلقاها من مسؤول مخابراتي سوري، قبل سنوات قليلة! وسخر من إبراز الأسد لجماهيريته، متسائلا عمن يمكن أن ينزل الى الشارع تأييدا له ،في حال تعرض هؤلاء للقليل مما يتعرض له المعارضون السوريون.

نص الحوار
س: هل صحيح أن إطلالاتك الإعلامية  تدنت كثيرا، بسبب أنك تعاني من حالة قرف سياسي، تمنعك حتى من متابعة الأحداث والتطورات؟
ج: هذا ليس دقيقا جدا! صحيح أنني أعاني من حالة قرف سياسي، ولكن هذا لا يدفعني إلى التخلّي عن متابعة ما يحصل في لبنان والمنطقة والعالم.

س: ما سبب هذا القرف السياسي؟
ج: قرف سياسي لأن " الألمعيات" التي كان يجدها اللبناني، على مر الحقبات السابقة ، لم تعد موجودة!  القرف السياسي سببه أن هذه الألمعيات غير موجودة. المقابلات التي سبق وأجريتها كان لها تأثير إعلامي فقط، أي لها مستمعون ولها متابعون ولها مشاهدون، ولكن ليس هناك من "يكلّف خاطره" ليعالج أفكارا معينة وأفكارا معيّنة، سواء بما قلته أو بما قدمته من معلومات. لا بل  تنتهي المقابلة، فتتهافت عليك الإتصالات مهنئة، ودائما يقولون لي إن المقابلة الأخيرة هي أفضل مقابلاتي حتى الآن.وتقف الأمور هنا، فلا تعود ترى أحدا قد تناول فكرة أو علّق على معلومة أو تفاعل معها! هذه ليست وضعيتي فقطـ، بل إن كل من لهم قيمة ويطلون على التلفزيونات، سواء بمقابلات أم بمداخلات، لا أجد أن ما قالوه، له متابعة، حتى من فريقنا. وهذا ما يثير العجب ، فقد يجوز أن الفريق الآخر يريد أن يعتّم على هذه المعلومات وهذه الأفكار، ولا يريد أن يبحث فيها أحد أو يرد عليها، لكي لا تعطى أبعادا يبتغيها من يقولها أو يدلي بها، ولكن أن يحصل ذلك من فريقك الخاص وممن تتفاعل معهم بالأفكار السياسية كلها، فهذا غير مقبول.

س: من تعني بفريقك؟
ج: فريق 14 آذار.

س: من هو المقصود فعلا؟
ج: القيادات في 14 آذار. حتى الآن، مثلا، أنا لا أعرف ماذا ستفعل هذه القيادات، سواء سقط النظام السوري، أم طالت الفترة الفاصلة عن سقوطه، أم لم يسقط. لا يوجد شيء يوحي لنا بوجود مخططات سرية لذلك، ونحن لا نعرف بها. لا أعتقد بأنه توجد تحضيرات لهذا الموضوع المهم، حتى نشترك فيها أو نتفاعل معها! التوك شو...شو!

س: سنعود لاحقا إلى الموضوع السوري والموضوع اللبناني- السوري، ولكن دعنا نواصل حديثنا عن موضوع الـ"توك شو" فهذا موضوع مهم، لأن ما تقوله عن القرف في الموضوع السياسي نسمعه من عدد كبير من اللبنانيين، وبنسبة تتزايد وتنمو. يشعرون بأن السياسية في مكان وأولوياتهم في مكان آخر. بالعودة إلى ما كنت تقوله، فأنت تستنتج أن الـ"توك شو" أصبح فعلا "شو"( استعراض)؟
ج:نعم " شو" فقط.  الجمهور يختار من يمكنه أن " يضيّع " ساعة من وقته في مشاهدته!

س: ولكن أليس هو الواقع في أوروبا وفي غيرها، حيث يحوّلون الإطلالات السياسية إلى ترفيه؟
ج:  لا! طبعا لا! عند وجود إطلالات تلفزيونية فيها أفكار، فالصحف تعلّق على ما قيل، والصحافيون يمكن أن يؤيدوا ويمكن أن يعارضوا ويمكن أن يعرضوا لواقع الحال، ويمكن أن ينتقدوا! أنا، لا رغبة لديّ بأن أتلقى تهاني أحد ، بل رغبتي هي أن أنتقد، وأن يتم التصحيح لي!

س: تناولوك في الصحافة مرات عدة!
ج: هذا التناول كان يسرّني.

س: حتى بالشتيمة؟
س: طبعا، طبعا، لأنك حينها تكون قد أصبت! أنا لا أهدف إلى أن أصيب من يخاصمني أو من أعارضه، إنما أريد أيضا أن أصيب الأصدقاء، حتى يتفاعلوا مع ما يقال. الطرف الآخر، في حال لم يتفاعل أصدقاؤك مع معلوماتك وأفكارك، يحاول أن يتجاهل الموضوع، حتى لا يلفت النظر إلى أهميته.
سلوكية 14 آذار

س: في إحدى المرات، طرحت معادلة للبنان، هي معادلة توازن الرعب، يومها قامت القيامة ووجهت إليك اتهامات بأنك تريد أن تؤسس  لحرب أهلية، فكيف تفسر ذلك في ضوء ما تقوله الآن؟
ج: الأفكار السياسية لوحدها لا تكفي. يفترض أن يكون المرء ، ومن دون أدنى شك، متسلّحا بمعلومات معيّنة."حزب الله" تتأتى قوته من المعلومات التي يملكها ويجمعها. قوته متأتية من أن لديه ملفات عن جميع الناس.

س:  دعني أفهم خلفية الهجوم عليك، بسبب طرح معادلة توازن الرعب.
ج: الخلفية بكل بساطة، أن الطرف الذي هاجم هذه المعادلة، يعرف أن جماعتنا هم في موقع "المرعوب"، فقرروا ترهيبهم حتى لا يفكروا بالانتقال إلى موقع التوازن.

س: يعني أتت هذه المعادلة لتخلق نوعا جديدا من التفكير في لبنان؟
ج: تماما، ولذلك جرى التهجم عليها!

س: وهل تراجع تفاعل " المرعوبين" مع هذه المعادلة بترهيبهم منها؟
ج: نعم، هذا ما حصل!

س: يتملكني شعور أن فريق 14 آذار، يحاول أن يريّح نفسه من الأشخاص الذين يتعرضون لهجوم قاس من خصومهم، هل هذا صحيح؟
ج: هذا جزء من الشعور العام، لدى جميع الفاعلين في 14 آذار، ونحن قد نكون من أقلهم فاعلية وتأثيرا! أنت لا تجد أحدا يدافع عن فكرة معيّنة، أو يدافع عنك إذا تعرضت لهجوم، أو إذا تحوّلت إلى المحكمة!
هذه السلوكية لها تفسير آخر أيضا! يجوز انّهم  يعتبرونك بارعا جدا وتعرف كيف تخلّص نفسك، وتاليا فأنت لا تحتاج إلى من يدافع عنك، ولكن هذه السلوكية تترك انطباعا لدى الناس، بأننا نتخلّى عن بعضنا البعض. أنا مثلا، لا يمكن أن أسمح لنفسي أن أقول بأنني لا أريد أن أدافع عن سعد الحريري أو عن سمير جعجع أو عن بطرس حرب أو عن غيرهم، حتى ولو كنت أعرف جيدا أنهم لا يحتاجون إلى من يدافع عنهم  أو عن أفكارهم، وأنهم يملكون القدرة للدفاع عن أنفسهم وعن طروحاتهم. إذا لم نفعل ذلك، نحن لا نستدعي جمهورنا إلى التفاعل مع الفكرة ولا نعطيها قيمة.

س: حتى ننهي هذا المحور وننتقل إلى محور آخر، ما هي اقتراحاتك؟
ج: أوّلا، على فريق 14 آذار أن يتفاعل مع الأفكار التي يجري طرحها، بحيث ينتقدها، فيرفض ما لا يناسب ويعتمد ما هو صالح منها، وبذلك يهيئ نفسه لمعطيات جديدة. ثانيا، هذا الفريق عليه أن يتصرف كما تتصرف المجموعة ولا يصوّر نفسه للآخرين أنهم أشخاص متروك كل منهم لشأنه. يجب أن تكون مجموعة يتفاعل بعضها مع الآخر!

س: في حال فعلت كما تقترح، هل تعتقد بأن 14 آذار يمكن أن تستعيد نضارتها بعدما أصيبت بشحوب في الجاذبية؟
ج: أتصوّر ذلك. على الأقل، فهي تتفاعل مع طموحات جمهورها، ويشعر هذا الجمهور أنه ليس متروكا لا بالتعاطف ولا بالأفكار ، بل يتم تفعيل هذا "الزنبرك" الذي يشد العصب ويدفع إلى الأمام.
تشعر اليوم، أن هناك دعوة إلى تسكين هذا الجمهور، بما أن القيادات في 14 آذار هي في وضعية الانتظار. لا يمكن دعوة الجمهور إلى انتظار ما سوف يكون، لأنه في هذه الحالة، تكون أنت كقيادي، غير فاعل بما سوف يحدث ولست مهيئا له !

س: في ما سبق، وأنت من المخضرمين، هل أن الأفكار التي كان يتم طرحها منك ومن آخرين، كانت تتم مناقشتها ومعالجتها ؟
ج: أكيد. هذا أكيد! الإنسان  يمضي عمره وهو يحاول أن يكون في خدمة وطنه، فيتفاعل مع الطروحات ويقدم طروحات وأفكار. قد ينجح بعضها وقد يفشل. هذا لا يعني أننا عندما نفشل كنا نتوقف عن تقديم الأفكار والطروحات. حاليا يجعلونك تشعر بأنه عليك أن تتوقف عن تقديم المقترحات ، لأنهم لن يفعلوا شيئا، مما يدفعك إلى سؤال نفسك عن السبب الذي سيدفعك إلى الكلام، وبالتالي تعتبر أن هذا الوقت غير مناسب ليتلقف أحد ما تطرحه، ليبني عليه خطة معيّنة أو جزءا من خطة معيّنة!

س: باختصار أنت تقول إنك لا تريد الظهور من أجل أن تكون جزءا من دعاية سياسية بل جزءا من منظومة تطرح الأفكار والخطط؟
ج: طبعا، طبعا، والفكرة الأساسية أنني لست رجل انتخابات، فأنا لا أريد حشد شعبية انتخابية، إنما أريد طرح أفكار يتم التفاعل فيها خدمة لوطني.

س: بعض من لا يحبك سيشعر بسعادة بعد قراءة هذا الكلام. سيقول أنظروا ها هو جوني عبدو أصبح رجلا بلا تأثير...
ج: بلا تأثير على من ؟ أنا لا أتكلم على نفسي! أفكاري لا تؤثر على من يجب أن تؤثر بهم من أجل أن يواجهوا تحديات وأحداث ستحصل في لبنان  والمنطقة عاجلا أم آجلا! وبالنتيجة ، أنا لا أحصر الموضوع بشخصي، بل هي حالة عامة في البلد!كل يتحدث على هواه، وينتهي كلامه عندما تنتهي إطلالته! لو كانت المسألة تعنيني شخصيا ، فأنا لا يمكن أن أتوقف عن الإطلالات، لأنها تعزّز جمهوري الشخصي. أنا أحاول أن أدفع الآخرين إلى الإفادة مما نفعل، من أجل لبنان! ولكن، ألفت هنا إلى أن "حزب الله" قد يكون الوحيد الذي يفكر ماذا سيفعل، سواء سقط الأسد أم بقي.  حزب الله، يبدو كأنه هو الوحيد الذي يدرك خطر سقوط النظام السوري، ولذلك هو يحضر نفسه لهذا السقوط. كما أنه يهيئ نفسه لعدم سقوط هذا النظام، بحيث تبقى الأوضاع على ما هي عليه! ماذا عنا نحن؟ ماذا هيئنا إذا سقط الأسد، وإذا لم يسقط هل نحن نقبل بأن تبقى الأوضاع على ما هي عليه الآن؟ هذا ما أطالب به، ولكن لدي شعور أن أحدا من فريقنا لا يبالي!

حزب الله وسورية وإيران

س: طالما دخلنا في موضوع "حزب الله" فهذا الحزب هو جزء من هذا النظام السوري!
ج: في  الموضوع السوري حزب الله جزء من النظام الإيراني. في الموضوع اللبناني هو جزء من الموضوع السوري. في حال تخلت إيران الآن عن النظام السوري، يتخلى "حزب الله" فورا عن النظام السوري.

س: عمليا، حزب الله ليس بحاجة ليفكر بل هناك من يفكر عنه؟
ج: لا ، لا! حزب الله هو جزء من القرار الإيراني، فهو ليس تابعا لإيران إنما لولاية الفقيه، هو جزء من القرار الإيراني، وهو يعطي انطباعا بأنه يقول للإيرانيين إنه يعرف في لبنان – وقد أعرف في سورية- أكثر منكم وبالتالي خذوا برأيي.

س: وإذا لم يأخذوا برأيه؟
ج: يطيع! ويفعل ما يأمرونه به! ولكن هذا لا يعني أبدا أنه غير مؤثر بالوضع الإيراني نتيجة معرفته بالوضعين اللبناني والسوري أكثر من المخابرات الإيرانية!

وفيق صفا

س: البعض يقول إن "حزب الله" هو جزء من المخابرات الإيرانية؟
ج: جزء أساسي، طبعا! أكثر من ذلك المشكلة عند قيادات 14 آذار وجمهور 14 آذار،  أنه غير معتاد على حكم المخابرات. حكم المخابرات لا يعني الإستبداد والديكتاتورية ،إنما حكم المخابرات قادر على أن يرسل معلومات إلى الرؤساء ويستلمها هي نفسها تعليمات. يعني هو يحدد التعليمات التي تأتيه من الأعلى!

سأقول لك أكثر من ذلك، حزب الله لديه ملفات عن كل العالم، بمن فيهم حلفاؤه. لديه ملفات أكثر من الأجهزة الأمنية اللبنانية بكثير.الأجهزة اللبنانية تعرف ماذا قلت وماذا فعلت، أما حزب الله فيعرف إلى أين ذهبت ومتى عدت وأي طريق تسلك، وخلافه. هذا يعني أن حزب الله مهيّأ  لأي أمر يرده ، إن كان بالإغتيال أو غير الإغتيال ،ولهذا السبب هناك مراقبة لكل رجال السياسة في لبنان وللطرق التي يسلكونها!

س: كيف تواجه هذا الأمر؟
ج: تواجهه بفضحه وتخلق نهجا لرفض الدويلة ضمن الدولة ولأن تكون دويلة حزب الله أقوى من الدولة اللبنانية، بجميع أجهزتها. إسأل أي  شخص في لبنان من يخيفك أكثر مدير المخابرات الذي أنسى إسمه بشكل دائم( إدمون فاضل) أو وسام الحسن ، أو وفيق صفا؟ وكلام مَن  مِن هؤلاء يمكن أن تأخذه بعين الإعتبار أكثر؟ سيأتيك الجواب: وفيق صفا. لماذا؟ لأن دولته أقوى من دولتنا اللبنانية، وهو متفلت منها وغير خاضع لها، بل على العكس الدولة اللبنانية هي التي تخضع له

س: ما هو المقترح لمواجهة هذه الحالة الخطيرة؟
ج: لتواجهها يجب أن تعترف بوجودها وتفهمها وتعرفها. أنا لم أر أحدا في لبنان يقدم تحليلا يتضمن معلومات عن قدرات "حزب الله" على مستوى المخابرات. السلاح هو أدوات تنفيذية لهذه القدرات المخابراتية الحاكمة!

س: يعني الخطر هو في المستوى الأمني لدى الحزب؟
ج: طبعا! في الإجتماعات الأمنية ، وعندما يأتي وفد من إيران مثلا يريد مقابلة مسؤول ما أو رئيس جهاز أمني ما ، ترى- وهذا يعرفه كثيرون من المسؤولين في لبنان- وفيق صفا جالسا في الآخر وليس في المقدمة. مع أجهزتنا الأمنية هو يتقدم ومع الإيرانيين يجلس في المؤخرة.
هذا يعني أن هذا الرجل تابع للمخابرات الإيرانية، وهذا يقدم لك الصورة الدقيقة عن وضعية "حزب الله" فكل ما له علاقة بالداخل اللبناني يتقدم "حزب الله" بمشاركة سورية ولكن كل ما له علاقة بالمواجهة مع إسرائيل أو بمسائل إقليمية فإن إيران هي التي تتقدم .

حاجة 14 آذار الى جهاز أمن

س: عندما نعرف هذا الشيء ماذا نفعل؟
ج: هذه هي الإشكالية التي أتحدث فيها! عندما نعرف هذا الشيء هل نملك مخططا لمواجهته؟ الجواب: لا! كل ما نقوم به، هو أننا في بعض الأحيان نتكلم، كما أفعل أنا الآن. المخطط يجب أن يكون موجودا. عندما تكون مجموعة ضعيفة كحالتنا، فهذا الشيء ناجم عن عدم توافر جهاز يوفر المعلومات. يقولون إن وسام الحسن تابع لقوى 14 آذار أو لتيار المستقبل، فأنا أريد أن أعرف مَن مِن جمهور 14 آذار والفاعلين فيها يعرف شيئا عن وسام الحسن، أو يتلقى منه معلومات. أنا لا أتكلم عن أشخاص عاديين إنما أتحدث عن سمير جعجع وبطرس حرب. إذا أرادا معلومة، فيحتمل أن يقدمها لهما على قدر السؤال لا أكثر ولا اقل. أما وفيق صفا فيعرف كل تفصيل عند وسام الحسن وعند المخابرات في آن.

س: إذا أردنا ن نستنتج  خلاصة من هذا العرض، ماذا تقترح؟
ج : هل وفيق صفا تابع للدولة اللبنانية؟

س: كلا.
ج: إذن، يمكن أن يكون لديك أنت كفريق جهاز أمني غير تابع للدولة اللبنانية، وذلك فقط من أجل مواجهة ما هو معطل الآن، من قبل أجهزة أمن "حزب الله". يمكن قيادة 14 آذار أن تتعاقد مع أي شركة أمنية من أجل أن تخلق لها جهازا أمنيا. طبعا، لا إرهاب ولا سلاح، ولا ما شابه، ولكن على الأقل تقنيات معيّنة تستطيع أن تفيدك بما يحصل في لبنان. نحن لا نعرف ماذا يحصل.

س: عندما كنت مديرا للمخابرات كانت هناك أجهزة أمنية متعددة، منها ما هو تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ومنها ما هو تابع للقوات اللبنانية بقيادة الرئيس الشهيد بشير الجميل . قبل أن تصبح جزءا من فريق بشير كنت على مواجهة معه...
ج: أنا كنت على صدام مع بشير وأصبحت جزءا منه عندما اقتنعت أن عدم تقسيم لبنان لا يتأمن إلا بوصول بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية ، ساعتئذ أصبحت بفريق بشير الجميل...

س: حسنا، في هذه المرحلة كنت مديرا للمخابرات، ألم تذهب طائعا لعند بشير عندما تلمست أنك غير قادر على إيجاد توازن رعب معه؟
ج: أبدا، أنا خلقت توازنا مع بشير! الإثباتات التاريخية والمعارك التي حصلت بيننا وبين بشير تظهر أننا كجيش كان لدينا توازن معه، وكان يقف عند حدوده بمواقع معيّنة، ونحن كنا " خارقين" بشير ونعرف ماذا يحصل لديه وكنا كذلك "خارقين " منظمة التحرير ونعرف ماذا يحصل عندها .

حزب الله يراقب الجميع وفي كل مكان

س: يعني هل كانت منظمة التحرير تخاف منكم لأنكم تملكون معلومات؟
ج: نعم، وأعطيك مثلا على ذلك. ففي مرحلة من المراحل حاولت منظمة التحرير خطف وقتل ضابط المعلومات في الجنوب قاسم سبليني، فسارعت إلى الإتصال بأبو أياد- رحمه الله- وقلت له: أنظر يا أبو أياد، إذا حصل أي مكروه لقاسم سبليني ، فلا ينام أحد منكم في منزله! وأقفلت الهاتف. لم أفعل أكثر من ذلك. حينها تنصتنا على كل الإتصالات التي حصلت، فكان تعميم على الجميع بألا ينام أحد في منزله تلكك الليلة. هذا لأقول لك، أنه حتى ولو كان الفريق يتمتع بتأثيرات محدودة إلا أنه يمكن أن يستعملها في أوقات حرجة، وينفّذ في أحيان أخرى.
الموضوع ليس ميؤوسا منه إلى مستوى كبير. يستطيع المرء أن يقف في وجه أي كان.
الشعب السوري يقف في وجه الطاغية.إنه واقف. وأنت لا تستطيع أن تقبل بهذا الطغيان الموجود في لبنان بسوء إستعمال السلطة من قبل "حزب الله"، فهو يستعمل المقاومة من أجل أن يحكم بالداخل وليس العكس- ضعوا ذلك في عقولكم- فبماذا تواجهه ، أبقلة إدراك؟ أبجهل؟ أبقلة معلومات؟ يجهلون ما يريد أن يقوم به، وعندما يقوم بعمل معيّن تستغرب وتستهجن كيف يتحدث عن انفجار قارورة غاز أو خلافه. على ماذا الإستغراب، ألا تعرفوا ماذا يحصل لديهم؟ ألا تعرفوا كيف يتصرفون؟ ألا تعرفوا المنازل التي يشغلونها بالإيجارات؟ إن "حزب الله" موجود في الأشرفية وفي المتن وفي جونية وفي مناطق لم تكن بالأساس متاحة لمنظمة التحرير الفلسطينية في السابق. أتحدث في هذا الشيء على المستوى الأمني وغير الأمني. إن كل الشخصيات هي تحت الرقابة من أمين الجميل إلى سامي الجميل إلى نديم الجميل ، من بطرس حرب إلى سمير فرنجية إلى فارس سعيد، إلى كل نواب القوات اللبنانية ، إلى سمير جعجع ، من سعد الحريري إلى فؤاد السنيورة إلى أحمد فتفت إلى نهاد المشنوق، من عبد الحميد بيضون إلى غازي يوسف، ومن مروان حماده إلى أكرم شهيّب، وغيرهم وغيرهم. كلهم معروفة تنقلاتهم ولكل منهم ملفات تخضع للتحديث الدائم. في اعتقاد "حزب الله: بأنه عندما يعرف أي شخص بذلك يخاف، ويقول إنهم ينوون اغتيالي، لأنه لماذا يريدون معرفة الطرق التي يتم اعتمادها؟ في الواقع، فإن "حزب الله" ، عندما يفعل ذلك، يجهز نفسه ، ليكون حاضرا في حال ورده أمر معين، إما بالخطف أو القتل.
لقد بنى السيد حسن نصرالله معادلة طويلة عريضة على طائرة إسرائيلية حلقت فوق مكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قالوا إنهم كانوا يراقبون طريقه لقتله، إذن أنتم ماذا تفعلون؟
ما أريد قوله، أنه لا يستطيع أي كان أن يتصرف من دون معلومات.

نواب بيروت والحوار

س: عمليا أصبح على الطاولة أكثر من مسدس، أصبح لدينا أجهزة أمنية وملفات أمنية جاهزة، وأناس ترى وآخرون عميانا، فكيف ، والحالة هذه تستقيم الدعوات إلى الحوار؟
ج: كبّر عقلك! أي دعوات حوار هذه ، ومن أجل ماذا؟ أصلا، من عطل الحوار؟

س: أنا لا أتحدث عن دعوات رئيس الجمهورية إلى الحوار، أنا مثلا أتحدث عن نواب بيروت الذين فتحوا، بحجة نزع السلاح من بيروت الكبرى أوتوسترادا  لفتح حوار مع الثنائي الشيعي؟
ج: سيصابون بصدمة! سوف يقبل "حزب الله" و"حركة أمل" الحوار وسيطلبون من نواب بيروت أن ينزعوا هم السلاح بداية. هكذا سيقولون لهم. أنا أعتقد بأنهم " مش عارفين الله وين حاطتهم" !

بكركي وحزب الله

س: وبكركي؟
ج: أنا لا أستطيع أن  أتكلم عن بكركي وعن البطريرك( بشارة الراعي) لأنه حتى الآن ، على الرغم من متابعتي لمواقف البطريرك ، فأنا أعتقد بأنها مواقف لا تزال غامضة وغير ثابتة، وبالتالي أنا أعتقد كأن هناك تمرينا في السياسة قد ألاحظ ثوابته بعد بضعة شهور. يمكن الآراء تثبت والخارطة تتضح أمامه بعد بضعة اشهر. أنا إذا كانت لدي نصيحة أسديها للبطريرك، فلا أنصحه أن يقيم حوارا مع "حزب الله".

س: بدأ...
ج: أنا لا أنصحه! من أجل ماذا هذا الحوار؟ إذا  اختلف هو والوفد الذي يحاوره وهو على مستوى أدنى من محمد رعد ، فإلى أين يذهب ليسأله الحل؟ هل يذهب إلى البابا؟ إذا السيد حسن نصرالله لا يقبل محاورة البطريرك فهل يحاور البطريرك رجلا آخر؟ على أي حال أنا أبديت رأيي، وأنا لا ألومه، فهو يريد أن يقوم بشيء ما، يجوز من أجل إثبات وجود معيّن، يجوز أنه يشعر أن  الخلافة ثقيلة، فهناك البطريرك صفير الذي وضع بصمات أساسية على مرحلة معينة ، وقد يكون البطريرك الراعي مستعجلا على وضع بصماته . البطريرك صفير بقي مدة غير قصيرة حتى وضع بصماته. القصة تحتاج إلى تدرج وخبرة ومعرفة حتى يستقر على مسار واحد. حتى الآن كل التصاريح التي أدلى بها سيدنا البطريرك تتحمل النعم واللا في الوقت نفسه، لذلك ، ومن دون أن ألومه، أقول إنه  لا يزال في وضع القراءة للواقع بشكل صحيح. يمكن أنه يستنتج أشياء يكتشف أنها ليست كما يراها الآن. إذا سألتني عن البطريرك بعد 6 أشهر أقدم لك رأيي الصريح!

جنبلاط

س: كيف ترى الحالة الجنبلاطية، وأنت كنت قبيل الإنتخابات النيابية قد أشرت إلى أن الأكثرية النيابية سوف تكون حيث يكون وليد جنبلاط؟
ج: أدّعي أنني من قلة تفهم  مواقف وليد جنبلاط بشكل دقيق. أنا أعتقد بأنني لو كنت مكان وليد جنبلاط، قبل تأليف هذه الحكومة، لاتخذت القرارات التي اتخذها هو، باستثناء نقل الأكثرية من مكان إلى آخر! بالنسبة لي  من السهل  أن ينظّر الشخص في هذا الموضوع ، أما بالنسبة له ، فإن الإنتقال إلى أكثرية معينة قد يكون صحيحا للحيلولة دون حصل خربطة في الأوضاع في لبنان ودون المس بالإستقرار في لبنان. بمعنى آخر أنا هنأت الرئيس سعد الحريري عندما ترك الحكومة. طريقة تركه أراها كأنهم قدموا له   خدمة على طبق من فضة . وقد تكون طريقة تركه السلطة أساس في كل ما يجري في سورية اليوم وأساس كل المعادلات في المجتمع الدولي ضد بشار الأسد. أنا هنأته لأنه ترك الحكومة، لأنه يوجد وضع معيّن في لبنان، ومن أجل المحافظة على الإستقرار، سيجد سعد الحريري نفسه، لو بقي  في السلطة، مضطرا أن يتجاوز كل مبادئه، وهذا لا يستطيع هو أن يقوم به، لأنه رئيس أكثرية - أكثرية ، في حين أن وليد جنبلاط يستطيع أن يتجاوز مبادئه لأنه، في وقت لا يستطيع سعد الحريري أن يخاف على الطائفة السنية ، يجد نفسه وليد جنبلاط مضطرا أن يخاف على الطائفة الدرزية.

س: لماذا لا يستطيع الحريري أن يخاف على الطائفة السنية؟
ج: لأن الطائفة السنية لم تعوّد العالم أن تخاف وتخضع. لا تفهمني خطأ ، فأنا لا أقول إن الدروز يخافون ويخضعون، ولكنني أعود وأذكر بكلام قاله لي وليد جنبلاط في نهاية السبعينات، أن حماية الدروز تكون بوجود دولة قوية، بما في ذلك دولة إسرائيل! هو كان يرغب أن يكون النظام في سورية قويا لحماية الدروز، وهو يريد أن تكون في إسرائيل دولة قوية لحماية الدروز، وهو يعتقد بأنه في لبنان لن تكون هناك دولة قوية في المستقبل القريب وبالتالي فهو مضطر أن يحمي الدروز! هذه ليست عقليتي. أنا أتحدث عن هذا الموضوع بطائفية، من خلال التحليل السياسي، ولكنني في الموضوع الوطني فإن الحديث عن حقوق الطوائف يزعجني. فوطنيا أشعر بخجل كبير عندما يطالب وليد جنبلاط بمدراء عامين دروزا وعندما يذهب المسيحيون إلى الحديث عن الحقوق المغبونة، وعندما يتمسك  الشيعة بمركز معيّن. هذا يجعلني أشعر أن الدولة الوطنية غير موجودة، في حين أن الدولة السياسية هي الموجودة. إذن أفهم هذه المقاربة من الناحية السياسية ولكنني لا أقبلها من الناحية الوطنية، فما الذي يختلف بالنسبة لي إن كان رئيس مجلس القضاء الأعلى مارونيا أم لا، فهل أنا أطمئن بمجرد أن ينتمي إلى الطائفة المارونية، من قال هذا الكلام؟أنا أريده هو، كما جميع المدراء العامين، أن يكون لبنانيا.أنا لا أحصر كلامي بالموارنة بل أتحدث كذلك عن الدروز والشيعة والسنة! في هذه الحكومة بالذات التي تعطي انطباعا بأنها ، على الأقل تحافظ على الإستقرار، تشعر أنها ليست حكومة لبنان، ولا علاقة لها بلبنان، فهناك وزراء لميشال عون، كما يأمرهم ميشال عون يتصرفون، وهناك وزراء لوليد جنبلاط يتصرفون كما هو يريد وهناك وزراء لحزب الله  ويفعلون كما يريد. إذن، كل واحد يقول لوزرائه أن يفعلوا ما هو يريد. أمام هذا المشهد، لماذا هذه الحكومة الموسعة، لنشكل حكومة من 6 أشخاص وننتهي، طالما أن الوزراء يتحدثون بصوت من أتى بهم، فوزير السياحة لم يكن مقتنعا بتصحيح الأجور ويعتبره مخرّبا للإقتصاد، وعلى الرغم من ذلك صوّت ، لأن ميشال عون هذا ما يريده. إذن لا علاقة للوزراء بلبنان، بل لهم علاقة بأحزابهم، وهم يفكرون بأنهم إذا اتخذوا القرار الذي يقنعهم، لا يعود هذا الشخص يوزّرهم، فلا قوانين الدولة اللبنانية هي التي توزّرني ولا شعبيتي ، بل شعبية أشخاص عدة معدودين على أصابع اليد!

سورية

س: ماذا قرأت في خطاب بشار الأسد الأخير؟
ج: قرأت فيه خطاب معمر القذافي. الخطوط نفسها، ضد القاعدة والإرهاب. قرأت فيه خطابا جمهوريا لعلي عبد الله صالح ولحسني مبارك. من قال إنه حين كان يسير حسني مبارك وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي تظاهرات كانت تظاهرات قليلة. وقد قرر بشار الأسد في خطابه أن يقول إنه ذاهب إلى الحسم ولا تعتقدون بأنه ضعيف في حين كان والده قويا. كان يقول أنا قدمت فرصا، وأنا ذاهب الآن إلى الحسم، مهما كلفني الموضوع. وبذلك خضع لأجهزة أمنية معيّنة، كانت هي بالأساس من أوصلته إلى حيث هو. المستغرب في سورية أن مظاهرات حاشدة تنزل تأييدا لبشار الأسد ، فلا تجد هؤلاء الإرهابيين الذين يتحدث عنهم النظام . لا أحد يطلق رصاصة ولا أحد يلقي "فتّيشة" . كل الإرهابيين يستهدفون مظاهرات المعارضة فقط؟ ويقول للعالم: هل رأيتم التأييد لي؟ ولكن هل هو يسمح بالمظاهرات الأخرى ليري كم هم من يعارضوه. التظاهرات الأخرى ممنوعة ومستهدفة بالرصاص . لا سمح الله، لتُستهدف التظاهرات المؤيدة بالرصاص كما تستهدف التظاهرات المعارضة، حتى نرى كم شخص سوف يشارك تأييدا له! هذه خدعة الجماهيرية، ما أسخفها!

الفرز المذهبي

على اي حال، وبعيدا من المقاربات الكلاسيكية ، أود أن أركز على مسألة لافتة الآن في سورية، حيث لا يجوز للمرء أن يتغاضى عن موضوع خطير جدا حاصل في سورية هو الفرز المذهبي.
مهما تغنّى يشار الأسد أنهم لم يتمكنوا من المس بالوحدة الوطنية، فإن الواقع يقول إنه جرى المس فعلا بالوحدة الوطنية في سورية. هناك فرز طائفي موجود في سورية وهذا هو الأخطر.
إذا، المقاربة للواقع السوري، لا تصح إلا إذا عرفنا أنه أصبح هناك فرزا طائفيا أساسيا،  وبات من الصعب الخروج منه!

سورية وإيران والمجتمع الدولي

أنا لا أعرف إذا كان المجتمع الدولي قصد هذا الأمر أم لا، كل ما أعرفه أن المجتمع الدولي أُعطي فرصا هائلة فأظهر ضعفه بالتدخل، وأظهرت تركيا ضعفها بالتدخل، وربما رغبتها بعدم التدخل!
لم أعد أعرف إذا كان المطلوب أن يبقى الوضع في سورية ، لمدى أشهر واشهر، على ما هو عليه، لأن سقوط النظام من عدم سقوطه لم يعد يشكل فارقا لدى المجتمع الدولي، ذلك أن أي حدث يحصل في المنطقة اليوم ، أكان في إيران أم في غيرها، لن تستطيع سوريا أن تقوم بردة فعل، كما كان يمكنها أن تفعل ذلك، لو لم تكن هناك هذه الثورة في سورية الآن.

س: يعني أن الخطر الإقليمي الذي كانت تشكله سورية، وكان يمكن أن يُغري تدخلا دوليا، قد أزيل؟
ج: نعم ، لقد زال! لا يوجد عاقل اليوم يقول إنه في حال حصلت حرب على إيران فإن سورية سوف ترد على إسرائيل، ولكن قبل الثورة كانت سورية ترد على إسرائيل وكان "حزب الله " يرد على إسرائيل!

س: هل هذا يعني أن المصلحة الإستراتيجية للمجتمع الدولي بالتدخل العسكري في سورية قد سقطت؟
ج: هذا ما أعتقده!

قدرة الأسد على الحسم العسكري

س: يعني أن بشار الأسد يقرأ ذلك بشكل جيّد، ولذلك هو يملك القدرة على الذهاب إلى حسم عسكري في الداخل السوري؟
ج: لا! بشار الأسد يدرك تماما أن الحسم العسكري لا يؤدي إلى شيء. وبرأيي هو غير قادر على أن يحسم الأوضاع عسكريا، ولكن لدى المجتمع الدولي هدفان، الهدف الأول سقوط الدور الإستراتيجي لسورية في حال تفاعلت الأوضاع في المنطقة وأنتجت حربا، وثانيا إعطاء المعارضة الدور الأساسي! في الأيام التي مرت ، لم يكن للمعارضة الدور الأساسي . الجامعة العربية بوجه سورية والمجتمع الدولي بوجه سورية، في حين بدت المعارضة تابعة لهاتين المنظومتين. هذه لم تعد معارضة. يفترض أن تكون المعارضة في الواجهة والمجتمعان العربي والدولي يدعمان هذه المعارضة، وليس العكس!

س: نفهم من كلامك أن المجتمع الدولي غير منزعج من الوضع الداخلي في سورية، ويظن بأن اليد السورية في المسألة الإيرانية قد شلت في حين قدرات "حزب الله" للتدخل بأي مسألة في المواجهة مع إيران قد ضعفت، وبالتالي فإن الأزمة السورية متروكة لأطرافها، فإما يحلها بشار وإما يحسمها الثوار، وإما تبقى حتى إشعار آخر؟
ج: هذا صحيح!

س: أنت لا ترى حلا في الأفق القريب للمسالة السورية ؟
ج: لا

س: إذن إلى ماذا تدعو الشعب السوري؟
ج: إلى مزيد من التضحيات. أنا لدي ثقة كبيرة  بالشعب السوري ، لدرجة أن يحسم الوضع. هذا سيأخذ معه بعض الوقت، من دون شك!
يحصل للشعب السوري ما يحصل عندنا في 14 آذار. جمهورهم أقوى من قياداتهم. إنها علّة بلاد الشام، حيث إرادة الشعب ومفعوله وسلوكياته أقوى من القيادة!

س: نستنتج أنك لست معجبا بالممثلين السياسيين للمعارضة السورية؟
ج: لم أجد أحدا قد برز. أسأل أصدقاء أن يعملوا لي لائحة بالأسماء، فأنا لا أعرف أحدا مهما! أحيانا تستمع إلى متدخلين من داخل سورية، فتعجب بقسم منهم. الثورة السورية لم تنتج بعد قيادات. هنا أتذكر ما كتبه، مرة، ساطع نور الدين، عن المعارضة السورية. قال كلاما أنا أحب أن أقوله. وصف المعارضة السورية بأنها غير جذّابة. لا توجد كاريزما. في المقابل ليشكر الثوار ربهم، فبشار الأسد لا يتمتع هو الآخر بكاريزما! ولكن هذا التساوي غير جيد، لأن من سيربح هو من يتمتع بالإرادة والفعل والكاريزما أكثر من غيره. الإرهابيون في سورية صناعة النظام

س: يعني بشار الأسد ، بهذا المعنى أقوى لأن لديه أجهزة أمنية؟
ج: لديه أجهزة أمنية، ولكن هي التي أوصلته إلى هنا. يتحدثون عن وجود 10 آلاف إرهابي، في سورية، حاليا، فأين كانت هذه الأجهزة الأمنية لتمنع ذلك؟ أنا أعرف تماما، وقبل اندلاع هذه الثورة بمدة كبيرة، ومن وقت ظهور فتح الإسلام في مخيم نهر البارد في لبنان! حين أصبح هناك اتهام لسورية بالوقوف وراء فتح الإسلام، أرسل لي رئيس أحد الأجهزة الأمنية من سورية، ولن أسمي ، وردا على هجوم قمت به ، أنهم هم كمخابرات لا علاقة لهم بفتح الإسلام وعليّ أن أرى دور أجهزة أخرى، لأننا- كما قال- إذا أردنا نحن أن نتعاطى بما هو إرهاب أصولي في لبنان، فيجب أن ننظر إلى ما هو موجود عندنا، فإن كنت تحسب أننا ناجون من هذه القصة تكون مخطئا كثيرا! إذن، منذ ذلك الوقت، يعرفون أن لديهم إرهابيين.

س: لم أفهم ما حصل. هو مخابرات. قال لك عليك أن تفتش عن دور غير أجهزة في صناعة فتح الإسلام. يقصد غير أجهزة في العالم أم في سورية؟
ج: يقصد غير أجهزة في سورية. هو يتهم أجهزة سورية غير جهازه بفتح الإسلام. ويؤكد أن لديهم أكثر مما لدينا في لبنان.
سبب ذلك، أنه هو وغيره اشتركوا في إرسال الإرهابيين – يسمونهم مقاومين – إلى العراق.
ومن بين هؤلاء كان يوجد فرنسيون من أصل مغربي، وهذا ما أدى إلى تعاون بين الأجهزة الفرنسية والأجهزة السورية .
الأجهزة الأمنية الفرنسية ترضى بأي تعاون معقولا. كانت تطلب من الأجهزة الأمنية السورية مساعدتها في القبض على مجموعة من 25 شخصا يحملون الجنسية الفرنسية تتوجه إلى العراق عبر سورية، فالقوا القبض عليهم لأننا لا نريد أحدا يحمل الجنسية الفرنسية أن يذهب إلى العراق. الأجهزة الأمنية السورية كانت بدل الـ25 شخصا ترسل لهم 75 شخصا في حين أن المجموعة الفعلية تكون مشكلة من 300، فيوقفوا 75 ويرسلوا الباقين إلى العراق. أقول ذلك فقط، لأشير إلى أن النظام السوري بأجهزته الأمنية، يستطيع أن يربي حالات نسميها إذا جاز التعبير إرهابية، تحت إسم المقاومة. كانوا يربونهم بحجة أنهم مقاومة ويدربونهم، فأصبح بهم مثل ما حصل للأميركيين مع إبن لادن، على أيام الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. الآن وعوا أن لديهم أمثال هؤلاء؟ أريد أن أقول إن أجهزة أمنية حين توصل النظام إلى هذه الدرجة، ويستمر بشار الأسد في تمسكه بها، فأنني أعتقد بأنه ذاهب إلى الخراب.

س: في علم المخابرات، هل يمكن أن يقوم نظام بتفجير مقرات أمنية، كما حصل في دمشق؟
ج: لا معلومات لدي.

س: بالفرضيات المخابراتية ؟
ج: يمكن ! فمن يستطيع أن يتهم إسرائيل بأنها كانت تقتل سفيرها ويهودا في العراق حتى تقوم بالحرب، يمكن أن يقتل سوريين.
حاجات الثوار في سورية وتجربة حبيقة

س: ماذا لدى الثوار من أدوات حتى يتفوقوا؟
ج: لا أدوات عمل لديهم. هم يحتاجون إلى معلومات. أنا لا أعرف إذا كانوا ينظمون شيئا في هذا السياق. قد يعتقد البعض في ضوء ما أقوله إنني أركز على المخابرات، لا، ولكن من لا معلومات لديه يعمل كأعمى، وهذا لا يجوز. وهذا الوضع يصح من باراك أوباما إلى أي مسؤول يريد أن يعمل. من لا معلومات لديه يعمل كأعمى، يعمل بغريزته وبإحساسه.عندما يملك المسؤول معلومات يحللها ويختار طريقه. أنا لا أعتقد بأن المعارضة السورية اليوم متمكنة مالية إلى درجة تمكنها من امتلاك معلومات. أنا لا أعتقد بأن أهل النظام صعب اختراقهم ! إيلي حبيقة – رحمه الله- كان قد خرق الجيش السوري في لبنان بقوة. أنا كان الرئيس سركيس قد منعني أن أخترق الجيش السوري، ولو بمخبر صغير، لأننا – كما كان يقول لي- نحن من طلبهم، وهؤلاء أشقاء ولا لزوم للتجسس عليهم. لكنني كنت أستقي معلومات من الجميع بما في ذلك من إيلي حبيقة. إيلي حبيقة كان يعد أناسا بمنازل في الخارج وهناك من اشترى لهم منازل في الخارج. أنا لا أطلب من المعارضة أن تخرق النظام، ولكن يجب على الأقل أن تكون لديها معلومات عما يحصل في النظام وما هي القرارات التي يتخذها والخطط التي توضع. أطلب ذلك لمعرفتي أن هذا النظام يعيش حالة من الخوف . لا أذيع سرا كبيرا إذا قلت لك إن هناك قرارات كثيرة اتخذت في القصر في سورية من دون أن يعلم بها كبار الوزراء إلا في الإعلام ، ولن أسمي.

س: مثل أي قرارات؟
ج:قرارات...

س: أمنية؟
ج: أمنية وسياسية ودبلوماسية.

س: يمكن أن نتخذ مثالا على ما تقول ما حصل مع وليد المعلم، فهو كان في الطائرة في طريقه إلى اجتماع عربي، ولكن أعطي الأمر أن تعود طائرته من الجو إلى دمشق...
ج: صح. هناك قرار اتخذ ولم يكن وليد المعلم يعرفه، فعاد. وهناك أدلة، فوليد المعلم كان يعطي انطباعا أن دمشق لن تقبل ما ورد في البروتوكول العربي، ولكن في ليلة ليلاء تمّ القبول، ويجوز أنه سمع بوسائل الإعلام بقبول البروتوكول، لا أعرف.

س: هل هناك معلومات عن الوضع داخل مجموعة الأسد؟
ج: في البداية كان هناك خلاف. كان هناك ناس قدوتهم حافظ الأسد، فدعوا إلى الحسم.هؤلاء يعيشون في جاهلية الأحداث السياسية والدبلوماسية والإعلامية بصورة خاصة. فهذا الزمن إعلاميا مختلف عن زمن حماة. حينها لم تكن هناك لا فضائيات ولا إنترنت، وسمعنا بما حصل فيها بعد حصول المجازر بعشرة أيام. اليوم لم يعد ذلك ممكنا. كانت هذه المجموعة تضغط عليه ليحسم كما حسم والده. وهو كانت لديه السذاجة، في بعض الأحيان، بحيث كان يعتقد بأن كل الناس يحبونه. كان يعتقد بأن الأخوان المسلمين يحبونه. كان يعتقد بأن المعارضة تحبه ولا تريده أن تسقط، ولكنه، البارحة اكتشف أن هؤلاء ليسوا إخوان مسلمين إنما إخوان شياطين.في البداية، لم يكونوا كذلك، بل كان يريد محاورتهم، وكلف فاروق الشرع أن يحاورهم. الآن أصبحوا شياطين. أصبحوا كذلك لأنه اتخذ قرارا بأن يعمل مثل أبيه.

س: ألم تلاحظ بخطابه تبريرا لنفسه، فهو قال إن والده انتظر التأييد الشعبي قبل أن يحسم مع " الإخوان الشياطين"..
ج: أعتقد بأن كلامه غير دقيق، فوالده ضرب حماة ومن ثم راح يطلب الدعم الشعبي. التأييد الشعبي عادة يأتي بعد القرارات وليس قبلها، وهذا ليس نظاما في بلد ديموقراطي  يحتاج الى تحضير الرأي العام إذا أراد أن يضرب في أي بقعة. لو كان معنيا بإرادة الشعب، لكان أنجز إصلاحات منذ زمن بعيد، لأن الشعب يريد إصلاحات.

س: المعلومات تقول إنه يطلب غطاء دوليا ليحسم عسكريا على اعتبار أن الكلفة البشرية باهظة؟
ج: لا أحد يغطيه، حتى روسيا لا تغطيه، بمكن أن تتركه يفعل ولكن لا تستطيع أن تغطيه. أنا أعتقد بأن الحسم العسكري أو محاولة الحسم العسكري سيضعضع الوضع الروسي وبالتالي لن يتمكن بوتين من أن يسكت على ذلك ، حتى قبل الإنتخابات الروسية، على حسم عسكري مرتفع الكلفة البشرية.إن تقديم بوتين غطاء لجرائم ينتجها الحسم يعطي إشارة للروس إلى أنه سوف يقوم بما يقوم به الأسد من جرائم، الأمر الذي ينعكس سلبا عليه في الإنتخابات، وتصبح المعادلة الإنتخابية عنده صعبة.

س: كيف ننهي هذا الحديث على طريقة جوني عبدو.
ج: من له أذنان سامعتان فليسمع.


أجري هذا الحوار في باريس