كرر مطالبته تشكيل الحكومة من الأكثرية وأثنى على إنتفاضة بارود

صفير لـ "إيلاف": لبنان أضحى مشاعًا يتدخل به الجميع

الجمعة 21 أغسطس

 

إبراهيم عوض من بيروت: يبدي البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير إستياءه من عدم ولادة الحكومة، بعد مرور ما يقارب الشهرين على تكليف رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري بتأليفها بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كما ينص على ذلك الدستور. ويرى أن على الأخير والرئيس المكلف أن يحزما أمرهما للخروج بحكومة تتسلم فيها الأكثرية الحكم عملاً بالديمقراطية وبنتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، على أن تكون هناك معارضة تضعها تحت المجهر فتراقب توجهاتها وقراراتها وتدلل على أخطائها حتى يجري تصحيحها فيستقيم بذلك عملها ويحكم عليها سلبًا أو إيجابًا.

 

ويعود صفير بالذاكرة الى التاريخ حين كان لبنان يتوزعه فريقان واحد للحزب الدستوري وآخر للكتلة الدستورية حيث كان أحدهما يتولى مسؤولية الحكم فيما الآخر يعارض وقد سارت الأمور حينها بشكل مقبول، أما اليوم فهناك أفرقاء بالجملة والمفرق حتى باتت كل طائفة فريقًا بحد ذاته. وتلفت "إيلاف" محدثها بأن الديمقراطية في مفهومها السابق لم تعد تصلح في لبنان بعد أن تحولت الى ما بات متعارفًا عليه بـ"الديمقراطية التوافقية". إلا أن البطريرك يسارع الى القول بأن من عليهم التوافق لم يفلحوا وتراهم يغلبون مصالحهم الخاصة والذاتية على المصلحة الوطنية فماذا نفعل؟ هل نبقي الأوضاع على ما هي عليه من شلل وتردٍ أم نسارع الى تشكيل حكومة وتحمل المسؤولية ؟ لقد سبق أن شبهنا وجود الأكثرية والمعارضة في حكومة واحدة بالعربة التي يجرها حصانان واحد من الأمام والثاني من الخلف وكلٌ في إتجاه معاكس، فثارت ثائرة بعضهم لكنه لم يدلنا على المخرج والحل.

 

ويقرّ البطريرك بما أصاب الأكثرية جراء المواقف الأخيرة لرئيس اللقاء النيابي الديمقراطي رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط كاشفًا أن الأخير لم يفاتحه بما يعتزم فعله حين جاءه الى الصرح البطريركي قبل أسبوع على إنعقاد الجمعية العمومية للحزب التقدمي اللإشتراكي ليفاجأ يومها بما أسماه "البرمة" الجديدة لجنبلاط. وعن رأيه في ما يثار حول توزير الراسبين في الإنتخابات النيابية لم يبد رئيس الكنيسة المارونية إعتراضًا على ذلك في حال عدل المعنيون بتأليف الحكومة عن قرارهم المعلن بعدم إسناد حقيبة وزارية لمن خسر في الإنتخابات النيابية، مشيرًا في الوقت نفسه الى أنه في حال جرى الأخذ بهذا القرار فلا بد أن يعمم على الجميع لا أن يقتصر على طرف دون آخر.

 

ويوافق البطريرك صفير القائلين بوجود تدخلات خارجية في الشؤون اللبنانية لكنه يحمل المسؤولية في ذلك لمن يفتح الباب من اللبنانيين أمام هذا التدخل إما نتيجة لإغرائه بمنصب وزاري أو ما شابه أو بالحصول على مبالغ طائلة من المال. ولا يتردد في هذا الإطار من تسمية أكثر من دولة عربية وأجنبية إذ يقول إن الولايات المتحدة تتدخل وكذلك تفعل فرنسا والسعودية ومصر وسوريا وإيران وكأن لبنان بات "مشاعًا" مباحًا أمام الجميع. وفيما نبه البطريرك صفير الى أن لكل دولة مصالحها الخاصة من وراء هذا التدخل، أكد أن مصلحة اللبنانيين تكمن في الإعتماد على أنفسهم ومنع كل ما من شأنه أن يؤثر على إرادتهم وإدارة وطنهم.

 

وماذا عن العلاقات اللبنانية – السورية ؟ نسأل البطريرك المقيم حاليًا في مقره الصيفي الواقع في عمق وادٍ بشمال لبنان فيجيب مشددًا على ضرورة أن تكون هذه العلاقة جيدة وطبيعية كما يقتضي ذلك "حكم الجيرة" بين دولة وأخرى فكيف بالجارة الأقرب، لكنه يأخذ على سوريا التي يبلغ مجموع سكانها حوالى 30 مليون نسمة معاملة لبنان الصغير بعدد سكانه (3 ملايين نسمة) وبمساحته قياسًا معها كبلد لم يبلغ مرحلة النضوج والتمكن من تدبر أموره على غرار الأب الذي يريد تربية أبنائه على طريقته فيملي عليهم ما يجب فعله في هذا الأمر أو ذاك.

لكن هذا الكلام يعتبر مخالفًا لما صدر عن دول كبرى مثل أميركا وفرنسا من مواقف أثنت فيها على عدم التدخل السوري في الإنتخابات النيابية وفي مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية نقول لصاحبه (البطريرك) الذي يؤكد تمسكه به عبر طرح السؤال المعبر : "هل باتت أميركا وفرنسا وغيرهما من الدول تعرف ما يجري على أرضنا أكثر منا نحن أصحاب الأرض ؟".

 

وإستغرب الببطريرك صفير ما جرى في سجن رومية أخيرًا آخذًا على كل من سهل وغطى محاولة الفرار التي أرادت مجموعة من "فتح الإسلام" القيام بها، مثنيًا على "إنتفاضة" وزير الداخلية زياد بارود ومسارعته الى إتخاذ التدابير اللازمة الإدارية منها والمسلكية والقانونية وإعلان عزمه الإقتصاص من كل من يثبت تورطه في هذه العملية المشبوهة التي أظهرت بأن من عليه حراسة السجناء ينحاز الى صفوفهم ويعمل على مساعدتهم للخروج من خلف القضبان لقاء مغريات معينة أو حفنة من المال.

 

وعن موقفه من "حزب الله" بعد ملاحظة إنقطاع الزيارات التي كان يقوم بها وفد من الحزب الى الصرح البطريركي بين حين وآخر، يقول البطريرك صفير أنه مضى زمن بالفعل دون أن يلتقي ممثلين عن الحزب، موضحًا أنه ليس ضد هذا الحزب إنما يريد ألا يكون هناك سلاح غير السلاح الشرعي الممثل بالجيش اللبناني الذي عليه وحده حماية الوطن والدفاع عنه والحفاظ على سلامة أبنائه.

 

ويتحدث رئيس الكنيسة المارونية هنا بحسرة عن هجرة أكثر من مليون لبناني في السنوات القليلة الماضية نتيجة للحروب التي شهدها لبنان والأوضاع المتردية فيه, ويوضح أن غالبية هؤلاء توجهوا الى بلدان الإغتراب البعيدة مثل إستراليا والبرازيل وكندا مما يعني عدم عودتهم الى وطنهم الأم. هذا ولا يأمل البطريرك مار نصر الله بطرس صفير حصول المصالحة المسيحية – المسيحية في الوقت الحاضر نظرًا "لتغليب أصحاب الشأن مصالحهم الشخصية على متطلبات المصالحة المذكورة".