كيف يصبح المرء عضواً في حزب الولي الفقيه؟

مصطفى علّوش(*)

 

"لا توحش النفس بخوف الظنون واغنم من الحاضر أمن اليقين"/رباعيات الخيام (أحمد رامي)

"بسم الله الرحمن الرحيم. ان استعمال التبغ والتنباك اليوم بأي نحو كان يعد في حكم محاربة إمام الزمان عجل الله فرجه".

 

هذه الكلمات من المرجع الأعلى محمد حسن الشيرازي (سنة 1891) اثارت البلاد في وجه الشاه ناصر الدين وأجبرته على الغاء اتفاقية التنباك الموقعة مع شركة بريطانية.

 

"لو قام الشخص الحائز هاتين الخصلتين (العلم بالقانون والعدالة) بتأسيس الحكومة تثبت له نفس الولاية التي كانت ثابتة للرسول الأكرم (ص) ويجب على جميع الناس اطاعته" من كتاب الحكومة الاسلامية للإمام الخميني.

 

ولكن صورة دور الولي الفقيه لدى الإمام الخميني اصبحت واضحة المعالم في الرسالة التي وجهها نفسه الى الإمام علي خامنئي عندما كان رئيساً للجمهورية الايرانية في 31 كانون الأول سنة 1988 وفيها يؤكد الولاية المطلقة للولي الفقيه. وبعد وفاته انعقد مجلس الشورى تحت تأثير الحدث حيث تم اعتماد هذه الرؤية في الدستور.

وقد اتت هذه الرسالة على خلفية ازمة تشريعية اثارتها اجازة الإمام الخميني تطبيق بعض القوانين خارج الاطار الدستوري مما اثار امتعاض رئيس الجمهورية علي خامنئي وهذا نص الرسالة التاريخية:

"كان يبدو من حديثكم في صلاة الجمعة ويظهر انكم لا تؤمنون ان الحكومة التي تعني الولاية المتحولة من الله الى النبي الأكرم (ص) مقدمة على جميع الأحكام الفرعية. ولو كانت صلاحيات الحكومة (أي ولاية الفقيه) محصورة في اطار الأحكام الفرعية الالهية لوجب ان تلغي اطروحة الحكومة الالهية والولاية المطلقة المفوضة الى نبي الاسلام (ص) وأن تصبح بلا معنى...

 

ولا بد أن أوضح ان الحكومة شعبة من ولاية رسول الله (ص) المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للاسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج... وتستطيع الحكومة (الولي الفقيه) ان تلغي من طرف واحد الاتفاقات الشرعية التي تعقدها مع الشعب اذا رأتها مخالفة لمصلحة البلد والاسلام... ان هذه الحكومة تستطيع ان تمنع مؤقتاً في ظروف التناقض مع مصالح البلد الاسلامي اذا رأت ذلك، ان تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض الالهية. وما قيل حتى الان وما قد يقال ناشئ من عدم معرفة الولاية المطلقة الالهية" وهذا يعني شرعية خرق كل الدساتير البشرية وحتى بعض الفرائض الفرعية الالهية!

 

وهكذا فان دور البشر في الحياة السياسية يصبح ملغى بوجود فقيه منصوب عليهم من الله، فلا يمكن عندها انتقاد سياسته التي تصبح بدورها مقدسة لصدورها عنه هو المعصوم عن أي خطأ وهو فوق كل الدساتير والأعراف.

 

أتى اعلان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بأنه عضو في حزب ولاية الفقيه ليقطع الطريق على جدل تسببت به التقية التقليدية في هذا الحزب منذ اتفاق الطائف، والتي أرخت بظلال كثيفة من الابهام حول المرجعية السياسية والعسكرية والدينية المطلقة التي اعتمدها هذا الحزب منذ نشأته في بداية الثمانينات من القرن الماضي مع ان هذه المرجعية كان قد شرحها بوضوح نائب الأمين العام نعيم قاسم في كتابه "حزب الله" ص 21 ـ 25 حين قال: "نجحت الثورة الاسلامية المباركة في ايران بقيادة الامام الخميني (قده) سنة 1979 فاستقطبت المؤمنين... ناقش الاسلاميون داخل اطرهم ومع بعضهم البعض كيفية النهوض ومواكبة متطلبات المرحلة في لبنان والاستفادة من التجربة والاشعاع الايراني.. فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل اسلامي موحد.. من أجل تحقيق هذه الأهداف تابع ممثلون عن المجموعات الاسلامية الرئيسة مناقشة افكار عديدة حول رؤيتهم للعمل الاسلامي في لبنان، تمت صياغتها في ورقة نهائية ثم انتدبوا تسعة أفراد كممثلين عنهم... ثم رفعوا هذه الوثيقة الى الامام الخميني (قده) فوافق عليها فاكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها، عندها قررت المجموعات الاسلامية الموافقة على الوثيقة وحل تشكيلاتها التنظيمية القائمة وأنشئ تشكيل واحد جديد سمي لاحقاً باسم "حزب الله".

 

وقد اتى البيان التأسيسي للحزب سنة 1985 ليؤكد على هذه المرجعية كما يلي: "إننا ابناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران... نلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالامام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني".

 

ولا شك مما تقدم بأن محازبي "حزب الله" يعتبرون مسألة "ولاية الفقيه" هي مشروع وحدة اسلامية يدعو الى التجمع تحت راية الولي الفقيه كقيادة سياسية ودينية وجهادية مطلقة حتى تحصر جهود هذه الامة في عصبة واحدة.

 

ولكن، وبمجرد نسبة مرجعية هذه القيادة الى القدرة الالهية على اساس انها وكالة عن المهدي (عج) فانها تفترض بالتابعين الانتماء المبدأي الى فقه الامامية "الاثنا عشرية" والتي تؤمن منها بحقيقة المهدي (عج) وغيبته الصغرى والكبرى. وهذا يعني عمليا اقصاء الأكثرية العظمى من المسلمين، من ضمنهم شيعة غير مؤمنين بمرجعية الولي الفقيه المطلقة، عن امكانية الانتماء الى "أمة حزب الله".

 

وفي هذا المجال قال نعيم قاسم في الصفحة 40 من كتابه: "فاذا قال قائل! لماذا لا تجعلوا خياركم من مجموع المذاهب لايجاد توليفة فقيهية بينها فتكونوا بذلك قد تصديتم لمنهج عملي في الوحدة بين المسلمين؟

 

نقول: امنيتنا الكبرى ان نكون في هذا الموقع الذي يوحد بين المسلمين لكنه امر معقد لم يتمكن الفقهاء من حله خلال مئات السنين".

وهذا يعني عمليا وواقعيا ان ضرورة نمو "أمة حزب الله" تجعل من نمو "الايمان" بولاية الفقيه ضرورة حيوية لعمل "حزب الله".

 

وقد اثبتت قضية "المقاومة" نجاحاتها في اعلاء شأن هذا الحزب وجعله قبلة انظار المسلمين. ولكن لو نعود فقط الى ما صرح به رئيس تحرير صحيفة كيهان الرسمية الايرانية حسين شريعتمداري في اب 2006، وهو من مستشاري الولي الفقيه علي خامنئي، في معرض تعليقه على حرب تموز: "ان حزب الله لا يقاتل من اجل السجناء، ولا من اجل مزارع شبعا، ولا حتى القضايا العربية ايا كانت في وقت، وانما من اجل ايران في صراعها مع الولايات المتحدة".

 

والحقيقة الأساسية الأخرى هي ان مشروع "حزب الله"، وهو جزء من مشروع ولاية الفقيه يتعدى حتى مسألة السياسات البشرية ليدخل في الماورائيات وما هو خارج حدود التاريخ كما صرح النائب علي عمار في خطاب له بعيد حرب تموز 2006 فوق ركام الضاحية الجنوبية عندما اكد ان حزبه يتعدى الانتماء البشري ليكون حزب الله بالمعنى الحقيقي، وافترض استمرار هذا الحزب الى نهاية التاريخ في اشارة الى خوض غمار المعركة النهائية بين الخير والشر عند عودة المهدي (عج) من غيبته الكبرى.

 

وتؤكد المرجعيات في هذا الاطار بأن نشر سلطة الولي الفقيه فوق اكبر رقعة من الأرض هي الوسيلة: "ان رد ولاية الفقيه تعادل الشرك بالله وطاعته هي من اكبر التكاليف الالهية وذلك لتعجيل ظهور "صاحب الزمان" (عج) من خلال تحضير المسلمين على طاعته، فعودته تعتمد على استعداد البشر بالقبول بالولاية".

فالى من يرغب ان يتعرف على معنى كون الانسان ينتمي الى حزب الولي الفقيه، فما عليه الا ان يدرس ما تقدم في المقال مع التمني له بالحماية من الأرق والكوابيس.

(*) نائب لبناني عضو في كتلة "المستقبل"

 

***المستقبل - الثلاثاء 10 حزيران 2008