اللاسياحة في "حزب الله لاند":إقتصاد مجتمع مغلق

داليا عبيد- كاتبة من جنوب لبنان

عن جريدة النهار 11/7/2006

تتمحور خطابات الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله حول أهمية وجود سلاح حزبه في جنوب لبنان حيث يضاعف بقاؤه من نقاط القوة المتوافرة في أيدي اللبنانيين. وتدور كلماته حول قدرة الشعب اللبناني، بفضل السلاح طبعاً، على الصمود والتصميم. فإن لدى رجاله ونسائه وشبابه وكباره وصغاره استعداداً عاليا للتضحية. يشدد الأمين العام على فعل السكينة والطمأنينة اللتين تعمان أعماق نفوس الجنوبيين خاصة في المناطق المحررة حيث، وبنظره، يخترق الأمن القلوب. فيتباهى بأن شمال إسرائيل المزدهر إقتصادياً، يقع تحت مرمى صواريخ المقاومة مما يحدث توازناً بينه وبين جنوب لبنان المحروم. لماذا يصمم حسن نصر الله على تكرار مقولة الأمن والطمأنينة وهو يدرك تماماً أن الجنوبيين تائهون في دوامة من القلق والرعب بسبب التصميم على إبقاء الجنوب حلبة مفتوحة للصراع العسكري مما يعوّق أي تقدم على الصعيد الإقتصادي؟

في الوقت الحالي، يعاني الجنوب، خاصة في مناطقه المحررة، من ركود عام في الأنشطة الإقتصادية حيث يتميز إقتصاده بمستويات عالية من البطالة والإستخدام الجزئي وعدم إستقرار الوظائف والفقر عموماً.

كما على الصعيد الوطني، يعتبر تطوير قطاع السياحة من أهم العوامل التي تساهم في تدعيم هذا الإقتصاد وتحفيزه. في ظل غياب الدولة وسيطرة "حزب الله" المسلح على المجالس البلدية، تكونت في الجنوب مركزية طائفية تفرض ثقافة الثورة الإسلامية وتستقوي بسلاح من المفترض أنه منتهي الصلاحية.

هذه المركزية تقف عائقاً يمنع أي إمكان لتطوير صناعة السياحة الداخلية والخارجية جراء ممارسات عديدة على أرض الواقع:

يصر "حزب الله" على إشاعة أجواء كربلائية وذلك عبر نشره الأعلام والشعارات السوداء فوق كل صخرة جنوبية وتحتها وعلى غرس صور شهداء المقاومة الإسلامية على طول الطرقات، وعلى تثبيت هياكل الآليات العسكرية في مداخل البلدات، مما يعطي إنطباعاً للزائر بأن المنطقة ساحة حرب مستمرة فيصبح عامل التردد في العودة إلى المنطقة واقعاً حتى إشعار آخر.

بعد التحرير وبحجة أمن المقاومة، سيطر عناصر "حزب الله" على أماكن تشكل ذاكرة تاريخية للشعب اللبناني وتالياً نقاط جذب سياحية بامتياز كقلعة الشقيف في أرنون وبوابة فاطمة ومعتقل الخيام. عوض أن يتحول الأخير متحفاً للمقاومة تابعاً لوزارة الثقافة، أصبح معرضاً مستمراً لشعارات الثورة الإسلامية.

وبحجة الأمن دائماً، تمت السيطرة على مواقع كانت محتلة من جانب قوات العدو الإسرائيلي، ففرضت رقابة تامة على تحركات المواطنين في هذه المناطق المحظورة.

منطقة الريحان في قضاء جزين مثلاً، تنتمي إلى سلسلة المحظورات وهي مؤهلة للإنضمام إلى الخريطة السياحية الوطنية، فإضافة إلى مناخها الجميل وغناها الحرجي، تخفي في أعماقها مغارة مشابهة بمغارة جعيتا من ناحية التكوين والجمالية. لقد كف جهاز الأمن في الحزب ويا للاسف اليد عن الإهتمام الرسمي بها خوفاً من توافد الزوار وإزدهار المنطقة وتالياً إنتفاء صبغة الحرمان عنها!

لا تقف ممارسات عناصر الثورة عند هذه الحدود بل تعبر إلى فرض الحظر على المشروبات الروحية والموسيقى الصاخبة في المنتزهات الخاصة والعامة والتشويش على الحفلات العارضة مما أدى إلى هجرة المصطافين اللبنانيين والعرب لقرى مصنفة للإصطياف من جانب الدولة، كانت عامرة في السابق بالمازة والدبكة اللبنانية.

إضافة إلى ذلك، يقف أعضاء المجالس البلدية التابعون لـ"حزب الله" عائقاً أمام إقامة المهرجانات السياحية والتي قد تكون نقطة إنطلاق لإجتذاب الزوار أسوة بالمناطق الأخرى.

نتيجة لكل ما سبق، يتفشى وباء التعدي على الحريات الشخصية والعامة وينغلق المجتمع يوماً بعد يوم على نفسه ويتكيف الجنوبي مع سوداوية كثيفة ويتم وأد كل محاولة إنفتاح تحاول النظر بتفاؤل إلى المستقبل.

فلا صوت يعلو فوق أهزوجة المقاومة! مما يلغي أي إحتمال للتطلع إلى رسم خريطة طريق سياحية تعطي المناطق الجنوبية حقها بفضل غناها الطبيعي والتراثي فيقطع حبل وصل الناس مع الحرمان المستنزف.

بعد هذا التحليل، يطرأ تساؤل على ذهني: لماذا تعمر شواطئ شمال إسرائيل وجباله وموانئه وفنادقه بالسياح بالرغم من وقوعه على خط النار مثله مثل الجنوب اللبناني؟

هل غابت فكرة الأمن عن بال الحكومة الإسرائيلية؟

وما هي إذن حجة "حزب الله" المقبلة؟