الإشكاليات الدينية والإنسانية على العمليات الانتحارية

بقلم: الأمين العام لجمعية بني هاشم العالمية العلامة/السّيد محمّد علي الحسيني اللبناني

هاتف :009613961846

J_b_hashem@hotmail.com

www.banihashem.org

على اسم الله السَّلام نبدأ ونقول: أثناء زيارتنا الأخيرة إلى العاصمة البريطانية رأيت الخير والمحبة, والأخلاق العالية, والمعاملة الحسنة الإنسانية إضافة إلى المصداق الحقيقي للديمقراطية. نعم, فإنَّ بريطانيا تُعدُّ البلد الثاني بعدَ الولايات المتحدة الأمريكية بالديمقراطية.

فعند نزولنا أرض مطار آرثر لا أخفي عليكم ظننتُ أنَّ لباسيَ الدينيَّ قد يسبب لي بعض الإحراج أو يثير الحساسية لدى سكان تلك البلاد البريطانية, ولكن سرعان ما تبدد ذلك الظن إذ رايت امرأة مسلمة ترتدي الحجاب الإسلاميَّ الشرعيّ في دائرة الجوازات. أجل في دائرة الجوازات البريطانية, وهي مقبلة علينا بابتسامتها التي أنستنا عناء السفر, وختمت الجواز, وقالت: أهلا بكم في بلدكم.فما كان مني إلا أن قلت لها: حقيقية هذه هي الديمقراطية ياله من منظر جميل رائع. وتكاثرت الخواطر على مراكز الفكر والأحاسيس لديّ فالقوم لا يفرقون بين دين ودين, وإنسان وآخر. ولم يطل الأمر حتى سمعت في إحدى المحاطات قائلاً يقول بصوت عالٍ ونبرات واضحة وكلمات لا لبس فيها: هنا نُفذت العملية الاستشهادية, فأخذتني الصعقة وهزني هذا الكلام هزاً عنيفاً, أفي تلك البلاد,يوصف هذا العمل الإجراميّ الإرهابيّ الذي ترفضه الشرائع والأديان ولاتُقِرُّ به حتى شريعة الغاب, فقتل الناس الأبرياء من غير ذنب أصبح يسمّى إستشهاد!!؟.

وتخريب البلاد وإرهاب العباد يعدُّ جهاداً!!؟.

أهل أصبحت صفة الشهادة ووسامها يعطيان من غير رقيب أو حساب !؟.

فيتحول المجرم إلى مجاهد والاعتداء والإرهاب جهاداً!؟.

والأنكى من ذلك يُطلق على قاتل نفسه,أي المنتحر بأنه إستشهادي!.

أمور صارت أمام عيني فهزتني بعنفٍ,فقررت أن أبحث وأكتب حول هذا الموضوع, وأصحح هذا الخطأ الشائع والعمل الفاضح والأكذوبة الحقيقية بتسمية العمليات الانتحارية بالاستشهادية.

من هنا أقول: إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ووهب له الحياة وجعلها نعمةً له وأمانة عنده سيسأل عنها لأنها ليست ملكاً له, وإنما هي ملك لخالقها عز وجل, ولهذا لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه مهما كانت الأسباب, ومن يفعل ذلك فعقوبته وجزاؤه جهنم وساءت مصيراً.

وهذا التحريم شرعته الكتب السماوية وأقرته الأنظمة المدنية وآمنت به الفطرة الإنسانية.

وبسبب انحصار بلوانا بمن يدعي الإسلام وينادي بالجهاد شعاراً, ويتصرف بما لا يرضي الله تعالى.

وها هو القرآن الكريم في متناول يدنا,والسّنة الشريفة برهان ساطع على تحريم القتل, وتحريم الانتحار والأعمال الإنتحارية التي يدعي أعداء الأنسانية أنها عمل استشهاديّ بطوليّ, وأنهم في ذلك إنما يقومون بما أمر الله به.

وإليك أخي المسلم أدلة القرآن على تحريم قتل الإنسان نفسه:

-1-قوله تعالى في سورة النساء الآيتين: 29و30:

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا.

وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا

فدلالة هاتين الآيتين واضحة وجلية بالنهي الإلهي عن قتل الإنسان نفسه بقوله تعالى:

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ والمخالف لذلك النهي عقوبته النار كما قال تعالى: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا.

 -2-وفي أيةآخرى قال تعالى في سورة البقرة الآية:195:

 وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

ودلالة هذه الآية النهي على رمي الإنسان نفسه بالتهلكة والهلاك والانتحار مصداق من مصاديق التهلكة فيتحقق المطلوب من الاستدلال.

 -3- وفي آية آخرى في قوله في سورة الإسراء الآية 33:

وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ.

فيستدل على حرمة قتل النفس التي جعل الله لها حرمة وهي حرمة الإنسان.

فمن خلال هذه الآيات الأربع نستدلُّ على حرمة تنفيذ العمليات الإنتحارية أي حرمة قتل الإنسان نفسه.

-1-  وأما السُّنة الشريفة فعن رسول الله {ص}:{الذي يطعنُ نفسه إنما يطعنها في النار, والذي يخنق نفسه يخنقها في النار.

فدلالة هذه الرواية تحريم قتل الإنسان نفسه مطلقاً سواء أكان بعملية انتحارية أو بالطعن أو الخنق أو بأي آلة, وعقاب قاتل نفسه النار.

 -2- وعنه{ص}: من قتل نفسه بحديدةٍ, فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن شرب سمّاً فقتل نفسه, فهو يتحسَّاه في نار جهنم خالداً فيها أبداً, ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه, فهو يتردَّى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا.

يستدل من خلال هذه الرواية النبوية على تحريم قتل الإنسان نفسه, وكذلك يستدل على عقوبة وعاقبة من يفعل ذلك.

 -3- وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق{ع}:{المؤمن يبتلى بكلّ بلية ويموت بكلّ ميتة إلا أنه لايقتل نفسه .

فدلالة هذه الرواية عدم جواز قتل الإنسان نفسه مهما كانت الابتلاءات ومن قتل نفسه فهو خارج عن صفة الإيمان.

فبعد هذا نكون قد استدللنا على تحريم قتل الإنسان لنفسه بالمطلق أكان بالسُّمِّ أو بالسِّكِّين أو بالخنق أو بما يسمّى بالعمليات الانتحارية فكل ذلك من مصاديق قتل النفس المحرم فعله .

فبعد هذا البيان هل تعدّ تفجيرات لندن أو نيويورك أو إسبانيا إستشهاد وجهاد؟

أم انتحار ومعصية للخالق الجبار؟.

هذا مع غير المسلمين فكيف إذا كانت هذه العمليات ضد مسلمي العراق الشرفاء الأبرياء الذين يبيتون بعملية انتحارية  ويصبحون بغيرها وألانكى من ذلك يقال لهم:

مفتاح الجنة بات موجوداً بالعراق.

اقتل عشرة من العراقيين تدخل الجنة .

ومن أراد اللقاء مع رسول الله {ص} عليه تفجير نفسه.

شعارات وأوصاف وتسميات وأفكار ما أنزل الله بها من سلطان,ومنفذها مخالف لأوامر الرب الرحمان.

أيُّها الشباب المغرَّر بهم ارجعوا إلى ربِّكم وعقولكم ولا تقتلوا أنفسكم وتؤذون غيركم وتدخلوا النار بعملكم ,فمن قَتَلَ نفساً كأنّما قتل الناس جميعاً, وتذكّروا أنّ المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.

وأنّ الإسلام دين سلم ومحبة ووئام وسلام.

وإليكم يا أهلنا الصامدين في العراق روحي لكم الفداء ألف تحية والسلام ختام.