اضربوا رأس الأفعى

 أحمد الجارالله/السياسة

30 كانون الثاني 2007

دعوة خادم الحرمين للفلسطينيين المتذابحين الى حوار حيادي في مكة من دون تدخلات خارجية, هي الدعوة المثالية المضمونة النتائج اذا التزمت الاطراف بحرية قرارها, وتخلصها من الارتباطات الخارجية والارتهان لدول أخرى (إيران وسورية).

 

الى أي حد يمكن ضمان هذه الاشتراطات لدى حركة »حماس« التي تقود معركة شرسة على السلطة في فلسطين, وتريد ان تحسم الوضع لصالحها, ولصالح القرار الذي تعمل في خدمته وهو قرار خارجي غير فلسطيني?

 

لا نعتقد ان هناك ضمانات تكفل نجاح مثل هذا الحوار, بما في ذلك ضمانات المكان الذي يعتبر من أطهر وأقدس الامكنة, حيث بيت الله الحرام وقبلة المسلمين.

وعندما وجه خادم الحرمين دعوته هذه لوحظ ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) قد وافق على تلبيتها وهو في مقره في مدينة رام الله الفلسطينية, بينما من وافق على الدعوة من جانب حركة »حماس« كان خالد مشعل, رئيس مكتبها السياسي, وموافقته جاءت من دمشق, حيث يقيم ويحظى بالوصاية, وليس من اسماعيل هنية رئيس الوزراء »الحمساوي« المقيم في غزة.

 

بمجرد الاشارة الى هذا القبول تتضح مبكرا معالم التدخل الخارجي ومظاهره, والتي تفيد بأن من يحكم الحكومة الفلسطينية موجود في دمشق وليس في غزة على الاطلاق. وربما لهذا السبب اشتعلت الحروب الداخلية وفي ظن دمشق أنها ستحسم لصالح »حماس« التي ستقضي على ثنائية السلطة, وستصادرها لحسابها وحساب مراجعها الخارجية.

حركتا »حماس« و»فتح« اللتان رحبتا بالدعوة السعودية لن تضمن إحداهما الاخرى فيما يتعلق بارتباطها الوطني الفلسطيني, وكلاهما على علم بأن الصراع بينهما

هو صراع منقول من الخارج الايراني السوري الى الداخل الفلسطيني, وبالتالي فان وقف المذابح صعب ان يتم بقرار محلي, وان كانت »فتح« تمتلك هذا القرار من جهتها بعيدا عن أي مؤثر خارجي.. لذلك سيأتي المتفاوضون الى مكة وفي أذهانهم عوامل الارتباط الخارجي العالقة بهم جراء التزامهم بالسياسات غير الفلسطينية, ولارتهانهم لقرارات غير وطنية وغير فلسطينية, على الاقل في جانب الوفود التي ستمثل حركة »حماس«.

 

وقبيل الوصول الى حوارات مكة المرجوة نلاحظ ان السلاح الذي من المفروض ان يقاوموا به الاحتلال الاسرائيلي لبلادهم, يتقاتلون به في معركة قذرة لحسم ثنائية السلطة ومصادرتها. وفي هكذا جو موبوء صعب القول ان بامكان هذه المقاومة ان تحقق شيئا, او أنها حققت الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة... اسرائيل هي التي انسحبت من غزة من طرف واحد, وخروجها لم يكن بمقاومة, تماما كما كان الحال عندما خرجت من جنوب لبنان في مايو عام 2000 .

 

نحن في الواقع, على صعيد حركات المقاومة, ندعي أفعالا لم نقم بها, ونخطف إنجازات حققها غيرنا, ونصور بطولات لأنفسنا تحققت في الفراغ, وفي الهوامش حيث لا وجود لعدو نقاومه او نحاربه, وهذا يدلل على ما تقتضيه الارتباطات الخارجية ل¯ »حماس« و»حزب الله« من مواقف وادعاءات تصرف في أسواق السياسة لا في مضمار الحقيقة. وربما بسبب هذه الارتباطات نلاحظ تناغم الاوركسترا في لبنان وفي فلسطين ووحدة إيقاعاتها. في لبنان هناك حكومة فؤاد السنيورة, وهناك جماعة الاكثرية النيابية, وفي مقابلها جماعة »حزب الله« وتابعية المرتهنين للقرار الايراني السوري .. جماعة الحزب تقاتل على السلطة الآن, متهمة الحكومة بالامركة وبالخيانة, ومنفذة للاوامر الخارجية بوجوب إرجاع لبنان الى المحور إياه, وجماعة حماس تقاتل على الاستئثار بالسلطة متهمة أبو مازن بالامركة وبالخيانة, وفي حساب المحركين من الخارج إحكام قبضتهم على لبنان وفلسطين والعراق في وقت واحد, والتقدم الى المجتمع الدولي من موقع القوي إقليميا والقادر على فرض سياساته ومصالحه بالتفاوض او بغيره..

 

التناغم بين ما يجري في لبنان وفي فلسطين يؤكد على الهجمة الايرانية السورية على البلدين والمربوطة ساعتها على توقيت واحد. »حماس« بمواجهة »فتح« ونصرالله في مواجهة السنيورة, تعددت الاسماء والتدخل الخارجي واحد. وهذه الاطراف المتورطة (حماس ونصرالله) لن يتحرروا من شياطينهم الخارجية ولو اجتمعوا مع سواهم ومنافسيهم, وسيلتزمون بما جرى أثناء لقاء محمود عباس وخالد مشعل في دمشق حيث فشل اللقاء لاسباب الحضور السوري فيه والتزام مشعل بارتباطاته الخارجية.

 

تناغم الساحتين اللبنانية والفلسطينية يدلل على حضور المحور الايراني السوري الذي اشترط خادم الحرمين عدم حضوره في لقاء مكة... ويبقى أن الحل الذي ينشده الخيرون في الساحتين, ويبعد عنهما عار الاقتتال الداخلي, لن يتحقق الا بالقضاء على رأس الافعى وليس بملاحقة ذيولها... ورأس الافعى معروف أين يقطن وأين يقيم وفي أي مكان.