أسرار كرة الثلج

بقلم/جان عزيز-البلد

الجمعة, 10 مارس, 2006

"المؤامرة مستمرة".

هكذا تصف أوساط مسيحية معارضة حقيقة التطورات الأخيرة المرتبطة بالهيئة الوطنية لقانون الانتخابات النيابية.

وتؤكد انها مؤامرة، لأن المسألة المطروحة هي أخطر مواضيع النظام والأساس الأول لميثاق العيش المشترك.

وهي مستمرة لأنها تكرار دقيق لما حصل في أيار الماضي، يوم قام "الحلف الرباعي" وقرر الابقاء على قانون غازي كنعان، فسكت تواطؤاً مسيحيو سلطة اليوم، وغُدرت بكركي ووصل البلد الى المأزق.

الصورة نفسها تستعاد اليوم، كما تشرح الأوساط نفسها، بتقاطع بين داخل الهيئة وخارجها، كما بين الاعلام والسياسة الممسوكين. بدأت القصة، ترويها الأوساط الشاملة الاطلاع، حين انتهت أشهر سبعة من مباحثات الهيئة الى لااتفاق وبدا واضحاً أن ثمة أكثرية داخلها من رأي قريب الى رأي السلطة، وأقلية متعنتة دفاعاً عن قانون يؤمن صحة التمثيل.

في 28 شباط الماضي انتهت المهلة الممددة للهيئة، ولا اقتراح يحظى باجماع أعضائها. عند هذا الحد وعشية انطلاق الحوار، قفز الى الواجهة طرح يقضي بالانقلاب على منهجية عمل الهيئة وفي شكل مخالف لأصول تشكيلها:

بدل الوصول الى اقتراح واحد، فلترفع الهيئة الى رئيس الحكومة سلسلة اقتراحات.

ماذا يعني هذا الطرح؟

بكل بساطة كان المطلوب تمرير اقتراح واحد سيئ بين الاقتراحات، بحيث تتبناه الأكثرية الحاكمة في مجلسي الوزراء والنواب، ويصير قانوناً جديداً للانتخابات، مغطى بمشروعية اقتراحه من قبل الهيئة الوطنية.

لماذا هذه الصيغة التحايلية في حين يمكن للهيئة أن تتبنى اقتراحاً واحداً بثمانية أصوات من أصل أعضائها الاثني عشر؟

بكل بساطة أيضاً، من أجل تجنب الضجة التي أثارها تمرير قانون غازي كنعان قبل أشهر، نتيجة وجود معارضين قادرين على تجسيد الرفض شارعياً وسياسياً واعلامياً وانتخابياً.

وبالتالي كان المطلوب اجماعاً من كامل الأعضاء يضمن الصمت الكامل لتمرير رأي السلطة.

لماذا هذا التوقيت؟ لأن ثمة من كان يعتقد أن انشغال الناس بالحوار الأقطابي كفيل بانجاز المهمة بهدوء و"على السكت".

مع ظهور هذه النيات، تتابع الأوساط نفسها، برز اعتراض عضوين من أعضاء الهيئة.

وبدا واضحاً أنهما يتجهان الى الاستقالة. فجأة اندلعت حرب التهويل والتخوين و"التذنيب" ضدهما، على الشكل الآتي:

1- تؤكد المصادر الموثوقة نفسها ان العضوين لم ينويا اثارة الموضوع اعلامياً، لكن المفاجأة كانت تسريب خبر اعتراضهما من قبل أوساط رئيس الهيئة بالذات.

علماً أن المصادر نفسها تؤكد معرفتها الكاملة بقصة التسريب وتفاصيلها وأسمائها.

2- بعد تسرب الخبر اضطر العضوان المعترضان الى اصدار بيان توضيحي، فكانت حرب اعلامية لطمسه، حتى ان محطة تلفزيونية رئيسية قريبة من جهة سياسية مسيحية في السلطة، لم تبث البيان بحجة انه ورد متأخراً قبل ساعة كاملة من موعد نشرتها الاخبارية.

3- بعد توزيع البيان بدأت حملة تهويل جديدة بحجة ان واضعيه أرسلاه الى وسائل الاعلام قبل ابلاغه الى الهيئة. فيما الوقائع تؤكد أن البيان أبلغ هاتفياً الى عضوين "رسميين" في الهيئة على الأقل، وهو سجل لدى البريد الوارد في رئاسة الحكومة لاحالته الى الهيئة في الساعة الثامنة وخمس دقائق صباح توزيعه، وحمل الرقم 1 في سجل هذا البريد.

4- عمدت جهات في السلطة معروفة الى تحويل القضية من طابعها الوطني والمبدئي، الى الناحية الطائفية والمذهبية، فدأبت على دس أكاذيب تقول ان العضوين المعترضين انسحبا نزولاً عند ايعاز بكركي، كما اعتمدت في تسريباتها كما بياناتها الرسمية، صيغة مستهجنة، تشير الى أن العضوين المعترضين مارونيان.

وهو ما لم يذكر قط قبل ذلك.

ما أشار الى محاولة هذه الجهات التهويل على بكركي واحراجها ودفعها الى الضغط المعاكس على اقتناعات العضوين المقصودين. واكتمل هذا النهج المستهجن بالتهديد بتعيين عضوين بديلين، مع تضمين كتاب هذا "التهديد" الاشارة مجدداً الى الانتماء المذهبي "للمتمردين"، وهو أمر غير مسبوق في عمل الهيئة منذ انشائها.

ولماذا حصل ذلك كله الآن؟

لأن أصحاب الرأي نفسه كانوا يعتقدون بأن طرح موضوع الاستحقاق الرئاسي الآن سيؤدي الى اسكات جميع الزعماء المسيحيين عن صفقة قانون الانتخابات، حتى لا تتضرر حظوظ أي منهم الرئاسية.

خصوصاً وأن تجربة أيار الماضي مشجعة في هذا المجال، اذ صار الصمت سيد الموقف أملاً بمقعد نيابي، فكيف بطيف الرئاسة حتى ان الحديث عن التوقيت طرح صراحة داخل الهيئة.

هل يجد هذا المخطط طريقه الى الواقع؟ تستبعد الأوساط المسيحية المعارضة ذلك، وتؤكد أن القضية ستتحول في الأيام المقبلة كرة ثلج، وان المسألة لن يقدر على حسمها أي قرار بتعيين عضوين بديلين ولا أي تهويل جديد عليهما أو على بكركي.

جان عزيز