خطة للمواجهة رُفضت قبل شهر فما الذي تغيّر؟

جان عزيز – البلد

 الخميس, 23 فبراير, 2006

ذات مساء من مطلع هذا العام، كان النصاب شبه مكتمل في اجتماع استثنائي لفريق عمل مسؤول حكومي كبير. الى الطاولة وزراء ومستشارون وخبراء عريقون. وعلى الطاولة ورقة من أربع صفحات، وصلت الى المسؤول نفسه، موضوعها كيفية الخروج من المأزق الراهن، وصادرة عن أوساط وثيقة الصلة ببكركي.

كان المتنافسون يقرأون المضمون بصوت عالٍ، ومعظمهم يومئ الرأس موافقة. فالمذكرة المنتقلة عبر قنوات أمينة بين الطرفين، تبدأ من خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش صبيحة 20 كانون الأول الماضي من المكتب البيضاوي، والذي يؤشر الى بداية مرحلة جديدة للسياسة الأميركية في العراق، وبالتالي في المنطقة. وإذ تستعرض المذكرة الجوانب المقلقة لسنة الانسحاب الأميركي من بغداد، تتوقف بتمعن عند إشارة بوش في الخطاب المذكور الى تعاون في هذا الملف مع محيط العراق، في ما بدا خطوة أولى نحو ترتيب واشنطن "استراتيجيا الخروج" من هذا البلد. صحيح ان خطاب الرئيس الأميركي لم يسمّ سورية بين الدول المدعومة للبحث في "مستقبل الحكومة العراقية"، لكن دمشق في المقابل بدت مستعدة للاستحقاق، ودائبة على تأهيل نفسها لدور مماثل.

وتستعرض المذكرة نفسها محطات التأهيل السوري وخطواته المنجزة: التعاون الأمني والعسكري على الحدود السورية ـــ العراقية المساهمة في الضغط على الجماعات السنية في العراق للانخراط في العملية السياسية الجارية فيه، وصولاً الى ما اعتبر دوراً سورياً ايجابياً في إنجاح الانتخابات العراقية واستقبال دمشق للشيخ عبد المحسن الضاري... من دون اغفال الخطوات الأخرى التي رصدت في الاتجاه نفسه، في الفترة الفاصلة بين إعداد تلك المذكرة وتاريخ مناقشتها على طاولة المسؤول الكبير.

وبدت وجهات النظر متطابقة بين الورقة الموجودة في أيدي المناقشين وبين اقتناعاتهم الذاتية. صحيح ان لا صفقة مع سورية من قبل الغرب، لكن تبدل وسائل الضغط من جهة، وتنامي عدد العواصم الاقليمية المتحفظة على ضرب النظام في دمشق، ودخول الحلف الايراني على الخط من جهة أخرى، كما تشقق أرضية مجلس الأمن بتمايز الموقفين الروسي والصيني من جهة ثالثة... كل ذلك يدعو الى الحذر والاستنفار واعلان "حال طوارئ" سياسية شاملة.

وتخلص الورقة الى سلسلة مقترحات عملية ومفصلة، أبرزها الآتي:

اعتبار لبنان فعلياً في حالة حرب تستهدف انجازه لسيادته الوطنية التي تحققت عام 2005، ودعوة الحكومة الى الطلب من الشرعية الدولية والعالم الحر دعم لبنان في حربه هذه.

اعتماد سياسة داخلية أساسها مصارحة الشعب اللبناني بخطورة الوضع واستهاضه للدفاع عن انجازات انتفاضته.

التمييز الواقعي والسياسي المفروض بين هذا المسار السياسي الدفاعي وبين قضية التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري على قاعدة ان اللبنانيين أدركوا منذ 14 شباط 2005 مسؤولية النظام السوري عن تلك الجريمة، وتوحدوا في رد فعلهم عليها. إلا ان ذلك لا يعني التفريط بما أنجز تحت أي شعار كان.

التمييز الواقعي أيضاً بين السعي الى استكمال السيادة الوطنية وبين اندفاع البعض من قطاعات الأكثرية النيابية الى "الاقتصاص" و"الثأر" من النظام السوري بالعمل على اسقاطه.

الاستناد الى كل ما سبق لتعلن الحكومة خوضها معركة "الدفاع عن لبنان واللبنانيين"، ولتنفتح على كل القوى الراغبة في الانضمام إليها في هذه المواجهة الوطنية.

وتختم المذكرة بالاشارة الى ان خطة مواجهة كهذه ستكون حتماً موضع ترحيب واستجابة من قبل البيئة المسيحية ومرجعياتها الروحية خصوصاً وان استهداف هذه البيئة طيلة العام المنصرم، بنىً وشخصيات، شكل أكثر من اضاءة على مخطط حزب الوطن وتقويض انجازات ثورته الأخيرة.

وتؤكد المعلومات الموثوقة ان اجماعاً أو شبهه، تكوّن لدى فريق المسؤول الحكومي المناقش لمضمون الورقة. وفيما اعتقد البعض ان البحث يجب أن ينطلق بعد ذاك الى تبيان الخطوات العملية، فوجئ الجميع بقرار المسؤول نفسه إرجاء المسألة لمزيد من التشاور. بعد أسابيع قليلة على تلك الوقائع تبدلت الصورة، وفتحت المعركة ضد رئاسة الجمهورية في شكل كامل، كما ضد سلاح "حزب الله" في شكل مجتزأ، وظلت سورية خارجة عن دائرة الرماية لمعظم الأطراف الأساسيين الملتئمين في تظاهرة 14 شباط.

ما الذي تغيّر في هذه الأسابيع؟ المطلعون على الوقائع المذكورة يجيبون بأن التبدل في الموقف عائد اما الى نتائج زيارة سعد الحريري الى واشنطن، وإما الى كون الحريري لم يطلع المسؤول الحكومي المقصود بما يحضّر له، واما الى كون الاثنين قصدا عدم إشراك بكركي عبر الجهات القريبة منها، في ما كانا يعدان له. علماً ان كلاً من الاحتمالات الثلاثة يفتح بدوره مجموعة من علامات الاستفهام، التي ينتظر أن ترخي بظلالها على علاقات الأطراف المعنية في المرحلة المقبلة، أياً كانت نتيجة المواجهة الراهنة.