ثلاثة مشاهد مسيحيّة وسؤال

بقلم/جان عزيز

الثلاثاء, 11 يوليو, 2006

في مشهد أول، روى أحد المشاركين في عشاء قريطم يوم الاربعاء الأسبق، عشية الجلسة الأخيرة لطاولة الحوار، ان السياسيين المسيحيين حول مائدة سعد الدين الحريري كانوا أكثرية عددية واضحة. لكنهم كانوا جميعاً في موقع المستمع، أو حتى المتفرّج.

لا لخلل في العلاقة بين الطرفين الطائفيين داخل فريق الأكثرية، بل لأن معطيات المشهد السياسي الداخلي والاقليمي والدولي، كانت لدى ثلاثة: سنيان ودرزي، اكتفى حلفاؤهم المسيحيون بالاطلاع منهم على ما يجري...

في مشهد ثانٍ، بعد أيام على المشهد الأول، نظم "التيار الوطني الحر" مهرجاناً سياسياً في الأونسكو.

انتقل ميشال عون من الرابية الى "الغربية"، تسهيلاً ربما لانتقال حلفائه و"المتفاهمين" معه.

حضر نعيم قاسم نائب الأمين العام في "حزب الله"، وغاب حسن نصرالله.

بعد أيام أطلق عون معركة المجلس الدستوري، فغاب الطرف الآخر في الثنائية الشيعية ــ نبيه بري ــ عن المواجهة.

حتى ان رئيس المجلس بدا الحاضر الخفيّ في المقلب الآخر، الى جانب آلية المجلس الدستوري الجديد وقانونه والتحضير منذ الآن لمحاصصة أعضائه المقبلين.

وبين غياب نصرالله عن مناسبة الأونسكو وغياب بري عن مواجهة "الدستوري"، كان الاثنان حاضرين بقوة في اللقاءات مع بعضهما، كما في لقاءات كل منهما مع الحريري الابن، تمشية لملفات الدولة العالقة، وتصريفاً لكل أعمالها، في ظل مجلس وحكومة في حكم المستقيلين.

في مشهد ثالث، متزامن مع المشهدين الأولين، كان البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير يسافر الى الولايات المتحدة، ويتنقل بين محطات زيارته المختلفة، في انتظار تحديد مواعيد له في العاصمة واشنطن.

 ومع انه بات شبه مؤكد ان يكون لسيد بكركي لقاء مع مسؤولي الادارة الأميركية، على مستوى نائب الرئيس ديك تشيني في حد أدنى، إلا ان الصورة وإخراجها، يظلان مختلفين عن زيارات فؤاد السنيورة وقبله سعد الدين الحريري، وحتى وليد جنبلاط، الى العاصمة الأميركية، والتي كانت تتم بموجب دعوات أميركية رسمية، ووفق جدول زيارة محدد مسبقاً، ومتوّج بمحطات أساسية بين البيت الأبيض والشوارع المجاورة لجادة بنسلفانيا في العاصمة الأميركية.

لا بل ان الصورة تبدو مختلفة حتى عن زيارة البطريرك نفسه الى واشنطن نفسها، في 17 آذار 2004، يوم حمل جورج بوش شخصياً، كرسياً إضافياً لأحد أعضاء الوفد البطريركي في المكتب البيضاوي، معلقاً على حركته بالقول الحامل أكثر من رسالة: "يهمني جداً ان تشعروا بالراحة في هذا المكان".

ما الذي تغير منذ ذلك التاريخ الواعد جداً، حتى تاريخ المشاهد الثلاثة المذكورة؟ الجواب على هذا السؤال، لا يخلو من مفارقة غريبة.

فالذي تغير بين التاريخين، هو ان كل المطالب والثوابت والمبادئ التي رفعها المسيحيون في لبنان طيلة 30 سنة، أنجزت وتحققت.

فيما هم لم يحصدوا من إنجازها وتحققها شيئاً، لا بل يبدون على عتبة صراع ثان متكرر نسخة مطابقة:

اما استقواء بالآخر على الذات حتى النحر، واما تشبّث أعمى بحق الذات حتى الانتحار.

ما تغير بين التاريخين ان "لبنان أولاً" صار شعار الفريق السني الأول، والعداء للنظام السوري صار مطلب الفريق الدرزي الأول، والديمقراطية التوافقية الرافضة لمنطق الأكثرية والأقلية، صارت نهج الفريق الشيعي الأول، كما صارت مسلمات الاقتصاد الحر واللبرالية الشاملة والانتماء الى الفضاء الكوني الديمقراطي من ثوابت كل المسلمين في لبنان.

ورغم ذلك كله لم يحصد المسيحيون شيئاً.

لكن رغم كل التفسيرات، لو ان المشاهد الثلاثة السابقة جاءت عقب اجتماع مطول في بكركي، بين صفير وعون وجعجع، أما كان وضع الأول في واشنطن أقوى ومواجهة الثاني بين "الدستوري" والحكومة أسهل، ومشاركة الثالث في لقاءات قريطم أفعل؟

مجرّد سؤال...