سيناريو "الانقلاب الدستوري" تنقصه ثلاث مظلاّت:

الرئاسة شاغرة والنصاب 65 نائباً وعلى الله التوفيق

بقلم/ جان عزيز

الجمعة, 17 فبراير, 2006 /البلد

أول السيناريوهات التي يتدارسها أطراف تظاهرة 14 شباط لتغيير الوضع القائم هو "السيناريو الدستوري". وفي تفاصيله إحداث ضغط شعبي واعلامي وشارعي وسياسي ودبلوماسي كبير، كاف لتشكيل "مظلّة" معنوية وواقعية، تسمح بالخطوات الآتية:

1-اعتبار سدة رئاسة الجمهورية شاغرة منذ 24 تشرين الثاني 2004، أي منذ تاريخ نهاية ولاية الرئيس اميل لحود الأصلية، والمحددة دستورياً بست سنوات، بدأت يوم تسلمه مقاليد الحكم من سلفه الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني 1998.

2-يستند هذا المنطق الدستوري الى اعتبار القانون الدستوري الصادر في 2 أيلول 2004، والقاضي بجعل ولاية لحود تسع سنوات بدل ست، باطلاً وكأنه لم يكن، ذلك انه أقرّ تحت الضغط وبفعل الإكراه، واعتباره بالتالي مخالفاً لمنطوق القانون الدولي والشرعية الشعبية، اضافة الى مخالفته أحكام الشرعية الدولية المتمثلة في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559، الصادر عشية هذا التعديل، والداعي الى "اجراء انتخابات حرة وديمقراطية".

وعلم ان بعض المعنيين استعان تدليلاً على هذا المنطق بسوابق عالمية وأوروبية تحديداً، خصوصاً في الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، كما سقوط الاتحاد السوفياتي، لجهة القياس على حالات اعتبرت فيها الأوضاع الدستورية الناجمة عن "الاحتلال" باطلة ولاغية وكأنها لم تكن (Null and Avoid). كما ان ثمة سابقة لبنانية في هذا المجال، وان على مستوى أدنى في ظروف مختلفة، وهي تلك التي تمثلت في اجتماع من تبقى من نواب مجلس 1972، لانتخاب رئيس للجمهورية في 5 تشرين الأول 1989، رغم صدور مرسوم بحل هذا المجلس عشية انعقاده، عن حكومة العماد ميشال عون، وفق أحكام الدستور السابق لتعديلات اتفاق الطائف.

وانطلاقاً من هذين الاعتبارين، يدعو هذا السيناريو الى انعقاد المجلس النيابي الحالي فوراً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس لحود المنتهية ولايته قبل عام ونيف. ويعتبر السيناريو نفسه ان المجلس في هذه الحال لا يحتاج الى دعوة رئيسه للانعقاد، بل يمكنه الاجتماع عفواً، استناداً الى الفقرة الأخيرة من المادة 73 من الدستور، التي تشير الى انه "اذا لم يدع المجلس لهذا الغرض (انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية لذلك) فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس".

وهو ما تكمله المادة 74 بالقول: "إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون...".

والواضح ان هذا السيناريو يرتكز على هذه التأويلات القانونية والدستورية لتجنب العقبة المستحيلة الحل، لجهة تقصير الولاية الرئاسية عبر تعديل الدستور نفسه. ذلك ان المادتين 77 و79 تفرضان تأمين "ثلثي الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً، ويجب ان يكون التصويت بالغالبية نفسها"، وذلك في حالتي ورود طلب التعديل من الحكومة أو من مجلس النواب. وعقبة الثلثين هذه هي ما يبدو مستحيلاً تأمينه في الظروف الراهنة من قبل أطراف تظاهرة 14 شباط.

غير ان مجموع الثلثين نفسه يعود فيفرض حاله مشكلة دستورية عند انتخاب المجلس النيابي للرئيس الجديد. وبالتالي فما لم يتأمن نصاباً لتعديل الدستور وتقصير الولاية الرئاسية، كيف يمكن تأمينه نصاباً للانتخاب الرئاسي؟

عند هذا الحد يلجأ السيناريو المطروح نفسه الى اجتهاد دستوري آخر جديد، ينطلق من النص الحرفي للمادة 49 من الدستور، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية. ذلك ان الفقرة الثانية من المادة الشهيرة المذكورة تقول:

"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي...".

واستناداً الى هذا النص يعتبر السيناريو المطروح ان غالبية ثلثي المجلس النيابي التي حددها الدستور في هذه المادة هي الغالبية المطلوبة لفوز المرشح للرئاسة في دورة الاقتراع الأولى لا غير.

وهي بالتالي ليست الغالبية الدستورية المطلوبة للنصاب الدستوري لجلسة الانتخاب، كما انها، كما هو معروف ليست الغالبية المطلوبة دستورياً للفوز في دورات الاقتراع التي تلي الدورة الأولى. واللافت ان الدستور، كما النظام الداخلي لمجلس النواب المقر بواسطة قانون، لا ينصان في أي مكان آخر، على غالبية ثلثي أعضاء المجلس كأكثرية دستورية مطلوبة لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

وبالتالي يعتبر السيناريو المطروح انه يمكن للمجلس ان ينعقد في جلسة قانونية لانتخاب الرئيس بالأكثرية العادية من أعضائه، أي النصف زائد واحد، كما نصت عليها المادة 34 من الدستور، وكما عادت فأكدتها المادة 63 من النظام الداخلي لمجلس النواب المصدق في 6 حزيران 1991.

ماذا تعني هذه القراءة السيناريوهية عملياً اليوم؟

يطرح أصحاب هذه النظرية عملياً ان رئاسة الجمهورية شاغرة منذ 24 تشرين الثاني 2004.

ان المجلس النيابي منعقد حكماً منذ 14 من ذلك الشهر لانتخاب رئيس جديد. ويمكن في أي لحظة أن يجتمع 65 نائباً (نصف النواب زائد واحد) من دون دعوة رئيس المجلس، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فيجري هؤلاء دورة اقتراع أولى شكلية، يقتضي الفوز فيها بالرئاسة، حصول أي مرشح على 89 صوتاً، أو أكثرية الثلثين. بعدها تجرى دورة ثانية، تكون الغالبية المطلوبة فيها للفوز 65 صوتاً لا غير، أي "الغالبية المطلقة" وفق المادة 49 من الدستور.

ماذا يقول الخبراء في هذا السيناريو؟ الدستوريون منهم يؤكدون انه مجرّد هرطقة دستورية.

ذلك ان العرف الدستوري يجمع على ان غالبية الفوز هي حكماً غالبية النصاب.

وبالتالي فإن الثلثين اللذين فرضتهما المادة 49 أكثرية للفوز في الدورة الأولى من الانتخاب، هما أيضاً وحكماً الأكثرية اللازمة للنصاب الدستوري في كل الدورات أياً كان عددها وزمن انعقادها وفترات تواليها.

أما السياسيون منهم فيؤكدون ان هذا "الانقلاب الدستوري" في حاجة ماسة الى غطاء دولي لضمان مفاعيله القانونية محلياً ودولياً، خصوصاً وانه قد ينتهي الى حالة مشابهة لحالة "عملية انهاء التمرد" التي شنها النظام السوري وحلفاؤه ضد العماد ميشال عون في قصر بعبدا في 13 تشرين الأول 1990 وهو ما لم يتم إلا بمظلة دولية.

أما الميثاقيون من الخبراء، فيعتبرون، انه بمعزل عن الدستور والمظلات الدولية، يقتضي الأمر أولاً وأخيراً موافقة بكركي.

يبقى رأي المراقبين، ومفاده ان أياً من المقتضيات الثلاثة لا يبدو متوافراً اليوم، لا دستوراً ولا سياسة دولية ولا بركة بطريركية، أقله حتى اللحظة.

ومع ذلك فإن السيناريو يظل موضع درس، اضافة الى السيناريوهات الثلاثة الأخرى، حكومةً وميثاقاً ومع بكركي بالذات. فماذا عن تلك الاحتمالات الأخرى؟