المعالجة تأخرت نصف عام

, 18فبراير, 2006

بقلم جان عزيز/البلد

سيناريو "الانقلاب الحكومي" المطروح لدى أطراف لقاء البريستول الأخير، منبثق جزئياً في مأزقية "السيناريو" الدستوري المفصل سابقاً. لكن الأهم انه منبثق من دلالات الواقعة الخطرة التي أشار اليها بيان لقيادة الجيش قبل أيام، رداً على حديث إعلامي للنائب وليد جنبلاط. فما كشفه الأخير عن وصول شاحنات من الذخائر الى "حزب الله" أكده الجيش اللبناني، لافتاً جنبلاط الى ان الحكومة، والتي يشارك فيها مع حلفائه، والتي منحوها الثقة وصاغوا بيانها الوزاري، هي الغطاء الفعلي لوصول هذا السلاح.

لكن ما لم يكشفه الطرفان هو ان الذخائر المشار اليها كان قد تم توقيفها على نقطة حدودية للجيش اللبناني. وبعد التدقيق فيها وإبلاغ المسؤولين العسكريين بأمرها، تمت اتصالات مع جهات حكومية مسؤولة، أعطت أوامرها الرسمية لتكمل الشاحنات المتوقفة خط سيرها.

ماذا تعني هذه الواقعة؟ أولاً انه لا يمكن للحكومة الحالية معالجة موضوع سلاح "حزب الله"، كونه جزءاً من بيانها الوزاري الذي نالت ثقة المجلس استناداً اليه.

وتعني ثانياً ان الذين أقدموا على تشكيل هذه الحكومة قد نسفوا فعلياً إحدى أبرز ركائز النظام البرلماني بالمفهوم الديمقراطي. وهو النظام القائم على التمايز بين الأكثرية والأقلية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما على مبدأ تناوبهما. وأبسط مظاهر هذا النظام ان يكون رئيس السلطة التشريعية جزءاً من الأكثرية الموالية.

في مقابل ان تكون الأقلية المعارضة داخل المجلس التشريعي، لا داخل الحكومة الاجرائية. فيما المسؤولون عن "تركيب" السلطة الحالية انتهكوا المبدأين المذكورين، فجعلوا رئيس المجلس النيابي من غير أكثريتهم، كما جعلوا الأقلية النيابية شريكة لهم في مجلس الوزراء. وبعد أكثر من نصف سنة على هذا الخلل، ابتدأ التفكير في المعالجة.

وبالمنطق التحليلي نفسه، تؤكد المعلومات ان احتمالات الحل المطروحة لدى أطراف البريستول في هذا المجال، كانت مقتصرة على اثنين: إما دخول رئيس المجلس النيابي الى حساب الأكثرية، وإما خروج "حزب الله" و"حلفائه" من الحكومة. وتصر المعلومات نفسها على ان الاحتمال الأول طرح بقوة، لجهة "الحكي" مع الرئيس نبيه بري.

خصوصاً ان هذا الاحتمال يؤدي نظرياً الى إصابة عصافير عدة بواسطة "أمل" واحد. فهو يعيد تصويب عمل المؤسسات الدستورية بمفهوم النظام البرلماني المشار اليه، ويشكل ضربة قاسية لمرجعية "حزب الله" الشيعية، ويؤدي الى تعدد قيادي شيعي مماثل للتعدد المسيحي،

في مقابل الحصريتين السنية والدرزية وهو ما يعطي الأخيرتين تفوقاً استراتيجياً على الجماعتين "المتعددتين". والأهم ان نجاح "الحكي" مع بري يمكن ان يضمن أكثرية نيابية بنسبة ثلثي المجلس، إذا ما احتسب نواب رئيسه الخمسة عشر الى جانب نواب المحور الحريري الجنبلاطي الاثنين والسبعين، فتذلل العقبات وينطلق القطار المتوقف حتى الآن عند محطة البريستول.

غير ان المعلومات نفسها تسارع الى التأكيد على ان هذا الاحتمال ثبتت استحالته، وأفهم كل من يلزم، في لبنان وخارجه، ان بري باق حيث هو ومقتنع حيث هو.

ويستعد من موقعه هذا لإطلاق ورشة الطائف الثاني مطلع آذار المقبل. وهذا ما دفع الى التفكير بالاحتمال الثاني: إخراج "حزب الله" من الحكومة. ويشير المطلعون الى ان سيناريوهين طرحا في هذا المجال، في الأيام التي تلت "غزوة" الأشرفية واستقالة وزير الداخلية حسن السبع في 5 شباط الجاري.

الأول يقول بتعديل حكومي يحجّم دور وزراء "حزب الله" ويعوّم بعض الحلفاء المسيحيين لمحور الحريري جنبلاط، أما الثاني فيذهب الى تطيير الحكومة كاملة عبر استقالة رئيسها.

إلا ان السيناريوهين لم يلبثا ان اصطدما باحتمال عدم الاتفاق مع رئيس الجمهورية حول تفاصيلهما الكاملة.

علماً ان الدستور يعطي في البند الرابع من مادته الثالثة والخمسين صلاحيات قاطعة لرئيس الجمهورية في هذا المجال، لا يمكن تخطيها أو الالتفاف عليها، لجهة استقالة وزير أو الحكومة كاملة، كما لجهة بدائلهما.

وتشير المعلومات الى ان هذا الواقع الدستوري يشكل أحد الأسباب التي حالت حتى اللحظة دون حسم الأكثرية الحكومية قرارها، لجهة قبول استقالة وزير الداخلية أو رفضها، إضافة الى أسباب سياسية أخرى.

وهكذا يبدو السيناريو الثاني المطروح للتداول من قبل لقاء البريستول، أمام مأزق ثان، وهو المأزق الذي يجعل أطراف هذا اللقاء مهيئين لسماع القراءات الخارجة عن تصوراتهم، وان وسط صخب البلاغات رقم واحد، وضجيج كرنفاليات التعويض عن الثورة التي فوتوها قبل سنة.