هكذا يفكّر بري اليوم فهل ينجح؟

جان عزيز  - صدى البلد

الأربعاء, 22 مارس, 2006

أصرّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على إشاعة جو من التفاؤل حيال الجولة الحوارية الثالثة المرتقبة اليوم. ووسط سلسلة المواقف التصعيدية من جهات عدة، والمنذرة بتطيير الطاولة بدل تدوير زواياها، بدا المحاور باسم "حركة أمل" وكتلة التحرير والتنمية النيابية، مطمئناً الى سيناريو نقله عنه زواره، ويمكن وصفه بـ "خريطة طريق الكولسة الممرحلة"، وصولاً الى "استحقاق الأوعية المتصلة".

ماذا تعني هذه اللغة بمفهوم الفعل المرتقب اليوم؟

يعتقد رئيس المجلس ان ثمة مسألتين أساسيتين مطروحتان على طاولة الحوار، لا ثالثة لهما:

سلاح "حزب الله" ورئاسة الجمهورية.

وحيال الاثنتين يقدم بري على ما يبدو نظرية المراحل الثلاث لمعالجة كل منهما.

ففي موضوع السلاح هناك مرحلة أولى عنوانها الاجماع على لبنانية مزارع شبعا.

تليها مرحلة ثانية عنوانها الاجماع على ضرورة تحرير هذه المنطقة. ليتوج الحل في مرحلة ثالثة عبر إجماع مطلوب حول وسائل التحرير المنشود ونطاقها الجغرافي والزمني، وبالتالي استراتيجيا حمل السلاح، وسينوغرافيا نزعه أو التخلي عنه وتسليمه بعد تحقيق أهدافه.

أما في موضوع الرئاسة فثمة مراحل ثلاث مقابلة: الأولى إجماع على وجود أزمة على هذا الصعيد.

وثانيها الاجماع على حل الأزمة وبالتالي التغيير.

وآخرها إجماع على آلية التغيير وكيفيته و"هوية" نتيجته.

وإزاء هذه المقاربة المزدوجة التثليث، يبدو بري مطمئناً الى إنجاز الثلث الأول من كلا المسألتين في جلسات الحوار السابقة.

إذ توصل المتحاورون الى الاجماع على لبنانية مزارع شبعا، كما على وجود أزمة ما في الموضوع الرئاسي.

وانطلاقاً من هذا الإنجاز يطمح رئيس المجلس الى اجتياز الثلثين الثانيين بدءاً من جلسة اليوم.

فيتم الاجماع على ضرورة تحرير مزارع شبعا، كما يتم الاجماع على ضرورة معالجة الأزمة الرئاسية.

وإذا ما قدر لبري النجاح في هذه المرحلة الثانية كما يأمل، فهذا لا يعني انه يمكنه بعدها النوم على أي واقع حريري.

فهو يدرك ان الثلثين الأخيرين هما الأكثر صعوبة في الموضوعين العالقين: كيف نحرر ما أجمعنا على لبنانيته وعلى ضرورة تحريره؟ وكيف نغيّر في الرئاسة ما أجمعنا على كونه أزمة تقتضي معالجة.

وما لا يبوح به رئيس المجلس لزواره حول وصفة الحل للمرحلة الأخيرة، يبدو مستشفاً من تعاطي الجميع مع الوضع اللبناني: انتظار التحرك العربي المبارك دولياً، علّه يلاقي "حواريي ساحة النجمة" عند الثلث الأخير من المعضلتين، فيؤمن لهم الغطاء والرعاية والضمانة والرافعة، لاجتياز المرحلة الأخيرة بالحد المقبول من الاطمئنان للأطراف المعنية كافة.

 وهذا المستشف في حركة القوى المهتمة بدأ يكشف ان ثمة علاقة نسبية ما، بين الحل الأخير لمسألة السلاح، وبين الحل الأخير لموضوع الرئاسة.

لا على سبيل الصفقة ولا المقايضة إطلاقاً، بل الأرجح على طريقة الوعاءين المتصلين، بحيث يزاد في الأول ما ينقص من الثاني وبالعكس.

فإذا ما انخفض "المنسوب الاطمئناني الشبعاوي" في هوية الرئيس المقبل، ارتفع منسوب الضمانات لسلاح التحرير.

وكلما ارتفع مستوى طمأنة الرئيس العتيد لحملة السلاح، انخفض المدى الفعلي لاستمرار صلاحيته وسهلت عملية انتهاء هذه الصلاحية.

هل تنجح هذه المقاربة؟

تجارب الرئيس بري تسمح بإعطائها فرصاً مقبولة للنجاح.

خصوصاً ان أياً من الأطراف الأخرى لا يبدو راكناً الى تصور بديل متكامل آخر.

وفي كل حال تبدو ثمة مصلحة شخصية لبري في ذلك. فهو في الاستحقاقات الرئاسية الثلاثة التي عايشها من موقعه الدستوري، أعوام 1995 و1998 و2004، اعتاد الانتقال الى دمشق ليمضي ليالي طويلة فيها، قبل ان يعود حاصداً فشله في المراث الثلاث في تمرير وجهة نظره الرئاسية. فإذا ما تمكن في المرة الرابعة من النجاح في بيروت هذه المرة، يكون قد أسدى نفسه، كما النظام، خدمة كبرى، ان لجهة تكريس برلمانية الاستحقاق أو الأهم لجهة لبننته.

والأمران يستحقان الجهد والانتظار.