لبنان إلى أين ؟

سلسلة حلقات تتناول الصراع الأقليات في اشرق الأوسط

والسياسة السورية الإرهابية لتدمير الإسلام

صراع الأقليات في الشرق الأوسط

الحلقة الأولى : الجزء الأول (1)

نطرح أمام القارئ العربي بشكل عام واللبناني على وجهٍ خاص ، نظرية إستنتاجية لأهم أسباب تصرف حكّام سوريا الحاليين في المنطقة التي تُطلق عليها قناة " الجزيرة التلفزيونية القطرية الفضائية الإسلامية " ، وفي إصرار غريب ، تسمية " بلاد الشام ". تسمية تعيد إلى ذاكرة شعوب الشرق الأوسط مشاعر حنينية إلى عصورٍ أو حقباتِ عصورٍ غابرة ، لأمجادٍ سجلها تاريخ بعضها وإلى ذكرى مآسٍ سجلها مؤرخو بعضها الآخر ، من بلدان المنطقة  

كيما يتمكن قارؤنا من الإحاطة بكامل " نظريتنا الاستنتاجية " لا نجد مندوحة من أخذه في جولة سريعة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط وشعوبها وأديانها وما ساقنا إليه تنافسها من صراعات ومآسي وحروب لم تنتهي إلى اليوم .

 

صراع الأقليات في الشرق الأوسط

قضيتان معقدتان ومتلازمتان في الشرق الأوسط تستلزمان الحل . وبدون حلهما لن يستريح الشرق أو العالم قط بل على العكس سوف تتفاقم فيه المشاكل وتتشعب بحيث لن تتوفر لها الحلول إلاّ باستعمال القوة . واستعمال القوة قد يَـئِدُ الأضرار لفترة من الزمن لكنه لن يقضي عليها نهائياً . وما لم يعي العالم خطورة هاتين القضيتين ويبادر إلى علاجهما جذرياً فسوف يستعيدان نشاطهما مجدداً وإن بعد مضي قرون لاحقة

 

القضيتان هما شقان لقضية أساسية واحدة ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصراعٍ ديني تاريخي ذي امتداد سياسي وجغرافي معقّد جداً لم يتمكن أطراف النزاع فيه من فصل خيوطه والتحوّل إلى معالجتها بشكل منفصل . خيوط أسهم الغرب والشرق معاً في تشابكها لا بل وفي تعقيدها . إنها قضية صراع الأقوام على استملاك الله واستعماله لمصلحتهم الشخصية ، ولو اقتضى إعطاؤه أسماءً خاصة بهم أو تعيين مندوبين منهم عنه ووضع الكتب باسمه ودعوة العالم إلى الانضمام إليهم في عباداتهم لـه أو استغلاله لفرض هيمنتم السياسة على جغرافية الأرض وهيمنة فكرهم الديني على الأنفس تحت طائلة التكفير أو الاتهام بالإلحـاد .

إنه صراع بين شعبين من عرقين اختلف المؤرخون في تحديد جذورهما ولكن بحسب اعتقادهما ، يتحدران من أصل وعرقٍ واحد. إنه صراع بين اليهود أعراق الإسرائيليين والعرب أعراق الفلسطينيين . ويعود إلى تاريخ بعيد ويرقى إلى من يدعي كلا الطرفين أبوته لهم ، أي إبراهيم أو أبرام ، المتحدِّرة منه أعراق العرب واليهود معاً . ورغم أن الطرفين يعترفان بوقائع هذه الأبوة فإنهما لا زالا يتصارعان على حقوقية كلٍّ منهما فيها .

 

ومؤخراً ، وكحصيلةٍ للاكتشافات العلمية المتتالية ، بات من المشكوك فيه وربما شبه المؤكد تاريخياً ، أن لا صحة لادعاءات أيٍّ من الطرفين ، وأن الخيال الديني الذي اعتمده الطرفان قد بُني على الأساطير المتناقلة بين سكان الشرق . وقد برع الطرفان في نسج ما يرونه مناسباً  لتصورهما ويخدم مآربهما السياسية بواسطة دين كل منهما على حد سواء.هذا الصراع الذي بدأ منذ ما يقارب الألفي سنة قبل المسيح وكانت ساحته منطقتي الشرق الأدنى والأوسط أدى إلى حروب مدمرة بين القبائل من أبناء إبراهيم المذكور : إسماعيل العربي والمسلم لله ويعقوب اليهودي الذي صارع الله .

تسلّح الفريق الأول بملكيته لـلأرض ، ملكية توَارثية وتسلح الفريق الثاني بملكيته لذات الأرض ، ملكية توْراتية أي هبة إلهية. وامتد الصراع بينهما وتشعّب حتى بات مع الزمن نزاعاً شاملاً جميع من دانَ أو يدين بدينهما .

 

على أية حال ، نحن هنا ، لسنا في صدد بحث ديني أو تاريخ دين بل نؤكد فقط أن امتداد الصراع الذي بدأ دينياً أنتج صراعاً قومياً تجوز تسميته بالعرقي- الديني وأمسى قضية عالمية بكل ما في الكلمة من معنى . ذلك بسبب تدخل الدين الصريح والمباشر فيه إذ تعاطفَ المسلمون من غير العرب مع أبناء دينهم كما تعاطَف مع اليهود أقوامٌ مِمَن لهم في دينهم صلة بدينهم أو لهم صلات أخرى سياسية أو تجارية . وهذا تسبب بتكتلات ذات مصالح اختلفت باختلاف مواقعها، خاصة مع اكتشاف مصادر ثروات طبيعية تعوم عليها أرض الشرق وحاجة العالم إلى الاستفادة منها . 

ورغم أن غالبية شعوب المنطقة ، وبحسب كتب أديانهم ، تنحدر من عرق واحد ، هو العرق السامي ، فقد تحوّلت المنطقة بأسرها، الشرق الأوسط والأدنى ، في عصرنا هذا ، إلى ساحة صراع أقليات عرقية قومية ودينية متشعّبة . أقليات ذات قدرات بشرية مختلفة ، كان على الصغرى منها مواجهة أمراً واقعاً عليها : إما قبول احتوائها من قبل قومية كبرى وإما مصارعتها في تنازعٍ للبقاء أو مواجهة التشتت فالاندثار . منها الأقلية المسيحية في لبنان والأقلية العلوية في سوريا وكذلك الأقلية اليهودية على أرض فلسطين .

 

* الأقلية المسيحية في لبنان ،

أفلح مسيحيو لبنان ، وهم في الأصل من بناته ومؤسسيه ، وبالتوافق مع مسلميه ، إلى حدٍ كبير في جعل لبنان دولة تتمتع ببعضٍ من طابعٍ مسيحي مميّز في محيطٍ كله إسلامي . وأثبتوا وجودَه ، بصفته العربية ، صاحب رسالة خاصة تميّزت في استقطاب حضارتين .

الحضارة الغربيـة ، ولا نقول المسيحية بل المتعددة الانتماءات ، والحضارة الإسلامية ذات الانتماء الشرقي العربي الأصيل . وهذا ما جعل العالم ، بشقيه الغربي والشرقي ، يطلق عليه تحبباً وإعجاباً صفة بوابة الشرق والغرب .

 

* الأقلية العلوية في سوريا ،

فشلت الأقلية العلوية في جعل محيطها الإسلامي ، بشكل خاص ، يتقبّل وجودها في دولة ذات كيان مستقل . كان هذا في مستهل القرن الماضي أي بعيد انتهاء العصر التركي ( سوف نتناول لاحقاً هذا الموضوع الذي سوف يكون له أكبر الأثر في مجريات الصراع العام في المنطقة كلها ) .

 

* الأقلية اليهودية في فلسطين ،

أما الأقلية اليهودية ، فإن الحروب الكونية وضعف العرب الخارجين من تحت نير الاستعمار التركي ، كما أن مساعي ونشاط أصحاب الحركة الصهيونية المتطلعة والمخططة لمستقبلها ، وأيضاً الرؤيا البعيدة لأرباب المصالح عند مخططي دول الاستعمار الغربي المنتصر في الحروب ، كل هذه العوامل والظروف أسهمت في خلق [ خلق في نظر العرب واستعادة في نظر اليهود والعالم الغربي ] دولة لاستيعاب شتات هذه الأقلية وزرعها نهائياً في أرض فلسطين وأيضاً خلق أسباب لصراعات مستقبلية سوف تعاني منها شعوب المنطقة كلها.

 

مع نجاح الأقلية اليهودية في إقامة دولة لها تستوعب شتات دينها من قومياتٍ مختلفة وتنصهر في قومية دينية واحدة هي القومية اليهودية ، تحول الصراع القديم إلى صراع قومي واضح وديني عنصري مُبطَن ، إذ انخرطت فيه جميع الأقليات العرقية والدينية في الشرق الأوسط فأفقد العديد من هذه الأقليات بعضاً من خاصياتها واستقلاليتها .

في المقابل ، فإن تعدُّدَ المذاهب المنبثقة عن الدين القومي الواحد ( الإسلام ) قد تسبب أيضاً بفقدان الكثير من حرية العقيدة الإيمانية وأنتج صراعات داخلية عميقة أدّت ليس إلى كراهيّة متبادلة وحسب بل إلى أحقادٍ تاريخية نتجت عن محاولات عُـنفيّة تاريخية بدعوة العودة إلى العقيدة الإيمانية الواحدة تحت طائلة الهيمنة أو الإفناء . وهذه سوف يتأتى عنها تشتت في الفكر القومي لن تشفع بها أولويات الصراع الآني مع العدو القومي المشـترك .

 

بالإضافة إلى هذا كله فأن تنامي المصالح الدولية ، أسهم في خلق خوفٍ كبير لدى هذه الأقليات الدينية والعرقية من الذوبان أولاً ومن طغيان القوى الكبرى واستعدادها للتضحية بها نظير مصالحها ثانياً أو التجائها إلى استغلال الجميع من أجل استرجاع خاصيتها أو تحقيق أحلامها في الحرية والاستقلال وربما الانتقام من الماضي. هنا ، استُنْبِتَت من قلب القضية الأولى قضية ثانية أشد وأعمق من القضية الأساسية التي باتت الآن قضيتين :

القضية الأولى ، ظاهرة وعلنية ، هي قضية الصراع الإسرائيلي العربي ( الفلسطيني ) القائم والمستمر منذ ثلاثة آلاف سنة . إنه الصراع بين شعبين على ملكية أرضٍ واحدة ، كما ذكرنا .

مراحل هذا الصراع ذكرته كتب التاريخ والأديان ولا حاجة لسرده . وبسببه لم تحظى منطقتي الشرق الأوسط والأدنى بالاستقرار إلاّ في الفترات التي كان أحد طرفي النزاع أو كلاهما غائباً أو مغيّباً أو مستضعفاً .

 

ومع انتهاء الحرب الكونية الثانية وعودة اليهود من الشتات إلى أرض فلسطين بمساعدة دول الحلفاء والمحور معاً ، تجدد الصراع وحاول كل طرف الاحتفاظ بما بين يديه مستعملاً ما وصل إليه من قوة ومساندة ولكن دون جدوى!

 

فمحاولات الأمم المتحدة تقسيم الأرض بين الطرفين تم رفضها ودخلت شعوب المنطقة في حروب مدمرة وطُرد الفلسطينيون من أرضهم . حروب لا زلنا نعاني أثارها إلى اليوم . وحاول العالم ، بمحاولات ومؤامرات متعددة، تعويض الفلسطينيين أرضهم في الأردن ففشِّل وتحول إلى لبنان فكاد أن ينجح لولا صلابة اللبنانيين أولاً.  ولولا أن تحوَّلَ العمل الفلسطيني ، المقدس مقاومةً ، إلى عمل إرهابٍ مرعب طاول العالم كله ثانياً .

إرهاب أصبح بحد ذاته غاية تبررها الوسائل وأصبحت مثالاً يُحتذى من كل خارج عن القانون أو ثائر على أوضاع في بلده ، أو أصولي فقدَ مبررات دعوته أو مُنِعَ من تحقيقها في الداخل فوجد جدواها في الخارج . وهذا ما استدعى هذا الخارج أو دوله، بعدما ضُرب في عقر دياره ، إلى القيام بحملة مدمرة ضد هذا الإرهاب 

 

القضية الثانية ، خفية ومستترة ، هي قضية صراع الأقليات الدينية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط . وهذه تتشعب إلى:

* محاولة الأقلية اليهودية المستميتة للحفاظ لإنشاء دولةٍ لها في محيطٍ يناصبها العداء التاريخي في الشرق ، مدعومة بالقوى العالمية ذات المصالح الاقتصادية . 

* محاولة الأقلية المسيحية الاحتفاظ بمكانٍ لها ووجود في الشرق ، الذي منه خرجت ديانتها ، في محيط أغلبيته مسلمة.  

* محاولة الأقلية الشيعية في إثبات الوجود لعدديتها الكبرى وحقوقها في السلطة والحكم .

* محاولة الأقلية السنية في إثبات أحقيتها في حكم البلاد والقيادة الروحية للعالم الإسلامي واعتبار الآخرين أتباع أو أهل ذمّـة.

* أخيراَ محاولة الأقلية العلوية في إقامة دولة لها ، ولو على أنقاض الأقليات الثلاث الأخيرة مجتمعة . وهذه الأقلية تتعاطف ضمناً مع الأقلية اليهودية التي تعادي تاريخياً ودينياً كل الأقليات السابق ذكرها . ( نثبت ذلك في غير مكان )

 

- الكلام عن الأقلية الأولى ، الأقلية اليهودية ، وهي اليوم قضية القضايا في الشرق ، يتطلب التذكير باختصار محاولاتها المستميتة لأجل إثبات وجودها المرفوض كدولة . فهي لم تني ، ومنذ ما قبل إنشائها لهذه الدولة ، تلعب على أوتار العصبيات الأقلية المتوافر وجودها في الشرق وتسهم في تأكيد الانقسامات الداخلية في دوله مع السعي الحثيث لتفتيته إلى دويلات عرقية أو دينية تكون مشابهة لها فتستطيع من ثمة إقامة أنواع من " تحالف أقليات" معها أو مع بعضها سيّان ، تتشاحن فيها المصالح الخاصة بكل منها . من هنا رأيناها ونراها تسهم في كل نشاط عرقي أو خلاف ديني نهض أو ينهض في المنطقة لأخذ حقوق مفترضة تاريخياً له . ( من هنا نرى إلى مصلحة نظام سوريا العلوي في التعاون الخفي معها ) .

وإذا ما تناسينا مؤقتاً الصبغة الدينية التي تصبغ أغلبية شعوب الشرق الأوسط ، وهي الإسلام ، علينا أن نعترف أنها ليست بكاملها من العرق العربي . فهي خلافاً لما قد يُصورُّه البعض ، وبخاصة  العرب أمام العالم ، ذات غالبية غير عربية .

 

فبالإضافة إلى اليهود (راجع تاريخ لبنان للمؤرخ فيليب حتي ) هناك مثلاً العرق التركي والفارسي والكردي والأشوري والكلداني والسرياني وصولاً إلى العرق الأفغاني وبعض هذه الأقليات التي تدين بغير الدين الإسلامي، عانت وتعاني من ظلم قادته وعدم اعترافهم بعروقها إلاّ تحت راية الإسلام أو العروبة ،فباتت تتمنى الفكاك وتناضل من أجل استقلالها ولو سرّاّ .

من هنا رأينا هذه الأقلية ( الأقلية اليهودية ) تسعى جاهدة لتقويض الدولة التركية وبعدها إلى إخراجها النظام التركي كله من الطوق الإسلامي الذي كان مهيمناً عليه .

وأسهم أتاتورك ( من يهود الدولما الأتراك ) في هذا الإخراج مستفيداً من الحقد الشعبي على العرب المسلمين الذين تعاونوا مع الغرب في محاربة وتدمير الإمبراطورية التركية ، وربما انتقاماً لليهود أيضاً ، من السلطنة العثمانية لرفضها مخططاتهم. كما رأينا هذه الأقلية أيضاً تهرع لمساعدة الأقلية المسيحية اللبنانية ضد الأفليات الإسلامية (فلسطينية وعروبية) في محاولة لإقامة دولة مسيحية لا يكتب لها الحياة إلاّ بمساعدتها الدائمة . ورأيناها كذلك تساهم في حرب الفرس الشيعة ضد العراق السني (حكماً) في محاولة لتفتيت مُستقبَلي لهذا البلد العربي القوي الذي بات يهدد كيانها بعد امتلاكه أسلحة وقوة تضاهي قوتها . وسوف نرى كيف وأين أفلحت هذه الأقلية، سراً ، في احتواء الأقلية الخامسة ( الأقلية العلوية ) وتبادلت مصالحها معها تحت أنظار العرب والمسلمين كافة.

 

- لن نتكلم عن الأقلية الثانية (الأقلية المسيحية) فتاريخها ، تشهد سجلاته بما عانت عبر العصور من جور وظلم واعتداء على الحقوق منذ نشأة الإسلام وسيطرته على رقعة كبرى من العالم ، وهو كان بأكثرية سنيَّـة ، واضطرارها أحياناً تمني رفع الظلم بأية وسيلة ، ومنها الحروب الصليبية وتيمناً فالفئة الدرزية واستعانتها بقوات ابراهيم باشا . ولعله من المبررات البديهية التي دفعت بهذه الأقلية دفعاً إلى الاستعانة بالأقلية اليهودية ، دفعاً لما تعرضت له على أيدي الفلسطينيين والسوريين وبعض المسلمين أثناء الحروب التي قامت ضدها من أجل السيطرة على الوطن الوحيد الذي يحترمهم في الشرق كله . وسوف نرى ، في سياق دراستنا ، ما تعانيه هذه الأقلية اليوم من جرّاء اتفاق الأقليتين اليهودية والعلوية. وكيف أن هذه الأخيرة لا تقل عن الأولى بطشاً من أجل تحقيق مصالحها

 

- لن نتكلم أيضاً عن الأقلية الشيعية وما عانت بدورها من طغيان الأقلية السنية الحاكمة واضطرارها إلى ، إما إلى التقوقع في معاقل بلدانها أو الهجرة إلى بلدان أخرى عبر البحار لتأسيس دولٍ خاصة بها . تاريخ هذه الأقلية حفل بسجلات ضخمة من الحروب والصراعات مع الأقلية السنية ، فيها الانتصار وفيها الانكسار إلى حين بزوغ نجم الخميني وبدء حركته الإسلامية في التمدد إلى خارج إيران .

 

- الكلام عن الأقلية السنية ، وهي أكبر الأقليات عدداً وأكثرها صلفاً وكبرياء بسبب اعتدادها بإرثِ النبوة والخلافة الإسلامية وفتوحاتها في صدر الإسلام ، وبسبب من سيطرتها المطلقة على هذا الإرث ، لا زالت ترى أن الأصل العربي للدين الإسلامي يُلزِمُها قيادة شريعة الإسلام في الأمم ويفرضها مرجعية نهائية لهذه الشريعة . وهي جديرة بهذا الحمل وترتاح له . وبالطبع ، فإن هذا الإرث تسبب ، ومنذ قرون عديدة إلى مزيد من الانشقاقات المذهبية وتعددت أصناف الفقه الإسلامي بتعدد المذاهب .

ومن المؤكد أن هذه الانشقاقات أو لنسمها الردات ، كما  يحلو للبعض تسميتها، أفضت في كثيرٍ من الأحيان إلى صدامات دامية بين أصحاب المذاهب وأصحاب الإرث وأَوْلَـدت في النفوس ما ذكرنا من أحقاد ومشاعر الإذلال .

 

ومحاولتنا الحديث عن الأقلية العلوية في شكلٍ عام ، فسوف تأخذنا إلى متاهات من التاريخ الذي غالباً ما تشابك مع تأريخ أقليات أخرى منها الأقلية الشيعية والأقلية الدرزية التي نشأت أساساً بسبب صراع الأقليات الأخرى واضطرارها إلى التستر والمحاباة ( إسلامياً ) حفاظاً على نفسها وعقيدتها من طغيان الآخرين  لذلك سوف نحصر دراستنا هذه بحوليـات هذه الأقلية ( العلوية ) الموجودة في سوريا فقط وما تحيكه من مؤامرات من أجل الوصول ، ليس إلى إقامة دولة لها وحسب بل ربما إلى زعامة العالم العربي والإسلامي، تماشياً مع استراتيجية الأقلية اليهودية الأصلية التي وضعها زعماء لها مثل دافيد بن غوريون عند إنشاء دولة إسرائيل ؛ حتى متى آن أوان الحل النهائي العادل والشامل ، كما تدّعي، يكون لها شَراكة في موقع الصدارة السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

 

وكي نفهم أسباب وأبعاد ونتائج تصرّف ومواقف هذه الأقلية يتوجّب القيام بجردة لمرحلة ليست بعيدة في تاريخ هذه الأقلية، أي منذ بدايات القرن العشرين وإلى اليوم، سوف يتضح الكثير من معميّات ما يجري في منطقة الشرق الأوسط عموماً والشرق الأدنى خاصة ومدى ضلوع هذه الأقلية في تطوراتها وتقلبات الأمور فيها .

إنها مرحلة هامة من مرحلة صراع هذه الأقلية الشرقية مع باقي الأقليات نلقي الآن ، نظرة شاملة ومختصرة على تطور الفكر المذهبي والخلفية السياسية ، لدى هذه الأقلية ، وهذه ستقودنا حتماً إلى بلورة نظريتنا القارئ الذي نأمل منه حسن الإدراك لمرامينا القومية واللبنانية منها .