السيد عباس ذكي المحترم،

ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان،

 

تحية لبنانية

لن أُطريك ولا أمدح، فقط أحيّي شجاعتك!

 

ربما كانت المرة الأولى التي نسمع فيها مسؤول فلسطيني ينطق عدلاً.

وهذا ما كنّا نتوقعه من كثُرٍ سابقين ممن نزلوا ضيوفاً على أرض وطن الأرز،

لكنهم مع الأسف أنكروا حق الضيافة والإكرام.

ما جرى في مخيم نهر البارد ينبغي التوقف عنده واتخاذ الموقف الشجاع الضروري لمنع حصوله في غير مخيم في لبنان.

إن هذه الفرق الإرهابية أو الحثالة، كما وصفت، والقادمة أو المستقدَمة إلى المخيمات والانخراط في المجتمعات الفلسطينية. والفاعل ليس مجهولاً.

من غير المقبول القول أن الحالة الحياتية غير المقبولة التي تعانيها المخيمات الفلسطينية أتاحت وتتيح لمثل هذه المجموعات الإرهابية، الهاربة من مجاهل أفغانستان وباكستان ومستنقعات الموت في العراق، أن تجد لها ملجأً أو مأوى في متاحات الفصائل المتعددة المشارب والمآرب المقيمة في تلك المخيمات، ولكن،

يجب الاعتراف أن تردي الأوضاع الأمنية في المخيمات وتشتت ولاءات مجتمعاتها السياسية، القديمة والحديثة، أنبتت تلك الفصائل وأبقتها، وربما زادتها، مما أدى إلى فرز هذه المجتمعات إلى تجمعات متباينة الأراء والتوجهات الأمر الذي سيؤدي بالطبع إلى تقوقع كل منها، حمايةً ذاتية تفرض نفسها، مما سمح ويسمح بتغلغل عناصر ذات توجهات غريبة كلياً عن التوجهات الفلسطينية الأصلية، إلى بعض هذه التجمعات وتشكّل خللاً في بنيتها الاجتماعية.

لا أظنك تجهل أن هذا الواقع هو امتداد طبيعي، ولو مشوّهاً، لما كان عليه الحال أثناء الحرب اللبنانية. حالاً انتجها تدخّل النظام السوري في الشأن الفلسطيني واللبناني، وتبعه تأييد وتشجيع  بعض الأنظمة العربية لهذا الفريق أو ذاك من الفصائل الفلسطينية.

ولا أظنه يغرب عن عميق تفكيرك أن خلق تلك الفصائل على هذه الشاكلة كان كان تحقيقاً لنظرية مكيافللي الشهيرة " فرّق تسد" التي يعتمدها النظام السوري، في الدرجة الأولى، وإبعاداً لمتاعب النضال الفلسطيني عن أرض فلسطين بالذات وعن أراضي باقي الدول العربية في الدرجة الثانية؛ والحجر على ذلك النضال في وطنٍ صغير، قد يُصبح بديلاً (في ذهن التخاذل العربي) عن فلسطين في مرحلةٍ لاحقة.. لكن يقظة اللبنانيين وعديد من قادة الفلسطينيين أسقط المعادلة السورية العربية بعد أن حصدت عشرات آلاف الضحايا من كلا الشعبين ودمر لبنان.   

إن ما جرى ويجري اليوم من تحركات في المخيمات من محاولات لتجييش مشاعر الفلسطينيين ليس من قبيل الصدفة بل، وأنتَ لا تجهل، هو استمرار مؤامرة النظام السوري، ليس النظام اللبناي وحسب بل لضرب وحدة الشعب الفلسطسني بالذات وجرّه إلى صدامات متجددة مع الشعب اللبناني. وهذا ما بدا ظاهراً في استدراج بعض الغوغائيين في مخيم البداوي إلى التحرّك وافتعال صدامات مع الجيش اللبناني الذي سانده على الفور، أهله اللبنانيون.

إن تحرك بضعَ رجال، وإن بصفة دينية، من أجل إيجاد حلٍّ لمشكلة الإرهابيين، الذين احتلوا المخيم، والزعم بقدرتهم الدينية على محاورة المجرمين وإقناعهم تسلين أنفسهم إلى القضاء اللبناني، كان في نظرنا حقاً يُرادُ به باطلٌ.  

ظهر ذلك واضحاً في بيان رابطة علماء فلسطين. بيانٌ فيه الكثير من إنسداد التفكير الديني الذي ادعوه لأنفسهم أكثر مما احتوى من تهديد مبطن لمن أولى الثقة لمقامهم الديني.

السؤال المضاعف الذي يطرح نفسه هو:

أين كانت هذه الرابطة من العلماء الأجلاّء حين بدأ هؤلاء الإرهابيون دخول مخيم نهر البارد والتغلغل بين سكانه ودفع الأموال الطائلة للعديدين منهم للإستحواذ على إرادتهم واستدراجهم للإنضما إليهم. وهل علينا الافتراض أن هذه الرابطة الجليلة أو بعض أفرادها كانوا تلقوا هباتٍ مالية من الإرهابيين فتخيّلوا مونةً لهم يمكن استثمارها معهم.

لماذا، وهم الأدرى بخلفية مبادئ الإرهاب الأصولي الهدّلم للإسلام والمسلمين التي يحملها هؤلاء الإرهابيين ولم تحاول هذه الرابطة طرهم من بين ظهرانيهم أو إيقافهم عند حدهم أو على الأقل. أكان من الصعب على هذه الرابطة، بما تتمتع به من سلطة دينية واحترام، أن تفرض هذا الاحترام لمخيمها وشعبها وترفض استعمالها لإيواء مثل هذه الزمرة الإرهابية الآبقة بكل القيم الانسانية ولفظها خارج مخيمها.

أخيراً، أما كان الأجدر بهذه الرابطة الجليلة المقام أن تبادر إلى التصرّف بالحكمة المفترض حيازتها للتخلص من هؤلاء الإرهابيين قبل استفحال أمرهم والانقضاض غدراً على عناصر الجيش اللبناني الحامي لتخوم مخيمها وذبحهم في مهاجعهم وبالتالي دفع هذا الجيش، الذي نقدر اعترافكم بمناقبيته، إلى مجابهة هؤلاء الارهابيين المرتزقة التي، لو كانت ادعاءات الرابطة بمَوْنتها صحيحة عليها، لما اضطر سكان المخيم بأكمله إلى الهروب من جحيم معارك، بادروها ضد الجيش اللبناني، وترك المخيم يتهدّم فوق رؤوس المجرمين ومن يساعدهم.  

 

السيد ذكي،

إن ما نشاهده من على شاشات التلفزة العربية والعالمية مما يجري على أرض فلسطين من مجاذر مرعبة تقشعرّ لهولها الأبدان وتقصف بعنفها ضمائر الانسانية لكنها.. مع الأسف الشديد لا تهزّ لمفتعليها والدافعين إليها شعرة واحدة.

أوَلست تدري أن النظام السوري المنتقم والنظام الايراني الإرهابي الحاقد على كل ما عربي ومسلم، يقفان وراء عرقلة كافة محاولات التوفيق والمصالحة بين الفئات السياسية الفلسطينية واستكمال جهودها لبناء دولة فلسطين العتيدة.

ألَم تتبلور أهداف النظام السوري المحتضن لكل أرباب العرقلة والرفض الفلسطيني واستعمالهم سهاماً سامة لكل فكر سلمي وسليم قد يسهم في فك عرى العداوة التي زرعها هذا النظام في قلوب الجميع.

أما بالنسبة للايرانيين، فنحن على ثقة بأنكم مدركون لمخطط سياستهم العقيدية الآملة انتقاماً مباشراً أو بالواسطة من المسلمين العرب وبسط هيمنة الأصولية الشيعية على العلم العربي برمته. هذا على الأقل ما تعرفه جميع الدول العربية وتحاول تفادي الوقوع بين براثنه. ألا يفسر لك انقلاب فريق حماس المسلم السني الأصلي وليس الأصولي على أخوتهم، باقي الشعب الفلسطيني، والانقضاض على مقومات الدولة الفلسطينية التي يحاول الجميع بناءها. ولن نزيد!

نأمل أخيراً، أن تكون مواقفك الكبيرة التي وقفتها خلال الايام الخيرة دليل نضج سياسي كامل وادراك صحيح لما يُخطط للشعب الفلسطيني المستوطن حالياً في لبنان وبالتالي العمل على أخذ الاحتياط الضروري لمنع تفشي مرض الإرهاب، الذي ضرب مخيم نهر البارد، إلى باقي المخيمات.

إن لبنان يستحق كل جهدٍ أجل الوقوف في وجه الإرهاب حماية لأرضه والمقيمين عليها.

إن إفشال المخطط السوري الايراني في مخيمات لبنان قد يحوّل اتجاهات هذين النظامين إلى غير موقع ومكان فالحذار الانجرار إلى ما يُخطط لكم ولنا. 

 

صانك الله لبنان

لاحظ س. حداد

التيار السيادي اللبناني

 

1 تموز 2007