في خضمّ الصراع بين الدكتاتوريات الإرهابية وحرية الديمقراطية في لعبة توازن القوى وتوازن الرعب،

لبنان يجتاز اليوم مرحلة من أدق مراحل استقلاله وسيادته كوطن

بقلم/لاحظ س. حداد

 

11 آب 2007

دراسة حديثة من جزئين لوقائعَ سابقة ومتجددة

 

الجزء الأول: وقائع سابقة ..

01 - توازن القوى.

على مدى العقود الخمسة المنصرمة، جرت محاولات متنوعة لاحلال أنواعاً من توازن قوى بين دول الشرق العربي، منفردة أو مجتمعة، من جهة وبين دولة إسرائيل المدعومة من الغرب من جهة أخرى وكادت أن تنجح بسبب من وجود توازن الرعب الذي كان قائماً بين الشرق [الاتحاد السوفياتي] والغرب [امريكا + أوروبا].

 

تجربة عبد الناصر، إثباتاً لنظريته في الوحدة العربية، كادت تنجح إلى حدٍ بعيد لولا أن تألّبت ضده كافة المصالح الغربية واستراتيجيتها الاقتصادية من جهة وضعف الأداء السوفياتي المقصود من جهة أخرى. وكانت نتيجتها تدميراً للقوى العربية الناهضة من تحت نير الاستعمار. كان ذلك في عملية استخباراتية واسعة النطاق عرفت كيف تستفزّ العنفوان العربي الوحدوي المشتعل شعبياً آنذاك، ساهمت فيها غوغائية لا مثيل لها في التصرّف غير المسئول من قبل عدد من رؤساء وقادة العرب وخاصة سوريا .. وكانت حرب العرب الكبرى عام 1967 ونكستها [خسارتها] الأكبر.

 

تجربة مصرية أخرى، بقيادة السادات ومساهمة سوريا، أفلحت في استعادة بعض العزّة العربية وبعض ما فُقِدَ في التجربة السابقة. استفادةُ مصر استُكمِلت باستعادة ما تبقى لها في ذمة الدولة العبرية من أرض وأطلقت يد شعبها للعيش في بحبوحة استثماراتها وأمست قبلةَ أنظار العالم السياحية والإستثمارية. أمّا استفادة سوريا فأصبحت مبتورة ولم تُستكمل وتُرِكَ ما استرجعته من أرض أطلالاً  "مزاراً " استجدائياً للعاطفة العالمية وشهادةً  لنضال الأمة العربية العربية، ذات الرسالة الخالدة بعثياً!  

 

تجربة سوريا لم تكن أفضل من سابقتها وإن بقيت مستترة تحت غطاء الحزبية والقومية التي شاركها فيها العراق، في حين أنها كانت عملت نقيضها تماماً. ففي هذا الوقت حاول أسد سوريا الداهية استنباط نوعاً من توازن القوى سياسياً. فبعد رحيل السادات أراد زعامة العرب مستغلاً ما تبقى من حقد فلسطيني لفقد حلم الأردن وتم تحييده عن أحلام مصر؛ لكنه نجح فقط في خلخلة النظام اللبناني وتسليمه للفلسطينيين الذين خيّبوا آماله أيضاً فكان عليه أن يتولى أمر تنفيذ مؤامرته على لبنان مباشرةً.

 

ظنَّ الأسد السوري أن ضرب الديمقراطية اللبنانية سوف يؤكد مصداقية دكتاتوريته ويثبّت زعامته على العالم العربي. لذلك، خلق واستعان بكل أنواع الأصوليات السياسية والدينية لرفض أي حلٍّ برفع اليد عن هذا البلد الديمقراطي. كما أنه رفض باستمرار بل وناهض ضمناً أي تآلف بينه وبين العراق الذي يبزّه قوة وعدداً .. كما أنه، فيما بعد، شارك في الحرب ضده متناسياً جميع طروحاته في العروبة والقومية العربية والبعث المشترك معه. وهكذا انتصر الحقد المبطن لدى النظام السوري العلوي على كل ما هو عربي مسلم. ونكاد نجذم أن فكر الأسد كان وراء استدراج مصر عبد الناصر وباقي الدول العربية، وخلف رفضه الاستفادة من نتائج حرب السادات الآيلة إلى إيجاد سلام دائم من موقع الانتصار.                                                                      

              

التجربة الايرانية الخمينية التي اعتمدت الكم والعدد سقطت في ذات الاستراتيجية الإرهابية  التي اعتمدتها سوريا. فاعتمادها على الاستراتيجية الدينية لخلق نوع من التوازن لم تسفر إلاّ عن تدمير كامل بنيتها كدولة ذات قدرة على تقرير المصائر وأفلحت فقط في استخراج الخوف الطائفي المناقض لطائفتها فكان عليها أن تجابه خوف النظام العراقي وحربه التي أطاحت بقدرات الاثنتين معاً وتحجيم دور ثورتها الخمينية التي أطاحت بشاه ايران محمد رضا بهلوي.

 

أما العراق، فلكي يثّبِت جدارته في تبوّءِ دفة ميزان القوى مع الدولة العبرية واستقطاب مركز الصدارة فيها، وبعد أن أنهى حربه مع الخمينية الدينية، قام بغزو الكويت مما ألّب العالم العربي والغربي ضده .. والمُقْتَنَع به أن هذا الغزو كان من صنيعة الغرب ورضى العرب، وأنتج نوعاً من احتلال للمنطقة العربية بأسرها من قبل الغرب الذي أوجدَ لنفسه، ليس فقط موطئ قدم ، كما كان يتمنى شيوعيو الاتحاد السوفياتي، بل باتت له قواعد ثابتة في أرض الإسلام ذاتها.

بنتائج هذه التجارب مجتمعة كان انفلاش المد الأصولي السلفي والايراني واستغلاله استغلالاً لم تشهده المنطقة منذ الحروب الصليبية في القرن العاشر وما تلاه، وأسهَمَ الفلسطينيون المقهورون فيه بجدارة وتهوّر أكسبهم عداء بعض دول العرب واحتضان من فئات بعضها الآخر.

 

إذن،  بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحوله التدريجي إلى الديمقراطية، رأى أخوان الصفا في ايران والعراق وسوريا أن تنمية اقتصاد بلدانهم ورفع مستوى معيشة شعوبهم عن طريق يقظة الديمقراطية لا تقارَن بدكتاتوريتهم والحكم المطلق الذي يباشروه فقرروا المضي في التنكيل بشعوبهم وجرّهم، بواسطة غوغائية دينية حيناً وشخصانية أحياناً أخرى، إلى أدنى مستوى عرفته هذه الشعوب منذ  قرون بعيدة وألهّتْهُم في التفتيش عن لقمة العيش عن كل ما عداها.

 

شجّع انهيار الاتحاد السوفياتي الدولة الفارسية على محاولة امتلاك ما تصل إليه أيديها من أسلحة الدمار الشامل أو معرفة نوويّة، من بعض الدول الاسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي والحافظة لقدراته النووية، ظناً منها أن امتلاك مثل هذه الاسلحة، وإن في مراحل بدائية، سوف يقوي مواقعها في عملية توازن القوى ولكن .. هذا الاتجاه لامتلاك للاسلحة المذكورة [ أوبئة ذرية ] أثارَ غرائز الأصوليين الإسلاميين في جميع أرجاء المنطقة الشرق أوسطية وغير منطقة في العالم، ودفعت بهم إلى نوع من الهيجان لا يخمد سعيره إلاّ في يقظة إسلاموية كبرى، استهترت بكافة القيم الإنسانية، وتطالب بحقوق الشعوب المسلمة المحبطة أو المحكومة بغير الشريعة الإسلامية وترتكز بالتالي على قانون الردّة إلى السلفية الإسلامية التي حاكمت وحكمت الجاهلية الأولى. كما حفّزَ ايران إلى بسط سيطرتها على دول جوارها تحت ذات الشعارات الدينية، وإن اختلفت أهدافها عن أهداف ما عداها من أهل الردة، لكنها شكلت تكتُّلاً توحِّدُهُ رؤية أصولية واحدة باتجاه غير العرب أيضاً.

وبعد ان استفحل أمر التطرف الديني الناتج عن العوز والحاجة الناتج عن ظلم الدكتاتوريات الحاكمة والمستَغَل تحت شعارات مناصرة قضايا الأمة العربية والاسلامية ومحاربة الجاهلية الثانية (دكتاتورية مظلمة تناهض كل ما يخالف السلفية من حضارات وأديان). وهذا، بنظرهم، جدد الحلم في إيجاد نوع من توازن الرعب مع الدولة العبرية.

 

هذا الهيجان الديني، الذي لأسبابٍ لم يكن له فيها يد، أفلح في الاستيلاء على حكم بعض البلدان منها أيران وأفغانستان وبات له سيطرة عنفية في عددٍ آخر من البلدان مثل فلسطين والبلقان، أًصبح نوعاً من الهذيان استحوذ على عقول أصحابه فنهضوا في حملةٍ تبشيرية كبرى انطلقت من أرض الجزيرة ومواقع أئمتها لتعمَّ العالم كله مستفيدة من تعاطف هذا العالم مع قضايا إنسانية.

 

اعتبرت هذه الموجة العاتية من الأصولية أن من واجب العالم الإسلامي مناصرة حملتها التبشيرية الحالمة في أسلمة البشرية برمتها فأخذت تضرب، خبطَ عشواء، في كل مكانٍ تطاله يديها. وإذ لم تجد من يوقفها عن حدٍ بادرت إلى توجيه ضربتها الكبرى إلى الموصوف من كلا الفريقين بِ " الشيطان الأكبر"، أمريكا. وأصيب العالم بالذهول .. هنا: استنفذ هذا العالم كافة طاقات الصبر الديمقراطي الذي مارسه حتى اليوم وقام للدفاع عن نفسه وشعوبه ومقاضاة هذا التطرف ومحاربته .. فكانت حرب الأفغان وحرب العراق والحبل، كما يقال بالعامية، على الجرّار.

 

تبيّن للعالم أن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الهجمة المسعورة للإرهاب الأصولي هو فقدان الديمقراطية الحقيقية التي تسمح بإبداء الرأي الصريح للشعب المحكوم وتسلّط طويل الأمد للسلطات الحاكمة في البلدان العربية بشكل خاص والمسلمة بشكل عام الأمر الذي يجعل هذه الشعوب تتوسل كافة السبل المتاحة أمامها ومنها الارهاب الذي أصبحت نجاحاته في غير مكان حوافز مثمرة للتحرك الشعوبي وانضمامه سرّاً وعلناً إلى هذه الموجة الأصولية والدفاع عنها.

كان من البديهي أن تستغل إسرائيل مثل هذه الظروف كي تغذي مشاعر العداء في العالم ضد الارهاب المُلحد بل وتساهم في محاربته وإن بشكل غير مباشر في خارج محيطها وتستغل أحداثه لمحاربة الفلسطينيين، تحت شعار محاربة الارهاب في داخل حياضها. والمشهد الفلسطيني اليوم يؤكد هذا الاستغلال.

 

هذه الحروب ضد الارهاب، الذي بات الآن موصوفاً بالإسلام،  ومحاولة نشر الديمقراطية، التي رأى العالم فيها أفضل سبل الاصلاح، خلخلت جميع الأنظمة في الدول العربية فباشرت خطوات هامة في طريق إصلاح مؤسساتها وانواع حكمها [هذا  كان واجبها قبل استفحال الأمور]  وإن كان تصرفها هذا لم يرضي شعوبها كليةً كونه يأتي متأخراً ويشعر الشعوب بذل القهر والاحباط ورغبة الانتقام من حكامٍ تلهّـوا في تثبيت دكتاتوريات حكمهم دون الأخذ بأي اعتبار لكرامة شعوبهم. واستمرَّ الإرهاب الأصولي.

 

في نظرنا أن العار يلحق هؤلاء الحكام بقدر متضاعف عمّا يلحق بشعوبهم المقيدة بسلاسل الدكتاتورية.

 

كافة هذه الحروب لم تُقنِع سوريا بأن مخاض دكتاتوريتها التي تقود في مواجهة الديمقراطية لن يجدي نفعاً، فثابرت على استعمال ذات النهج الأصولي الاستفزازي وكأنما هي تسعى إلى حتفها بظلفها. فرفضت حتى القبول بحقيقة ما هو حاصل في المنطقة ولا زالت تستنصر العرب والعروبة والقومية والعنصرية الدينية رافضة، في آن، جميع نصائح الأقربين والأبعدين [تماماً كما حصل مع صدام حسين]. وربما كان لجهابذة السياسة في لبنان، الذي كان محكوماً غيرَ سعيدٍ منها، فضلٌ كبير في تذكيرها المستمر بموقعها المميز في قيادة الأمة العربية والمسلمة .. إلى الهاوية؛ لكن خاب ظنها أيضاً إذ أن يقظة لبنان وكافة الدول العربية إلى الواقع لم تعد بخافية على أحد. فهل من المعقول أن تشجيع بعض زعماء الدول العربية الظاهر للنظام السوري والذي، بنظرنا، يخفي انتقاماً وتشفياً مرعباً من سوريا على كل ما جنته يديها من موبقات ضد بلادهم، طوال العقود الماضية، بات الآن يخفى على هذا النظام العفن فيجعله يخفي رأسه في رمال باديته؟

 

02 - توازن الرعب .

توازن الرعب في المنطقة الشرق أوسطية بات في خبر كانَ بعد فقدان توازن القوى التام وانهيار كافة مقوّمات استعادته بسبب وجود القوات الدولية [أمريكا وحلفائها] على أرض الدولة التي كانت الأكثر قدرة على مقاربة هذا التوازن وتواجد هذه القوات [المتحالفة] على حدود الدولتين الأخريتين. الأولى سوريا، التي سعى رئيسها الداهية إلى خلق نوع من التوازن وإن سياسياً. والثانية ايران، التي فشلت إلاّ في فرض التوازن الأصولي في نشر رسالتها الخمينية في العالم الاسلامي أولاً ثم في العالم الغربي ذاته.

 

إلى الآن، تم استئصال قوة العراق ويجري الآن زرع الديمقراطية في نفوس أبناء شعبه وقد يأخذ الكثير من الوقت إلاّ أنه

في النتيجة قد يفلح في إعادة الحياة الطبيعية لشعبٍ صار سحقه من قبل نظامه لمدة ثلاثة أجيال متعاقبة، هذا إذا استيقظ وتمكن من التخلي عن سلاح الإرهاب الطائفي البغيض أو ربما، بعد أن يتم توزيع أرضه بين الطوائف.

 

ذات التهم التي ساقها العالم ضد نظام العراق يسوقها الآن ضد نظام الدولتين ايران وسوريا. ويبدو أن سوريا مرشّحة كي تكون الثانية في قائمة رزع الديمقراطية، خاصةً بعد ظهور بوادر هذه الديمقراطية على مستوى الشعب السوري المقيم في داخل سوريا والمُغتَرب الذي اتّخذ طريق نضالٍ مماثل لتلك التي سلكها العراقيون قبلهم واستقدموا القوات المتحالفة لخلع صدام حسين. طريق النضال هذا، وإن بقي مشبوها من بعض المعتدلين إلاّ أن من الواجب تشجيعه وتصحيح مساره.   

أما ايران فلا زالت تعتمد نفس اسلوب سوريا في المراوغة والمماطلة في الاستجابة لطلبات العالم بوقف محاولات الانتاج النووي. وعوضاً عن ذلك، لا زالت تناور وتستمر في نشر وزرع الأصولية الإرهابية في كل مكان من البلاد العربية وترقد خلاياها في باقي دول الأرض مستبيحة الحريات الديمقراطية المتاحة لديها. وهذا ما أفاد الإرهاب سابقاً في توجيه الضربات الموجعة، قبل هجمتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها في بلدان مثل اسبانيا وانكلترا وغيرهما. كل هذا استعداداً بائساً لتخويف العالم العربي والدولي من شرّها في حال تصدّيه.

   

تختلف مراوغة سوريا عن مراوغة ايران في أنها مارست في السابق هذا النوع من المراوغة وأفلحت في تجنب مضارها، لأسباب تعرفها هي لكنها اليوم سوف لن يتبقى لها من الوقت ما يكفي للمزيد من المراوغة وكل الأشائر تدل على قرب الاستحقاق والمعاقبة أو لنسمها المحاسبة. أما ايران فإن سياستها قد تنجح فقط في لمِّ شمل مبعوثيها الأصوليين أو تحجيم دورهم وربما استرجاعهم من العالم لكنها لن تفلح قط من اسرتدادهم من داخل الدول العربية التي يبقى من أولى واجباتها كبح جماحهم وربما اسئصالهم. وهذا ليس بالعمل اليسير بعد. 

 

03  توازن رعب دولي،

اختلط حابل الأصولية الإسلامية بنابل الأصولية الديمقرطية.

لقد ثبُتَ إلى الآن أن ما زرعه بن لادن وقاعدته من شعارات لحربه وغذّته وسقَتْهُ الأصولية الاسلامية السلفية "الخلافية" في أذهان العديدين من مجاهدي حرب الردة، أفلح تماماً في إثارة مشاعرَ ريبةِ حكام المسلمين في كافة مناطق العالم وبلبل اختياراتهم فباتوا مشتتي الفكر بين مناصرة التطرف والمتطرفين، ولو سرّاً، أملاً في نصرٍ يقتصر على الابقاء على دكتاتورياتهم لأطول مدة ممكنة.. لعلّ وعسى.. يبزغُ في الأفق بصيصُ وفاقٍ أو حلٍّ دولي، بين مناهضة هؤلاء المتطرفين، أقله علناً، أملاً في تعاطفٍ تتطلبه استراتيجية التحالف الشيطاني القائم بين التحالف الدولي ضد الإرهاب وإسرائيل. وأيضاً، لعلّ وعسى.. يبرز في الأفق حلٌّ دولي -بعد ضرب الإرهاب انتقاماً أو الاعتكاف عنه اكتفاءًً- للإبقاء على استمرارية دكتاتورياتهم ولكن، ويبدو أن الأصوليين وبخاصةٍ السلفيين، لا يخالفون أولئك الحكام أراءَهم وحسب بل قرروا، بالإضافة إلى ما صمموا عليه من انتقام من تحالف الشيطان، أن يضربوا ويخلخلوا أنظمة أولئك الحكام المقبولين منهم وغير المقبولين. وقد يكون السبب انتقاماً مباشراً لما عانوه من مظالم على أيديهم أو استغلالاً لنقاط ضعفٍ ربما أوحت لهم بنجاح مرحلي في مخطط مستقبلي؛ وأفضل الأمثلة هو ما يدور في العراق والسعودية ..

 

ومن المعروف أن في السعودية أوكار الأصولية والسلفية على تعددها واختلاف أنواعها والتي من توجهاتها وتعاليمها استُوحِيَت كافة تعاليم الأصوليات الفاعلة في الدول العربية لاسيما بعد ظهور الخمينية الشيعية في الثلث الأخير من القرن الماضي والتي، وإن لم تُعلَن قط من قبل أيٍّ من الفرقتين، بدت وكأنها حرب ردة إسلامية حقيقية. لذا نراهم على انتهاج نهجهم مثابرين.

 

ففي الحقبة المذكورة استأسدت الحركات والمدارس الفكرية في السعودية للعودة الى الجذور السنية، ولن نقول الوهابية، وفرضت نوعاً من نهجٍ تعليمي سلفي اكتسح الجزائر والمغرب العربي برمته واخترقت تقريباً جميع الدول الإسلامية والفئات المسلمة في الدولة المختلطة، نابشةً في قبور التاريخ تطالب بحقوقٍ مشروعة بحسب الشريعة. في الوقت ذاته اعتكفت الخمينية وراء أحزابٍ سعت وتسعى من أجل إقامة دولٍ إسلامية النهج شيعية المنهج وفي آن، ساهمت في استنهاض كل حركة جهادية ودعمتها مالياً على أمل نجاحها، فالسيطرة عليها وعلى تحركها وفيما بعد توجيهها، وأيضاً لتنفيذ مرحلي لمخطط مستقبلي. وهذا ما هو حاصل اليوم في فلسطين ويُصار إلى اعتماده في لبنان، بواسطة النظام الرديف لايران، النظام  السوري الذي قامَ أصلاً على الارهاب الذي مارسته قياداته ضد كل مَن هو مِن غير طائفتهم فاستولوا على الحكم جزاءً.

 

أما في العراق فالمشهد يتغير باستمرار وإن بوتيرة واحدة. فالعراقيون الذين أذلهم حكم صدام حسين، وبخاصة الفئة الشيعية، فبعد أن ضاقوا ذرعاً وعانوا قهراً ورعباً على أيدي الحكم السائد، استجاروا بالشيطان الأكبر فبادر إلى اقتلاعه؛ ليس محبةً بهم (شيعة العراق) ربما، ولكن مصالحه التقت مع مصالحهم في أماكن وتناقضت في أخرى.

 

فالشيطان الأكبر رأى أن استئصال الإرهاب يتطلب اقتلاع حكم صدام حسين فاقتلعه ورأى فرصاً تسنح لبدء برنامج عولمة الأرض فبادر الى اقتناصها. تحت ستار زرع الديمقراطية؟ فليكن، أو بغية السيطرة على بحار النفط العراقي وتحديد صرفه وتصريفه حفاظاً منه على مخزونه الخاص، لما لا ؟ فكلا الحالتين تصبان في أهداف المُستَنجد بهم.

 

أما المستنجدون المحجورون في دائرة صدام حسين الحديدية، والذين لم يكن لديهم سوى متنفساتٍ ضيقة عبر الحدود البرية مع الجوار، في البدء اهتزجوا فرحاً برفع الكابوس ثم سرعان ما انفلتوا من عقال الروِيَّة والتروي وارتدوا على منقذيهم وأبناء جلدتهم معاً. فهم أرادوا وتمنوا الانقاذ لكنهم رفضوا المنقذين وشاءوا أن يستغلوها فرصاً للاقتصاص من الماضي البغيض في ضرب المستقبل الواعد الرغيد. سيما وأنهم تصوروا أن الانقاذ والمنقذين، إنما قدموا لاستبدال حكم دكتاتورية الظلام بدكتاتورية حكم شرعية الدين أو الأديان وتناسوا أن الديمقراطية لا تستوي قط إلاّ في تساوي شرعيات الأديان في ظلِّ قانون قادر أن يحمي الجميع ولا يسمح بالانتقام بل يفرض العدالة.

 

من هنا رأينا كيف تكاتفت بقايا عناصر قوات النظام السابق المكروه من الجميع مع عناصر تطرّف المستنجدين المحجورين الديني تحت ستار المقاومة الوطنية [ نتصوّر هنا فقط كيف اجتمع القاتل والمقتول معاً تحت عنوان واحد: مقاومة القتل ]. عناصر صدام رأت واجب الدفاع عن الوطن ضرورةً تقتضي الجهاد [وكانت تخلت عنه ساعة كان لها أن تتلمس شرف القتال] وعناصر المحجورين رأت فرص استغلال عناصر صدام لتجييرها في خدمة أهدافها.. ويستجير الجميع بأئمة ما يسمى بالإرهاب من بقايا قاعدة بن لادن وجواسيس الفرس وصعاليك العرب اينما كانوا.. و .. تُفتَح حدود سوريا وايران والسعودية، ويدخل على الخط أيضاً، جميع من يدعي الجهاد في سبيل الله، وأيضاً تحت عنوان الجهاد أو المقاومة العراقية الباسلة، ويختلط حابل الأصولية الإسلامية بنابل الأصولية الديمقرطية. وهكذا تمكن الجميع من فرض توازن رعب مرعب، ليس في المنطقة بيت القصيد وحسب بل في داخل العراق المريض.

 

04 المصير اللبناني.. خلال الاحتلال السوري. 

لبنان هو الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا زالت تتمتع ببعض الديمقراطية وتحاول استكمالها إذ أن حكّامَه والمتحكمين به، وطوال عقدين من الزمن، ربطوا مصيره بمصير فلسطين وسوريا.وها هم اليوم، بعض المتوكين سورياً والمُقادين ايرانياً، يوثقون ارتباطه بالردّة السورية الايرانية الارهابية الأصولية.

هكذا، وكما دوماً: يسارع بعض اللبنانين إلى ربط مصير وطنهم بمصير كلِّ "مُقيلٍ ومُدبِر" من أرباب الدكتاتورية والأصولية والعقيدية .. ولا يتعلمون.

فَ.. ربط مسار لبنان بمسار القضية الفلسطينية أدى إلى الاخلال بالتوازن الاثني المكون منه شعب لبنان، وكلفه نحو 200 الف قتيل دون احتساب الدمار المادي والمعنوي.. إلى اتفاق الطائف! لكنَّ إحدى أهم حسناته اللاإرادية أنه أجبر الفلسطينيين على العودة إلى أرضهم في محاولة لفرض إقامة دولة ذات كيان مستقل وإن تدريجياً. 

وَ.. ربط مسار لبنان بمسار سوريا أدى، ليس إلى تفكك كامل لهذه الاثنية وحسب بل، إلى فقدان السيادة والاستقلال وقاده إلى اتفاق الطائف.. وزاده احتلالاً وإذلالً وكاد يُضيح بعنفوان اللبنانيين وثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم! لكن أخطاء النظام السوري المحتل وجبروته وعدم فهمه لمتغيرات الزمن واسبساله من اجل البقاء في لبنان، وإن بقوّة الاغتيال والتدمير، فرض عليه بل ألزمه انسحاباً مذلاً لم يشهده مستبدٌ من قبل.

والآن، فإن محاولات ربط مسار لبنان بالمسار السوري الايراني والوليد الفلسطيني الموصوف بالإرهابي.. إلى ما سيؤدي؟ أَ.. إلى الانهيار التام أم الزوال؟ أم سيحفّز القيادات اللبنانيين

 

لنرى إلى ذلك..

هـا إنَّ ثورة الأرز قد أزاحت كابوس النظام السوري العسكري المباشر عن لبنان؛ لكن الحكم فيه لا زال يجر ساقيه في اتجاه استكمال استرداد استقلاله الضائع لكنه لم يتمكن إلى اليوم من الخروج طوق الهيمنة الأمنية للنظام السوري التي فرضها طوال نحو ثلث قرن. وهكذا يبدو وكأن لبنان بات منفصم الشخصية الوطنية لذا نرى رأس الحكم وبعض متوكلي النظام السوري في لبنان مترددين في اختيار السبيل السَوِيّ للخروج من مأزق ترسيم الحدود بين الولاء لسوريا أو للوطن.

 

في واقع الأمر،

إن انخراط لبنان، في لعبة توازن القوى أثبتت عدم جدواها وأغرقت البلاد في أزمات متلاحقة، منذ محاولة عبد الناصر استدراجه للانضمام إلى ركب الوحدة العربية التي أقامها مع سوريا التي ما لبثت أن انفك عراها في حركة الانفصال المعروفة.

قبل ذلك كانت محاولات الدخول في حلف بغداد وجرّت لبنان إلى ويلاتٍ كان من الفمترض بها، لولا حكمة اللبنانيين، أن تغيّر وجه النظام السياسي من خلال ما سُمِّيَ بالحرب الأهلية.. وتأتي أيضاً محاولة الحزب السوري القومي الاجتماعي للانقلاب على النظام الذي أحد المدافعين عنه، وهذه أيضاً باءت بالفشل كما هو معلوم.

 

إن انجراف لبنان كدولة، من خلال الهيمنة اللأمنية والعسكرية السورية، إلى لعبة توازن الرعب، لم تفقد جدواها وحسب بل أدت إلى تفكك نظام الدولة اللبنانية وجرّت أبناءَها إلى حروب طاحنة مع كل مَن أُخْرِجوا من الأردن وحُوِّلوا إلى لبنان عن طريق سوريا فحلّوا أهلاً ووطؤوا سهلاً ما لبثوا أن انقلبوا  إلى أعداء.

وهذا ما سعى إليه النظام السوري كي يتخذ من أرض لبنان موقعاً في لعبة توازن الرعب المشار إليها لكن، ليس مع الدولة العدوة، إسرائيل، بل مع لبنان كدولة وعبر فرق الموت المتعددة الانتماءات التي أنتجها طوال أكثر من ربع قرن من الزمن.

  

نحن نرى إلى هذه المستجدات ورأس النظام اللبناني لا يرى فيها إلى أبعد من أنفه، إذ ..

منذ توقيع الرئيس الأمريكي على قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، وكل ما يطلب من سوريا يشمل لبنان .

لقد طُلبَ من سوريا مراراً وتكراراً إخراج جيشها من لبنان ووقف نشاط حزب الله الذي يعتبره إرهابياً ، كما طلب من لبنان تنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحدود الجنوبية لكن كل هذه الطلبات قوبلت بالرفض العنيف والتحدي السخيف وكذلك بضرورة إبقاء نشاط هذا الحزب لكن ... 

رأس هذا النظام المحكوم لا زال يناور ويراوغ على الطريقة السورية بل ويزايد عليها استفزازاً لجميع مشاعر العالم وبخاصةٍ شعبه ويتحفُ الجميع بمواقفَ أقل ما يقال فيها أنها دونكيشوتية حتى لا نقول غبية إذ ...

 

رفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحدود الجنوبية من إرسال الجيش اللبناني لتسلّم أمن حدود بلاده بل الأدهى أنه ترك الحبل على غارب حزب الله ليتسلّم ليس الحدود وحسب بل المنطقة الجنوبية بأسرها..

 

رفض التخلي عن حزب الله بل زاد بأن تبنى خطه في المقاومة لاسترجاع مزارع شبعا التي تأبى سوريا إلى اليوم الاعتراف رسمياً بلبنانيتها فبقيت معلقة أعاقت وتعيق محاولات الأمم المتحدة في الضغط على إسرائيل للتخلي عنها..

 

والأدهى من هذا كله نراه: يوزع نياشين وأوسمة الشرف على من لم يشرفوا الوطن بما تسببوا له من دمار ودماء، ويأبى حتى التعاطف مع، بل يسجن ويشرد من وقف في وجه المؤامرة السورية-الاسرائيلية لتوطين الفلسطينيين على أرض لبنان.

 

ورأس هذا النظام ، ورغم تعاطف العالم مع ظواهر الديمقراطية التي لا زال بعضُها يمارس في لبنان ، وبالرغم من جميع الظواهر المبشرة بقرب أوان العقاب والمحاسبة لسوريا نجد أنه، رأس النظام اللبناني، عوض أن يجمع أئمة العلم والمعرفة السياسية في البلاد واستشارتهم لما فيه إنقاذ البلاد من الطوفان المقبل هادراً أو على الأقل فصله وتحييده عن طريق سوريا لدفع أقل الأثمان، يسعى جاهداً للبقاء في كرسي ضاق ذرعاً بوجوده وموقعاً ضجر واشمأز من تصرفاته..

 

إننا نسأل: ماذا ينفع لبنان إذا سقط في فخ المواجهة مع سوريا؟

فيما المنطقة كلها تغلي في أتون الانتظار لما سوف يستجد فيها من متغيرات نجد رأس النظام اللبناني يستمر في غوغائية محلية تكاد تطيح بكل شيء. وبدل أن يستعيد الجميع وعيهم الوطني والتطلع إلى مستقبل بلدهم، نراهم يستغرقون في جدل بيزنطي حول كل شيء إلاّ الوطن. وعوض المبادرة إلى اتخاذ الخطوات التي تحفظ وطنهم من غرقٍ محتّم في محيط لا قرار له نرى الكثيرن منهم منهمكين في الدفاع عن سوريا وسياستها وكأنّا بهم بطلوا أن يكونوا لبنانيين ولم يعد الدفاع عن وطنهم من أولى اهتماماتهم. ولا عجب فهم من نصّبتهم سوريا لحكم هذا الوطن أو إدارته.

 

وفيما كل هذه الأحداث تأخذ طريقها في المنطقة نرى، ويا للعجب، أن هم رأس النظام ومن لفَّ لفَّهُ، لا زال كل منهم يناور الآخر ويكابر واحدهم الآخر مزايداً في نسبة ولائه لسوريا وسياستها. والمرعب أنهم ، وكل في موقعه يتبرأ من كل ما أوصلوا البلاد والعباد إليه من حال مزرية وإحباط؛ وعندما يحاول البعض محاسبتهم عما أوصلوا البلاد إليه يبدأوا في إلقاء اللوم على بعضهم البعض ولا يخجلون من الاعتراف بأن هناك أخطاء اقترفوها. والأدهى من ذلك كله أن هذه الكتيبة من كتائب سوريا البعثية ( مصدرها بعثة ) في لبنان تؤمن أيماناً صادقاً بأنها تسعى وتعمل من أجل رفعة شأن البلد والناس في الوقت الذي كفر الناس بهم والبلد .

في غير بلد يتمتع بأدنى قدر من الديمقراطية، يؤخذ هؤلاء جميعاً إلى السجون ويحاسبوا عما اقترفت أيديهم.

 

هذه الظروف الإقليمية، كما يسمونها، في نظرهم تتطلب وجودهم لحماية النظام. ومن هنا فرئيس الجمهورية يلهث راكضاً وراء من في يدهم أن يقفوا في وجهه كي يقفوا معه أو عنه في طلب تمديد أو تجديد ولايته للرئاسة. كأن في نظره، أن الأمور التي لم تستقم طوال ستة أعوام مُـرّة وتمكّنه من تحقيق ما سميَّ بخطاب القَسَم [خطاب العرش] لإنهاض لبنان ومؤسساته بات اليوم سهل المنال في سنوات التمديد أو التجديد المطلوبة إذ هو الوحيد الذي في يده إتمام عملية الانهاض.

 

عهد هذا الرئيس كان من أغرب العهود التي مرّت على لبنان منذ الاستقلال وإلى اليوم .

ففي عهد الرئيس الذي سبقه صار الانقلاب على وثيقة الطائف وطُـبِّـقَ منها ما هو في صالح سوريا وفي عهده استكمل الانقلاب ولكن هذه المرة على الشعب اللبناني وبخاصة الفئات المسيحية منه التي أفضل ما توصف حالتها به أنها أصبحت من أهل الذمة إذ طغت الفئات المسلمة من الشعب على مقدرات الوطن وتسلمت زمام الحكم فيه، وإن أدخلت معها، بواسطة انتخابات مزورة ومعلبة، بعض المجهولين وبعض المستسلمين للإرادة السورية. وهؤلاء مجتمعون، هم أصحاب الخط الوطني الجديد الذي أعدت سوريا رسمه في لبنان. وهكذا بدا للجميع أن هناك غالب ومغلوب..

 

في عهد الرئيس الذي سبقه ، تمَّ القبض على المقاومة اللبنانية الحقيقية بجميع فروعها وتم نزع سلاحها واحتُجِزَ قادتها وأفرادها أو شردتهم وطاردتهم وشرذمت ونفت كل من وقف في وجه سوريا ... وأفسح في المجال لكل من أحب ، ممن أضاعوا البلاد ، لتصدّر واجهات البلاد الاعلامية والسياسية والاقتصادية حتى بات لبنان كله رهن إشارتهم وإرادتهم.

 

في عهد الرئيس الذي سبقه، تمَّ تجنيس ألاف الغرباء لملء فراغ المهاجرين والمهجّرين من أبناء لبنان، أما في عهده فكان التشجيع الأعظم لهجرة الدماء الفتية لأبناء الوطن كي يحل محلهم مشردو الأمم ، فَ ...

 

في عهد الرئيس الذي سبقه، تم تجاهل المقاومة اللبنانية الحقيقية التي بصلابة مواقفها وثباتها فرضت الوصول إلى اتفاق الطائف وفي المقابل تم تثبيت مركز المقاومة الإسلاموية التي كانت السبب الرئيس وراء خراب لبنان منذ المراحل الأولى للحروب التي ساقتها سوريا عليه أما..

في عهد هذا الرئيس، تم ربط مصير لبنان نهائياً بمصير سوريا وتم رفض أي فكاك منه تحت طائلة التخوين والعمالة للعدو.

في عهد هذا الرئيس، تم ضرب مصداقية القضاء اللبناني المشهور بنزاهة رجاله بل اعتدي عليهم وقتلوا على أيدي مجرمين غير مجهولين.

في عهد هذا الرئيس، تم ضرب الحرية، حرية الرأي التي كفلها الدستور القديم والجديد.           

 

في عهد هذا الرئيس، ضربت الطبيعة أرض ورزق اللبنانيين ولم يتحرك لمساعدتهم في حين سارع لتقديم العون لمتضرري الزلازل في غير بلاد [عمل بار لا غبار عليه] فيما اللبنانيين يعانون الأمرّين.

 

في عهد هذا الرئيس، تمّت عودة مهجّري الفئآت الموالية لسوريا وبقي مسيحيو الجبل وغير الجبل يعانون الأمرّين في خرائب المدن أو تُرِكوا ليهاجروا إلى أرض الله الواسعة، في الوقت الذي يتمتع الغير بخيراتهم وأرزاقهم.

 

هذا الرئيس، رفض ويرفض كل محاولة وفاق ومصالحة بين اللبنانيين بل وحارب وأوقف تحقيق المصالحة التي تمت في جبل لبنان على أيدي بطريرك لبنان وزعيم الركن الثاني من مؤسسي الدولة اللبنانية.

 

هذا الرئيس، في مواجهة لبنان لأكبر المخاطر التي تهدد المنطقة يتمنطق بالتحدي والعنتريات.. ومحاربة الامريكان بسلاح المقاومة  المنتشية برائحة دماء الشهداء.. دفاعاً عن سوريا!

 

هذا الرئيس، الذي يدعي العلمانية ورفض الطائفية، نسي أنه بسبب طائفته وُضِعَ في مركز الرئاسة وأحجم عن حضورٍ كافة المناسبات الاحتفالية السنوية التقليدية لعيد شفيع ومؤسس طائفته. يبدو أنه استفاق مؤخراً!

هذا الرئيس، الذي قلل من احترام مركز رئاسة الجمهورية إلى أدنى مستوى باستقابله كل طارق وبارتجاله مواقف لا تليق برئيس للجمهورية.

 

هذا الرئيس، الذي أفقد مجلس وزرائه ورئيسه ثقتهم بعملهم بل وناكف كل طرحٍ لوزير دون أن يكون لديه البديل، فعطّل بذلك مجلس الوزراء وأفقده مصداقيته.

 

هذا الرئيس، الذي لا يعرف ماذا يعمل ولا يريد أن يعمل ولا يدع غيره يعمل محبطاً بذلك جميع جهود الوزراء ورئيسهم.

هذا الرئيس، يريد أن يكسر الدستور الذي أقسم على الحفاظ عليه فقط لأنه يرغب في تمديد إقامته في قصر الرئاسة بادعاء أن الظروف الإقليمية تتطلب وجوده هو شخصياً..

والمصيبة في هذه الأطروحة أن أحداً لا يتجرأ "ويبقّ البحصة" في وجهه بل كلٌّ بمفرده يجنّد كل ذكائه في الدبلوماسية كي يبتلع الطعم المعد مسبقاً من قبل سوريا لتمرير رغبة هذا الرئيس.

 

في نظرنا، إن هذا الرئيس يبقى المسئول الرئيسي لما وصلت إليه البلاد ويجب أن يحاكم ويسجن أو يُنفى إذ لو أن مطلق مسئول سياسي في أية دولة شبه ديمقراطية اقترف جزء ضئيل مما اقترفه هذا الرئيس نحو شعبه ووطنه لما بقي في مركزه ولكان دفن في أعماق السجون. لكن لا حياة لمن ينادي فالجميع في البلوى مشاركون..

 

لكن.. ليثق اللبنانيون أن لبنان سيسترجع عافيته واستقلاله وسيادة شعبه على أرضه رغم أناف الجميع.

ويقول قول: ما طار طيرٌ وارتفع إلاّ كما طار وقع. فالذين أهدروا دماء اللبنانيين وضربوا أرزاقهم وشردوا أبنائهم سوف يلاقوا المصير الأسود الذي ينتظر أمثالهم.. غرباء كانوا أو مدعي أخوة أو إخاء أو حتى من افتخر بحمل الجنسية التي كانت من أثمن وأغلى جنسيات العالم.

 

وهكذا، فإن جميع رؤساء الأنظمة الحاكمة في الدول العربية ، وعلى شاكلة الرئيس اللبناني والرئيس السوري الذي نصّبَه، لا يهمهم سوى البقاء في تحجرهم ولا يتوانون عن استعمال أكثر السبل ميكيافللية في سبيل الحفاظ على أنظمتهم الدكتاتورية ورفض كل أنواع الديمقراطية. وكل ذلك تحت عنوان الوطنية والقومية وما بينهما من تسميات تخطر في بال أبالسة هذا العصر، المستمر الظلمة. فهل تراهم يرون النور أم أن على شعوبهم الانتفاض والانقضاض عليهم؟ هذا يبقى سؤالاً لن يجيب عليه مدعو القومية وغوغائيو الصحافة الدينية أو القومية بل الشعوب الواقعة بين سندان الإرهاب الديني بكل صفاته وبين حقوق الإنسان الذي كاد يفقد كل معاني الدين.

 

والسؤال الذي نطرحه في نهاية هذا الجزء: متى ينتفض شعبنا الأبي وياخذ بيديه زمام الأمور الوطنية؟

والجواب المتسرّع: إن غمامة الهمّ لا بدّ راحلة وسحابة الفرج باتت قريبة وقريبة جداً.. وليس لنا إلاّ أن نقول:

 

صانك الله لبنان.

لاحظ س. حداد

التيار السييادي / نيوزيلندا

 

وألى الجزء الثاني..