سوق عكاظ السياسة اللبنانية يجعل الحل الداخلي متعذِّراً!

والحلّ يتطلب مواقف وطنية؟

بقلم/ لاحظ حداد

 

إن التأزّم الذي بلغه الوضع السياسي في لبنان بات يهدد كيان الوطن بأكمله، فجميع السياسيين، قياديين ومدّعي القيادة، وصلوا إلى الحائط المسدود.. والإعلام الحر هو المساهم الأكبر. لنرى إلى هؤلاء:

 

أفرقاء المعارضة ثلاث ولكلٍ منهم مشروعه.

الفريق الأول: لديه مشروع مرحلي متكامل للقبض على السلطة وتحويل النظام (الديمقراطي) إلى نظام دكتاتوري عقائدي شمولي لا يتوقف عند حدود لبنان، بدأ تنفيذه منذ أكثر من عقدين من الزمن .. وهو لن يتخلى عنه قط إلاَ بالقوة القاهرة غير المرغوب فيها حالياً.

 

الفريق الثاني: يتكأ بمشروعه على مشروع الفريق الأول، للاستيلاء على السلطة وتغيير النظام (الديمقراطي التوافقي) إلى نظام مدني، مزاجي وغير واضح المعالم ولا يأخذ بالاعتبارات الطائفية المتراكمة منذ تأسيس الدولة والتي أضحت بنياناً دستورياً قدّم للجميع فرص خلخلته متى شاؤوا.

 

الفريق الثالث: متعدد الأطراف ومتنوّع الإنتماءات الولاءات، الوطنية المحلية والاقليمية. وهو يحتوي كل متطلّع إلى موقع، وإن ثانوي، حتى لا يفقد وجوده، لذلك فهو يوزّع ميوله بين الفريقين الأول والثاني. ومتى فقد الأمل منهما، سيتحول إلى غير مكان وغير اتجاه.

 

الفريقان الأول والثاني: يخادعان بعضيهما. ولو تأتى لأحدهما الوصول إلى مبتغاه منفرداً، فلن يتردد في استئصال الآخر والتحوّل إلى استيعاب الفريق الثالث الذي سبق أن مارس هذا النوع من الاستيعاب. لكن علينا التنبيه من أن عملية الاستئصال هذه ستحيل البلاد إلى جحيم الانتحار الداخلي فكلا الفريقين، حفل تاريخه بما لا يشرّف من حروب الاستئصال أو الإلغاء للاخرين. فَ..

حروب الفريق الأول: بررها في حينه، تسلسل الأحداث والصراع بين أطراف الفريق الواحد للإمساك بالقرار العام. كان ولا زال "تنازع بقاء" أدى إلى معارك أشد فتكاً وتدميراً وتأثيراً من كل ما أنتجته، إسرائيل وصديقتها اللدودة سوريا، من كوارث لإضعاف الجميع والسيطرة عليهم وقد أفلحت. حروب هؤلاء جرّت العديد من الأطراف إلى مواقف لم يتمكنوا من التخلّص منها إلى اليوم. وَ..

حروب الفريق الثاني: لم يكن لها ما يبررها سوى هدف وحيد هو الاستئثار بالسلطة ومنها إلى الحكم، بناءً على ميكيافيلليةِ وعودٍ دَرَجَ الواعدون في إعطائها، فسقط في شراكها، في تهوّر غير مسبوق، أنتج من الضحايا والدمار ما لم تنتجه سنوات طويلة من معارك الأضداد.

 

أفرقاء الموالاة ثلاث في مشروع واحد.

الفريق الأول: مع انعدام الخبرة السياسية، بسبب اعتكافه في الظل أثناء الحرب اللبنانية، أو استنكافه عن الدخول في مواجهات صلبة مع بعض فرقاء المعارضة، وهو المتمتع بأنواع من الحكمة والروية وربما تحسباً للمستقبل، وهذه كلها لم تنفعه أو تحمه أحياناً كثيراً. تحسّب هذا الفريق للمستقبل، أفقده بعض أعزّ رجاله ورجال الوطن. لكنه ببساطة، استعاد الوطن المفقود من بين براثن وطغيان أسد سوريا، وثبّت أيمانه به وفيه.

هذا الفريق الذي استُكمِلَ ولاؤه واندمج في ولاء باقي الفرقاء، استودعَهُ لبنانُ كلُّه أمانةَ الاستقلال، لا زال إلى الآن يفضّل، وهو في ذلك على صواب، يفضّل الحل الوسط، الذي هو من تراث اللبنانيين المكتسَب، يقيناً منه وأيماناً وثقة بعودة الجميع إلى جادة بناء دولة الوطن.. 

 

الفريق الثاني: مع خبرته السياسية الطويلة المكتسبة أثناء الحرب اللبنانية، ومن معاناته الصلدة في الدفاع عن قضية الوطن، آمن عن حق بأن دوره الآن بات أشد إلحاحاً في عملية استرداد الوطن وإعادة بناء دولته وفي الوقوف بمواجهة الدكتاتورية العقائدية الوافدة سريعاً. وهكذا اندمج الفريقان في فريقٍ واحد لا يمكن اختراقهما.

 

الفريق الثالث: هذا الفريق، كان احتل ساحة المواجهة السياسية مع سوريا طوال الفترة التي فرضت هيمنتها السياسية والأمنية وإن شابها أحياناً بعض التردد أو الخفَر والخشية. هذا الفريق، لم يكن ليعمل منفرداً دون أن يلقى شحذاًً للهمة من شيخ المدافعين عن الوطن، غبطة بطريرك لبنان الذي جالَ أقطار الدنيا مطالباً بتحرير بلادنا من نير الإحتلال السوري. هذا الشيخ الجليل الذي سيسجل له التاريخ الوطني مواقفه الكبرى التي تنكَّبَ فيها ثقل الضغط السوري الرهيب؛ وقد يتكشَّف يوماً أن حمله الثقيل هذا كان أصالة عن موقعه ونيابةً عن غيره من شيوخ وحكماء لبنان المحتجزة إراداتُها.

 

إذن، هذا الفريق الثالث بات اليوم الممثل والحامي لأفرقاء المولاة. إنه الأقنوم الثالث المغذي والينبوع الذي به يتقوى الفريق الأول والثاني. فهذا الفريق، هو مُنتِجُ ثورة الأرز التي جمعت الشعب اللبناني، بأمهِ وأبيه، ليقف وقفة العزّ التي أذهلت العالم. هذا الفريق، وإن تعدد أطرافُه وربّما انتماءاتُه، أثبت أنه ذو ولاءٍ واحد هو الولاء لوطن الأرز.

 

ثورة الأرز أو انتفاضة الاستقلال، كما يحلو للبعض تسميتها، بوتقت جميع أفرقاء المولاة حتى بات لهذه الكلمة معنى ليس كما تفسّره النُظم الديمقراطية بل أضحى تظهيراً لكلمة ولاء (الجذر اللغوي للكلمة) لوطن الأرز في مقابل كلمة معارضة، التي هي الأخرى، فقدت معناها بحسب تفسيرها الديمقراطي لتصبح مرادفة لكلمة ولاء لغير الوطن الأرز. ولاء لشخص أو لدولة أو لعقيدة ولكنها قطعاً لم تعد تعني الوطن لبنان.

 

الإعلام الحر، المرئي والمقروء والمسموع [ما عدا قبضة منه]، فقدَ أهمَّ مقتضيات وجود حريته أي الالنزام بأخلاق وطنية، وتحول إلى أبواق تصدح بأصوات أسيادها. وعوض تبني المواقف الوطنية المحقة بات همُّه الأساسي اقتناص سبقٍ صحافي يزيد مبيع صحيفته. والرائي إلى شاشات التلفزة تأسره محاولات مُعِدّي البرامج أو الندوات السياسية الحوارية في استفزاز محاوريه لاستخراج بضع كلمات يبني عليها رأياً يفرضه مخالفاً، مما يستدعي رداً مباشراً يخترق ندوته تبريراً لرأي مخالف أو توضيحاً وهذا يشير إلى ما وصلت إليه عوامل ومعامل الشحن النفسي والاعلامي على الجميع. وبكل تأكيد فإن هذا الاسلوب المتبع يزيد الموضوع المطروح بلبلةً ويفقده الكثير من التأثير. 

من هنا نجد أن الاعلام، المتناسي للأخلاق الوطنية بكامل واجباتها وموجباتها، أصبح اليوم فرقاً إنحيازية متعددة المشارب والموارد تساهم بشكل مباشر في تهديم كافة القيم التي فاخر بها الدستور اللبناني فكفل حريتها رسمياً.

 

إن الانحلال الاخلاقي في التعامل السياسي يفتح سجالاً متجدداً وأكثر سوءاً من سجالات الحرب القديمة وسوف يتعذّر الخروج منها حتى ولو انتهى إلى حالة اللاغالب ولا مغلوب. فقط نحيل الجميع، الإعلام وجميع قادة السياسة في لبنان اليوم أن يحاولوا الاستماع إلى صوت العقل وليتذكروا ما اشتُهِرَ به أسلافهم في لبنان الاستقلال الأول من مناقبية واحترام.

 

سكنَ العقلُ واحتلّت العاطفة مكانَه، وكأنما الوطن قد ضاع فعلاً والجميع يحاول اقتطاعَ إرثٍ منه!

هذه هي الحال السياسية والشخصانية في لبنان اليوم. لكن الزمن لا يرحم وكذلك الشعب المتعطش إلى السلام. فقادة المعارضة والمولاة قد استمرؤوا لعبة سياسة الأطفال المقعدين الذين ليس بأيديهم سوى اللعب بما وصلت إليه أيديهمم. 

 

أما المطالبة بأمور سياسية، كما هي الحال اليوم، فييجب أن تكون بواسطة ممثلي الشعب المتظاهر، وتحت قبة برلمان الشعب وليس من قبل أشخاص لا يمثلون سوى أنفسهم ، أمثال الشيخ نعيم قاسم، الداعية العقائدي الذي بخطاباته النارية المهيجة للشعب والمحرضة على العصيان فيجب أن يُلجَم أو يُعتقل.

 

إن التماهي في استنكاف الحكومة اللبنانية عن اتخاذ القرارات الصعبة أتاح ويتيح للمعارضة المتغطرسة التمادي في غيها الآيل إلى تفكيك الكيان اللبناني. وهذا ما سوف يحاسبها عليه اللبنانيون الصامتون في لبنان واللبنانيون اليائسون في عالم الانتشار القانطون من سلوك هذا الرعيل غير الواعي من سياسيي وطنهم! 

 

المطلوب من حكومة لبنان: مواقف قيادية وطنية تضع كافة الأمور في نصابها.

1)      إعلان حالة طوارئ،

2)      إعلان لبنان دولة ذات حياد ايجابي

3)      وضع ميثاق وطني جديد

 

1) إعلان حالة الطوارئ هي من أولى واجبات الحكومة، أية حكومة، تواجه ما تواجهه حكومة لبنان. فتحت شعار حرية التعبير المكفولة في الدستور، لا يمكن السماح بتهديد السلم الأهلي وتعريضه لخطر اندساس عناصر تخريب خارجية أو لافتعال فتنة مذهبية أو طائفية. وتحت ذات الشعار، لا يمكن السماح بتعطيل قسري لحرية الحياة الاجتماعية والمدنية للمواطنين. كذلك، تحت ذات الشعار، لا يمكن السماح بالتهجّم والتحريض على الاخلال بالنظام العام وتقسيم البلاد..        إن التعبير الحر عن الرأي بالتظاهرات يقف عند حدود حرية المواطنين الآخرين. أمّا الاعتصامات، ففي حدودها القصوى، يجب ألاّ تتعدى الاعتصام في الأماكن الخاصة التي لا تضر بمصالح الدولة أو المواطنين. وخلاف ذلك: يجب أن تُقمَع..

 

2) إعلان لبنان دولة ذات حياد ايجابي، والتوجه نحو مجلس الأمن الدولي ووضع قضية لبنان بين يديه لفترة زمنية محددة، وطلب حمايته من محاولة تخريب النظام اللبناني وجرّ البلاد إلى حرب داخلية بسبب تدخل سوريا وايران وتصرفات ميليشيا حزب الله، وطلب دعم مجلس الأمن الدولي لتحقيق ما يلي:

** نشر القوات المسلحة اللبنانية على كامل التراب اللبناني بدعمٍ كامل من قوات مجلس الأمن الدولي تنفيذاً لقراراته.

** المساعدة في حماية الحدود اللبنانية السورية،

** قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران فوراً،

* الطلب إلى حزب الله وحلفائه ومحازبيهم، للخروج فوراً من الشوارع تحت طائلة القانون،

* تنفيذا للقرارات الدولية، الطلب إلى حزب الله التخلي عن سلاحه لمصلحة الدولة تحت طائلة المحاسبة والحل،

* توقيف فوري لجميع المعتدين على أمن الدولة والسلم الأهلي. وحلّ الأحزاب أوالحركات المنتمية إليها،  

* توقيف كل من يتهجم على الدولة ويعرّض الأمن القومي للخطر.

* لذلك، على الحكومة قبول استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل وتعيين وزراء جدد مكانهم ومن ذات الطائفة والسير 

  بمقتضى الدستور.

الحياد الايجابي سوف يلبي مطالب جميع اللبنانيين الداعين إلى استقلال القرار اللبناني السيادي وسوف يؤكد رفض تحويل لبنان ساحة صراع بين الايدوليجيات الخارجية المستوردة. وفي الوقت نفسه، سوف يفسح في المجال أمام المعارضة لاثبات صحة ارتباطاتها اللبنانية.    

الحياد الايجابي لن يُخلي لبنان من واجباته القومية في دعم قضاياها لكنه لن يبقى مستفرداً أو متنفساً لكل قضية قومية وبالتالي سوف يرفع عن كاهل اللبنانيين ثقل الدفاع عن هذه القضايا وتحقيق غايات أصحابها المنفردة.. وبذلك نتمكن من تثبيت استقرار وطننا واستكمال سيادته وبكل تأكيد سوف يستعيد ثقة الجميع به ويستعيد ثقته بالجميع فيقيموا أفضل العلاقات

مع الجميع. وهذا بالطبع سيقودنا إلى:

 

3) وضع ميثاق وطني جديد يتضمن برنامج عمله: إعادة نظر في الدستور اللبناني وتحويله إلى نظام مدني ديمقراطي حقيقي غير توافقي، مع المحافظة على خاصيات الطوائف، يقوم به مشرّعون لبنانيون وبإشراف الأمم المتحدة.   

 

وضع قانون انتخاب نهائي يعتمد المحافظات التي يجب أن تُزاد لتصبح أكثر تمثيلاً للناخبين أكبر من قضاء وأصغر من محافظة . مشروع وزير العدل الحالي الذي أعلنه مؤخراً شريطة أن يعطي حق الانتخاب للمغتربين من أماكن تواجدهم.

 

إن تلكأ الحكومة عن التصرف بمقتضى ما أوكل إليها الدستور من حماية للوطن، لأسباب يعود أغلبها إلى عواطف الخوف والممالئة المتبعة حالياً، ستذهب بالوطن لترميه بين يدي العقائديين.  فهل تستبق الزمن قليلاً وتتصرف؟

 

صانك الله لبنان

لاحظ حداد