اليقظة الوطنية المطلوبة من أركان المعارضة وأركان المـوالاة

لاحظ س. حداد

 

الشحن النفسي والفكري الذي تعرّضَ له الشعب اللبناني خاصةً طوال السنتين الماضيتين وبصورة أخص السنة الماضية، بات اليوم ينذر بأشد الأخطار. وما تبْتَرِد المواقف بلين حكمة القادة السياسيين، فإن الحرب الأهلية الحقيقية سوف لن تحتاج إلى رصاصة تغتال ولي عهد نمسا- لبنان كي تندلع شرارتها ولن ينفع بعدها أيُّ ندم.  

 

المرعب والمتوّقّع أن يفقد الشعب، بجميع فئاته، عناصر الصبر والمناعة التي لم تنجز بعد اكتسابها بُعَيدَ الحروب التي لا زال يعيش بعضاً من أذيالها.. الحرب التي تجهد وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع بتذكيرنا بمآسيها فيما هي في الواقع تدفع بالجميع إلى استعادة ذكرياتها وذكرياتهم فيها.

 

ينقسم الشعب اللبناني اليوم إلى فئات ثلاث. فئـتان تتمثلان بالأنصار المناصرين لكل من طرفي النزاع السياسي، المعارضة والموالاة، وهما على طرفي نقيض مبدئي سياسي لا يتلتقيان إلاّ في مصلحة وطنية مشتركة وإلاّ إذا تخليا عن تقديم مصلحة كل منهما.

 

الفئـة الثالثة وتمثل المستقلين واللامبالين والمشمئزين والقانطين وغير الممثلين في المجلس النيابي.. فهم وحدهم دافعو الثمن الأعلى تشريداً وتجويعاً وبئساً وحرماناً وُعِدوا بنقيضه يوم أن شاركَ أغلبهم في انتفاضة الاستقلال الكبرى.. ومما يرون اليوم أمسى الإحباط سراطهم واليأس نصيبهم، خاصةً وهم لا زالوا يتطلعون إلى يوم ابيض لم ينقشع سواد ليله بعد! 

 

فئة المعارضة تنجزّء أيضاً.

في إحداها أي طرف المعارضة، البعض يتشبث دون تردد بطروحات قياداته العقيدية [حزب الله] والبعض الثاني يلتحق بها تيمناً باسترجاع مواقع له مفقودة ، لذلك نراه يزايد في غلوائه وعشوائية تهجماته [وهّام وقنديل وأمثالهما].

 

أما البعض الثالث فهو، كما رصاص ال 7/8، محيّر وليس مخيَّر. ساعة يدعي التحالف الوطني وساعة يطالب، دون تجاوب، بتأكيد هذا التحالف في الواقع السياسي.. من هنا نجد هذا البعض الأخير يحاول التمايُز عن البعض الأول العازل له في طموحاته والمحرك لها في آن؛ ومن هنا أيضاً، نراه يساهم باضطراد في زيادة الاحتقان السياسي دون التحسّب لنتائجه ويدفع بالأمور إلى قمة التصعيد وكأنه في مبارات حقيقية مع البعض الأول في تسجيل المهاترات والتهديدات التي لم تأتِ، إلى الآن، بسوى الإحباط التام لباقي فئات الشعب اللبناني.

 

أما مناصرو هذا الطرف، فهم كمن "بلعَ الموسى" كما يقال في العامية، فلا هم مع مَن سلطَن ذاته عليهم يجنونَ فائدة ولا مع مناصريهم ومنتخبيهم في منأى عن العتب واللوم؛ سيما بعد أن تخلوا كلياً عن كل ما يمت إلى هؤلاء بصلة وأمسى أملُهم الوحيد مُرتَهَن بنجاح ذلك السلطان وإلاّ فهم لكل مستقبل سياسي خاسرون.. فهل بعد اللين الذي قد يبديه السلطان تنفكّ عرى الائتلاف ويستلحقون أنفسهم ويستعيدون مواقعهم في مناطقهم وبالتالي يستجيبون لنداءات مَن ينتسبون دينياً إليهم!  

والموالاة، تتأرجح أطرافها بين مصمم على السير قدماً في مسيرة قيام الدولة وبين مَن يراهن على يقظة وطنية أفرقاء المعارضة ، وأيضاً بين مَن لم يعد يستطيع التراجع عن مواقفَ جامحة سياسياً.. أطراف هذه المولاة باتت ملتزمة التزاماً وطنياً قاطعاً لا عودة عنه خاصةً بعد تعرضها لكافة أنواع الاغتيالات وعرّضت مناطقها لجميع أنواع التدمير والتفجيرات.     

 

إنبثاق أركان المولاة من صدى ثورة الأرز الكبرى التي أعطتهم نفحات العنفوان الوطني وأضفت عليهم صفات المدافعين عن السيادة والاستقلال، وأورثتْهم أمجادَ الحرية، وألبستهم طيلسان الشهادة الباسلة لمن فُقِدَ من رجال طالما افتخر بهم لبنان..

إلى هؤلاء جميعاً نُوجِّهُ كلمة:

يقظتكم الوطنية مطلوبة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. العالم كله يرقب تصرفكم في أهم عمل دستوري يتوجب عليكم إتمامه .. إنه اختيار رئيس للجمهورية الجديدة.. إن الاستخفاف بمصير الوطن جريمة سوف لن تجد مَن يقترفها سوى من تناسى التاريخ.. وللتاريخ صفحات بيضاء بانتظار أن تُسطّر عليها مواقف الشرف والعراقة فتترافق مع ذكريات الشهادة والشهداء، منذ استشهاد أهل صور الانتحاري إلى آخر شهيد في ثورة أرزنا.

 

إن ثورة الأرز وجميع أبناء التيار السيادي اللبناني في العالم يحضّون جميع الفئات السياسية اللبنانية على استعادة يقظتهم الوطنية الحقيقية فيتخلوا عن عنجهيتهم السياسية والانصراف إلى الاستفادة من الالتفاتة التاريخية التي يقدمها المجتمع الدولي من أجل تثبيت وصيانة كيانه إذ لن ينفع أحد منكم أن يسود لبنان أو جزء منه ويدعه قابعاً في ظلال مصالح الدول الصديقة أو الأخوية.. فلكلِّ فردٍ في هذا المجتمع وطن سيد ذاته وهكذا يجب أن نكون نحن!   

 

ليس هناك من هو أكثر تأهيلاً من غيره، في قيادة سفينة الوطن إلى برّ الأمان إذا ما تمسكَّ الجميع بحبل الوطنية وأبعد عنه كل صلة وتدخل، اخوية كانت أم صديقة، في توجّه أو وجهة هذه السفينة. فمتى اقتبل الكل الإئتمان على الوديعة الوطنية زالت كافة الأسباب المؤدية إلى سقوط سفينة الوطن في أنواء الغرباء، أنى مَن كانوا.

 

يتساوى الجميع اليوم في تحمل المسئولية الكبرى.

المعارضة في استمرار التصعيد وتحجُّر المواقف وامتناعها عن اللين والتنبُّه من المستقبل وبالتالي التنازل عن كبرياء الغرور القاتل المستند إلى التكفير المُسلّح بغير الثقة والوطنية.. الموالاة في التخاذل المطلق في تأكيد الثقة الممنوحة لها وتهيُّب إتخاذ القرار الشجاع وانتظار مَن سيأخذه عنها.. مواقف كلا الطرفين، ستقود حتماً تقود إلى ما ذكرناه أعلاه، فهل يستطيع أيٌّ منهما وقف السفينة من الانحدار إلى الأعماق!  

 

للتذكير المتكرر، إن رئاسة الجمهورية ليست حكراً إلى طائفة الموارنة وحدها. صحيح أنها، منذ البدء، خُصِّصَت لهم إلاّ أنها الضامن الوحيد للحمة أبناء باقي الطوائف. ومهما كان رئيس الجمهورية صعب المراس الشخصي ولا يتحلى بحكمة قيادة الوطن فلن يكون سوى إنساناً طائفيا بامتياز، وهذا ليس الدور المطلوب منه بل، لعلها من نِعم الله على لبنان، أن يكون أحد ابناء مارون متولياً الرئاسة، كي، في موقعه المميّز في هذا الشرق العربي وغير العربي،يكون مثالاً لا مثيل له وبرهاناً ساطعاً لإمكانية تعايش البشر، من مختلف الأديان والمذاهب، تحت سقفٍ واحد. ومن هنا نعلم أن الرسالة المدموغ بها هذا الوطن تجد باستمرار من يحاربها ويحاول إسقاطها وتفتيتها كما حصل مراراً في السابق وكما هو حاصلٌ اليوم تحت عناوين متعددة، طائفية وعقائدية دينية منها أو بدعاوى سياسية شمولية لم تعد تخفى على أحد. 

 

لهذا كله، تتوجب اليقظة الكاملة لدى الجميع حيث لا يقف أمام انتخاب رئيس لبنان الرسالة أي عائق. رئيسٌ يعرف تماماً ثقل المسئولية، مسئولية الرسالة الموكل بها الوطن.. ليس من أجل إدارة نظام حكم أو سلطة من أيِّ نوع بل من أجل استمراية هذه الرسالة ويكفي أبناء مارون شرف حملها.      

 

صانك الله لبنان

لاحظ س. حداد

التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا

 

23 تشرين الأول 2007