لبنان إلى أين ؟  

سلسلة حلقات تتناول الصراع الأقليات في اشرق الأوسط

والسياسة السورية الإرهابية لتدمير الإسلام 

 

نعتذر لقرائنا عن التأخير في استكمال حلقاتنا: صراع الأقليات

 

الحلقة الثانية : بحث في التاريخ المعاصر لتجارة الدم السوري .

----------------------------------------------------------------

(هذه الحلقة وما يليها من حلقات هي استكمال لصراع الأقليات في الشرق الأوسط )

 

أهل النظام الحاكم في سوريا !

 

نعود الآن إلى أهل النظام الحاكم في سوريا أي العلويين. فهؤلاء، أُتيحت لهم الفرص المتتالية لتمتين سيطرتهم على سنة سوريا بعد تخليهم عن الدروز سكان الجولان أما باقي أقليات الشعب السوري فلم يكن لها أي تأثير. وبدا أن الظروف سوف تخدمهم أكثر لفرض سيطرة سياسية ما على باقي الدول العربية قد تجرها إلى التفجّر من الداخل. فالتخلّي عن الجولان مكّن الأقلية العلوية من الإطاحة بالعناصر الدرزية ذات المراكز الحساسة في الجيش والدولة دون حصول ردود فعل تذكر أتاح لها القبض على مقدرات البلاد والعباد وأمّن لها حرية التصرّف التي ستؤدي إلى حتمية ممارسة الدكتاتورية. 

* ويبدو أن الظروف أرادت أيضاً مساعدة العلويين لتوسيع آفاق حلمهم العتيد من إقامة دولة صغرى خاصة بهم على أرض سوريا إلى استلام مقدرات الدولة السورية بأكملها. ليس هذا وحسب بل ، إن ما كان يجري في منطقة الشرق الأوسط من تغيير في الأنظمة ومحاولات الرأسمالية (الديمقراطية) والاشتراكية الشيوعية للسيطرة على هذه الأنظمة، أفسح أمام حكام دمشق العلويين مجال المغامرة والمقامرة، أولاً لتثبيت حكمهم نهائياً ولتبوء مركز الصدارة بين هذه الأنظمة ثانيـاً، لا سيما بعد إقدام السادات على فتح باب السلام في المنطقة على مصراعيه الأمر الذي أدى إلى انشقاق الصف العربي حوله، وإلى ذلك بالطبع ظهور آية الله خميني في إيران.

 

* ظهور الخميني في أواخر السبعينيات أنهى وجود نظام ، الشاه محمد رضا بهلوي،  أقـوى حليف للغرب في الشرق الأوسط . ونجاح ثورة الخميني في الوقوف في وجه أمريكا أنتج حركة أصولية كبرى أخذت مسارها إلى قلب الدول العربية واستقطبت كافة الحركات والتنظيمات والتيارات الإسلامية المتواجدة فيها وبخاصة تلك العاملة في لبنان .

* حركة الخميني بدأت كظاهرة دينية متجددة باشرت في تقديم دعمٍ معنوي ديني ما لبث أن تحول إلى دعمٍ سياسي مادي ومعنـوي، تأكد لاحقاً أن وراءه غايات وأهداف تنوعت بتنوّع التيار المدعوم وتصب في النهاية في هدف أساسي واحد هو السيطرة على بلاد الإسلام واستلام زمام الحكم فيها أينما أمكن، تحت شعارات تقويم الاعوجاج وفرض الشريعة الإسلامية ولو باستعمال الإرهاب الفكري المهدِد دائماً بالإرهاب الجسدي المعروف!

قلنا أن حركة الخميني وجدت أرضاً خصبة لزرعها الديني لدى الفئات المستضعفة أو المحرومة والتي تعاني من تجاهل أو جهل السلطة في كافة البلدان العربية ومنها بالطبع لبنان الذي كان، بسبب من وجود الحرية والممارسة الديمقراطية فيه، قد باشر منذ فترة أبعد، استقبال كل مرهق ومتعب في بلدان العرب. وكذلك فإن دعاة التعليم الديني الذي غالباً ما يحفزّه الفقر والحاجة، (وأغلب متلقفي العلم من الشيعة) وإذا ما أُشفِعَ بما يتناسب والأهداف من فتاوى وإرشادات ثمينة ومثمَّنَة أمسى العنف والإرهاب من وسائله المحللة. وهؤلاء استفزّوا طاقـات العديد المطلوب لبثِّ دعوتهم الروحية وإطلاق ثورتهم العتيدة وبالتالي سيطرتهم المطلقة على الأرض. كل هذا جرى ويجري برضى حكام سوريا العلويين ولخدمة أهدافهم المشتركة (مع تناقضها سراً) مع أهداف حركة الخميني الأصولية التي يبدو أنها ستبقى الورقة الوحيدة في يد سوريا لتعويض ما فقدته أو ما قد تفقده من أوراق في أوقات لاحقة.

 

إن ما قدمته حركة الخميني، بمعرفة كاملة أو منقوصة ، لحكام الشام من خدمات فاق ما كانوا يحلم به هؤلاء. فبالإضافة إلى مساهمتها الكبرى في تنفيذ مخططات سوريا السرية لعمليات احتجاز الرهائن وعمليات الاغتيال والإرهاب والقتل والتدمير المتنقل محلياً لبنانياً وفي العالم، جعلت في يدهم ورقةً تفوق صلابة وثبات من الورقة الفلسطينية الزئبقية التي لم يتمكنوا قط من القبض عليها بأكملها.

 

لنرى عن كثب وباختصار إلى هذه الأوراق :

* أتتهم ورقة فلسطين والمقاومة الفلسطينية على طبق من فضة أضيفت إليها ورقة لبنان على طبق من ذهب وبين الطبقين جرى تقديم ورقة العراق على طبق من ألماس نقي.

 

الورقة الفلسطينية

استغلها السوريون بكل حذق. فبكل ما أوتوا من دهاء، حاولوا دعم المقاومة الفلسطينية للاستيلاء على حكم الأردن فيُستَعاض به عن فلسطين أو جزء منها. إلاّ أن المغفور له حسين بن طلال، ملك الأردن، كشف  مخططهم وأفشله وردهم على أعقابهم وزاد بأن طرد ناكري الجميل، المقاومة الفلسطينية من بلاده. [يبدو أن المخطط كان من نسج إسرائيلي أمريكي لم يأخذ مصالح بريطانيا في الحسبان فأسهمت في إفشاله]. على أن فشل السوريين في الأردن لم يثنِهم عن تكرار المحاولة في مكان آخر، فكانت،

 

ورقة لبنان

دفعت سوريا بأفواج المقاومة الفلسطينية المطرودة من الأردن إلى لبنان وتمكنت بعد محاولات متكررة من فرض وجود دولة لهم ضمن الدولة اللبنانية مستغلة ضعف النظام اللبناني وعدم ثبات بعض أهله، آنذاك، في ولائهم الوطني وتخوف القادة العرب، على رأسهم عبد الناصر، من حصول حرب أهلية فيه سوف يتبيّن لاحقاً أنها من حياكتهم!

خلال سنوات وجيزة تمكنت سوريا من التلاعب بكافة عناصر الأزمة اللبنانية، فلسطينية وغير فلسطينية وأنشأت شبكة غريبة من العصابات الإرهابية ضمَّت كل منبوذٍ في وطنه وكل ثائر أو طالب ثأر في العالم وأخذت تستعمل الجميع في خدمة مآربها الخاصة. وفي مقدمة هؤلاء جميعاً ، إيران الراغبة في تسديد حساباتها مع أمريكا بشكل خاص والغرب بشكل عام.

من لبنان وتحت رعاية أهل الحكم في سوريا ، انطلقت موجات الإرهاب في كل اتجاه واستخدمت في ذلك أقذر السبل وأكثرها ضِعة فدعمت الفلسطينيين بالمال والسلاح والرجال (خطاب حافظ الأسد في تموز 1976) وطوال ما لا يقل عن عشرين سنة خدعت اللبنانيين والفلسطينيين ومعهم جميع الدول العربية وها هي اليوم تتابع خداع الإيرانيين .

 

صبغَ السوريون لبنان واللبنانيين بصبغة الإرهاب ففقدَ لبنان واللبنانيون احترام العالم خاصة بعد استيلاء أهل النظام السوري على حكم لبنان بقوة الشرعية الدولية التي اختُصِرت بالموافقة على مؤامرة الطائف واتفاقه وفرضه على اللبنانيين، وبشكل خاص المسيحيين منهم ، بقوة التهديد ، ما كانوا أعلنوه رسمياً وعلى لسان رئيس لبنان ، صاحب شعار "وطني دائماً على حق"  المغفور له سليمان فرنجية، عام 1976 في الوثيقة الدستورية الشهيرة. ولم يأتِ هذا الاتفاق بجديد سوى تبرير خادع متجدد للوجود العسكري السوري في لبنان وخداع آخر أشد فتكاً هو الاستيلاء الكامل على القرار السياسي اللبناني. فكان أن اعتُـقِلَ الوطن الصغير، لبنان، وسُحِبَت رُخْصَة استقلاله من أيدي المسلمين والمسيحيين وبات مسرحاً لألاعيب النظام السوري المنفّذ الأكبر لسياسة " تحالف الأقليات" التي تنادي بها الأقلية اليهودية منذ أيام تأسيسها لدولة إسرائيل.

 

أما الورقة العراقية

فلن نخوض غمار مؤامرتها بل نقتصر القول بأن أهل النظام السوري، وتنفيساً لحقدٍ دفين على العراق لتربعه على عرش مصداقية حزب البعث الذي أنشأه ميشال عفلق السوري، ذلك باستقطابه وإقامته في العراق. ونضيف، قوة العراق المتنامية التي صرعت التنين الشيعي الخميني الفارسي وحرمته من تمديد أطرافه الأصولية إليه وفيه وأخيراً توجه العراق الجارف إلى مركز صدارة العرب. كل هذا جعل سوريا تبادر على الفور إلى مساعدة الغرب لتقويض القدرة العسكرية للعراق وطبعاً، كان ذلك منتهى الخيانة للقومية العربية، ليس فقط للعراق الذي هب إلى نجدة سوريا في حرب العام 1967 بل للبنان أيضاً الذي، إلى ذلك الحين، كان يحاول جاهداً رفع نير احتلالها لأرضه وكاد أن يفلح. وللعراق شأنٌ في مسئلة الشرق لم يأتِ وقتها بعد .                               

نقاط لا بدَّ من تسجيلها

* منذ فجر التاريخ مثّل لبنان، البلد الصغير، البوتقة الحضارية للثقافة والتجارة في العالمين الشرقي والغربي. ففي الوقت الذي كان لبنان موجوداً أبداً، وتناوبت عليه الاحتلالات الغريبة كما غيره من البلدان في الشرق، حافظ اللبنانيون على فرادة استقلالية ميَّزت وطنهم عن غيره، في حين كانت هذه البلدان تنصهر جزئياً أو كلياً مع الكثير من هذه الاحتلالات خاصةً الاحتلال التركي وذلك كان بسبب انتماء أقلياتها الكبرى إلى دين الاحتلال.

 

* في فترة الانتداب الأجنبي لمنطقة الشرق الأوسط، ناضل اللبنانيون من أجل استعادة استقلال وطنهم "الموجود أبداً " كما طالب مجاهدو العرب وفيصلهم باستقلال بلاد العرب، في حين كان أهل النظام الحاكم في سوريا اليوم، يثورون يناضلون ويطالبون ، سرّاً وعلناً ، بخلق كيان دولةٍ لهم يعيشون في كنفها. (راجع : دولة العلويين في زمن الانتداب!)  

 

* وفي فترة ذهبية من القرن الذي ودعناه حديثاً، أثبت هذا البلد الصغير أن قوته الحقيقية لا تعتمد سوى على القوى المسلحة بالفكر والديمقراطية والحرية للحفاظ على ذاته كياناً كليّـاً لكل أبناء أقلياته، بتعدد انتماءاتهم العرقية والدينية فأصبح أنموذجاً حيّاً للعيش المشترك. في هذا الوقت كان حكام الشام يجهدون، من خلال تجارب دموية للقبض على السلطة في سوريا وفرض أحكامهم الدكتاتورية على جميع الأقليات ، الكبرى منها والصغرى، التي يتألف منها المجتمع السوري وتحكيم أقليتهم، صغرى الأقليات في سوريا ، في رقاب الجميع. 

 

نقاط ثلاث فقط رأينا تسجيلها كي تتضح صورة مؤامرة أهل النظام (العلويين) الحاكم في دمشق والتي تسير في تناغُمٍ عجيب وليس مُستَعجب مع خطوط وأهداف الحركة الصهيونية، حتى قبل إنشاء دولتها العبرية، واستراتيجيتها في خلق تحالفٍ بين أقليات سوف يكون لها أن تُنْشِئ دولاً تحكمها في المنطقة ومنها دولة إسرائيل.

 

تحالف الأقليات استراتيجية إسرائيلية اعتمدتها السياسة الأولى للحركة الصهيونية. تقول كيرستين شولتزهKirsten Schulze  أستاذة العلوم السياسية المحاضرة في جامعة كوينز في بلفاست والمحاضرة في التاريخ الدولي في كلية لندن للعلوم السياسية والاقتصادية والتي لها دراسات عدة حول لبنان إسرائيل وعملية السلام في الشرق الأوسط، تقول: "أصبح مفهوماً محورياً في سياسة إسرائيل الخارجية. إن التدخل السري للوكالة اليهودية عبر شبكات من العلاقات مع زعماء عرب وأقليات لممارسة النفوذ في الدول المجاورة ، كان في جوانب كثيرة منه بمثابة تصميم لسياسة إسرائيل الخارجية والدفاعية التي أرساها بن غوريون في الخمسينات. فالعروبة كانت قد أصبحت ألد أعداء الصهيونيين عندما أصبح يشعر بقلق متزايد بشأن العزلة وسط عالم عربي معاد. لكن مع مواجهة العروبة جاء أيضاً الاهتمام بالأقليات غير العربية مثل المسيحيين في لبنان، والدروز والأكراد ، فضلاً عن دول غير عربية مثل تركيا وإيران. ربما لم يكن العلويون في حسبان الحركة الصهيونية حينذاك لتخلفهم وقلتهم ولعدم بروز تحركهم إلاّ متأخراً. (هذه النظرية كانت تأسست في أذهان الحركة الصهيونية). والفارق أن هذه الأقلية تمكنت من اختراق أنظمة الجميع في حين أن أحداً منهم لم يتمكن من اختراق نظامها.

 

من هذه النظرة، كان لا بد لإسرائيل من التفتيش عن حليف أو حلفاء لها من ضمن هذه الأقليات التي تشابها ظروفها ظروفـها. والتحليل المنطقي للأمور يقودنا إلى أسباب إعلان الانتداب الفرنسي قيام الدولة الدرزية وأيضا الدولة العلوية عام 1922، وقبل هذه وتلك، إعلان قيام دولة لبنان الكبير عام 1920. ولأسباب لا مسوّغ لذكرها، أعاد الانتداب الفرنسي، بمرسومين صدرا في 2 و 5 من كانون الأول عام 1936، أعاد ضم منطقتي الدروز والعلويين إلى الدولة السورية. ويقول لونغريغ في كتابه " تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب":( توحد العلويون في موقف انفصالي مؤيد للانتداب في حين ظل السنة والمسيحيون ذوي نزعة وطنية سورية). ولم تنفع عرائض الاحتجاج والإلتماس التي رفعها قادة العلويين إلى الانتداب من أجل الإبقاء على دولتهم . (أوردنا سابقاً إحدى أشهر عرائضهم).

منذ ذلك الوقت والحقد الأسود يملأ قلوب أحفاد أولئك القادة على المسلمين والمسيحيين. خاصة بعد نجاح هاتين الأقليتين في حماية دولتهم الصغرى (لبنان) ، والدولة الأكبر (سوريا) ، واستكمال استقلالهما . ولكن هل تستكين سوريا ؟

 

ملاحظة ذات قيمة

طوال الحرب التي أوقدوا أوارَها في لبنان، نفَّذَ السوريون (العلويون) ما طُلب منهم وأكثر ووقفوا حجر عثرة في وجه السلام المرغوب من جميع دول المنطقة والعالم. سلام لن يتم ويتحقق إلاّ بعد أن يُصار إلى تحجيم قوى الأقليات الكبرى في المنطقة (السنة والشيعة) أو تفتيتها والتوصل إلى هيمنة اقتصادية تامة على موارد دولها وسبب قوتها: النفط.

لن ندخل في متاهات البحث في استراتيجية السيطرة أو الهيمنة الاقتصادية التي أخذت بوادرها في الظهور منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية واتضحت أكثر من خلال حرب الغرب على العراق ، بل جُلّ ما يهمنا هنا، هو الهيمنة السورية السياسية والاقتصادية الكاملة على لبنان تنفيذاً للشق المتعلق بها كي تتبوأ المركز الذي تعتقد أنه مُقَرر لها في المنطقة. ترى هل ستسمح الإستراتيجية الدولية الحديثة لسوريا بمثل هذا المركز؟ (سوف نرى إلى ذلك)

 

إثباتات وبراهين من أرض الواقع

المراقب الحصيف لسياسة حكام دمشق العلويين يمكنه تصنيف تصرفهم مع دول المنطقة الشرق أوسطية بِ: سياسة باطنية إنتفاعية غوغائية تستثير مشاعر العرب والمسلمين. تارة في مصلحتهم الخاصة وأخرى في مصلحة إسرائيل والغـرب. وإذا ما تعمّق في البحث سوف يحصد الكثير من الإثباتات التي تؤيد نظرية التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ضد العرب والمسلمين مبدئياً وضد الفلسطينيين ولبنان، بمسلميه ومسيحييه، مرحلياً.

 

ندرجُ باختصار بعض أهم هذه الإثباتات والبراهين :

1-      سيطرة العلويين على حزب البعث والانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة ، كانت ضربة في عمق مسيرة الوحدة العربية التي باشرها عبد الناصر بنجاح استقطب اهتمام العالم، 

2-     مصيدة حرب العام 1967 التي جرّوا عبد الناصر والعرب إليها وتخليهم عن واجباتهم العسكرية في جبهة الجولان، كانت ضربة كاسحة لقوة العرب ، ليس فقط في مصر بل لجميع الدول العربية التي شاركت في الحرب، ناهيكم بخسارة عرب الجوار لأرضهم واستكمال طرد الفلسطينيين من أرض التقسيم،

3-              إيقاع القوات الفلسطينيين (الفدائيين) في فخ الأردن الذي كان درعهم في معركة الكرامة وإيهامهم بل ودعمهم لاستلام الحكم ، كان ضربة مدمرة لقواتهم ، حديثة النشأة، التي دعمتهم فيها شعوب الدول العربية بعد يأس هزيمة أل 67،

4-     إغراق الفلسطينيين في الوحول اللبنانية وشق صفوفهم وتصفيتها، كانت ضربة بل ضربات أوقعت الجميع في قبضتها وحوّلتهم إلى فرق إرهابية استنكر العالم بأسره أعمالها. فَ: هل سماح إسرائيل والغرب بدخول الجيش السوري إلى لبنان كان لتحقيق هذه الأهداف ؟ وَ: هل اكتشف الفلسطينيون خداع السوريين إلاّ متأخرين.

5-     احتضان جميع فرق الرفض الفلسطينية في قلب دمشق واستعمالها في ضرب المقاومة الأصلية بقيادة ياسر عرفات وطردها من لبنان، وفيما بعد في مناهضة سلام عرفات وإسرائيل ورعاته في العالم

 

للتذكير فقط!

أليس المنشق أبو موسى، مدعوماً بالجيش السوري، هو الذي اقتلع آخر قوة فلسطينية في لبنان وقذف بها إلى البحر؟ وَ: أليست هذه الفرق الرافضة، المقيمة إلى الآن في سوريا، هي التي تغزّي فرق الأصوليين والمجاهدين الفلسطينيين داخل فلسطين للوقوف في وجه سلطة عرفات لمنعه من تحقيق حلم إقامة دولته؟

 

ألا يتساءل العرب: كم من المناكيد الفلسطينيين قضوا على أيدي سوريا العلوية؟

وهل بلغ الخنوع عند العرب خاصة والمسلمين عامة أن يتذكروا أطلال الأندلس فيندبونها ليلَ قرونٍ ونهارها ولا يفتكرون ما فعله حكام سوريا العلويون بأبناء جلدتهم من قتل وتعذيب وتدمير ابتداءً بأبناء سوريا ومدنها بالذات مروراً بالفلسطينيين وانتهاءً بشعب لبنان المضيف لكل العرب؟ وهل انتهى دور العرب، هؤلاء، بالتخلي عن فلسطين وبتسليم لبنان إلى سوريا إعتاقاً لأنفسهم؟ وأين جميع هؤلاء وسوريا في المقدمة ، إذا كانت فعلاً على ما تدّعي وتناظر، مما يجري في فلسطين ؟ 

 

لعله من المفيد تذكير العرب بما اقتطعه السوريون من أموالِ الشعوب العربية والمسلمة مقايضةً بحمايتهم من إرهابهم الموّجه وسلاطة لسانهم وكذبهم وريائهم وادعاءاتهم وهروبهم الدائم من مواجهة الحقائق التي تدينهم. لنتذكّرنَّ وزير خارجية الكويت أثناء حرب السوريين على اللبنانيين ولنتذكرنَّ هروب السوريين المخجل وتخليهم عن الفلسطينيين أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. إنهم بحق جلاوزة القرن العشرين العربي.

وبعد، هل من خدمات أفضل تُقدّم إلى إسرائيل؟

 

السؤال الملح الآن هو: ألم يدرك العرب المسلمون إلى الآن أن أهل النظام الحاكم في سوريا اليوم (العلويون) هم السبب الأول والأخير وراء صبغة الإسلام بالإرهاب حتى بات العالم كله يرى في الإسلام وباءً لا يمكن تدارك أضراره ما لم يصار إلى اجتثاث جميع الأصوليين فيه. وأن متابعة التنظير بمحاسن الإسلام وقيمه باتت نهجاً دفاعياً وقائياً وتعليمياً لن تفرض على العالم الأخذ بها افتقاداً لها في أديانه بل قد يزيد من شكوكه وريبته.

 

وهل يتذكر العرب أو يلاحظوا أن مباشرة الأعمال الإرهابية أو بالأحرى التي أدت إلى ما يسمّى بالإرهاب بدأت منذ أن تسلمت الأقلية العلوية الحكم الفعلي في سوريا .

لكن، مع الأسف، لا زال بعض جهابذة العرب، دينيين وعلمانيين ، يجهدون في تحليلات عقيمة ويقدمون تفسيرات لا تجدي فتيلاً، يحاولون من خلالها تبرير إرهاب الأصوليين في الإسلام، مستندين ليس بالعلم والمنطق السليم بل بالعاطفة الدينيّة وحدها وبالتشبّه بأمثلة تاريخية عاشوها وحدهم ، وفي تاريخهم الذي يظنون أن أحداً غيرهم لا يعرفه سواهم! والويل لمن يخالفهم الرأي فهو الكافر الآبق الذي لا تجوز عليه الرحمة. ويقال إن الدين ممارسة!

والممارسة لا تكون في اللباس أو المظهر، ومن يريد استدراج الغير إلى اعتناق دينه، عليه أن يمارس الحياة الفاضلة لا أن يلبس لباسها دونهـا! فاللباس والمظهر بات اليوم يشكل الخطر على صاحبه. ولسنا ندري ما إذا كُتِبَ على هذه الأمة أن تبقى سجينة ضميرها الديني أو تخرج من القمقم  لإثبات قِيَم أديانها في ممارسة مبادئها قبل شعائرها؟

 

أليس هذا التقوقع كله من نتائج الإرهاب الفكري الذي يهيمن على العقلية العربية والإسلامية اليوم ويحشرها في "خانة ياك " الدفاع الدائم؟

إلى الحلقة التالية

لاحظ حداد

27/12/2006