مطالعات خاصة في نصوص بعض مواد الدستور اللبناني

بقلم/لاحظ حداد

مجلس النواب والعيش المشترك،

المادة 27 من الدستور تنص : عضو مجلس النواب يمثل الأمة ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه.

إذن لا يمكن لأحد ، خاصة رؤساء الكتل النيابية أو الأحزاب ، الإدعاء بأنهم يمثلون فئة من اللبنانيين ، مسيحية كانت أم مسلمة وإلاّ كانت وكالة هؤلاء النواب مقيدة، وهذا مخالف لهذه المادة.

هنا ، ليس من الجائر القول : نحن نمثل أغلبية طائفة من الطوائف، والقائل بذلك كأنه يختصر طائفته حيث أن كل نائب في مجلس النواب بات الآن يمثل الأمة بأكملها وليس طائفته وحدها إذ أيٍّ منهم لم ينلْ وكالته عن الأمة بانتخابه من قبل طائفته وحدها بل شارك في انتخابه أفراد من جميع الطوائف وبالتالي لا يجوز اختصار طائفته وإلاّ فقد تمثيله للأمة.  

 

نقول: النائب المنتسب للطائفة الشيعية مثلاً، لا يمثل طائفته وحدها بل يمثل باقي الطوائف التي ساهمت في إيصاله إلى مجلس النواب؛ ولا يغرب عن البال هنا أن الطائفة الشيعية مثلاً لم تكن بأجمعها منتخبةً لهذا النائب . وهذا القول ينسحب على جميع النواب المنتخبين في المجلس.

 

بناءً عليه، فإن اعتراض اللبنانيين على تصرفات أي نائب في مجلس النواب تأتي من منطلق تمثيله لهم " كنائب عن الأمة" وليس الطائفة أو التكتل الذي ينتمي أو انتمى إليه إنتخابياً .

 

إنطلاقاً من هذا المبدأ ، يجب تفسير الفقرة [ي] في مقدمة الدستور القائلة بأن: لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. والتي جاءت مكملةً للجملة الواردة في الفقرة [ط] السابقة والقائلة: فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين .

 

وعلى هذا ، تنتفي كافة إدعاءات التكتلات الحزبية أو الانتخابية في تمثيلهم فئات أو طوائف محددة من طوائف لبنان وإلاّ كانت شكّلت اعتداءً مباشراً على هذه الفقرة [ ط ] التي تُعـتَبر شرحاً بيانياً لسلطة الشعب الوارد ذكرها في الفقرة [د] والقائلة: "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة" وهي تنهي أي جدل حول السيادة المقترحة بقولها: "يمارسها عبر المؤسسات". بمعنى أن نائب الأمة هو الحجر الذي يشكّل ، مع غيره ، أول مدماك في بناء العيش المشترك الوطني. فلو أراد المشرّع خلاف ذلك لكان اقترح وجوب انتخاب النواب من قبل طوائفهم وليس من قبل الأمة وقد تمَّ تأكيد هذا القول في المادة 95 بإطلاق حرية الاعتقاد واحترام كافة الأديان والتقيّد بالنظام العام.[ المادة 9] .

 

مجلس الوزراء

لم يرِدْ في أيِّ مادة من مواد الدستور المتعلقة ب "السلطة الإجرائية" التي تتناول رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة والحكومة ككل، لم يرِد أيُّ نصٍ يحدد عدد ممثلي كل مذهب في الطائفة ، المسيحية أو المسلمة، بل جعل هذا التمثيل عُرفاً دستورياً [نسبياً] إلى أن يحين أوان تحقيق بند إلغاء الطائفية التي تبقى هدف وطني أساسي بحسب الفقرة [ ح ] في مقدمة الدستور .

إن القول بأن خروج وزراء الطائفة الشيعية من الوزارة لا يعني أن هذه الوزارة قد فقدت شرعيتها بخروجهم إذ إذا ما راجعنا نص المادة 28 من الدستور والقائلة: يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة . أماالوزراء فيجوز انتقاؤهم من

 

أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما ، يتبيّن بوضوح أن المشرّع ، في هذه المادة ، يؤكد أولاً أن النيابة هي تمثيل عام للأمة وليست محصورة بطائفة أو مذهب وثانياً أعطى لرئيس مجلس الوزراء حرية اختيار وزراء من غير النواب المنتخبين أي من خارج التكتلات الحزبية أو الانتخابية . ومع اعتبار الوزارة وظيفة يكاد يقول أن من يتولى مثل هذه الوظيفة يجب أن يمتلك المؤهلات التي قد تكون منتقصة ، لدى بعض النواب، بسبب الانتماء للتكتلات الحزبية أو الانتخابية .   

 

هنا، وعند شغور إحدى الوظائف الوزارية لأي سبب من الأسباب، يصبح بأمكان رئيس الحكومة، بموجب هذه المادة الدستورية [28]، اختيار من يشاء من الأشخاص لملئ هذه الوظيفة دون التقيّد بالمجلس النيابي الذي لا صلاحية له في الاختيار.

 

في نظرنا، إن المشرّع لهذه المادة قصد بشكل عام رفع تسلّط المجلس النيابي على مجلس الوزراء ولا يبقى له إلاّ سلطة حجب الثقة أو منحها للشخص المختار لهذه الوظيفة الشاغرة - الوزارة.

وهذا بالطبع، ما يمنع التكتلات الحزبية أو الانتخابية من أمكانية خلق أزمة حكومية لا فائدة منها قد تطيح بهذه المؤسسة الاجرائية التي عليها يتوقف عمل الدولة ككل وبكافة مؤسساتها.

 

وعلى النقيض من ذلك، قد يكون قد ورَدَ في خاطر المشرّع ، عند وضع هذه المادة [8 ] من الدستور، أن يمنح رئيس الحكومة حرية اختيار وزرائه الذين يجب أن يكون بينهم انسجام تام واتفاق على تنفيذ برنامج حكومته " البيان الوزاري " وبالتالي حرية إقالة أيٍّ من الوزراء الذين يحاولون تعطيل عمل الحكومة، لا سيما وأنه فرضَ أن "قراراته توافقياً. فإذا تعذّر ذلك فبالتصويت ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور" المادة 65.

 

مما سبق ، فإن خروج أو استقالة وزراء من الحكومة بسبب انتماءاتهم الحزبية أو الانتخابية يُعتبر خرقاً فاضحاً لهذه المواد الدستورية ولا يجوز الأخذ بها وإلاّ بطلت الحكومة أن تكون مؤسسة دستورية وأصبحت مؤسسة حزبية انتخابية .

وعليه فإن على رئيس الحكومة أن يبادر إلى اختيار الأشخاص الذين يجد فيهم المؤهلات اللازمة للحلول مكان الوزراء المستقيلين أو المُقالين وليس بالضرورة أن يكونوا من فئات المستقيلين وأن يطلب على الفور إلى مجلس النواب منحهم الثقة على أساس تنفيذ برنامج الحكومة بموجب بيانها الوزاري .

 

أما المادة 66 من الدستور فتقول : يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية .

في هذا النص، يجعل المشرّع الوزراء مجتمعين مسئولين عن تنفيذ البيان الوزاري أمام البرلمان الذي منحهم الثقة لهذه الغاية وفي آن مسئولين إفرادياً عن تصرفاتهم وأفعالهم الشخصية، سيما وأنه منحهم في المادة 67 "أن يستعينوا بمن يرون من عمال إدارتهم " وإذا ما جاءت أفعالهم مغايرة أو مناقضة للبيان الوزاري فإنهم يجعلون أنفسهم عرضةً لحجب ثقة المجلس، وفقاً للمادة 37، "وجب على هذا الوزير أن يستقيل " المادة 68 .

 

نخرج من هذا كله ب: أن الوزراء المستقيلين من الحكومة لا يفقدوها شرعية وجودها طالما شكل باقي أعضاؤها الأكثرية العددية اللازمة لتأمين النصاب القانوني لاتخاذ القرارات التوافقية بين أعضائها وبالتصويت بأكثرية الحضور" بحسب المادة 28 الوارد ذكرها .

 

إن المشرّع لدى اعتباره الوزارة وظيفة سحب عنها صفة الحزبية أو الطائفية وإن ما صار عُـرفاً فهو أن النظام اللبناني، ومنعاً من اعتراضات الطوائف والتكتلات الحزبية والإنتخابية، اعتمد الأسلوب المعروف بالخصخصة والذي ألغى إلى حدٍ كبير الدور الحقيقي للحكومة التي تتألف من موظفين يحملون صفة الوزراء وفرض عليهم أخذ الثقة من المجلس النيابي كي يقوموا بتأدية واجباتهم الوظيفية بحسب القانون الخاص بهم [ بيانهم الوزاري ] وقيّدَهم به وجعلهم أسوة بباقي الوظائف العامة التي تعمل بموجب القوانين المشرّعة من قبل مجلس النواب والمرعية الإجراء. ومما يؤكد هذا هو سماح المشرّع لرئيس الوزراء باختيار بعض الأشخاص ، من خارج مجلس النواب .

لذا ، فإن استقالة الوزراء - وزراء الطائفة الشيعية - تندرج :

أولاً: من اعتراضهم وعدم رغبتهم في تنفيذ بعض أوكل بنود البيان الوزاري. وهذا التصرف يجب اعتباره استقالة من الوظيفة التي انتُدِبوا لملئها. وهو تصرّف إفرادي وحدهم يتحملون تبعته [ المادة 66 ] ووجب على رئيس الحكومة التصرف بما يمليه عليه الواجب لسد الفراغ الوظيفي في حكومته والناتج عن هذه الاستقالة.

ثانيا: إن الادعاء بفقدان الحكومة شرعيتها، بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية هو إدعاء باطل لأن استقالتهم إنما جاءت بناءً على طلب تكتلاتهم الحزبية والإنتخابية، وهذا مخالف كلياً للمادة 27 الوارد ذكرها في مقدمة هذه المطالعة .

نختصر المقال بأن خروج الوزراء - وزراء الطائفة الشيعية - ذوي الانتماء الطائفي والحزبي لا يعني إطلاقاً وجوب التقيّد بما بما يفرضون من خلال تكتلاتهم الحزبية والانتخابية بل على العكس من ذلك تماماً، كان من الواجب إقصاؤهم فور إدعائهم تمثيل طائفتهم الشيعية. وهم في ذلك على خطأ، كما أسلفنا، ومناقض لروح الدستور ومقدمته المحافِظَة على العيش المشترك وبالتالي فهم قطعاً لا يمثلون سوى تكتلاتهم الحزبية والإنتخابية.

 

ولو كان النظام اللبناني قائماً على التكتلات الحزبية وحدها، أسوةً بباقي الدول ذات الأنظمة اليمقراطية، لكان خروج هؤلاء النوابمقبولاً. لكن بما أن النظام اللبنان يقوم حالياً على ديمقراطية توافقية بين الطوائف فإن خروجهم بسبب قيود تكتلاتهم الحزبية والانتخابية، فإن على رئيس الحكومة اختيار غيرهم من الأشخاص المتوفر وجودهم بكثرة في الطائفة الشيعية لتحقيق هذه الديمقراطية إذ ليس من المقبول أن يصار إلى إستغلال الطائفة لتحقيق مبادئ حزبية وعقائدية وغايات وانتخابية من خلال اشتراكهم في الحكومة .

 

المؤسف حقاً، ان اليمقراطية التوافقية المعمول بها حالياً والتي من المفترض التحوّل عنها إلى الديمقراطية الحقيقية عندما يتم تحقيق بند إلغاء الطائفية السياسية ويُصار إلى تحويل النظام اللبناني الطائفي إلى نظام مدني لا يسمح لأية فئة استغلال طائفته واستنفارها لنحقيق مآربه الشخصية والخاصة.

 

في النهاية، نأمل من الجميع التحلي بروح المسئولية الوطنية ويثبتوا للعالم، ولشعبهم بشكل خاص، أن الإنتماء الطائفي لا يقيم دولة وأن يقوم مقام الولاء الوطني وحده هو القادر على خلاص الجميع والدليل الأبسط في هذا هو إن أي فرد له انتماء طائفي بإمكانه إيجاد طائفته في أيِّ مكان في العالم لكن ليس هناك بديل من الوطن في أي مكان في العالم .  

صانك الله  لبنان

لاحظ حداد

للبحث صلة