وانتشروا تحت كل سماء

التيّار السيادي اللبناني في العالم

The Lebanese” Tayyar Seyade” in the world

إن أمَّةً عَرَفَت جوهَرَ الخالق دياناتُها، ورصَّعَت جمالَ الكون أرزاتُها ووشَّحَ حَمَلَةَ الصولجان أُرجُوانُها، لَهيَ جديرةٌ بأن تستكملَ، بفِكرِ أبنائها

رِسالةَ مجدٍ نشرتها في غابر أيامنا وتستعيدَ ريادتَها في عابر حاضرنا،  شُعْلةً تتقِدُ في آتيات الزمان... صانك الله ... لبنان  ... عتيق لبناني

Telephone: 0064 9 2961561 - Facsimile: 0064 9 296 1562 - e-mails:  ateeqlebnani@gmail.com - confidence@xtra.co.nz

 

دكتاتورية التوافق وسبل الديمقراطية  دراسة خاصة ]

لاحظ س. حداد

5 نوفمبر 2007

 

إن عملية الاستدراج للتوافق على رئيس للجمهورية سابقة خطيرة ستصبح تقليداً يُعَمَّم في استعمالها في كافة مندرجات النظام السياسي اللبناني.. خاصة بوجود سياسيين احترفوا المماحكات والتعدي على نصوص الدستور.

 

في النظام اللبناني ودستوره كان التوافق على تثبيت ما كان معمولاً به في إسناد رئاسة الجمهورية إلى مسيحي [ماروني] ورئاسة الحكومة إلى مسلم سني ورئاسة المجلس النيابي إلى مسلم شيعي.. وهذه الرئاسات أتت تعبيراً على مشاركة الطوائف الكبرى في إدارة النظام.. وبالتالي هي وظائف عامة لا تقتصر على شخصيات معينة إلاّ من خلال المجلس النيابي الذي يضم جميع ممثلي الشعب اللبناني بمن فيهم ممثلي المذاهب الأخرى الذين يندرجون طائفياً ضمن إحدى الطوائف الكبرى والذين يشكلون العصب المقوّي للتكتلات النيابية السياسية الناشئة عن تبني برامج سياسية وطنية خاصة بها.. لذلك نجد بعض النواب مندمجين في تكتلات من غير طوائفهم الأصلية.. وهكذا ترقى العملية السياسية إلى مستواها الديمقراطي ممارسة حقيقية.  

 

لم يكن اختيار الرئيس نبيه برّي لأنه الأكثر تمثيلاً للمذهب الشيعي بأكمله في وجود حزب الله مثلاً أو أمام باقي أبناء المذهب الشيعي غير الممثَلين في المجلس النيابي، ومنهم الأكثر عراقةً في التمثيل الشعبي، فهؤلاء أُقصوا بنتيجة تحالفاتٍ سياسية وضغوطات أمنية فرضها سلاح حزب الله بتغطية كاملة من نظام الهيمنة السوري الذي استبعدهم لصفاء مواطنيتهم واستقلاليتهم السياسية؛ وكذلك نتيجة قانون انتخابي سيء. وما نراه اليوم من انفصام تام بين طرفي حزب الله وحركة أمل وحركة الاستقلاليين من أبناء الشيعة الأحرار هو الدليل القاطع.. والسؤال البديهي هو: لو أن اختيار أي نائب من أبناء المذهب الشيعي، غير الرئيس بري، لتبوء رئاسة المجلس النيابي، هل يكون الأكثر تمثيلاً للمذهب الشيعي؟            

 

كذلك الحال بالنسبة لوضع  الرئيس الحكومة ، فؤاد السنيورة، لا يمكن الإدعاء بأنه الأكثر تمثيلاً للمذهب السني، في وجود زعماء سنة مبرّزين بل كان اختياره فقط لأنه أحد أبناء المذهب السني.. من الهام جداً ان نتذكر أن النظام السابق، قبل اتفاق الطائف وتعديل الدستور، كانت الكلمة الفصل في اختيار رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية وأحياناً كان اختياره يتم من بين زعمات سنية خارج مجلس النواب.

 

أما رئاسة الجمهورية فهي الموقع الأكثر أهمية كون الرئيس المنتخب يمثل الشعب اللبناني بأكمله ورمز وحدته ولا يمكن حصر اختياره لتمثيله المسيحيين وحدهم، ولا حتى الأكثر تمثيلاً للمذهب الماروني.. ويجب الاعتراف هنا أن في السيحيين، مغير الموارنة، من يمكن أن يكون أكثر جدارة وتمثيلاً للمسيحيين من رئيس ماروني للجمهورية لكن الدستور الذي نعيش في ظله أنصف الطائفتين اللبنانيتين باختيار أبناء منهما تقديراً وتعبيراً فريداً لمشاركة مواطنية شاملة في إدارة بلادهم إلى حين اكتمال الوعي الوطني القومي المدني فيلغي الطائفية ويحوّل دولته إلى العلمنة التي قد تكون جزئية تتدرج إلى الكمال. 

 

الجدير بالتذكّر هنا، ان النظام السابق في الجمهورية الأولى، ما قبل الطائف، أثبت نوعاً من العلمنة الجزئية التي يمكن استعمالها ديمقراطياً مع المحافظة على حقوق كافة الطوائف ومذاهبها الشرعية الخاصة بكلٍّ منها. ولولا طموحات البعض، من ذوي العنفوان الوطني، غير المصقول بعد آنذاك، في التغيير الطائفي النوعي لاستعمال السلطة، أدت إلى حروب ضروس لا زلنا نتعثر في خطوات الخروج منها على الرغم من نضوج العنفوان الوطني وصقله لدى العديد منا؛ ولكن هيمنة النظام السوري البارزة وتدخلات النظام الايراني العقيدي المبطنة عطّل إلى حدٍ كبير كل تقدم في ممارسة الديمقراطية ويعيق التقدم في عملية التحوّل عن الطائفية..

 

وما لم يتدارك الجميع خطورة هذا التعطيل والإعاقة يصبح من غير الممكن التنبئ بمستقبل لهذا الوطن خارج نطاق الطائفية التي يدعي الكل تخطيها.. هذا إذا لم ننغمس أكثر في بؤرة العقائد المستوردة غير المستساغة إلاّ ربما من فئة ضئيلة في إحدى المذاهب التي تتنامى يومياً بسبب ترك حبالها تنفلت على غارب ديماغوجيات الديمقراطية اللبنانية المبتكرة المستعملة لأفعال الترقيع والمسايرة.. من هنا نرى وجوب استعمال بعض الديكتاتورية المتوفر وجودها ضمن سلطة الديمقراطية من أجل ردع محاولات الاستئثار العقيدي بمقدرات البلاد.  

 

مجازر التوافق...

•عدم إنشاء مجلس الشيوخ، الذي كان من المفترض أن يصبح وجوده أولى الخطوات في اختصار المرجعيات الطائفية والقرارات الوطنية المصيرية، سيّما وأنه ستتمثل فيه جميع العائلات الروحية بما فيها تلك غير الممثلة في الرئاسات الأولى، أدى إلى استفحال إستعمال البيان الطائفي تحت عناوين سياسية، ولم تعد لقيادات الطوائف أية قدرة لإيصال الفكر السياسي السيادي الحافظ للوطن ووقف الانحرافات الطائفية المتنامية، دون رادع، والتي اسفحالها سيدمّر الوطن دون ربح طائفي حقيقي لأحد.

•السماح بتخطي البند الداعي لإنهاء وجود المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتغطية وجود سلاح حزب الله قيد التداول في الجنوب اللبناني تحت شعار المقاومة افسح في المجال لهذا الحزب كي يستدرج الجميع إلى تبنيّ جزئي لعقيدته الإلهية وبالتالي إشراكه، وإن على إكراه، في فرض وجوده على الساح السياسية. وبالتالي أظهرت، بما لا يقبل الجدل، نواياه المبطنة في إقامة دولته العقيدية.. وفي حين مُنِعَت الدولة من استكمال البناء الموهوم في الطائف لا سيّما بعد تخلّف مَن كان واء مؤتمر من دول وهيئات عن تأدية واجبها في تطبيق تنفيذ بنوده.

 

بعد إنهاء الهيمنة العسكرية السورية،

ساهمت الظروف الاستثنائية التي رافقت خروج الهيمنة العسكرية للنظام السوري واستعجال استكمال عودة السيادة من خلال إجراء انتخابات نيابية، وإن وفق قانون انتخابي غير مقبول من أحد، أفسح في المجال أمام وصول مجلسٍ نيابي بنيَ على تحالفات مسترجلة جرى الطعن في نتائجه منذ اليوم الأول وفرضت تكتلات لم تلبث أن انهارت أو تغيرت مساراتها السياسية مما فرض انفراطها وقيام تحالفات جديدة لا تقاطع سياسي أوعقيدي بينها على الإطلاق.. نتيجة لكل ذلك، كان فرضُ اختار السيد نبيه بري رئيساً لمجلس النواب والسيد فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة وبروز عدد لا يستهان به من نواب حزبية لا تمثل فعلاً أقلياتها الطائفية..

 

ومع التنابذ الكبير الذي نشأ بعد استمرار الاغتيالات السياسية وبروز فكرة المحكمة الدولية لمحاسبة الفاعلين، وتماهي المرتبطين استراتيجياً بالنظامين السوري والايراني في استعلاء ذواتهم على الدولة ومحاولة فرض أراءَهم على الحكومة وعملها لاستكمال عودة الاستقلال والديمقراطية، انفرط عقد الجميع وانشق دعاة الاستقلال الحقيقي عن أولئك المرتبطين.. واستغلالاً لكلا الطرفين يأتي طرفٌ ثالث، رجْلُ له في بور المرتبطين وأخرى في فلاحة الدولة.. محاولات جمة قام ويقوم بها هذا الطرف الثالث، الذي بات الآن فريقاً، من أجل تحويل بور المرتبطين، دون جدوى، إلى أرض تستقي من مياه الوطن وفي آن يحاول فرض نفسه قائداً لفريق الفلاحين الآخرين، تارة بالتهويل والتهديد الطائفي وطوراً بالاستعلاء والتهجم على تاريخ ساهم في صنعه معهم. 

 

هذا الوضع خلق أزمة سياسية بين تيارين لا ثالث لهما هما: إمّا التوافق بواسطة دكتاتورية طروحات المرتبطين باستراتيجية النظامين السوري الايراني والطرف الثالث الموثَّق بهما أو السير مع التيار السيادي الذي أنبت ثورة الأرز الكبرى، أي الاستقلال الناجز والديمقراطية أو العودة إلى بداية الحرب السورية اللبنانية، في رغبة جامحة لدى المرتبطين إلى تغيير جديد في موازين الطوائف ومواقعها في النظام القائم.. 

 

معركة التوافق على رئيس للجمهورية إذن، أمست اليوم مفتوحة أمام تيارين يتبارزان حول قيام الدولة الديمقراطية أو انهيارها لحكمها بحسب استراتيجية المرتبطين بمحور الشر ومحور الوطن.. والمؤسف حقاً أن يتسبب غرور العظمة عند الفريق الثالث في إنجاح تطلعات محور الشر على الرغم من جميع نداءات العالم الحر وإثباتاته.  

 

الأحرى بمَن يتطلع إلى التوافق حول رئيسٍ جديد للجمهورية أن يجهد الفكر بما ستؤول له الحال في حال نجاح هذا التوافق وكيف أنه سيتَّخذ حجةً لا  مفر من قبولها في كافة مناحي الحياة السياسية المقبلة سيّما وأن الجميع سيستعمل اجتهادات مماثلة للحالية من أجل تعطيل كل عمل دستوري في الممارسة الديمقراطية. 

 

هكذا نرى أن جميع المباردات المحلية والعربية والدولية لم تفلح إلى الآن في توضيح المشهد المقبل للدولة اللبنانية فيما إذا الستمر زعماء المعارضة الموصوفة في مواقفهم. وكذلك لم يتأخر زعماء العالم كله عن المحاولة لاختراق الأزمة القائمة وإيجاد حلٍ لها، بل إن التشنج لا زال يستبد في عقلية المطالبين بالتوافق. هذا التوافق الذي بات بناؤه غير مفهومٍ تماماً ما إذا كان يقام على أحقية شخصٍ ما بكرسي الرئاسة أم مفهومٍ ما لمن سيجلس عليها.. فالحق يقال: الكرسي لا تصنع الرجال بل هم الرجال الذين يصنعونها.      

 

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى رئيس تكتل التغيير والإصلاح، الجنرال عون وكرسي الرئاسة، فالأزمة كلها ناتجة في نظرنا عن إصراره الغريب في اعتلاء كرسي الرئاسي. بما لثقة في النفس على مقدرة فائقة على استباق الزمن تغيير النظام إلى الأفضل وإصلاح ما أفسدته دهور الحكم والهيمنة على السلطة. وهو في ذلك يرفض كافة معايير المنطق السليم وضرورات التدرج في الخروج من نظام دكتاتوري ظالم ومظلم إلى نظام ديمقراطي حقيقي سليم. وهو أيضاً بنفسه قدرة بسمارك أو أتاتورك في التغيير، ناسياً ربما أو متناسٍ أن زمن بسمارك غير زمنه وظروف أتاتورك غير ظروفه..

وهذا الأخير أفلح فقط في تجذير التغيير لسبب جوهري يتيم هو كونه مسلمٌ يحكم دولة شعبها مسلم وهي خارجة من معركة السلطنة التي انقض عليها المسلمون قبل الأغراب غير المسلمين؛ فيما جنرالنا مسيحي وينطلق من موقعٍ مسيحي والشعب اللبناني خليط من طوائف مسلمة ومسيحية تستوجب التأني الشديد في التعاطي معها سيما بعد استعادة صفاء ولائه وانتماءه الذي كان موزعاً، وكل فئة منه تعتبر ذاتها أم الصبي ومستعدة للموت دفاعاً عنه.. وبالتالي هي ليست بعد على استعداد للتخلي عما لم تكد تملك من خاصية وطنية انتمائية وولائية في سبيل تحقيق أحلام بسمارك أو أتاتورك جديد.. ومن هنا على الجنرال أن يعي خطورة ما هو مزمع القيام به فيما لو تسنى له ارتقاء كرسي رئاسة الدولة. ويجب أن يستوعب أن تجديد الدولة الناهضة حديثاً من تحت الاستعباد والمنطلقة في دوب الحرية والاستقلال لا يمكن تحويلها بقدرة قادر إلى نظام جديد دون المرور بفترة نقاهة ضرورية جداً قبل الشروع في تنفيذ ما يرغبه العدد الأكبر من اللبنانيين بمن فيهم الكافرين بالطائفية والمتشوقين إلى المزيد من الديمقراطية.. ولعل من حسانات اتفاق الطائف القليلة أنه رأى إلى التحول من الطائفية إلى العلمانية عملية مرحلية تمتد إلى سنوات ليست قصيرة.

عودة إلى التوافق والرئاسة.

 

في المنطق السليم لتفحّص وقائع انتخاب رئيس الجمهورية وما رافقها ويرافقها من تدخلات غير مسبوقة في أية انتخابات رئاسية، نجد أن فرض رغبات الجميع على غبطة البطريرك الماروني لاختيار وتسمية الرئيس، وأن إعلان قبول من يسميَّهُ مسئلة ليست في الواقع إلاَ وقيعة يُراد حصولها في الأسرة المارونية أولاً ومثالاً يُحتذى من باقي أباء الطوائف الأخرى.. ولا نظننّ أن غبطة أبينا البطريرك في وارد تغيير موقعه الروحي أو تجاوز دوره الوطني الكبير الذي اختطته بكركي لنفسها طوال العقود الماضية في الدفاع عن لبنان ككل وليس عن أبناء الطائفة المارونية وحسب. ومن هنا جاء الاحترام الكبير الذي يجلل هامة البطريرك الذي يطبق بصدق ما كتب على أعلى واجهة مبنى البطريركية في بكركي : أعطيَ له مجد لبنان.

 

أما مبادرة غبطته فهي إنما أتت بعد الكثير من الدعوات التي تلقاها من الجميع، وبخاصة، أبناء طائفته، في مسعى محمود لرأب الصدع وإعادة اللحمة التي سببتها الأزمة السياسية الراهنة والتي كان بعض أبناء مارون وراءها. كما نراها تحصيل حاصل بعد التردي الكبير في الفقه السياسي اللبناني والاحباط الذي يضرب الشعب جرّاء تذبذب المواقف السياسية والتصلّب غيرالمبرر الذي يمارسه أطراف المعارضة وعدم تقبّلهم نصح الناصحين وخاصة في انحياز الحاكم وتخاذل الحكومة عن اتخاذ الاجراءات المفترضة في مثل هذه الأحوال وخشيتها من استعمال سلطتها. كل هذا، وخوفاً من تحقيق تهديدات أطراف المعارضة الموصوفة، أمور دفعت بغبطة البطريرك، وللتاريخ، أن يقوم بمبادرته المعروفة. ونحن على يقين من أن غبطته، ومع ما في أعماقه من أسى على ما وصلت إليه الحال، ورغم التجنّي الكبير والتكرر الذي بادره بعض أبناء مارون على موقعه، وجد ذاته ، أقله دفاعاً عن الوطن الذي يكاد يضيع من صنائع أبنائه، ملزماً اتخاذ مبادرة، لعل وعسى يستيقظ الحس الوطني قبل الديني عن الجميع وبشكل خاص عند من يطالبون باسم مارون بما يطالبون!     

 

مبادرة غبطة البطريرك لاقت، من جميع فئات الشعب اللبناني، كل احترام وتقدير وقبول بنتائجها إلاّ من جنرالنا الكبير الذي نسي أو يتناسى أنه لولا وجود صاحبها لَمـا كان له اسماً يُطرَح .. ولولا تصرفاته وعناده وعدم انصياعه، هو وصنوه القابع ضاحكاً في قصر الرئاسة، إلى صوت العقل والقيم اللبنانية لما احتاج غبطته إلى اتخاذ أية مبادرة.. لكن جنرالنا الكبير يطلب بركة بكركي لنفسه ويرفضها لغيره.. وهذا ما يذكّرنا بحفلات تتويج الملوك التي لا تمنح لسواهم.    

علينا، في هذا المقام أن نوجّه الشكر إلى من يجلّون غبطة البطريرك ويقدرون مواقفه الأبوية لكل اللبنانيين ويُقيّمون موقعه الكبير في خدمة الوطن وطوائفه دون استثناء.. ويذكرون قيادته الحكيمة التي أرشدت قيادات لبنانية عديدة إلى جادة الصلح والمصالحة والعيش المشترك الحقيقي.  

 

التوافق والجنرال،

أما الجنرال عون، الداعية الأول لعلمنة النظام اللبناني والحليف الأول لنقيضه الداعية الاسلامي فتحي يكن فلم يعد بالإمكان أكثر مما كان منّا ومن غيرنا من نصائح نسديها بالتخلص من سادية الحكم وشبق الكرسي وغرور المعرفة وعنجهية سلطة لم يعرف كيف يستعملها سابقاً وها هو يضيعها اليوم بما يتصرف به من فوقيّه على من عداه، علينا أن نقدّم إليه من القلب هذه المسرَّة البسيطة ونستسمحه التذكير أن من يرى روما من فوق هوغير الذي يراها من تحت.. 

 

يخطأ الجنرال ميشال عون في تعاطيه مع مبادرة غبطة البطريرك من منطق سياسي بحت ويسمح لنفسه بفرض شروطه العرقوبية بافتراض أحقيته، دون غيره، في توّلي رئاسة الجمهورية، كما يخطأ اكثر في طرح نظريته الخاصة بالتوافق حول شخص رئيس الجمهورية تحت شعار " أنا أو لا أحد " المندرجة تحت العناوين التالية:  

1) تمثيل المسيحيين،

ليس للجنرال الحق، وإن قبلنا بنسبة تمثيله للطائفة المسيحية التي نالها في انتخابات تمّت في ظروفٍ سياسيّة استثنائية. إذ إن التمثيل الذي يدّعيه الجنرال لم يكن ليكون في مثل هذا الحجم لولا فراغ وإفراغ الساحة السياسية من قياداتها الحقيقية.. هذه الحقيقة يرفضها الجنرال بل ويغطيها بادعاءات الغش والخديعة وحتى السرقة في التحالفات التي رافقت عملية الانتخاب ويزيد باتهامات تنال القضاء في تثبيت وتأكيد طعونٍ في نيابة ضد بعض النواب المنتخبين.. هذا ما يصرُّ عليه الجنرال.

والغريب أن عدداً لا يُستهان به في تكتله النيابي كان نتاج تلك الانتخابات التي جرت بموجب قانونٍ انتخابي لا زال إلى الآن يدّعي عدم صلاحيّته، ومع ذلك هو يقبل بما أفاده ويرفض ما ذهب إلى غيره! والأغرب أن الجنرال لا يرى إلى أحد أعضاء تكتله الذي أفرزه، نائباً، طعناً أقدم عليه أحد أركان تكتلته الذي فضله، وهو صاحب السلطة الفعلية آنذاك، على أخيه الشقيق.        

 

2) تمثيل الموارنة،

مقولة الجنرال في تمثيل الموارنة، بعد الانتخابات الفرعية في المتن، باتت فارغة من محتواها تماماً. وبنتيجة الحسابات الدقيقة في نتائج تلك الانتخابات تبين أن ممثله، وعلى الرغم من التجييش الشعبي والدعائي الذي رافقها ومارستها ضغوطات سياسيي المتن، من غير طائفة ومن غير حزب وحليف للنظام السوري، على مَن يوالونهم من الموارنة نظير خدمات وارتباطات سابقة وفي غياب زعماء حقيقيين لهم، أثبتت انحداراً كبيراً في شعبية تياره.. وهذا ما يصرٌّ الجنرال على إنكاره بل ويجهد جهابذة ودكاترة التفسير، بعصبية ظاهرة، على بطلانه!

 

3) ابتزاز متبادل،

* الكل بات يعلم أن استقواء الجنرال بموقع حزب الله البارز في الصراع السياسي غير ملزم لهذا الحزب إلاّ بقدر حاجة هذا الحزب إلى موقع الجنرال في الساحة المسيحية.. وان ورقة التفاهم التي عُقِدَت بينهما كانت حبراً على ورق لم تقدّم للجنرال سوى دعماً وهمياً لم يَفِدهُ سوى إعلامياً بين أنصاره ومواليه وابتعاداً كلياً عن مَن أوصله إلى موقعه.. أما ادعاؤه بتحويل حزب الله عن استراتيجيته العقيدية إلى عقيدةِ لبنان الاستقلالية فقد فشلت حتى الآن تماماً.. فلا الاستراتيجية تحولت ولا الجنرال استعاد موقعه..  

* الكل بات يعلم أن الجنرال يبتزّ حزب الله من أجل حفظِ توازنه السياسي والعكس أيضاً صحيح. يبتز حزب الله في بقائه حائطاً له أمام قيام الدولة كما يبتز حزب الله الجنرال بإبقائه في صدارة الدفاع عنه والممانعة في تفكيك أجهزته العسكرية.. والاثنان يشكلا الآن جبهة الممانعة لقيام الدولة.

 

* بالإضافة إلى الابتزاز المتبادل، هناك من يبتز الطرفين معاً وهو محور الشر السوري الايراني وأتباعه وحلفائه. وهؤلاء، لا همَّ عندهم سوى استعادة أدوارٍ مفقودة وغنائمَ لا عودة لها بسوى عودة محور الشر إلى لبنان. 

هذه العناوين الثلاث، التي تشكل حجر الرحى التي عُلِّقت في عنق جنرالنا، قذفت به بعيداً عن كافة مفاهيم المعارضة الديمقراطية وكبلته بقيود الدكتاتورية الشخصية حتى بات لا يرى في الوطن سوى كرسي رئاسة يكاد، بفضل ممانعته وتشبثه في الوصول إليه، أن يُفرَّغَ ممّا تبقى له من سمو وعلوّ.

 

بعد فشل جميع الطروحات التي أقدم عليه بعض أركان المعارضة وما رافقها من تهديد ووعيد يتحفنا به مشايخ دين أجلآء لا همّ لهم سوى تجييش الناس وشحن النفوس وتحفيذهم للانقضاض على دولة وطنهم، وكذلك البعض الآخر الذي يقوم بتحضير اليات الانقلاب على الدولة والاستيلاء على السلطة؛ وصلنا في آخر المطاف إلى بدعة ما سمي بالتوافق.

نظرية ليس في تنفيذها سوى بذار الشر المستطير الذي سيستفحل مع أولى خطوات اصلاح أو تغيير يحاول القيام بها من يدعو نفسه رئيساً توافقيا.

نظرية فيها من جزئيات الدكتاتورية ما تعجز الدكتاتورية الأصيلة عن استيعابه. فالأولى سوف تستعمل السلطة من أجل قمع الشعب فيما الأخيرة تقمع الشعب من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

وهكذا لم يعد أمام الملتزمين سيادة الوطن واستكمال استقلاله سوى الديمقراطية التي تفرض الحرية في ظلال القانون والدستور..

 

أخيراً لا آخراً، على دعاة دكتاتورية التوافق التراجع إلى الوطن والقبول بما تفرضه الديمقراطية ومحاولة اكتساب أكثرية لها تبنى على إدائها الديمقراطي في خدمة الوطن والشعب وعلى حاملي لواء الديمقراطية ألاّ يتنازلوا عن نهجها بل عليهم تفعيلها مع تنقية مفاعيلها تنفيذاً مكملاً لنصوص الدستور وفي حماية القانون.. وعليهم المبادرة عن التخلي عن بدعة التوافق والانطلاق في سبل الديمقراطية فهيوحدها الكفيلاة ببناء الوطن وقيام الدولة الحرة السيدة المستعلة.

 

أما الحامي الأول والأخير للديمقراطية فهو دون أدنى ريب الجيش اللبناني الذي أثبت للقاصي والداني أنه كفؤ تماماً وكامل الأهلية للقيام بدوره في حماية البلاد والعباد مع كل ما يتطلبه الأمر من تضحيات جسام.. والرهان على تفككه بات فقط في مخيلة الادعياء وكارهي قيام الدولة.. إن الجيش الذي يغذي الشعب اللبناني من رحم امهاته وعنفوان أبائه، لا يمكنه التخلي عنه كرمى لعيون بعض القيادات الطائفية أو المذهبية أو حتى العنصرية.فقد صُهِرَت هذه كلها على أيديه وجبلت بدمائه في الجنوب اللبناني ومحارية الارهابيين في مخيم نهر البار وغير مكان من لبنان.. جيشنا شرفه أثيل وتضحيته مقدسة ووفاؤه لا يماهى .

 

صانك الله لبنان

لاحظ س. حداد

التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا