أين حكماء الشيعة في لبنان، أصحاب الفضيلة حكماء الطائفة الشيعية وقادتها الروحيين في لبنان؟

بقلم/لاحظ حداد

25/شباط/2007

 

سؤال يُوجِّهُهُ، ببساطة كلية، إنسانٌ آمنَ ومارسَ العيش المشترك طوال سبعين سنة من عمره اللبناني. ليس مع أهلنا أبناء الطائفة الشيعة وحدهم بل مع أهلنا من جميع الطوائف والمذاهب اللبنانية، كما نعيش وأياهم في إلفة ووئام في مغترباتنا ومهاجرنا في العالم.

1)    نحن وأنتم نقدِّر مفاعيل ما قام به الإمام موسى الصدر من ثورة على الحرمان الذي طاوَلَ العديدين من جميع فئات الشعب اللبناني. تلك الثورة الوطنية التي لم يُسجل تاريخ لبنان لها مثيلاً سوى ثورة الفلاحين في كسروان التي قام بها طانيوس شاهين في القرن التاسع عشر. وربما أضفنا إليهما علامة وعلاّقة.

2)    أنتم أعلم بتقدير اللبنانيين لمجموعة من أبناء طائفتنا الشيعية الكريمة أفرزَت نفسها ونذرتها لمقاومة أعداء لبنان الاسرائيليين وتمكنت من الوقوف في وجههم. وكم شبهناهم بمن استُشهَِدَ في مقاومة قدامى الغُزاة.

 

أنتم أدرى الناس بما هو حاصل اليوم في الوطن الصغير الذي افتخرَ يوماً، ولا زال، بجبران والصبّاح وغيرهما من مبدعين لبنانيين، إفتخارهم بجميع الرجال العظام الذين قادوا مسيرة الوطن في أحلك الظروف التي مرَّ بها في تاريخه لاسيّما أيام الاستبداد التركي والانتداب الأجنبي وتمكّنوا من الحفاظ عليه رسالةَ سلامٍ ومحبة وعيشاً مشتركاً بات مثلاً يُحتّذى.

  

خلفاء الامام تخلوا عن الثورة الوطنية واعتكفوا إلى السياسة.

قد نجد ما يبرر اعتكاف خلفاء ثورة الامام إلى السياسة في محاولة لتحقيق أهدافها الحقّة والمُحقّة، وعلى الرغم من إعجاب فئات متعددة من الشعب اللبناني وإيمانها بالأهداف النبيلة لهذه الثورة، بادروا إلى استئثار فـئة دون الأخريات، وأصبحوا الآن يدافعون عن حرمان تلك الفئة وحدها؛ وهذا ما أدى إلى بروز قائدها كمناضل طائفي وليس وطني كما كان يبتغي سماحة الامام موسى الصدر.. وتقبّلنا هذا الوضع المحبِط لما آمنّا به.

من الجائز القبول بتصرّف القائد السياسي لمصلحة طائفته الخاصة لكن لم يعد من المقبول، في أيامنا هذه، محاولة استقطاع مصالح غير طائفة أو فئة من فئات الشعب اللبناني خدمةً لهذه المصلحة الخاصة. ومن غير المبَرّر إطلاقاً استغلال هذا القائد  لموقعٍ سياسيٍّ رسمي يُفْتَرَض به خدمة وطنية عامة وتحويله إلى خدمة فئة أو طائفة. استعمال هذا الموقع في الأزمة السياسية القائمة، على النحو المتّبع حالياً، أثبت عدم جدواه.

إن حسن النوايا ومنطق الحفاظ على الدستور من جهة والانحياز شبه التام إلى فريق ما من جهةٍ أخرى، قد يبدو للعامة تصرّفاً نبيلاً في ذلته. إلاّ أنه، مع تصادم المواقف المتشنجة واشتداد الأزمة السياسية بات في نظر العامة، تسلطاً ممجوجاً يُفرّغ الموقع من معنى وجوده الدستوري ومصداقية شاغله .

إن كل تأخير في الفصل بين واجب هذا القائد السياسي كرجل دولة ذي مسئولية كبرى للحفاظ على الدستور وواجبه تجاه فئته أو طائفته بات اليوم واجباً وطنياً لا بد من اتخاذه.

إن تحقيق الأهداف السياسية أو الطائفية الخاصة ستحفّز الطوائف والمذاهب الأخرى (منها باقي أبناء المذهب أو الطائفة التي ينتمي إليها هذا القائد) إلى المجاراة وبالتالي تنقض كافة مفاهيم العيش المشترك المُنادى بها هنا والمُدافَع عنها هناك الأمر الذي يدفع إلى اتخاذ مواقف ليس من السهل التراجع عنها. وبذا يكون بذار التفرقة بين أبناء الطائفة الواحدة قد اكتمل.

ولا ننسى أن مفاهيم العيش المشترك تقول ان من أوصل القائد البارز إلى موقعه ليس بالضرورة أبناء طائفته وحدها بل مجموع ابناء الطوائف الأخرى التي ساهمت باختياره في موقعه. وبالتالي فإن موقعه هذا سيحمّله مسئولية وطنية كبرى تجاه الوطن كله وليس أبناء طائفته وحدها. فهلاّ تحمّلها!

 

إن حرية التصرّف بالقرار الوطني ليست مسئولية مسئولٍ بمفرده مهما بلغ مستوى مسئولية هذا المسئول.

هكذا هي الأصول الديمفراطية المعمول بها.

 

أنطلاقاً من هذا المبدأ البسيط، لا يجوز لأي مسئول وطني، مهما كان موقعه الطائفي أو الفئوي، أن يختصر القرار بذاته أو لشخصه، ويقرر أحقيةً في إلغاء دور الآخرين تحت شعار المحافظة على حرية قرارهم. فالديمقراطية في العمل السياسي ليست ولا يجوز أن تَحْجُرَ حرية القرار. ففي مثل هذه الحال، كل تأخير في إطلاق عمل الديمقراطية لمناقشة القرار، وسوف يُحيلُهُ إلى مجموعة أراء دكتاتورية تقود حتماً إلى صراع غير مبرر قد يطيح بالنظام الديمقراطي.

إذن .. على القائد والمسئول، متى وُضِع في موقع المسئولية، أن يتحوّل من مسئوليته الصغرى ككقائد إلى ممارسة مسئولية وطنية كبرى أناطَها به موقعه كمسئول. وإذا عجز عن التفريق بين هاتين المسئوليتين، عليه اختيار إحداهما والتخلي عن الأخرى. اختيارُهُ سوف يحوّله إلى بطل قومي بامتياز.. فهل يتخذ هذا القائد الكبير والمسئول الأكبر خطوة قومية تاريخية؟   

 

والمقاومة انتهى دورها فتحوّلت إلى الداخل.

إن التحول عن مقاومة اعداء الوطن في جنوب لبنان إلى محاولة إسقاط النظام اللبناني بوسائلَ، أقل ما يُقال فيها، أنها غوغائية لا تتحلى بأية مفاهيم ديمقراطية، تطيح بكافة المكتسبات المعنوية التي تحققت من خلال إفشال أهداف العدو الاسرائيلي العسكرية وقبول دعاوى الانتصار الإلهي!

إن الاستمرار في تعطيل قيام الدولة وتأكيد الاستقلال الوطني، يصيب الشعب اللبناني بإحباطٍ وندم كبير على تقديماته ودفاعه عن نذر المقاومة التي فرضته على نفسها. من هنا، لايمكن لهذا الشعب الداعم والحاضن للمقاومة أن يقبل مبادلته شراً لخيرٍ قدمه ونكراناً لشكرانٍ كان أبداه.

طوال حقبة الوصاية السورية التي عانى منها شعبنا اللبناني كله أمرّ أنواع الاستبداد، كان الجميع مُجبر على السكوت عن تجاوزات المقاومة التي كانت خليطاً لبنانياً فلسطينياً وايرانياً... تسمية المقاومة كانت آنذاك: المقاومة الوطنية أو اللبنانية!

تقبّلَ شعبنا اللبناني، رغم تأكّدِه من أهدافٍ بعيدة المدى لهذه المقاومة، تقبّلّ بل تعوّدَ تقبِّلها وزاد فقدّم لها دعماً دولياً لتسمية مقاومة بدل تلك التي أطلقها العالم عليها: ميليشيا إرهابية. حتى بلغ برئيس وزراء لبنان، يوماً، أن يفرض على العالم عقد تفاهمات معها وهكذا أمسى حزب الله تياراً سياسياً ذا وزن أُعطِيَ له.

 

إن تحوّلَ المقاومة وانخراطها في العمل السياسي أتاح لها حريةَ التقدم والمشاركة في القرار الوطني العام. لكنها، مع الأسف، استفاقت لتستكمل تحقيق أهدافها، بعيدةَ المدى، مستفيدةً من هشاشةِ وضع الدولة الخارجة حديثاً من تحت الوصاية بعد زلزال ضرب الوطن باغتيال أحد كبار رجاله التاريخيين.

يقظة المقاومة هذه، لم تكن وطنية بقدر ما جاءت ساطعة الهدف العقائدي المستورد من الخارج. لذلك رأيناها تستعجل القضاء على النظام وتدمير الدولة، وتتخذ شعارات متصاعدة لا تمت إلى السياسة بصلة، منها مثلاً مشاركة الحلفاء. وهذه نراها آخر التغطيات المستحدَثَة عندَها.    

أحدى أكبر التغطيات التي استعملتها هذه المقاومة للوصول إلى أهدافها في القضاء على النظام وتدمير الدولة من خلال تفتيت وشرذمة فئات الشعب كان خروج هذه المقاومة من جلسات الحوار، عند أول حديث عن سلاحها واستعماله، وافتعالها حرباً تدميرية مع دولة العدو ارتدت نتائجها على الشعب اللبناني بأكمله. والغريب أن إسرائيل، وكأن بينها وبين المقاومة اتفاق سرّي، وعوض أن تعلن الحرب على المقاومة وحدها بادرت إلى إشعال لبنان بأسره في دعوةٍ فاضحة وصريحة إلى شعب لبنان كي يبادر إلى معاداة المقاومة. ولكن، الشعب اللبناني أثبت، كما دوماً، أنه لا يتخلى عن أبناء وطنه أنّمن كانوا وأينما وُجِدوا. فاحتضنهم وحصّن مقاومتهم وسعت حكومته، بشتى الطرق المتاحة، لوقف الحرب والاعتداءات الاسرائيلية على المقاومة والشعب معاً.

إن هذه الحرب التي كلفت الوطن ما لا طاقة على حمله، لم تكن قراراً خاطئاً من المقاومة، كما أعلن أمينها العام، بل نحن نراه قراراً مدروساً ومرحلياً من أجل تحقيق أهداف هذه المقاومة العقائدية. والسبب في هذه الرؤية أن المقاومة، وعوض أن تأتي شاكرةً للشعب اللبناني والحكومته على الدعم المطلق واستجداء العالم كله لوقف العدوان عليها، بادرت ومنذ اللحظة الأولى لوقف العمليات الإسرائيلية، بادرت إلى افتعال الأزمات وخلق المتاعب أمام تلك الحكومة وذاك الشعب.

 

إن تصرفات المقاومة أو حزب الله، ومنذ أن أوسعت السياسة في لبنان أبوابها عريضةًً أمامه، فاقت تجاوزاتها التسلطية كافة الحدود الديمقراطية المعمول بها في لبنان منذ نشأته. فمن من اللبنانيين ينسى العائلات الشيعية، عريقة الجذور السياسية في الوطن، كالوئليين وآل الخليل وآل عسيران والحسيني وحمادة وغيرهم من كبار العائلات الجنوبية والبقاعية.

 

أليس من خلل أن يستولي حزب الله وحده على مواقع تاريخية لهذه العائلات التي ضحّت بالكثير وساهمت أكثر في سبيل استقلال لبنان الأول؟ ألا يتساءل المرؤ كيف وأين ذهب أو ارتحل هؤلاء وأين اصبح تاريخهم؟

 

كل هذه الأمور، يمكن التغاضي عنها والقول بقبول نتائج انتخابية متكررة ومقررة. لكن من المؤكد أنه ليس من المنطق بشيء أن يقبل حكماء الطائفة الكريمة، إحدى أعمدة النظام اللبناني، أن يقبلوا بإلغاء تاريخ جميع هذه العائلات الأصيلة والتسليم بوجود حزب الله يمتلك أو يتملّك قرار هذه الطائفة العريقة. وربما توصّل إلى تملّك قرار حكمائها أيضاً.

 

إننا نطالب حكماء طائفتنا أن يقوموا بمقارنة بسيطة بين تاريخ عائلاتها العريقة وبين تاريخ حزب الله المستحدث. ونتمنى عليهم القيام بجردة حساب وجدانية لكل التقديمات الاستقلالية، وإن تعثرت أحياناً بسبب عدم وضوح الرؤية الوطنية في بدايات قيام دولة الاستقلال الأولى وما قدمه حزب الله للوطن، منذ نشأته أو ولادته من رحم ثورة الصدر؛ وكم من الكوارث والمصائب والنكسات الوطنية التي ارتكبها أو تسبب بها في سبيل تحقيق أهدافه المستوردة.

 

إن ما يَجْهر به حزب الله ويقوم بتنفيذه في لبنان ما هو، في نظرنا، إلاّ مراحل متقدمة في تحقيق أولياء أمره. وأنتم أدرى بهويتهم وجنسيتهم. وإن ما يتستر به من حلفاء محليين، لا يعدو كونهم أصحاب غاياتٍ شخصية أو آملة بعودة أو قدوم الأغراب لحكم الوطن، وطنّا جميعاً، وهؤلاء لن يقفوا حجر عثرة في وجه قيام دولة الاستقلال الثاني إذا ما تخلى هو عنهم.

 

إن أمل اللبنانيين، جميع اللبنانيين، المقيمين منهم في الوطن وفي بلدان الانتشارنضعه اليوم بين أيديكم.

إن قيامة لبنان الحديث الحامي لشعبه والحافظ لسيادته واستقلاله والمقرر بذاته، تحتاج إلى وقفة عزٍّ، افتقدناها طويلاً، تشمل حكماء الطوائف كلها، فيرفعوا الغطاء الديني عن كل منحرف عن ولائه الوطني أو المتعلق بانتماء عقائدي.

وكفى لبنان الشر المستطير!

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسله واللبنانيون!

 

صانك الله ... لبنان

لاحظ حداد