تنبيه وتحذير!

بقلم/لاحظ حداد

 

سبقَ للبنانيين أن لبوا تمنيات المجتمع العربي ومعه المجتمع الدولي ووافقوا في مدينة الطائف على وثيقة الوفاق الوطني الذي قدَّم لهم، ذوو التمنيات، كافة ضمانات التنفيذ. لكن مع الأسف، استغل النظام السوري وجوده العسكري، بتراخي أو رضى من الحكم اللبناني، كي يمنع كامل تنفيذ ذلك الاتفاق الأمر الذي وضع لبنان ومؤسساته تحت الاحتلال السوري نحواً من خمسة عشر سنة.

 

عدم تنفيذ اتفاق الطائف أو استنسابية تنفيذه أفسح في المجال أمام حزب الله ومقاومته كي يُبقي الوطن مجرداً من حماية جيشه وتجعل من لبنان، انطلاقاً من جنوبه، ساحة حروب صغيرة تشنها دولة إسرائيل ساعة تشاء دون رادعٍ حقيقي سوى تبجّحات النظام السوري الغوغائية، فبدت المقاومة بقيادة حزب الله وكأنما هي لحماية هذا النظام وليس لحماية الوطن.

 

لم يكتفِ حزب الله بهذا بل انبرى، وما فتئ، وبكل صفاقة يدافع عن النظام السوري، قبل وبعد خروج جيشه من لبنان إثرَ قيام انتفاضة الأرز الكبرى بعد ارتكابه أكبر جريمة اغتيال شناعة في تاريخ لبنان الحديث. رفض ولا زال يرفض القرار الدولي الداعي لإقامة محكمة تحاكم هذا النظام على جميع جرائم الاغتيال والقتل التي نفذها، مباشرة أو بالواسطة، وذهب ضحيتها الخيرة من رجال فكر وسياسة واعلام في لبنان. عفواً لتكرار ما بات معلوماً لكن لعل في التكرار إفادة!

 

اليوم،

بعد اتضاح معالم الاستراتيجية السورية الايرانية المُلزِمَة لحزب الله ومن معه، استراتيجية انقلابية بتفوّق سياسي انتهازي واستفزازي مرحلي ومُتَنقّل بين مطالب بعضُها عام ويكاد يكون شرعياً وبعضُها الآخر لا يعدو كونه هدراً للوقت والطاقة استكمالاً للحركة الانقلابية على الدولة والنظام.

 

وبعد فشل المعارضة الهدّامة، كَكُل، في إيقاف دورة الحياة في المجتمع اللبناني ونجاحها فقط في ضرب الوحدة الوطنية وتفتيتها إلى مذاهبَ يتربّص واحدها بالآخر ما يُنذِر بأوخم العواقب. ولقد بلغ السيل الزبى من تعنُّث قادة هذه المعارضة،  واستمراهم في تقديم مصالحهم الشخصية والخاصة وتخلّيهم عن مصلحة البلد العليا، ظهرت جليّاً ، محلياً واقليمياً، كافة مراميهم المغطّاة بقشور مطالب ممكن تأجيلها إلى أوقاتها.

 

بما ان محادثات الرياض وقبلها مساعي أمين عام الجامعة العربية، جعلت الكرة السياسية في أيدي اللبنانيين، موالاة ومعارضة، باتَ الأولى بهؤلاء أن يأخذوا المبادرة التي طالما استمهلوا اتخاذها إلى ما بعد محادثات الرياض تيمناً، كالعادة، بوصول الترياق من الشام بالنسبة للبعض واستقطاعاً للوقت عند البعض الآخر، فإن الحكومة اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي يومٍ مضى بالتصرّف بما يخوّلها به النظام العام والقوانين والإلتزامات الدولية الداعمة لها والموجِبَة التنفيذ إنقاذاً للوطن.

 

في نظرنا، إن الرياض فضلّت إعادة الكرة إلى الحكومة اللبنانية بالذات، بعد عجز واضح عن التوفيق بينها وبين أطراف المعارضة. لسبب بسيط ووجيز هو أنها ليست مقتنعة بطروحات هذه المعارضة وغير قادرة على منع سوريا وايران من التدخل في الشأن اللبناني. وهي بالتالي لا تريد أن تسجل على نفسها سابقة سلبية بتجاه لبنان تتعارض مبدئياً مع سابقتها الايجابية والبنّاءة في الطائف.

 

وهذا ما أكّده التحرك غير المسبوق للسفير الايراني على الساحة السياسية في لبنان تحت شعار تقريب وجهات النظر بين الاطراف اللبنانية. تحركه هذا يجب أن يُؤخذ أنه تدخل سافر في الشأن الداخلي اللبناني. وجل ما هو مطلوب منه هو وقف دعمه لحليفه الاستراتيجي، حزب الله، ودفعه للتخلي عن تحقيق فرع دولته العقائدية في لبنان. ويؤكده أيضاً، التحرك المحموم الذي يقوم به السفير السعودي، كبير الهمّة، في محاولة إلى لبنَنَة الحل قبل استكمال عرقنته أو حتى تدويله.  

 

السباق الحكومي اللبناني مع الأيام واستحقاقاتها.

 

أولاً: مؤتمر القمة العربي

فيما اقتضت اللياقة العربية السعودية تسليم الدعوة الرسمية، إلى رئيس الجمهورية، لحضور مؤتمر القمة العربي المُزمَع عقده في أواخر هذا الشهر. وإذ يتوجب على الرئيس التوّجُه إلى الحكومة، غير الشرعية في نظره، لتأليف الوفد الرسمي، فهو لن يفعل. فإن على الحكومة عدم الذهاب منفردة إلى هذا المؤتمر ما لم توّجه إليها دعوة بصفتها الرسمية التي تعترف بها المملكة السعودية وباقي دول الجامعة العربية. ولندع الأمة العربية أجمع ترى وتسمع ما يُخجِل اللبنانيين تبريره.

إن أية جهودٍ تبذلها الدول العربية التي ستأمر في الرياض في سبيل إيجاد الحل للمسئلة اللبنانية سوف تبوء بالفشل الذريع، ولو بعد حين، إذ أن المخاتلة السورية لا يمكن أن تنتهي قط ما لم يتم إلغاء دور العدالة الدولية للاقتصاص من جرائمها في لبنان. ولسوف تراوغ، ما أمكنها، كي تسمح عن إساءات رئيسها إلى القيادات العربية وسوف تضع كافة الشروط العرقوبية للتملّص ما قد يفرضه المؤتمرون عليها.

 

إن النظام السوري، الخبير في خبيئات الأنظمة العربية، سوف لن يألُ جهداً لإرضاء الجميع وسيحاول لبس ثوب الحمل الذي يطارده شبح المحكمة الدولية دون وجه حق في مقابل ما قدمه للبنان وللأمة العربية! هنا نتمنى على هذه الدول العربية أن تتذكر، حينذاك، جميع موبقات هذا النظام وما تسبب به من إحباطات وما يبطنه من مؤامرات، بالمشاركة مع النظام الايراني لضرب وحدتهم الوطنية وخلخلة أسس الدين الاسلامي، بمذهبيه الأساسيين، من خلال ابتداع فكرة الأصولية اعتماده إرهابها منذ أن استولى هذا النظام على الحكم في سوريا، ابتداءً من هروبه من معارك الحرب عام 67 التي فرضها على القائد العربي الشجاع، عبد الناصر، دفاعاً عن سوريا وانتقامه من الرئيس الأشجع، الذي سبقه إلى سلوك طريق السلام العالمي، أنور السادات. نقول هذا لعلّهم يتذكرون!

 

 إن النظام السوري الذي عرف كيف يبتز المملكة العربية السعودية وباقي الدول العربية التي ساهمت في وضع اتفاق الطائف الشهير ويحولّه لاحقاً إلى مصلحته سوف لن يُعدم الوسائل كي يبتز الدول العربية مجتمعة ويحوّل إأي قرار يُتّخذ إلى مصلحته. وما لم يقف المؤتمرون في وجه ما يحيكه هذا النظام من مؤامرات فإن المصير الأسود وربما الانحلال الكامل سوف يضرب بنيان دولهم، إفرادياً أو جماعياً، دينياً واجتماعياً. لذا فإن على الدول العربية المؤتمرة في الرياض أن تكف عن ممالئة النظام السوري وعن تبنّي بعض طروحاته ومناظراته الديماغوجية التي غالباً ما أثبتت عدم صدقها.

 

ثانياً: سوريا والمحكمة اللبنانية ذات الطابع الدولي

لعبةً إلهائية جديدة يقذفُ بها معلّم سوريا في شباك المعارضة اللبنانية، تلك هي مطالبته بأن تكون المحكمة بحسب القوانين السورية. وإذا ما بادرت هذه المعارضة إلى تلقفها والسير بها، فاتحةً بذلك باب جدلٍ جديد، يتوجّب على الحكومة اللبنانية عدم الالتفات إليها بل عليها وقف أي بحثٍ أو جدالٍ فيها أو حولها، بل يجب إحالتها فوراً إلى مجلس الأمن الدولي وإعلامه بعجزها عن إقرار وثيقتها وطلب إدراجها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

 

كافة ألاعيب النظام السوري التي تحيكها حول هذه المحكمة سوف تنتهي إذا ما بادرت الحكومة اللبنانية إلى إلغاء البند الذي يفرض محاكمة الرئيس المسئول عن مرؤوسه. السبب في ذلك أن النظام السوري سوف يضحي، عن طيبة خاطر، بعشرات الضباط الذين يمكن أن يطالهم الاتهام بتنفيذ الجرائم في لبنان، وهو قد بدأ ذلك فعلاً، شرط ألاّ تطال يد العدالة الدولية رئيسه. ونحن على ثقة من أن الشعب السوري الأبي سوف يستعيد دوره القومي ويكون الحاكم والمنفذ لذلك الرئيس فيوفّر على العدالة الدولية عبأً لا تستسيغه في المبدأ. ويسترد كرامته المباحة من النظام الحديدي الاستخباراتي المستولي والحاكم لسوريا منذ قرابة النصف قرن. نظامٌ أقفل كل طاقات العبور لنسيم الحرية والخاطف لإرادة الشعب وحقه في حياةٍ ديمقراطية لا يراها إلاّ على شاشات التلفزة. شعب سوريا الأصيل سئم حالات الكبت ومل غسيل الأدمغة الممارسة عليه طويلاً.

 

ثالثاً: حزب الله

هذا الحزب، الذي اغتر بقوة سلاحه الذي غذته به ايران وحمَتهُ سوريا لم يكتفِ بالسيطرة الكلية على الجنوب اللبناني وشحن نفوسَ أهله بالكراهية والحقد على دولته بل أسهم في شقّ إحدى أهم الطوائف اللبنانية وتشتيت زعمائها التاريخيين وهمّشَ دورهم المعتدل في الحياة السياسية اللبنانية وزاد فأدخلهم، تحت الضغط والترهيب، في معتقداتٍ هم أبعد الناس عن القبول أو الاخذ بها لما احتوت من رِدةٍ دينية تفصل ولاءَهم الوطني عن انتمائهم الديني .

 

بالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن حزب الله هذا، وكنتيجةٍ لما منحه بعضُ الشعب اللبناني من ثقة وأسبغَ عليه من إطراء للعمليات العسكرية التي انفرد بها، دون باقي اللبنانيين وربما دون رأي أو رغبة الكثيرين منهم، في مواجهة كرّ وفرٍّ مع الإسرائيليين، مما اضطرَّ الدولة اللبنانية مُرغَمة إلى تشَريع مُقاومَتَه فأصبحت أمراً واقعاً ( رحم الله من شرَّعَها- ها هو يلاقي جزاء سنمار)، وكان لحكم الوصاية السوري اليد الطولى في فرض هذا الواقع الذي خدم مصالحها طويلاً.

 

إنتشى حزب الله تماماً بما قامَ به وأمسى أداة طيّعة في يد سوريا الصمود والتصدي، ثم استفحل أمره فأخذ بالاستيلاء على قرار الحرب والسلم واستجلب على البلاد ضرراً لم تشاهد مثيلاً له خلال كافة الحروب التي تعرّضت لها. وبالطبع، فإن الحكومات اللبنانية المتعاقبة فشلت في تحجيم هذا الدور وكان عليها أن تتحمّل عواقبه الأمر الذي أنتج خللاً في الحياة السياسية استمر إلى ما بعد انفكاك الإحتلال السوري العسكري عن لبنان.

 

حزب الله، عِوضَ الاعتذار من الشعب اللبناني وبخاصة أبناء طائفته ومنطقته الجنوبية، استمرأ هزيمة الوطن وألّهَ نصراً هزيلاً وانتشى بأهازيج الشعوبيين وعلى رأسهم أسد سوريا وهمايونها، الذي تركه دون مساعدة أو دعم استراتيجي، تماماً كما فعل والده مع الفلسطينيين عام 1982 وقبلها مع عبد الناصر عام 1967( ويا لها من استراتيجية يتباهى بها حزب الله). هذا الحزب، بدل أن يتخلى عن تبنيه سياسة الصمود السورية ويقبل بنصر التصدي التي مارسها باتقان، أندفع أكثر كاشفاً ما كان يبطنه من استراتيجية عقائدية له مع ايران، بات الجميع اليوم عليمٌ بها، وباشر فعلاً تنفيذ الجزؤ المخصص له من تلك الاسراتيجية وانهزم إلى الأمام محاولاً قلب النظام اللبناني والسيطرة على الدولة مستغلاً بعض الغُفُل من بقايا سوريا وبعض ذوي النوايا الحسنة الذين لا زالوا إلى اليوم يأخذون بمصداقية هذا الحزب الإلهي.  

 

 نخرج من هذا كله لنقول لجميع أطراف الموالاة وخاصة للحكومة اللبنانية بأنننا قومٌ مؤمنون والمؤمن لا يجب أن يلدغ من ذات الجحر مرتين فكبف إذا وُجدَ أمامنا ثلاث جحور فاغرة أفواه الثعابين على أنواعٍ أقلها مميت. وإن أي حلٍّ قد يصل إليه هؤلاء أو يفرض عليهم مع أطراف المعارضة، يجب أن يتضمن ولاءً مطلقاً للوطن اللبناني والتخلي عن أية استراتيجية، عربية، إقليمية أو دولية، وأن يوثّق كتابياً ويُضْمَن عربياً ودولياً. 

 

موجبنا إلى هذا اقول هو أننا لا زلنا حتى الساعة، نسمع أطراف المعارضة وحلفائها الاستراتيجيين يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولم يتراجعوا قيد أنملة عمّا باشروا طرحه منذ بداية الأزمة وما همّهم معاناة الشعب الذي يدّعون الدفاع عنه بل ويزايدون في مغالاتٍ مجَّ سماعها الجميع. عسى أن يتحقق حلم اللبنانيين في غلبة دولتهم واستقلالها وسيادتها.

 

اللبنانيون في كافة أرجاء المعمورة يناشدون الحكومة اللبنانية، الموثوقة من قِبَل مجلس النواب اللبناني بأكثرية مميّزة، أن تستبق الأحداث المتوقع استغلالها من قبل المعارضة الموثوقة إقليمياً خلال فترة الاستحقاقات الدستورية القادمة.

 

لهذا نطالب الحكومة اللبنانية أن تتحلى بالشجاعة الكافية كي يكون قبولها بالحل المنتظر بمثابة الفرصة الأخيرة للمعارضة، فإن أثبتت ولاءَها للوطن وبادرت التخلي عن عنجهية الشعوبية التي تدّعي كي تحول جهودها الحقيقية لمصلحة كافة أبناء الشعب اللبناني وقيام دولته القوية الرئدة في الديمقراطية.

 

صانك الله لبنان

10 أذار 2007