ماذا تعني عودة عون بجواب نهائي عن المعتقلين؟ اعادة الجزء دون الكل يعني كارثة للاهالي

كتب بيار عطاالله

 

قد تكون اخطر تطورات قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية هو تعليق الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية على زيارة النائب العماد ميشال عون المنتظرة الى العاصمة السورية لجهة القول ان عون سيعود من سوريا بجواب نهائي عن مصير المعتقلين اللبنانيين لديها.

 

وجه الخطورة في كلام فرنجية في هذا الملف يحتمل تفسيرات عدة لكنه يتقاطع عند خلاصة واحدة الا وهو الخشية من قفل الملف بطريقة عشوائية وطمسه الى ما لا نهاية بعدما حمل النائب عون لواء هذه القضية ودافع عنها مدة طويلة اثناء نفيه الى خارج لبنان :

 

الاول: ما يروج او يتم تسريبه من معلومات عن رغبة الادارة السورية في الافراج عن عدد محدد من المعتقلين وتسليمهم الى رئيس الحكومة العسكرية السابق. ومن المهم التذكير في هذا الاطار ان الادارة السورية درجت تاريخياً على تسليم اعداد من المعتقلين اللبنانيين لديها الى زوارها الكبار من السياسيين المسيحيين الذين كان يفترض انهم على عداء وحرب معها في لبنان.

 

وهذا ما جرى تحديداً مع النائب والوزير الراحل الياس حبيقة الذي عاد من احدى زياراته الاولى الى العاصمة السورية منتصف الثمانينات بمجموعة من القياديين القواتيين والكتائبيين الذين كانوا لدى السوريين وفي مقدمهم المسؤول الكتائبي جوزف جعجع.

 

ووجه الخطورة في هذه المسألة ان العدد الذي قد يفرج عنه لن يتطابق في اي من الاشكال مع لائحة المعتقلين الموثقة التي يملكها الاهالي وتبرزها لجان حقوق الانسان وتتضمن حوالى 600 اسماً ويزيد لمواطنين جرى اقتيادهم من لبنان الى الداخل السوري.

 

واذا تمت المقارنة بين اللائحة الاخيرة التي سربت الى وسائل الاعلام وتضمنت جدولاً باسماء المعتقلين اللذين اقر السوريون بوجودهم لديهم ولوائح الاهالي او اللائحة التي توفرت لدى لجنة الوزير فؤاد السعد الشهيرة لأمكن القول ان القيادة السورية ربما ستفرج عن اشخاص متهمين بقضايا جنائية او موقوفين بأمور تختلف تماماً عن قضية المعتقلين او المخفيين قسراً في سوريا.

 

ثانيا: وجه الحذر الثاني في ما يقال عن عودة عون بكلام نهائي يعني الرغبة السورية في قفل هذا الملف وعدم تداوله مرة جديدة، علماً ان النائب عون كان قد صرح قبل مدة ان لا معتقلين لديه في العاصمة السورية ولا معتقلين من تياره.

 

وعنى هذا الموقف ان عون سحب يده عملياً من هذا الملف، وتالياً لا يستطيع عون بعد هذا الاعلان الحديث عن رعايته او ابوته لهذا الملف الانساني علماً ان مصير الكثير من العسكريين الذين كانوا يقاتلون تحت لواء عون في 13 تشرين الاول 1990 انما يصر اهاليهم على وجودهم في المعتقلات السورية الى ان يثبت العكس.

 

وهكذا فان كل كلام عن عودة عون بكلام نهائي يكاد ان يشبه الامر بلعبة برنامج تلفزيوني يحتمل الصواب والخطا في حين ان المسالة معقدة وتحتمل الكثير من المعاناة الانسانية المدعمة بشهادات  واثباتات وبطاقات زيارة والكثير من الوقائع التي تؤكد وجود المعتقلين رغم النفي السوري التقليدي والمكرر والذي سبق حصوله مرات عدة، ثم اعقبت النفي عمليات افراج عدة سراً وعلناً. 

 

ثالثاً: لا يستطيع النائب ميشال عون العودة بكلام نهائي لأن المسألة ليست ملكهن بل الاصح ان يقال ان الجانب المؤهل للعودة بكلام نهائي في هذا الموضوع هو رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يسجل له انه رئيس الجمهورية الاول الذي طرح قضية المعتقلين في خطاب القسم اسوة بجملة قضايا مثيرة اخرى. واردف ذلك بمناقشة هذا الملف علناً مع الرئيس السوري مما يعني تحويل الملف الى "قضية دولة". كما ان سليمان يرعى ومن بعيد الآلية اللبنانية في المعالجة لجهة تكليف وزارة العدل متابعة هذه المسألة ورعاية عمل اللجنة السورية – اللبنانية المشتركة في هذا الشأن، التي يملك الاهالي ولجان حقوق الانسان جملة ملاحظات على ادائها لجهة البطء او البيروقراطية في طريقة عملها الا انها تبقى افضل من "الآلية" التي اعتمدها النائب ميشال عون لجهة ما ردده اخيراً انه اوكل ملف المعتقلين في سوريا الى لجنتين من هيئات حقوق الانسان.

 

والطريف ان اللجنتين قامتا وفور تلقيهما التكليف من النائب عون بالذهاب الى اوتوستراد حالات في قضاء جبيل بحثاً عما اعتبروا انه مقبرة جماعية لم يثبت وجودها بل ثبت ارتباط هاتين المؤسستين سياسياً بالتيار الوطني الحر ورغبته في استثمار ملف المعتقلين سياسياً في صراعه مع القوى المسيحية الاخرى. علماً ان الاهالي ومجموعة مهمة من مؤسسات حقوق الانسان يصرون على التمييز بين قضيتي المعتقلين في سوريا والمفقودين في الحرب اللبنانية التي يصر عون والناشطين معه على ادماجهما معهم.

 

رابعاً: يشدد اهالي المعتقلين على عدم تسييس الملف، في حين يعتبر كثر من المحللين ان عودة عون بعدد محدود من المعتقلين احياء او اموات سيقدم على انه انتصار لسياسة عون في التقارب مع سوريا وتفهم مصالحها في لبنان.

 

في حين ان المسألة ومن وجهة نظر الاهالي  ومؤسسات حقوق الانسان ليست الا انجازاً مفخخاً يثير اسئلة كثيرة لدى الاهالي عن مصير المئات الذين لن يعرف مصيرهم والذين سيذهبون طي النسيان اسوة بقضية المفقودين في الارجنتين الذين عمد النظام الديكتاتوري السابق الى تجهيل من خطفهم وقفل الملف.

 

وفي نهاية هذا الكلام لا بد من التذكير بكلام قاله النائب ميشال عون اثناء منفاه الباريسي ان القيادة السورية قادرة فيما لو ارادت على معرفة مصير اللبنانيين الذين فقدوا على يد القوات السورية وخصوصاً من سقطوا في 13 تشرين الاول 1990. 

 

14 تشرين الثاني 2008