أسئلة مسيحية تحتاج إلى إجابة من حكومة الرئيس السنيورة

بقلم/بيار عطاالله  

النهار 16/8/2007  

منذ ان تولت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السلطة التنفيذية تحت شعار السيادة والحرية والاستقلال، استبشر اللبنانيون خيرا بأن الامور تسير نحو تحقيق مشروع الدولة التي طال انتظارها منذ 30 عاما واكثر. لكن تطور الاوضاع والنتيجة التي آلت اليها الامور من تردٍ أمني وسياسي واجتماعي واقتصادي يطرح علامات استفهام كبيرة حول اسباب هذا الفشل في ادارة شؤون الدولة ومقدراتها.

 

يبرر انصار "تحالف 14 اذار" هذا الوضع بأن الحكومة مقيدة اليدين بسب عدم تعاون رئيس الجمهورية اضافة الى ما تقوم به سوريا وانصارها في لبنان من مؤامرات لعرقلة قيام سلطة حقيقية تمكنها من مد نفوذها على جميع الاراضي اللبنانية، وتحقيق مفاعيل السيادة والحرية والاستقلال. هذا التبرير يحتمل الكثير من الصحة لكن ثمة علامات استفهام كبيرة او اسئلة تحتاج الى اجابات واضحة من الحكومة اللبنانية، وهي في رأينا وفي رأي مجموعة كبيرة من اللبنانيين السياديين كانت سببا في الانهيار والوضع السلبي الذي نعاني منه اليوم:

 

اولا: لماذا لم تبادر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى الغاء "معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" الموقعة مع سوريا والغاء كل مفاعيل هذه المعاهدة التي ترخي بظلها الثقيل على الاوضاع اللبنانية، وخصوصا ان ثمة اتفاقات كثيرة غير متكافئة ولا تصب في المصلحة اللبنانية، ومنها اتفاقية الدفاع والامن التي كان بعض بنودها موضع انتقاد من منظمات حقوق الانسان العالمية، والامني منها والذي اتاح للاجهزة الامنية السورية وتلك المتعاونة معها في لبنان اعتقال المواطنين اللبنانيين اعتباطا والزج بهم في السجون السورية في محاكمات جائرة لا تستقيم مع معايير القانون الدولي، ولا مع اي قانون اخر مختص بعمليات الخطف والاحتجاز القسري.

 وفي هذا الاطار يمكن العودة الى مجموعة كبيرة ومهمة من القرارات الموثقة وابرزها ما كان صدر عن لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة. ومن هذه الاتفاقات ايضا ما يرعى تنظيم الاعلام اللبناني ويحد من حرياته ويشكل مسا بأحد ابرز وجوه تمايز لبنان عن محيطه لجهة ضمان حق التعبير الديموقراطي. والمعاهدة السورية - اللبنانية فرضت قيودا جائرة على الاعلاميين اللبنانيين ومكنت سوريا من فرض الصمت المطبق والرقابة الذاتية على اقلام الاعلام في لبنان.

 

ولا تقتصر سلبيات هذه المعاهدة على الاوجه الامنية والسياسية والاعلامية بل تتعداها الى القطاعات الاقتصادية ومصدر رزق الالاف من العائلات اللبنانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر الاتفاقات التي سمحت بدخول اليد العاملة السورية الى لبنان دون مراعاة حاجات سوق العمل اللبناني والحرفيين اللبنانيين، مما ادى الى هجرة كبيرة بين هؤلاء وتدني مستوى معيشتهم واحوالهم في شكل كبير. وبعض هذه الاتفاقات شكل ضربة كبيرة لمفاصل استراتيجية في الاقتصاد اللبناني مثل اتفاق تقاسم مياه نهر العاصي المجحف بحق لبنان والذي حدّ من استثمار المزارعين اللبنانيين لحوض نهر العاصي الذي ينبع من الاراضي اللبنانية. كما ارخت نتائج المعاهدة بآثارها على تصريف المنتجات الزراعية والحيوانية لأن هذه الاتفاقات لم تلحظ روزنامة واضحة وآلية ديناميكية في التعاطي مع الانتاج اللبناني بما يبعد ضرر المنتجات السورية المستوردة بدءا من انتاج الحليب والبيض الى الزيت والزيتون وغيرها.

 

ثانيا: بادرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى التعامل مع ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية في شكل خجول واكتفت بمتابعة اجتماعات "اللجنة اللبنانية-السورية " المشتركة التي تشكلت خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وكان يفترض ان تؤمن اجابات واضحة عن مصير المعتقلين في سوريا، لكن هذه اللجنة دخلت في دائرة المراوحة والمماطلة السورية بحيث مرّ عامان واكثر على تشكيلها دون ان تتوصل الى حل معضلة واحدة من هذا الملف الانساني الذي يعادل في اهميته اكثر الملفات اللبنانية خطورة لأنه يتصل بحياة المئات. وكان الاجدى بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة ان تعمد الى الانسحاب من هذه اللجنة والتقدم بشكوى امام الامم المتحدة تطلب فتح تحقيق دولي فيها يعادل التحقيق الذي تقوم به الامم المتحدة في شأن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. خصوصا ان هذه المسألة لا تعني طائفة دون اخرى من اللبنانين بل تشملهم جميعا مسيحيين ودروزا وسنة وشيعة.

 

ثالثا: لماذا لم تبادر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى العمل او الحض على طرح مشروع قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل للبنانيين بكل طوائفهم ومناطقهم وخصوصا لدى المجموعات التي تشعر بالتهميش. صحيح ان الحكومة الحالية بادرت الى تشكيل هيئة لإعداد قانون انتخاب برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس والتي بادرت الى اقتراح قانون مركب يجمع بين القضاء والتمثيل النسبي، الا ان الاصح انه كان على الحكومة الاستجابة لمشاعر اللبنانيين وامنياتهم في قانون انتخاب صارم يأخذ في الاعتبار العوامل المجتمعية والديموغرافية دون مراوغة وتحايل على الموضوع. وعلى سبيل المثال كان الاجدى اعتماد نظام الدائرة الفردية المعتمد في ارقى الدول والمجتمعات. وكان من الافضل لو جرى تقسيم لبنان الى وحدات انتخابية تأخذ طبيعة تشكل لبنان الطائفية وعندها لا ضير ان تتمثل الطوائف بمن تختاره كي تحاسبه على ما سيقوم به.

 

رابعا: سمحت حكومة الرئيس السنيورة لمسلسل تهميش المسيحيين واقصائهم عن ادارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها ان يستمر. وكان الاجدى بالمسؤولين الحاليين التعامل مع قضايا مثل مرسوم التجنيس الشهير الذي اخل بالتوازن الديموغرافي في لبنان (400 الف مجنس حسب ما يشاع) بكل جدية وتسليم هذا الملف برمته الى الهيئات القضائية المعنية لإعادة منح الجنسية لمستحقيها فعلا ونزعها عن غير المستحقين. ولبنان ليس الدولة الاولى في ذلك بل سبقتنا دول اوروبية كثيرة الى التهديد بنزع الجنسية عن المخالفين والخارجين عن العدالة او الذين لا يلتزمون قوانين البلد المضيف.