الجمهور المسيحي يتسأل لماذا لا ينتخب رئيس ؟

بقلم/بيار عطاالله

 

الاضراب  في العاصمة وبعض المناطق بقاعا وجنوبا وما رافقه من توترات بسيطة متنقلة، لم يكن الا نقيضه في المناطق المسيحية الممتدة من كفرشيما جنوبا الى زحلة شرقا وبشري شمالا، اضافة الى انحاء جزين والقبيات وغيرها حيث لم تبدي تلك المناطق حماسة ظاهرة لا للقائمين على الاضراب ولا لأهدافهم رغم ان تردي الاحوال المعيشية والاقتصادية والفقر يضرب خبط عشواء دون تمييز بين دين وطائفة ومذهب، ويعاني من عاقبته المسيحيون اكثر من غيرهم بسبب عدم وجود المؤسسات الاجتماعية الفاعلة التي تعمل على التخفيف من اثر الصدمات عليهم.

 

في المناطق المتعارف عليها الشرقية او المسيحية، لم تسجل ضربة كف واحدة، ولولا الاشاعات التي بثها بعض المتحمسين من مسيحيي المعارضة عن امكان قطع الطرق والتهويل بعظائم الامور لظن الناس ان الاضراب في دولة اخرى وعالم اخر. وفي نهاية المطاف فإن رد فعل الجمهور المسيحي او تفاعله مع الدعوة الى الاضراب ليس بعيدا عن المنطق الذي اشار اليه نائب المتن ميشال المر، حين اعتبر ان اهالي المتن حضاريين لا ينزلون الى الشارع لقطع الطرق وحرق الدواليب والاحتجاج على المبادرة العربية، والمر الاب في ذلك انما عبر بصوت عال عما تلهج به الغالبية الساحقة المسيحيين الذين لا يجدون تفسيرا مقنعا لرفض المبادرة العربية التي اقرت بحقوق المسيحيين في الرئاسة الاولى وتاليا المشاركة في السلطة. وايضا لا يجدون سببا مقنعا للتهجم على البطريرك الماروني، كما لا يجدون تفسيرا لقيام المنتمين الى المعارضة المسيحية بتمزيق لافتات تأييد لبكركي رفعت في انحاء عدة من جبل لبنان.

 

المسيحيون ملوا الحروب وخصوصا الداخلية منها اي داخل الصف المسيحي وبين افراد الطائفة الواحدة وحتى الاسرة الواحدة، استنادا الى احد المراسلين الصحافيين العرب، الذي يعتبر ان ان المسيحيين سئموا الشقاقات والحروب الصغيرة ويريدون فعلا سيادة دولة القانون على الاراضي اللبنانية، وبرأيهم ان المدخل الطبيعي لذلك هو انتخاب رئيس للجمهورية يعيد المسيحيين الى موقع الضامن والحكم لبقاء الجمهورية وشعبها.

 

في الدلالة الاولى لفشل الاضراب في المناطق المسيحية وعدم تنكب اي فريق للنزول الى الشارع لصالح الشعارات رئيس الاتحاد العمالي العام، هو الانتشار العادي لقوى الامن الشرعية والذي لم يتجاوز الحدود المعروفة، وفي ذلك دليل على ان المؤسسات العسكرية والامنية انما تدرك ان لا اخطار على السلم والاستقرار متأتية من الجمهور المسيحي. فقد فتحت المدارس ابوابها والمصارف وكل المؤسسات الخاصة والعامة دون استثناء، وفي ذلك دليل حاسم ان الجمهور المسيحي في واد وقياداته في وادي  اخر، وان موقف النائب ميشال المر هو التعبير الاصح عن "الكيل الذي طفح" لدى المسيحيين من محاولة اسقاط مواقف ملتبسة عليهم، ذلك ان الملاحظات الكثيرة والانتقادات التي يسوقها الجمهور المسيحي ضد "تسلط الحكومة وهيمنتها" توازي ايضا علامات الشك الكبيرة التي يرسمها الجمهور المسيحي حول صدق نوايا المعارضة وعرقلتها انتخاب قائد الجيش رئيسا اضافة الى التوجس الدائم من عدم التسليم بمنطق المساواة امام القانون وما يشاع عن بناء الدويلة على حساب الدولة اضافة الى مواضيع شراء الاراضي وغيرها.   

 

وافضل توصيف للرغبة المسيحية العارمة في العودة الى المعادلة السياسية الوطنية هي تلك اللافتات والصور التي ارتفعت في ارجاء جبل لبنان وبيروت، وكان ابلغها عند ساحة ساسين، على مقربة من النصب التذكاري للرئيس المنتخب بشير الجميل حيث رفعت صورة كبيرة للبطريرك الماروني مرتديا ثيابه الحبرية، الى صورة اخرى كبيرة للعماد ميشال سليمان على بناء مقابل، وليس هناك اثمن لدى الجمهور المسيحي المسيس من هذا الثالوث :"البطريركية المارونية، رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش" وهي كل ما تبقى لهم بعد مآثرة اتفاق الطائف، لذلك بدا التعرض للصرح البطريركي مستهجنا جدا لزعيم ارثوذكسي في حجم ميشال المر، الذي اعتبر الامر معيبا ومهينا لكل المسيحيين. والمر في ذلك ايضا انما يواكب النبض الشعبي المستاء من التطاول على البطريرك صفير. والذي تجسد صورا ولافتات عشوائية مؤيدة لبكركي ابتداء من الاشرفية الارثوذكسية في قلب بيروت وصولا الى المتن وبرج حمود والكرنتينا والكثير غيرها من المناطق .

 

وتختصر لافتة رفعت عن جسر المشاة في الكرنتينا كتب عليها: "علينا ان ندرك كمسيحيين ان اي اهتزاز لبكركي هو اهتزاز للكيان اللبناني"، كل المشكلة التي تحدث عنها النائب ميشال المر، لجهة عدم فهم غالبية المسيحيين للتعرض لبكركي اولا ولعرقلة انتخاب العماد ميشال سليمان  الذي يعتبرونه "آدميا زيادة عن اللزوم" وان "عليه ان يضرب بيد قوية ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع".

 

في منطقة المتن توزعت اللافتات موقعة بإسم الاهالي والفاعليات من دون الاحزاب، وفي ذلك ذكاء من معديها لأن السكان هناك لا يستسيغون الاحزاب كثيرا ويدينون بغالبيتهم الساحقة بالولاء للزعامات التقليدية المتنية. والامور في المتن لا تحتاج الى استفتاءات غب الطلب ولا الى نتائج انتخابات طالبية مثيرة للجدل يتنازع الفوز عليها هذا او ذاك، بل الاصح ان مواقف جمهور المسيحيين تتاثر الى درجة كبيرة بالزعامات التقليدية المسيطرة في مناطقها اضافة الى الاحزاب التاريخية وبالموقف من الكنيسة ومدى التواصل معها. وما قامت به الشخصيات المسيحية المنضوية تحت لواء المعارضة خلال الايام الاخيرة من تعرض للبطريرك اضافة الى وضع العراقيل امام انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا انما ادى الى تحول قوى المعارضة هذه الى مجرد دوائر حزبية ضيقة تقيم مسافة بينها وبين جمهورها الذي تدعي تمثيله.    وتاليا فإن السؤال هو عن مدى قدرة هذه القوى على النزول الى الشارع في ساعة الصفر التي يجري التلويح بها ومدى قدرتها على تنفيذ هذا التهديد في مواجهة الجمهور المسيحي الواسع المؤيد لبكركي ولانتخاب العماد سليمان.

 

بيروت في 26/1/2008