الأهالي يؤكدون ثقتهم بالجيش وقوى الأمن في عين الرمانة: "تحبل عند غيرنا وتلد عندنا" !

بيار عطاالله: النهار

29 كانون الثاني 2008

 

لا تعرف منطقة عين الرمانة – الشياح – فرن الشباك التيار الكهربائي الا في ما ندر، ولو اراد الاهالي هناك التظاهر للمطالبة بحصتهم من الطاقة الثمينة لأمضوا ايامهم ولياليهم في الشارع احتجاجا، ولاستلزمهم الامر كميات ضخمة من الاطارات لإحراقها في اعمال قطع الطرق، لكن الاهالي في تلك المنطقة التي اصطلح على تسميتها "مثلث الصمود" في الحرب الطويلة لا يستسيغون الإضرابات والاعتصامات ولا قطع الطرق، بل يعيشون بهدوء في بيوتهم المتواضعة في انتظار ان يلهم الله القابضين على مصير لبنان من الزعماء حل قضاياه المعقدة.

 

امس كانت احياء المثلث هادئة فيما انتشرت وحدات الجيش بكثافة في المنطقة. ورغم مظاهر التوتر البادية على الوجوه، انصرف الاهالي الى اعمالهم العادية، وفتحت المتاجر ابوابها وباعة الخضر ومختلف المحال ايضا، وعند السؤال عن الاحوال وما جرى ليل الاحد – الاثنين، كانت الاجابات تجتمع على عنوان واحد: "يريدوننا فشة خلق ومكسر عصا، والا ما معنى الكلام الذي اذاعه بعض وسائل الاعلام عن نية اقتحام عين الرمانة".

 

في عين الرمانة يشرح الاهالي ان لديهم اسبابا كثيرة تدعوهم للنزول الى الشارع، وهي مطالب رئيسية تتصل بالحرية والوجود والعيش الكريم. وهي في رأيهم اكثر اهمية من قطع التيار الكهربائي، لكنهم يستنكفون عن ذلك ضنّاً بما تبقى من سلم اهلي ومؤسسات، وعلى امل ان تصطلح الامور بالحسنى.

 

شريط الاحداث

 الاحد كان عاديا جدا في الضاحية الجنوبية المسيحية، حيث كان دخان الشواء يتصاعد من الشرفات والحياة تسير رتيبة في انتظار مباراة موعودة في كرة السلة بين فريقين محليين. وفجأة اطل على الشاشة الصغيرة صوتاً وصورة ذلك الملحق الاخباري المنذر بالشر دائما، ومعه المذيعة التي نقلت خبر اقدام متظاهرين على قطع الطرق بالاطارات المشتعلة قرب كنيسة مار مخايل احتجاجا على ما قالت المذيعة انه قطع للتيار الكهربائي عن الضاحية. ومع تقدم الوقت اخذت الاخبار ترد تباعا عن مواجهات تحصل وسقوط قتلى وجرحى. وسارع الاهالي الى ملازمة بيوتهم لانها ليست المرة الاولى التي "تحبل عند غيرنا وتلد عندنا" على ما قال احد الظرفاء منهم، خصوصا بعدما اخذت محطات تلفزيونية معينة تنشر اخبار عن قناصة على اسطح الابنية وما الى ذلك من اخبار يقر الاهالي على انها ملفقة ومفبركة". الانتشار المسلح الوحيد في عين الرمانة كان لوحدات الجيش وقوى الامن الداخلي اذ انتشرت باعداد كبيرة على امتداد خط التماس القديم الفاصل بين المنطقتين، من مستديرة الطيونة الى تقاطع مار مخايل.

 

لكن "ساعة التخلي" كانت عندما انسحبت وحدة من الجيش من شارع بكاسيني لسبب ما، فتمكن عند ذلك العشرات من راكبي الدراجات من التسلل عبر طريق صيدا القديمة الى طرف عين الرمانة والقوا جسما متفجرا لا يزال الاهالي يختلفون على تحديد نوعيته، رغم "خبرتهم" في الحروب اللبنانية. وفي حين يصر عدد من الاهالي على ان الدراجين القوا قنبلة تسببت بجرح شبان المحلة الذين هرعوا للتصدي "للمتسللين"، يتمسك آخرون بأن الانفجار ناجم عن قذيفة  "إينيرغا" اطلقت من بندقية حربية. لكن الروايات تتفق على ان شبان المحلة لم يكونوا مسلحين، في حين ان المهاجمين كانوا يحملون العصي والمواد الحارقة في شكل علني، اضافة الى راياتهم الحزبية. وانتهى الاشتباك القصير مع وصول وحدات الجيش على عجل وسقوط سبعة جرحى.

 

لا سلاح

 يتهكم الاهالي في عين الرمانة – الشياح – فرن الشباك على وسائل الاعلام التي تحدثت عن انتشار مسلح في مناطقهم، ويقولون ان لا سلاح لديهم بعدما عمد نظام الوصاية الى انتزاع كل ما توافر من سلاح ثقيل ومتوسط وخفيف لدى المسيحيين، ولم يتبق الا اسلحة الصيد لدى هواة تلك الرياضة وهم قلة. اما موجات التسلح التي جرى الكلام عنها فلم يكن للضاحية المسيحية منها شيء. والاهالي الذين انهكتهم الازمات المعيشية واقساط المدارس، يفضلون انفاق ما يتوافر لهم من الليرات على تعليم اولادهم او تسديد كمبيالات الديون المتراكمة الى المصارف، وما الى ذلك من متاع الدنيا البسيطة. اما الشؤون الامنية والعسكرية فهي ليست من اختصاصهم وهم اوكلوا امرهم الى الله والجيش الحاميين الوحيدين للأهالي، بعد انهيار كل السلطات.

 

ويؤكد مسؤول حزبي ان "اهالي الضاحية المسيحية لم يتوجهوا صوب احد، ولم يفكروا اصلا في ذلك، والاصح ان ما جرى كان محاولة شريرة لجر المنطقة برمتها الى مشروع فتنة". ويجزم "ان الاهالي برهنوا روح مسؤولية عالية بالتزام منازلهم وعدم النزول الى الشارع دفاعا عن ارزاقهم، خصوصا عندما اقدم المشاغبون على حرق السيارات وتحطيمها". ويكشف ان "اوامر مختلف القيادات الحزبية المسيحية كانت التزام البيوت وترك الامور للجيش، اما الصور التي نشرها احد الاحزاب المعارضة مدعيا انها لمسلحين في عين الرمانة، فقال المسؤول الحزبي "انها مجرد تركيبات على شاكلة الصورة التي نشرت سابقا عن مسلحين عند نفق نهر الكلب خلال احداث "الثلثاء الاسود" العام الفائت وثبت بطلانها لاحقا".

 

اقصى ما استطاع اهالي عين الرمانة الحصول عليه من اجابات عما تعرضوا له من تهديد واعتداء على امنهم، كان المزيد من الاتهامات التي نشرتها وسائل اعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة كانت الاشارة الى نية "الشباب اقتحام عين الرمانة"، وكأن تلك المنطقة هي البيت الابيض الاميركي او مقر مؤسسة الكهرباء ومحطات توليد الطاقة الكهربائية المفترض انها انقطعت عن احياء الضاحية الجنوبية وكانت سببا للتحركات الاحتجاجية.