الاخوة الاعداء

بقلم/الصحافي بيار عطاالله

طرفان قادا حركة الجاليات اللبنانية في العالم: هما "التيار الوطني" و "القوات اللبنانية" والى جانبهما احزاب اقل شعبية. واذا كانت "القوات" قد انضمت متأخرة الى "حركة المقاومة" بعد اعتقال قائدها سمير جعجع والزج به في السجن، الا ان انصار التيار كانوا سباقين في فرنسا الى المبادرة في الاعتراض على كل المنظومة التي فرضها السوريون على لبنان اعتبارا من 13 تشرين الاول 1990.

 

ما كانت "مقاومة الاغتراب" اللبناني لتثمر في فرنسا واوروبا لولا شخصين : العوني سيمون ابي رميا والقواتي الياس براغيد، مغتربان قسرا في فرنسا جمعهما القهر والغضب ورفض الوضع القائم والاحتلال السوري فكان ان عملا معا من اجل الحرية والسيادة الاستقلال واقتبسوا  تجارب المعارضات الاخرى اللاجئة الى العاصمة الفرنسية تظاهرات واعتصامات وبيانات دورية وشبه يومية وزيارات متكررة الى وزارة الخارجية الفرنسية والمؤسسات الاوروبية المعنية بلبنان وفي طليعتها منظمات حقوق الانسان. وكلما كانت الاوضاع تسؤ في لبنان كان ابناء الجالية على دعوة مفتوحة من "التيار" و"القوات" للتظاهر والاعتصام عند ساحة حقوق في التروكاديرو او امام وزارة الخارجية الفرنسية.

 

كان تحرك العونيين بداية قويا وهادرا مع عظم مآساة الاجتياح السوري العام 1990 وما رافقها من بطش وتنكيل وكانت التظاهرات تجمع الالاف، ولكن مع امساك السوريين بالوضع اخذت الجماهير تنفك  شيئا فشيئا ولم يتبقى الا نواة صلبة من بضع عشرات من المناضلين اخذوا على عاتقهم النهوض بكل اعباء التحرك في العاصمة الفرنسية. اما القواتيون فقد واجهوا تفككا في حالتهم التنظيمية بداية، بسبب اشكالية الموافقة على اتفاق الطائف ام رفضه، وحسم الامر بعد اعتقال سمير جعجع، لصالح تيار المواجهة فأنتقلت التشكيلات الاغترابية القواتية من مهادنة سلطة الطائف الى حركة الاحتجاج عليها وعلى راعيها السوري، وهنا اجتمع الطرفان العوني والقواتي قوتان شعبيتان في الاغتراب للمطالبة بما اصطلح على تسميته "الحرية والسيادة والاستقلال".

 

شخصان فقط

الياس براغيد عاد الى لبنان مع اطلاق الدكتور سمير جعجع، وسيمون ابي رميا مع العماد ميشال عون على متن الطائرة نفسها. وبعد صداقة طويلة ونضال مشترك بينهما طيلة 15 عاما هي عمر الاحتلال السوري المباشر للبنان.  اصبح ابي رميا وبراغيد في خنادق متقابلة والوعد بالبقاء معا بعد التحرير اصبح سرابا. انها ما يصفه الادب العربي بكلمتين الاخوة الاعداء.

 

مسؤول "التجمع من اجل لبنان" (العوني) سيمون ابي رميا من بلدة اهمج في جبيل من عائلة مؤيدة للعميد ريمون اده تاريخيا، حيث يولد المرء معه راية التأييد للكتلة الوطنية. لكن سيمون ابي رميا اختار ميشال عون رغم انه استمر صديقا للعميد حتى اخر ايامه. ومن مقاعد الدراسة الى ادارة الاعمال في فرنسا صرف ابي رميا اكثر وقته على دعم القضية اللبنانية، وبعد اقتحام السفارة اللبنانية اثر الاجتياح السوري، ابي رميا عن زيارة اهله في لبنان بعدما تعميم اسمه مع 30 شابا وفتاة على المخافر والحدود اللبنانية بتهمة التحريض ضد الدولة اللبنانية. ورغم كل هذه التدابير، الا ان الاجهزة عمدت الى اعتقال المرحوم والده بهدف التأثير على نشاطات ابنه المقيم في فرنسا، ولكن عبثا فلقد استمر العمل قائما ضد السوريين والطائف، ونجح ابي رميا بفضل دماثة خلقه في تنظيم التجمعات العونية المتفرقة في حركة واحدة اطلق عليها اسم "التجمع من اجل لبنان". كما نجح بفضل علاقاته القوية التي نسجها مع مختلف الاحزاب والقوى الفرنسية في دفع "القضية اللبنانية" مرات عدة الى الامام في مختلف المحافل الفرنسية الامر الذي اثار حسد كثر من العونيين الطامحين والوصوليين فكالوا له الاتهامات وحاولوا عبثا التشويش عليه.

 

مسؤول "القوات" الياس براغيد من منطقة انطلياس في المتن، لم يحيد عن خط "القوات" رغم كل ما جرى. درس براغيد المحاماة في العاصمة الفرنسية وتخصص في القانون الدولي وعمل لدى اكبر المكاتب الفرنسية واشهرها، لكن النجاح لم يدفعه الى مغادرة الالتزام بل زاده التصاقا بمشروع "القوات" الى درجة الذوبان في كل ما تراه القوات وتعمل له. وعندما اختار بعض قادة القوات حل الحزب والانصراف الى بيوتهم بعد اعتقال جعجع، تصدى لهم براغيد في فرنسا اولا واوروبا ثانيا وامسك بزمام الامور واعاد بناء التنظيم القواتي بطريقة حديدية لا مجال لأي اختراق فيها، وكل ذلك على حساب صحته وعائلته.

التحالف في فرنسا

 

بين نضالية ابي رميا وطوباوية براغيد امكن للتحالف بين القوات والعونيين في فرنسا ان ينطلق بخطى صلبة رغم تذمر بعض الحاقدين والانتهازيين من الجانبين. وبلغت ذروة التحرك المشترك بين الجانبين اثناء زيارة الرئيس اميل لحود الى فرنسا، حينها اجتمع انصار القوات اللبنانية والتيار العوني معا عند ساحة تروكاديرو بكل اعلامهم وشعاراتهم وصخبهم ومعهم لبنانيون عاديون من كل الطوائف تحت شعارات منها :"لحود عليك ان تختار بين سوريا ولبنان"، "بلاد الارز تحت الاحتلال" و"  “Pas De liberty, ni de Paix, sans soverainetyواعتلى ابي رميا وبراغيد المنبر تحوطهما اعلام القوات وشعارات التيار واطلقا كل ما كان يعتمر في نفوس محازبيهما والرأي العام من رفض للاحتلال السوري والنظام الموالي له في بيروت .

 

مدة قليلة قبل محاولة اغتيال النائب والوزير مروان حماده، وبعدما بدا واضحا ان الهيمنة السورية على لبنان الى زوال، نشطت الاجتماعات بين العونيين والقواتيين في دير راهبات في العاصمة الفرنسية وافضت الى ارساء كثير من التفاهمات بين الجانبين على السيادة والحرية والاستقلال، ولكن كل ذلك اصبح من الماضي والجانبان منصرفان الى حفر الخنادق بالمعنى المجازي استعدادا للمنازلة الكبرى.

 

في المرويات ان الجدل البيزنطي استمر قويا وعنيفا بين اهل القسطنطينية حول جنس الملائكة ومسائل عقائدية ولاهوتية معقدة في الوقت الذي كانت قوات بني عثمان تشدد الحصار على المدينة وتطبق عليها. وفي المرويات ايضا ان اهل القسطنطينية اتفقوا في الليلة الاخيرة على حل خلافاتهم وذهبوا معا الى كنيسة آيا صوفيا للصلاة المشتركة، ولكن جيوش بني عثمان كانت قد تمكنت من دخول المدينة وقضت على مقاومتها ولم يعد مهما اقامة الصلاة المشتركة ولا جنس الملائكة.

  7/11/2006