بين بطريرك الارثوذكس و"بطريرك البعث السوري" ؟

جهاد عون

Alkalimaonline.com

 

كان لافتاً غياب بطريرك انطاكية وسائر المشرق لطائفة الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم عن الاستقبال الاحتفالي الذي اعدته القيادة السورية ل النائب ميشال عون الذي لم يجد عند زيارته الى مقر البطريركية الارثوذكسية في دمشق الا مجموعة من المطارنة الذين احسنوا وفادته كما يليق بأصول استقبال كل ضيف زائر لمقر البطريركية التاريخي في دمشق.

 

وبالطبع، لم يفت النائب عون ان يلاحظ هذا الامر وهو اسر الى احد الصحافيين  الذين رافقوه بمكنونات قلبه عتباً كبيراً على البطريرك هزيم الذي لم يخف الى استقباله ربما والتهليل له اسوة بما فعل اخرون. لكن من يعرف البطريرك الثمانيني والذي اشتهرت عنه المواقف الصلبة في وجه كل محاولات المس بالمسيحيين ومؤسساتهم الكنسية وثوابتهم التاريخية، وصاحب القول الأشهر :"نحن الاصيلون في هذا الشرق". ومن عرف البطريرك هزيم يعلم جيداً ان احداً لا يستطيع التأثير على قراراته الا العناية الالهية التي سلمها امره وامر شعبه في لبنان الذي يرنو اليه في كل مناسبة على امل ان يترسخ السلام بين ابناء شعبه ويستمر ويزدهر.

 

للبطريرك اسبابه المعلنة او المباشرة لعدم المشاركة في همروجة عون فهو كان منهمكاً اثناء زيارة جنرال الرابية في التحضير للاجتماع الدوري لمجلس امناء جامعة البلمند وما يتضمنه من شؤون اكاديمية وطالبية وعمرانية وخلافها من مسائل تنظيمية. ولم يكن هناك من داع او سبب في رأيه للاخلال بموعد هذا الاجتماع المهم المتفق عليه منذ مدة طويلة وهو ادرج على جدول الاعمال التنفيذي لمجلس الامناء قبل مدة طويلة.

 

لكن الاهم وحسب العارفين ان للبطريرك هزيم رؤياه الخاصة لما جرى اثناء زيارة عون في سوريا. اول هذه المسائل ان البطريرك هزيم يكن احتراماً كبيراً ومودة لا توصف لبطريرك الموارنة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ولا يقبل اي مساس او تطاول على مقام بكركي التي يوليها ثقته الكاملة وتأييده الشامل لمواقفها التي يعتبرها حصناً حريزاً للبنان الواحد وللمسيحيين فيه. وما رفضه البطريرك هزيم من تطاول على بكركي وسيدها ومقامها ابان الوصاية البعثية والهمينة السورية المديدة على لبنان وما تخللها من حملات على رأس الكنيسة المارونية لن يقبله اليوم بأي شكل من الاشكال وخصوصاً ذلك الادعاء التافه والهتاف المبتذل لجنرال الرابية وتنصيبه بطريركاً بعثياً على المسيحيين في لبنان والشرق.

 

ودائماً حسب المهتمين بشؤون الارثوذكس فإن للبطريرك هزيم رؤيا اشمل واعمق للدور المسيحي في الشرق تتجاوز حسابات عون الانتخابية ومشاريعه السلطوية، وبطريرك الارثوذكس المحنك والذي عرف تعاقب العهود والرئاسات ومختلف الازمنة يعلم ان مصلحة المسيحيين في الشرق لا تكون بالانخراط في سياسات المحاور بل في السياسة الوطنية الشاملة والانفتاح على جميع مكونات المجتمعات العربية والدولية، دون تمييز او تفرقة وان من الاجدى لهم التركيز على سياسة الاعتدال والوسطية والابتعاد عن المواقف النارية المتطرفة. وفي هذا الاطار يذكر المتابعون لمواقف البطريرك هزيم انه يملك نظرة او رؤيا الى دور لبنان في محيطه هي اقرب الى الرؤيا الوطنية المتكاملة بعيداً عن افكار عون وتشوشاته وتقلباته التي ارتدت سلباً على لبنان والمسيحيين في كثير من المحطات.

 

يقول فيلسوف الارثوذكسية مطران جبل لبنان جورج خضر في احدى مقالاته :"اننا في الارثوذكسية لنا طائفة بالمعنى اللبناني، اي لسنا جزءاً من كل، ولسنا زنبرك في هذه الماكينة اللبنانية الساخرة. نحن قوم لله، ونحن لنا مذهبنا في الحياة والملكوت وفي الرب وفي الانسان ونحن في الوطن منصهرون بالناس جميعاً (...)".

 

15/12/2008