نقابة الاطباء والجامعات عينة مزاج الرأي العام المسيحي

خطاب نصرالله حشد الدعم لمسيحيي 14 اذار

 

بقلم/بيار عطاالله

 

عندما ذهب العماد ميشال عون من منفاه الفرنسي الى الولايات المتحدة الاميركية للادلاء بشهادته امام احدى اللجان الفرعية في الكونغرس عن موضوع "قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان". كان زعيم "التيار الوطني الحر" يحمل في جعبته 25 الفا من اصوات الناخبين، هي محصلة الانتخابات الفرعية في بعبدا - عالية التي ادت الى هزيمة مرشحه حكمت ديب في مواجهة النائب هنري فرعون، لكنها اثبتت للرأي العام المحلي والعربي والعالمي وخصوصا الاميركي ان ميشال عون ليس حميد قرضاي لبنان, وبمعنى اخر  ان القضية التي طالب بها العماد المنفي ليست يتيمة بل تحظى بتأييد شعبي واسع ولها انصارها ومؤيدوها وهو ليس تاليا مثل الرئيس الافغاني الذي احضره الاميركيون من خارج افغانستان ونصبوه حاكما على بلاده.

 

ومن دون ريب فان النائب العماد ميشال عون كان ليفخر امس لو تمكن اثناء الاجتماع مع وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير ومساعديه من ابراز فوز انتخابي كان "التيار العوني" عمل على تحقيقه في انتخابات نقابة الاطباء، التي ادت الى انتصار كامل لتحالف "قوى 14 اذار" عموما ومسيحيي هذا الفريق خصوصا وفي مقدمهم حزبا الكتائب اللبنانية و"القوات" المنافسان اللدودان للتيار على الساحة المسيحية.

 

من انتخابات نقابة الاطباء الى انتخابات الجامعات والمعاهد والمدارس تبدو احوال الرأي العام المسيحي الى تبدل عما كانت عليه العام 2005 تاريخ اجراء الانتخابات النيابية. عندما بايع المسيحيون العماد ميشال عون الزعامة ومنحوه وكالة للتصرف بما يضمن حاضرهم ومستقبلهم. وانتخبوه نائبا عن كسروان وجبيل عقر دار الموارنة، واصبح رئيسا لكتلة نيابية حصدت اصوات غالبية المسيحيين في كل انحاء لبنان على قاعدة استعادة الحضور المسيحي في مؤسسات الدولة والكيان اللبناني بعد تهميش استمر 15 عاما.

 

ولمدة لا بأس بها تحول العماد الى ساحر للجماهير المسيحية ومحط امالها وخصوصا في دور الممانعة لمشاريع الطوائف الاخرى الطامعة بتعزيز مواقعها في بنى الدولة على حساب المسيحيين فقط دون غيرهم. وكانت اطلالته الاولى عبر منبر مجلس النواب اكثر من موفقة لجهة الكلام عن المحرمات التي امتنع السياسيون المسيحيون عن الخوض فيها منذ زمن طويل جدا. ولم يوفر عون في اطلالته اليتيمة تلك ايا من المواضيع السيادية التي يلهج بها المسيحيون مثل قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية واللبنانيين المبعدين الى اسرائيل واستخدم القائد السابق للجيش كل لهجته العسكرية الحازمة وحصد مزيدا من التأييد له بين كل اللبنانيين، وتهاوت النقابات والجامعات والاتحادات والقرى والبلدات امام زحف "التيار الوطني" الذي لم يترك دسكرة الا وافتتح له مركزا فيها.

 

فما الذي تغير حتى تمكن "تحالف 14 اذار" من الفوز على "التيار" وحلفائه بنسبة 2 الى 1 في نقابة الاطباء والتي يفترض انها عينة مختارة من المجتمع اللبناني يشكل المسيحيون نسبة مرتفعة من اعضائها. واذا كان غالبية الناخبين الشيعة قد منحوا اصواتهم ل "حزب الله" و "حركة أمل" وجزء من الناخبين السنة قد اقترعوا لمصلحة مرشح "الاحباش" فمن الواضح ان غالبية اصوات الناخبين المسيحيين صبت لمصلحة مرشح "14 اذار" وخصوصا بعدما سرت الشائعة ان مرشح المعارضة الى مركز النقيب مدعوم من "حركة امل" و "حزب الله".  

 

ثمة امور لا يستسيغها الرأي العام المسيحي في خيارات "التيار العوني" السياسية لا الوطنية، فالمسيحيون واللبنانيون لا يستطيعون التنكر لما قام به التيار من مقاومة للنظام الامني السوري-اللبناني طيلة 15 عاما، وما قدمه من تضحيات، لكن من الواضح ان المسيحيين لا يوافقون "التيار" على سياسته حاليا، والذي يرى زعيمه النائب ميشال عون ان على القائد ان يكون رؤيويا ويمارس موهبة القيادة ويتحمل مسؤولية قراره امام تابعيه الذين عليهم السير في ما تقرره القيادة. وهذا ايضا من الامور التي لا يستسيغها الرأي العام المسيحي في لبنان والذي لا تزال ذكرى انتفاضته على الرئيس فؤاد شهاب، او ما عرف بالحلف الثلاثي مشهورة وحية في اذهان الكثيرين. ومنذ مدة قام اللواء عصام ابو جمرة (الرجل الثاني في التيار) بتذكير جمهور كبير من المستمعين الى محاضرة له في كسروان بواقعة الحلف الثلاثي و "استدارة تمثال السيدة العذراء في حريصا".

 

المتابع لشؤون الرأي العام المسيحي في لبنان يعلم جيدا ان خيارات هذه الجماعة ليست كثيرة فهي تكاد تكون محصورة في العيش الحر والكريم والمزدهر واحترام تعددية المجتمع اللبناني والانفتاح على الاخر بكل ما تعنيه الكلمة، او على الطريقة الاميركية: "دعه يعمل، دعه يعيش"، ولكن بحرية وكرامة. والمسيحيون ومهما تعددت انتماءاتهم لا يمكنهم السكوت عن ثوابت اساسية تتصل بأسس قيام الكيان اللبناني في احترام السيادة ومؤسسات الدولة وعقد التوافق بين اللبنانيين. وقد تكون ما شهدته انتخابات نقابة اطباء لبنان امس الاول، من فوز كامل لتحالف قوى 14 اذار ومسيحيي هذا التحالف، هو النتيجة الاولى المباشرة لخطاب السيد حسن نصرالله في ذكرى تحرير الجنوب. فالمسيحيون ايقنوا جيدا ان مؤسسات الدولة هي حصنهم الاخير وملاذهم والقاسم المشترك الذي يجمعهم مع كل مواطنيهم الاخرين الساعين الى قيام الدولة بعيدا عن الامارات والكانتونات المغلقة والمربعات والجزر الامنية.

 

يدرك المسيحيون ونخبهم الثمن الكبير الذي دفعوه جراء انهيار الجيش وشرذمته عند بداية الحرب على لبنان، ويعلمون ان سقوط الجيش يعني القضاء عليهم بواسطة الاصوليين. لذلك كان وقع كلام أمين عام "حزب الله" عليهم سيئا جدا رغم كل الحجج التي ساقها اركان "التيار العوني" لتبرير موقف حليفهم، وعلى الارجح فأن قسما لا بأس به من كتلة ناخبي "التيار" في نقابة الاطباء ( 800 طبيب ) اقترعت خلافا لتوجيهات مسؤوليهم، والا فما هو تبرير هذا التفاوت الكبير في الاصوات ومن اين اتى النقيب جورج أفتيموس  بهذا الحشد!    

 

انتخابات نقابة الاطباء والجامعات نموذج لتبدل مزاج الرأي العام المسيحي، فهل ينتبه المعنيون الى ذلك؟

 

28 أيار 2007