سلاح للفيديرالية !

بقلم/بيار عطاالله

 

في 30 كانون الثاني الماضي نشرت "السفير" استطلاعا للرأي شمل عينة 24220 شخصا، وتركز على سؤال: "ما هو برأيك الاسلوب الاكثر فعالية للخروج من الازمة الحالية في لبنان؟".

 

جاءت النتائج على الشكل الآتي: 20 في المئة ايدوا العودة الى الحوار، 16 في المئة اعلنوا انهم مع التصعيد في الشارع، 6 في المئة اعربوا عن رغبتهم في تحريك المبادرة العربية. اما النتيجة الابرز فكانت اعلان 55 في المئة ان الحل الاكثر فاعلية للخروج من الازمة هو تقسيم لبنان الى فيديراليات طائفية .

 

شكل الاستطلاع صدمة كبيرة للبعض، نتيجة هذا الموقف العلني غير المسبوق الذي ذهبت اليه اكثرية هذه العينة الكبيرة من الذين شملهم الاستطلاع: تأييد الفيدرالية، بعدما كانت المناداة بها حكرا على مجموعات معينة غالبا ما كانت مسيحية لم تكن تصرح عن مشاعرها الا سرا وفي المحافل المغلقة. لكن اتساع حلقة المنادين بالحل الفيديرالي الى اكثر من نصف المستطلعين يعني ان الامر لم يعد حكرا على مجموعات مسيحية صرفة بل تجاوزها الى الجماعات اللبنانية الاخرى من سنة وشيعة ودروز وعلويين.

 

ليست الامور بهذه السهولة، فأتفاق اكثرية اللبنانيين على رفض الاحتلالات الاجنبية ومساندتهم المقاومة في مواجهة اسرائيل العام 2000 ، ونزولهم الى الشارع في 14 اذار 2005 ، تعبير كبير عن رفض الاكثرية لمنطق استلحاق لبنان واستبباعه لصالح مشاريع الهيمنة البعثية والاسرائيلية، وهذا ما تحقق للبنانيين مع انسحاب جيشي الاحتلال السوري الاسرائيلي.

 

وكان الاجماع الكبير على تأكيد التعايش المشترك والاصرار الذي لا زال يتكرر على حرية لبنان واستقلاله. لكن رفض التنظيمات الفلسطينية المسلحة تسليم سلاحها الى الجيش اللبناني معطوفا على رفض "حزب الله" تسليم سلاحه وحل ميليشياته ومنطق الهيمنة في موازاة رفض الاكثرية الساحقة العودة الى منطق الحرب الاهلية، يدفع الكثير من اللبنانيين الى التفكير في حل هادئ ودستوري يجنب لبنان الصراعات الدموية ويحفظ حقوق كل المجموعات اللبنانية في التعايش معا بسلام على ارض لبنان. وكما قال الاباتي بولس نعمان مرة فأن رفض "حزب الله" تسليم سلاحه والانضواء في مشروع الدولة يدفع الامور في اتجاه حل فيديرالي خصوصا متى اراد المسيحي والدرزي والسني الاحتفاظ بسلاحهم وبناء تشكيلاتهم العسكرية الخاصة بهم.

 

الباحث في الشؤون اللبنانية يدرك بسرعة ان احدا لا يريد تقسيم لبنان في وقت يبحث فيه القبارصة اليونانيون والاتراك معا سبل اعادة جمع شمل الجزيرة المقسمة. ومن الواضح ان الجميع يريد لبنان وطنا نهائيا للعيش معا. لكن المشكلة ان رفض القبول بمنطق الدولة والجيش الوطني الواحد والاصرار على التفرد والهيمنة على القرارات وفرض الرأي الواحد بذريعة تفوق ديموغرافي لم تثبت صحته علميا ولا احصائيا، انما زرع الكثير من الشك في اكثر النفوس ايمانا بالدولة المركزية، الى حد اصبح معه بيع قطعة ارض او بناء مجمع سكني او تجاري في منطقة معينة، مشروعا يثير الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات لدى الجماعات المكونة للنسيج الاجتماعي التعددي اللبناني.

 

ليست الفيديرالية حلا لمشكلات لبنان، بل النظام المركزي الديموقراطي الذي يقوم على حرية الانتخاب الشعبي، والذي يجمع في مؤسسات الدولة التنفيذية بين اللامركزية الادارية والتوجه الانمائي الشامل على كافة الصعد بدءا من العاصمة المركزية وصولا الى اخر الاطراف في الجمهورية، على مثال الدولة الفرنسية. لكن ما يفرقنا عن الفرنسيين انهم وقفوا جميعا في الصف وسلموا جميعا سلاح احزاب "المقاومة الفرنسية" الديغولية والشيوعية والاشتركية الى الدولة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يحتفظ اي حزب بسلاحه لا في الباسك ولا البروتون ولا حتى في كاتالونيا المجاورة لأسبانيا، وقرروا جميعا تسليم امرهم الى الدولة الفرنسية التي تحولت الحكم العادل.

 

 55%  من اصل عينة شملت 24220 لبنانيا اعتبروا الحل في الفديرالية مسألة مهمة جدا، وتؤشر الى ما يعتمر في نفوس "شعب لبنان العظيم" من ازمات ورؤية لمستقبل وطنه وآليات التعايش المشترك في مجتمع تعددي.

 

8 شباط 2007