ماذا احجم المسيحيون عن المشاركة الكثيفة في اعتصام المعارضة؟

المسيحيون يريدون الشراكة ولكنهم مع السيادة وتثبيت الدولة

بقلم/بيار عطاالله

 

يستمر الحضور المسيحي خجولا في الاعتصام الذي تنظمه قوى المعارضة وعلى رأسها  "حزب الله"، اما الخمسة الاف من انصار "التيار الوطني الحر" و "المردة" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذين شاركوا الاحد في قداس كاتدرائية مار جرجس المارونية، فقد عادوا الى منازلهم واشغالهم وحياتهم اليومية وتركوا همّ الاعتصام الى مجموعات من الطلاب الملتزمين. لكن السؤال المطروح، هو لماذا لم ينجح "التيار الوطني الحر" الذي حاز على 70 في المئة من اصوات الناخبين المسيحيين في دفع نصفهم او ثلثهم الى ساحة الاعتصام ؟ وما هي التحولات التي جرت لدى الرأي العام المسيحي وادت الى احجام الغالبية الساحقة من المسيحيين عن المشاركة في الاعتصام ضد الحكومة، رغم ان طلب المشاركة في السلطة يكاد ان يكون على كل شفة ولسان بين جمهور المسيحيين، الذين يعتبرون ان من حقهم العودة الى ممارسة شراكتهم الفعلية في مؤسسات الدولة اللبنانية، بعدما اقصاهم عنها النظام السوري بالقوة والقمع منذ 13 تشرين الاول 1990، وزور تمثيلهم السياسي والنيابي وصادر حقوقهم وفرض ما يلائمه عليهم.

 

الاسباب كثيرة حسب احد خبراء علم الاجتماع الحياديين، لكن الاكيد ان الرأي العام المسيحي في لبنان يمتلك حرية القرار والرؤية السياسية التي تمكنه من منح التفويض الى من يمثله في الحياة السياسية، كما يملك حرية سحب هذا التفويض، تماما كما قال النائب العماد ميشال عون :"ان المجتمع المسيحي ديموقراطي وتعددي".

 

النقطة الثانية ان قسما كبيرا لا يستهان به من الرأي العام المسيحي يهتم لموقف البطريركية المارونية من شؤون السياسة اللبنانية وشجونها. وهذه الشريحة الاكبر والاوسع انتشارا وخصوصا في مناطق الثقل الشعبي المسيحي في بيروت الشرقية وبعبدا وكسروان والمتن وجبيل والبترون وزحلة وجزين تثق بخيارات بكركي الوطنية وتلتزم مواقفها، وهذا ما ثبت تكرارا وخصوصا خلال الانتخابات النيابية الاخيرة، عندما رفضت بكركي اجراء الانتخابات على قاعدة "قانون غازي كنعان" وطلبت ان ينتخب المسيحيون نوابهم ال 64 دون اي وصاية او قيد. وبتوجيه ضمني من القيادة الروحية للمسيحيين اختار هذا الجمهور المسيحي العريض الاقتراع لمصلحة لوائح العماد ميشال عون، الذي فاز وباركته البطريركية بكلام مؤثر "ان كل طائفة اختارت زعيمها". هذا في الانتخابات، لكن خيار النزول الى الشارع لا يتفق مع توجهات بكركي المبدئية التي رفضت سابقا اسقاط رئيس الجمهورية الماروني في الشارع ولن تقبل بإسقاط رئيس الوزراء السني بالوسيلة التي رفضتها. فكان ان تسربت الكلمة الى المؤمنين والرأي العام بالتزام بيوتهم واعمالهم والامتناع عن النزول الى الشارع، مما افرغ التحرك من زخمه الشعبي.

 

لإحجام المسيحيين عن المشاركة، في تحرك المعارضة بكثافة ودائما حسب خبير علم الاجتماع الناشط سياسيا، سبب اخر يتصل بهوية الفريق الداعي الى الاعتصام،فلو اقتصر الامر على "التيار الوطني الحر" فربما اختلف الامر. لكن الدعوة الآتية من حلفاء سوريا تجعل الامور مختلفة، فهؤلاء كانوا من المشاركين في نظام الهيمنة السورية على لبنان، وهم من الذين تعج ذاكرة الرأي العام المسيحي بصورهم اثناء الحقبة السورية، حيث لم يترك هؤلاء موقفا سلبيا الا وقالوه في المطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال وحفظ التعايش المشترك، واستهدفت حملاتهم الاعلامية المرجعيات المسيحية الروحية والزمنية على حد سواء، كما ان من بينهم من وقع مرسوم التجنيس الشهير الذي اخل بالديموغرافيا اللبنانية، وصورة بعضهم ترتبط بحروب كبيرة شنت ضد المسيحيين.

 

واذا كان بعض قادة "قوى 14 اذار" قد شاركوا في الحروب اللبنانية الا ان اعتذارهم المتكرر من المسيحيين واعترافهم بإرتكاب اخطاء، اضافة الى مشاركتهم الفاعلة في حركة 14 اذار الاستقلالية، يترك مساحة للمغفرة لدى الرأي العام المسيحي. في حين ان احدا من الداعين الى الاعتصام من اجل اسقاط الحكومة اقر باخطائه او قدم اعتذارا الى المسيحيين عما قام به من "حملات التخوين والقمع" والاتهامات "بالعمالة" ضد كل من كان يجرأ على المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال او حتى طلب المشاركة في السلطة. كما ان ذاكرة الرأي العام المسيحي لا تزال نضرة في ما يخص احداث السابع من آب والتصريحات العدائية التي اطلقها الداعون الى الاعتصام ضد المسيحيين بكافة شرائحهم ووصل الامرالى حد التخوين والاتهام بالعمالة .

 

سبب اخر لإحجام المسيحيين عن المشاركة هو عدم قناعة الرأي العام المسيحي بالاهداف المحددة للتحرك لجهة تحقيق المشاركة، واذا كان صحيحا ان المسيحيين يشكون من تجاهل السلطة لهم وتهميشهم في القرارات السياسية والمشاريع الانمائية والاقتصادية ومصادرة تمثيلهم في الانتخابات النيابية وعدم الاخذ برأيهم في القرارات المصيرية التي تعني كل اللبنانيين. الا ان ثالوث الحرية والسيادة والاستقلال لا زال يحتل مركزا متقدما في اهتمامات الرأي العام المسيحي، الذي يرى ان التدخلات السورية في لبنان لم تنتهي وان ثمة امور كثيرة لا تزال عالقة ومنها تحرير المعتقلين في السورية وترسيم الحدود مع سوريا، ونزع سلاح التنظيمات الفلسطينية المسلحة وتثبيت سلطة الدولة. وجمهور المسيحيين الذي يدفعه شعار المشاركة في السلطة الى النزول الى الشارع وتحريك المجتمع المدني هو ايضا قلق وغير مطمئن الى عدم تثبيت السيادة اللبنانية وبسط سلطة الدولة على اراضيها ونماذج الامن الذاتي المنتشرة على اراضي اللبنانية خارج مشروع الدولة اللبنانية ان في المخيمات الفلسطينية او في مناطق "حزب الله".   

 

7 كانون الأول 2006