الأباتي نعمان ينشط "لجمع صفوف المسيحيين":

رفض "حزب الله" تسليم سلاحه مدخل الى الفيديرالية

كتب بيار عطاالله: النهار 11/11/2006

 

يجلس الاباتي بولس نعمان وسط مكتبه في جامعة الكسليك بين رمزين، صليب كبير من خشب الزيتون للسيد المسيح، تقابله على الحائط المواجه خريطة كبيرة مفصلة للبنان، وبينهما لوحات زيتية عن القرى اللبنانية. هكذا تختزل جدران المكتب ما يختلج في صدر الاباتي السبعيني، من رؤية للكثير من الامور في حاضر لبنان ومستقبله، وهو الذي شارك من موقع المؤثر في صناعة تاريخ لبنان منذ منتصف سبعينات القرن الماضي. آل الاباتي نعمان على نفسه الا يتدخل في السياسة، بعدما عرف غالبية السياسيين وخبرهم في اكثر من مناسبة. وانصرف الى اعداد مذكراته التي ستثير ضجة مدوية عند صدورها بسبب ما تتضمنه من معلومات واحداث، وخصوصا ما يتعلّق بتصرفات بعض السياسيين، على ما قال. والاهم بالنسبة اليه هو الاهتمام بالامور الانمائية والتربوية بعيدا من السياسة، لكن التطورات الاخيرة دفعته الى العودة بهدوء الى الساحة، "لجمع صفوف المسيحيين من اجل استقلال لبنان" كما قال. وهو لذلك يرفض الكلام على الوساطة بين قادة الموارنة وبالنسبة اليه، "كلهم اصدقاء واهل وانا اعتبرت انهم وصلوا الى مرحلة التعقل وهم تحت مجهر الاختبار امام الله والتاريخ والناس ليتبين ما اذا كانوا يستحقون لبنان فعلا".

 

يعيد التاريخ نفسه بالنسبة الى الاباتي، والمرحلة الحالية في رأيه هي الاستقلال الجديد الذي احيا روحية الاستقلال الاول عام 1943: "في الاستقلال الاول عن فرنسا برزت شخصيات سنية وشيعية ودرزية استقلالية بامتياز، ولكن بعض خلفائهم ما لبث ان تراجع عن روحية الاستقلال لحساب الناصرية والمقاومة الفلسطينية المسلحة وغيرها، فيما استمر المسيحيون على ولائهم للاستقلال، فكان ان اهتزت الفكرة اللبنانية. اما اليوم فلقد أتى استحقاق الاستقلال الجديد ليعيد ترسيخ الفكرة اللبنانية ويظهرها بين المسيحيين والسنة والدروز".

 

واذ يرى نعمان في النائب وليد جنبلاط طاقة مهمة جدا وملهمة للجماهير من اجل الفكرة اللبنانية، فانه عاتب على اكثرية الشيعة الذين في رأيه شكلوا دائما "عضدا كبيرا للفكرة الاستقلالية اللبنانية، فإذا بهم اليوم ونتيجة حركة حزب الله يأخذون جانب سوريا التي تريد تذويب لبنان وابتلاعه”.

ومن هذا المنظار يرى نعمان في التفاهم بين "حزب الله" و "التيار الوطني" ايجابية ونقاطا لبنانية، حاول من خلالها عون جلب "الحزب" الى لبنان. لكنه يتساءل: "كم استطاع عون النجاح في مسعاه لجلب الحزب الى لبنان؟". ومن واقع العارف، لا يشكك نعمان في لبنانية الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، لكنه يرى في الحرب الاخيرة التي اندلعت يوم 12 تموز "خطأ كبيرا باعتراف نصرالله، الذي اقر بسوء تقدير الظروف الاقليمية والدولية مما ادى الى كارثة كبيرة حلت بلبنان (...)". وهو يعول على مواقف شيعية متمايزة مثل مفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين من اجل تثبيت الموقف الشيعي اللبناني الاصيل المتشبث بالفكرة اللبنانية، وذلك ردا على محاولات الاستئثار بالتمثيل الشيعي.

 

السوريون لا السنة

ومن الملف الاستقلالي الى العلاقة بين السنة والمسيحيين، يشعر الاباتي بالغبطة لأن السنة وعوا حقيقة الفكرة اللبنانية قيادة وقاعدة، والفضل في ذلك في رأيه "للرئيس الشهيد رفيق الحريري ومواقفه التي ساعدت على حسم الكثير من الامور والوصول الى هذه الاقتناعات لدى جماهير السنة (...)". اما عن التحالف بين السنة و"القوات اللبنانية" كطرف مسيحي، فيرى "ان سمير جعجع اختار هذا الموقف دعما لمشروع الاستقلال، وهو كما صرح يوما، دخل السجن بقرار سياسي لا قضائي ويخرج منه بقرار سياسي يدعم استقلال لبنان".

 

ولا يوافق الاباتي على مقولة ان السنة يهمشون المسيحيين في لبنان، بل يحمّل مسؤولية التهميش "للنظام السوري والمتعاملين معه، مسيحيين ومسلمين طوال 15 عاما من الاحتلال السوري المباشر. والحل الوحيد لهذه المعضلة هو في اتحاد المسيحيين وتضامنهم معا من اجل لبنان، لا من اجل مصالحهم الخاصة. ولا احد يستطيع تهميش المسيحيين في لبنان حر وتعددي، وكل ما يقال عن تضاؤل عدد المسيحيين وغلبة الاخرين عليهم، ليس الا نتيجة دس اعلامي رخيص”.

ويستشهد بدراسات معدة واحصاءات عدة منها واحدة للعماد ميشال عون يؤكد ان المسيحيين لا يزالون يشكلون 42 في المئة من عدد سكان لبنان في ادنى تقدير، مع احتساب النسبة الكبيرة من المجنسين المسلمين التي اضيفت الى لوائح قيد اللبنانيين وتسببت بالخلل الكبير في الارقام.

وفي مطلق الاحوال لا تخيفه المسألة الديموغرافية، ويجزم "ان 300 الف مسيحي عادوا او قرروا العودة للاستقرار بعد انتخاب بشير الجميل عام 1982 ، والقيادة المسيحية القوية تعيد مئات الالوف من المغتربين المسيحيين مرة جديدة الى وطنهم الام.

 

بكركي رمز كبير

استنادا الى تجاربه السابقة وما تقدم من عوامل توتر، لا يرى نعمان حلا خارج اطار لبنان التعددي الذي اوجده المسيحيون والقائم على التكافؤ والمساواة بين اللبنانيين، وفي رأيه "ان هذه الفكرة المسيحية أمنت الاستقرار والازدهار للبنان طوال سنين عديدة، لكنها ضعفت نتيجة الهيمنة السورية وبروز بدايات مشاريع سنية وشيعية، الا ان التطورات المتلاحقة ادت الى خلاصة واحدة هي ان ما اختاره المسيحيون كان الاصلح والانجع للوضع اللبناني”. ويرى ان محاولة "حزب الله" جر لبنان الى فلك ايراني - سوري لن تنجح، "تماماً كما فشلت سابقا محاولات بعض السنة تحويل لبنان دولة اسلامية. ان مجتمعاً تعددياً كهذا يعيش الحرية لا يستطيع احد السيطرة فيه، وعلى المسيحيين اللبنانيين ان يشعروا بالقوة والاعتزاز لأنهم الحاضنة لفكرة التعددية والتفاهم بين الطوائف اللبنانية. وما عليهم سوى الاتفاق معا لاستعادة حقوقهم والعودة الى مؤسسات الدولة، واما ما وصلنا اليه من ضعف في ادارات الدولة فكان نتيجة منطقية لتفريط المسؤولين وخصوصا رؤساء الجمهورية بحقوق المسيحيين، الامر الذي مكن الاخرين من انتزاع بعض الحقوق من المسيحيين (...)".

 

وفي موضوع وحدة المسيحيين، لا يخفي عتبه على الزعماء المسيحيين ويحمّلهم مسؤولية ما آلت اليه الامور "بسب طموحاتهم الشخصية لا الوطنية"، ويعود الى تصريح اخير للنائب ميشال عون: "ان المسيحيين ديموقراطيون يسمحون لنفسهم باختلاف الرأي لا بالصراع والعمل ضد المصلحة الوطنية"، ليؤكد ان الشعب المسيحي في لبنان "ليس قطيعا من الغنم، وهو ينظر ويحاسب”. وعن مبادرته الاخيرة بين الرابية وبكركي، يقول: "بكركي رمز كبير حفظ لبنان ووحدة المسيحيين. سمير جعجع على علاقة وثيقة بالبطريركية ولا بد من توثيق العلاقة بين العماد عون وبكركي، وهذا ما حصل. وآمل ان يستمر هذا التواصل العميق لأن الحاجة ماسة الى موقف مسيحي موحد لخير لبنان.

 

سلاح "حزب الله" لا يوتّر الاباتي الخبير في شؤون الاحزاب اللبنانية وصراعاتها خلال سنين طويلة من العمل الوطني، وعنده ان السيد حسن نصرالله "يستطيع ان يكون مرشدا اعلى لقسم من الشيعة لا جميعهم، ولا يمكن ان يكون مرشدا لجميع اللبنانيين، والحديث عن الاف الصواريخ التي يملكها الحزب غير مجد لأنه يعترف بأن هذا السلاح ليس للداخل بل للخارج. ونأمل ونصلي الا يدخل لبنان في منطق الفوضى والحرب الاقليمية. اما اذا استمر حزب الله على مواقفه الرافضة لتسليم السلاح الى الدولة الواحدة، فمن حق السني والمسيحي والدرزي طلب السلاح، وعندها سنجد انفسنا امام منطق جديد للدولة، وقد تكون الفيديرالية حلا منطقيا لهذه المشكلة.

 

الفيديرالية حلا

لا يطرح نعمان الفديرالية حلاً رداً على تمسك "حزب الله" بسلاحه، بل يعتبرها "الحل الامثل والافضل للمجتمعات المتعددة، حيث يستطيع اللبنانيون اقامة فيديرالية حضارية استنادا الى تعدديتهم الحضارية. إن فيديرالية الطوائف المقبولة في لبنان باتت صمام امان للمسيحي والسني والشيعي والدرزي، حيث يمكن اللبناني ان يقيم حيث شاء في الشوف أو في عاليه، في الجنوب أو في الشمال، وحيث تعجبه الاقامة، لأن الفيديرالية اللبنانية يجب ان تكون على اساس جغرافي لا طائفي، حيث تحتفظ السلطة المركزية بشؤون الدفاع والخارجية والمال والاقتصاد”.

 

ويستشهد بمؤسس الحزب السوري القومي انطون سعاده الذي كان يعتبر ان "لبنان نطاق امان لكل الاقليات في الشرق"، والسلاح لا يقدم اي حل، ولا بد من الحوار للتوصل الى النتائج المرجوة، وهنا يفترض بالمسيحيين ان يكونوا بيضة القبان، لكن ثمة مشكلة كبرى تتمثل في افتقاد لبنان نوعية القادة الكبار، الملهمين والمضحين”.

 

ويعود بالذاكرة الى الرئيس سليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل والدكتور شارل مالك واركان الجبهة، ويتذكر كيف تعالى الرئيس كميل شمعون عن الجروح عقب محاولة اغتياله والاعتداء على ابنه داني، ورغم ذلك استمر في الجبهة اللبنانية للتذكير بأن القادة الكبار يقدمون القضية اللبنانية على الرغبات الشخصية والسلطوية. وفي رأيه "ان على الزعماء المسيحيين الحاليين ان يصارحوا الافرقاء الاخرين في الوطن بحقيقة الامور. فإما جمهورية واحدة متكافئة الفرص للجميع وعادلة، واما فيديرالية قائمة على الاكثريات المناطقية التي تحفظ حقوق كل المجموعات.

 

الشرق الاوسط الحضاري

يصر نعمان على دعوة الزعماء المسيحيين الى ان يكونوا "تاريخيين" في هذا الظرف التاريخي، و"الا اعتبرهم التاريخ طلاب وظائف ظرفيين يزولون مع الظرف". والتحدي الاكبر في رأيه هو الاختيار بين الشرق الاوسط الاسلامي والشرق الاوسط الانساني والحضاري الذي جسده لبنان نموذجا تعدديا ناجحا للتعايش المشترك والحوار بين الاديان وهذا هو الحل الكفيل بتحصين لبنان”.

 

ولا يسقط من حسابه تأييده للنظام المدني، وهو مع المؤسسات والاحزاب المختلطة التي يغلب عليها الطابع العلماني، لكن علمانيته لا تعادي الدين بل تحفظ الطوائف اللبنانية وتقيها شر السقوط في فخ الصراعات والفتن. ويخلص الى "ان لبنان هو الحرية المسؤولة والديموقراطية، فلا خوف عليه ما دام يحترم حقوق الانسان والحرية”. وانطلاقا من موقعه الديني، يدعو السياسيين الى التمسك بالايمان "لأن دورهم مرتبط بأيمانهم وعليهم ان يدركوا انهم لا يعملون من اجل السياسة بل من اجل الحرية. ولبنان السني والمسيحي لن تكتب له الحياة، بل لبنان التعددي الذي يحترم الاقليات".