19 عاماً على 13 تشرين الأول 1990  لا مراجعة لما جرى وملف المفقودين أشبه بسراب 

بيار عطاالله

النهار/2009-10-13

بعيدا من الاحتفالات الدينية الجليلة بالمناسبة، يحل موعد اجتياح المناطق الشرقية في 13 تشرين الاول 1990 هذه السنة، وكل ما يتصل بهذه الذكرى اصبح او يكاد يصبح مجرد سراب وذكريات على خلفية التطورات السياسية المتعاقبة.

 

لكن هذه التطورات لا تلغي الحقائق التاريخية المتراكمة مذذاك ومنها ملفات انسانية تتصل بمعاناة اناس عاديين واهاليهم سقطوا ضحايا في القتال العنيف الذي شهدته مختلف محاور المناطق الشرقية. وفي مقدم هذه القضايا الشائكة، ملف المدنيين والجنود المفقودين او المعتقلين في زمن الوصاية السورية والذين لم يعثر على رفاتهم لا في مدفن ملعب وزارة الدفاع مع العسكريين الشهداء، ولا في موقع قلعة بيت مري التاريخية ودير الرهبان الانطونيين، ولا في اي من المقابر الجماعية المفترضة التي قيل انه عثر عليها في البقاع وطرابلس ثم عاد الملف الى دائرة النسيان والاهمال مرة جديدة.

 

انتظر اهالي العسكريين والمدنيين الذين فقدوا في ذلك اليوم طويلاً، وبعضهم وجد ضالته شهيداً في تراب ملعب وزارة الدفاع، لكن عدداً لا بأس به من العائلات لا يزال ينتظر الخبر اليقين من العاصمة السورية، والمقصود بذلك انهم لا ينتظرون اخبار الاتفاق على تركيبة الحكومة وسياستها، بل معرفة اي شيء عن مصير هؤلاء المفقودين. وهم انتظروا نتائج زيارة زعيم "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون الى دمشق بفارغ الصبر اعتقاداً منهم بأن احداً لا يملك حيثيات هذا الملف والتفاصيل المتصلة به وخصوصاً العسكريين الذين فقدوا في معارك ذلك النهار مثل قائد الجيش السابق، الذي وان غادر موقعه كقائد للمؤسسة العسكرية الا انه استمر متابعاً للاوضاع عبر اصدقائه ومناصريه الكثر. لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق. وعاد عون من العاصمة السورية بكلام واضح مفاده ان الحكومة اللبنانية وحدها تتحمل المسؤولية عن متابعة الملف وليس اي طرف اخر. وهذا الكلام صحيح من حيث المبدأ، لكنه لا يصح في حال لبنان حيث يتقدم دور الجماعات اللبنانية المختلفة اهمية دور السلطة ويتجاوزها في احيان كثيرة. علماً ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تتعامل مع هذا الملف الا بسياسة النكران ونفي الوقائع والتذرع بألف سبب وسبب. وربما كان اكثر رؤساء الحكومات المتعاقبة وضوحاً في هذا الامر ما اورده الرئيس سليم الحص في كتاب مذكراته عن محاولته مقاربة الملف مع رجال سوريا في لبنان حيث لم يجد جواباً شافياً عن تساؤلاته واصطدم بجدار عال من النكران والتهرب من المسؤولية.

 

ولئن تكن احالة عون ملف المعتقلين على الحكومة اللبنانية تلقي مسؤولية اضافية على الادارة الرسمية اللبنانية، الا انها تسلط الضوء على موقف سابق لرئيس "الحكومة العسكرية"، الذي يكاد يكون السياسي اللبناني الوحيد الذي يمكنه اتخاذ مواقف حاسمة من هذا الملف. فهو قال في شهادة الى "النهار" في 20 كانون الاول 2000 ما حرفيته: "ان اياً من العسكريين المتمركزين في موقع دير القلعة – بيت مري والذين كانوا يتبعون اللواء العاشر، خلال المعركة مع السوريين لم يقتل، وكذلك الراهبان الانطونيان البر شرفان وسليمان ابو خليل اللذان شاهدهما الاهالي وتحدثوا معهما بعد هدوء المعارك، لكن الجيش السوري لم يتعامل معهم كجيش صديق، بل اسر العسكريين اللبنانيين والراهبين واختفت آثارهم جميعا، علما انهم شوهدوا في قافلة للجيش السوري في بلدة قرنايل وجرى تجميعهم في بحمدون في اشراف الامن السياسي ونقلوا من هناك الى السجون السورية (...)". وسأل عون حينها: "اذا كانوا قتلوا خلال المعارك كما يدعون فأين رفاتهم؟ وهل يعقل ان يختفي رماد 35 عسكريا وراهبين هكذا؟". واعتبر ان المعتقلين "ليسوا مفقودين ولا مخطوفين بل اسرى لدى الجيش السوري، وخصوصا انهم لم يفقدوا في ظروف مجهولة، ومن اسرهم معروف جدا وليس ميليشيا، بل القوات السورية النظامية".

 

والمعلومات التي اشار اليها عون حينذاك اعاد التذكير بها احد المسؤولين الامنيين اللبنانيين في كتاب له، اذ قال حرفياً انه شارك مع قائده في نقل المحتجزين اللبنانيين الى معتقل عنجر، حيث كانت القوى الامنية السورية تتسلمهم. وما ينطبق على ملف دير القلعة يصح ايضاً على الملفات الاخرى، ذلك ان المطربة جوليا واثناء زيارتها الاخيرة الى خيمة اهالي المفقودين قرب مبنى "الاسكوا"، نقلت عن الرئيس السوري بشار الاسد سؤاله عن جدوى الاحتفاظ بمعتقلين لبنانيين لديه. وهذا ما يعيد طرح السؤال بوضوح اكبر عن مصير هؤلاء الاسرى او المعتقلين واين اختفت آثارهم. وخير نموذج يطرح في هذا الملف هو قضية الراهبين الانطونيين البر شرفان وسليمان ابو خليل، اللذين لم يسقطا خلال معارك عسكرية ولم تفقد آثارهما عند احد حواجز الميليشيات لكي يصبحا في عداد المفقودين في الحرب اللبنانية. بل هما ضحيتا اعتقال قسري استناداً الى تعريف الامم المتحدة للاعتقال التعسفي. والادهى ان السلطات اللبنانية عمدت الى البحث عن رفاتهما ورفات العسكريين الذين كانوا في بيت مري استناداً الى رواية  لأحد الجنود اللبنانيين ادعى حصول مجزرة هناك. لكن شيئاً من البقايا البشرية لم يعثر عليه رغم البحث العلمي الكبير الذي قامت به وحدات الجيش. وهذا ما يعيد الامور الى نقطة الصفر اي البحث في رواية جيران دير القلعة وتصريح العماد ميشال عون، عن اقتياد الراهبين قسرا وفي وضح النهار.

 

ورغم عشرات الشهادات في هذه القضية، لم تبادر السلطات اللبنانية الى اجراء تحقيق جدي فيها، في حين رفضت السلطات السورية اصلا الاعتراف بوجود هذا الملف او التعامل معه من قريب او من بعيد، علما انها كانت قادرة على حله في ساعة واحدة، ودائماً بحسب عون، بواسطة برقية من القيادة الى قائد الفوج او اللواء الذي هاجم محور بيت مري – برمانا، مع الاشارة الى ان الموقع الالكتروني للرهبانية الانطونية يذكر الآتي: "هذا وغيّبت الحرب بتاريخ 13 اكتوبر 1990 الأبوين البير شرفان وسليمان أبو خليل في دير القلعة، ولتاريخه لم يعرف بعد مصيرهما". الاهم في ملف 13 تشرين الاول 1990 ان احداً لم يكلف نفسه عناء المطالبة بمعرفة ما جرى في ذلك اليوم وما سبقه من احداث وما تلاه وما نجم عن هذا التاريخ من خسائر على المستوى الوطني وعلى مستوى الجماعات اللبنانية، وتحديداً ما اصاب المسيحيين من نتائجه، وفرض تطبيق اتفاق الطائف بقوة السلاح والدبابات وكل ما نجم عن ذلك من ممارسات ناقصة لمفاهيم اتفاق الطائف والتسوية التي وصفت بالتاريخية.